Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصاعد الدعوات لمقاطعة مونديال كرة القدم في قطر

الأسابيع الأخيرة شهدت ظاهرة كثيفة من المواقف المناهضة لنهائيات كأس العالم التي ستقام في هذه الدولة الخليجية

منذ فوزها باستضافة كأس العالم 2022 أطلقت قطر مشاريع بناء بنية تحتية كبيرة اعتمدت خلالها على العمالة الأجنبية (رويترز) 

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سجل دنماركي يُدعى كاسبر فيشر (32 سنة) سابقةً لم يقدم عليها من قبل. فقد قرر تقديم عريضة إلى برلمان بلاده - الملقب بـ "فولكيتينغ" (مجلس نيابي بغرفة واحدة) - لحمل المنتخب الدنماركي الوطني لكرة القدم، على مقاطعة نهائيات كأس العالم التي تُقام في دولة قطر العام المقبل.

فيشر الذي يقيم في منطقة قريبة من العاصمة كوبنهاغن والذي قام بمبادرته بمشاركة خمسة من الراعين لتحركه، رأى أنه يتوجب على الدنمارك أن تتراجع عن مشاركتها في بطولة كأس العالم، احتجاجاً على الأوضاع السيئة لحقوق الإنسان في الدولة الخليجية المضيفة، إضافة إلى الفساد داخل "الاتحاد الدولي لكرة القدم" (فيفا).

وقال في الالتماس الذي قدمه: "لا نعتقد أننا كدولة ديمقراطية تجهد من أجل الارتقاء إلى مستوى الحقوق العالمية للإنسان، يمكن أن نستفيد من مشاركة بعض أبرز اللاعبين الرياضيين في البلاد في النهائيات، و"المصادقة على شرعية" دولة ديكتاتورية مثل قطر".

وفي حال تمكن كاسبر فيشر من الحصول على 50 ألف توقيع على عريضته بحلول الثامن من يونيو (حزيران) المقبل، فيتعين بموجب القانون الدنماركي أن يناقش البرلمان الوطني مسألة مشاركة البلاد في نهائيات كأس العالم في قطر عام 2022.

لكن حتى لو فشل في مسعاه، فيبدو أن الالتماس قد فتح الجدل حول جدوى المشاركة في مونديال عام 2022، ليس في الدنمارك فحسب، بل خارج البلاد أيضاً، بعدما وقع على العريضة حتى الآن ما يصل إلى 7 آلاف شخص.

وقال فيشر لصحيفة "اندبندنت": "سأكون متفاجئاً إذا وصلنا إلى 50 ألف توقيع أكثر مما لو لم نصل إليه. فبلوغ هذا العدد من التوقيعات لم يكن الهدف الأساس في حد ذاته. كان الهدف أن يتم تسليط الضوء على مدى إشكالية عقد ثاني أكبر حدث رياضي في العالم في قطر".

لكن يبدو واضحاً أن موقف هذا المواطن الدنماركي ليس معزولاً داخل البلاد. فقد أيد كارستن هونغ أحد نواب "حزب الشعب الاشتراكي"، الحاجة إلى فتح  نقاش برلماني حول الموضوع، بغض النظر عن العريضة، معتبراً أنه سيسمح لوجهة نظر الدنمارك "بأن تسمع وتلقى آذاناً صاغية" في قطر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال هونغ لصحيفة "اندبندنت" إنه "حتى لو لم تكن هناك قطيعة، فإن من شأن النقاش في البرلمان أن "يضع أقصى مقدار من الضغط على قطر لتحسين سجل حقوق الإنسان وحقوق العمال لديها".

في المقابل، أكد مصرف "آربايدنيس لاندسبنك"  Arbejdernes Landsbank الذي يتولى رعاية معدات تدريب منتخب الدنمارك لكرة القدم، أنه لا يريد أن تكون له أي علاقة بالبطولة. ورأى بيتر فرولوند رئيس العلامة التجارية والاتصال في البنك، أن "نهائيات كأس العالم في قطر تطرح مشكلة، وعلينا أن نقرر ما هي الطريقة الفضلى للتعامل معها".

وأوضح فرولوند أن القرار النهائي في شأن تقديم الرعاية لهذا الحدث العالمي سيتم اتخاذه في فصل الصيف، لكن "من المحتمل" أن يسحب البنك علامته التجارية إذا كانت الدنمارك - التي تبوأت المرتبة  الأولى في مجموعتها المؤهلة للنهائيات وتعادلت مع منتخبات دول بما فيها اسكتلندا وإسرائيل، وكانت قد وصلت إلى دور الـ16 في كأس العالم عام 2018 - ستتوجه إلى قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022.

الاتحاد الدنماركي لكرة القدم يفضل من جانبه دعم "الحوار" مع قطر بدلاً من تأييد القطيعة معها، إلا في حال انسحبت المقاطعة على مجالي "الأعمال والدبلوماسية"، كما يوضح جاكوب هوير العضو في الاتحاد.

الحديث عن مقاطعة مونديال قطر اتسع في الأيام الأخيرة ليشمل عدداً من الأندية البارزة ضمن دوري الدرجة الأولى في النرويج الدولة المجاورة (أيضاً)، بما فيها "نادي ترومسو"، الذي دعا بشكل علني المنتخب الوطني إلى عدم المشاركة في نهائيات كأس العالم المقبلة.

وكانت قطر قد خضعت لتدقيق مشدد، لا سيما في ما يتعلق بحقوق الإنسان لديها، منذ أن تم منحها بشكل مفاجئ ومثير للجدل الحق في استضافة مباريات كأس العالم في عام 2010. وواجهت دعوات عدة في الغرب طالبت بسحب تنظيم البطولة منها.

لكن الأشهر القليلة الماضية شهدت أكثر التحركات المنسقة الداعية إلى القطيعة معها. وازداد عددها في الأيام القليلة الأخيرة بعد نشر صحيفة "غارديان" تقريراً عن وفاة 6500 عامل آسيوي في قطر منذ عام 2010. وكانت الإمارة الخليجية قد بدأت، منذ فوزها باستضافة البطولة، بتنفيذ برنامج إعمار غير مسبوق استعداداً لنهائيات كأس العالم في عام 2022.

ويتم في هذا الإطار بناء 8 ملاعب مخصصة للبطولة من الصفر أو القيام بأعمال تجديدها، إضافة إلى إنشاء عشرات الطرق، واستحداث نظام مترو جديد ومطار وفنادق، واستكمال تشييد مدينة جديدة قبيل موعد كأس العالم. وكانت الدوحة قد كشفت في عام 2017، عن أنها كانت تنفق قرابة 500 مليون دولار أميركي أسبوعياً للاستعداد لاستضافة كأس العالم، وهو مبلغ كبير للغاية حتى بالنسبة إلى دولة تحولت إلى إحدى أغنى البلدان على وجه الأرض بفضل عائداتها الضخمة من الغاز الطبيعي.

ويُعد التحول في البلاد فريداً من نوعه مقارنةً مع دول أخرى تستعد لتنظيم بطولة رياضية عالمية. وعندما أعلن الرئيس السابق لـ "الاتحاد الدولي لكرة القدم" سيب بلاتر أن قطر ستستضيف مونديال 2022 لكرة القدم، كان يعيش ويعمل في الإمارة نحو مليون و800 ألف شخص فقط. أما اليوم، فيبلغ عدد السكان قرابة مليونين و800 ألف نسمة. وما زاد في تضخم هذا العدد، استجلاب المئات لا بل الآلاف من عمال البناء أغلبهم من بنغلاديش والنيبال والهند وباكستان.

لكن طريقة معاملة هؤلاء العمال، هي التي تسببت بقلق كبير في مختلف أنحاء العالم، مع بروز مزاعم - تم إثبات الكثير منها - تفيد بأن عدداً كبيراً منهم يعيش في مساكن فقيرة، ولا يحصلون على أجورهم بانتظام، ويعامَلون بشكل مروع على يد أرباب العمل في نظام هو أشبه بعبودية حديثة.

 

الدوحة حرصت من جهتها على الإشارة إلى الإصلاحات التي تم إدخالها على قطاع العمل - بما في ذلك إنهاء نظام "الكفالة" الاستغلالي، الذي لا يمكن معه للعمال تغيير وظائفهم من دون موافقة أصحاب العمل - ووعدت بمزيد من التغييرات في هذا الاتجاه.

إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإسكات المنتقدين للدولة القطرية، ففي اليومين التاليين لنشر تقرير صحيفة "غارديان" عن وفيات العمال، يقول الدنماركي كاسبر فيشر إن عريضته حصلت على 700 توقيع إضافي.

متحدث باسم اتحاد "فيفا" قال لصحيفة "اندبندنت": "لا نعتقد بأن قطيعةً لنهائيات كأس العالم، قد تكون النهج الصحيح، أو بأنها يمكن أن تخدم أي غرض مفيد في إطار معالجة أي قضية تتعلق بحقوق الإنسان في قطر. وإذا أردنا أن نكون صريحين، فإننا في الواقع نرى أن المشاركة والحوار هما أفضل طريقة لتعزيز الوعي في شأن فهم القيم العالمية لحقوق الإنسان".

يُشار إلى أن ممارسات القطيعة لكأس العالم في كرة القدم، أصبحت أكثر شيوعاً مما هو متوقع، ولعل أكبر مثال على ذلك ما جرى في عام 1966 عندما رفضت جميع الأمم الأفريقية المشاركة في البطولة التي أقيمت في إنجلترا بسبب توزيع المراكز في النهائيات (تم تخصيص مقعد واحد لقارتي أفريقيا وآسيا مجتمعتين) .

ويقول البروفيسور سايمون تشادويك، أستاذ "الرياضة الأوراسية" في "جامعة إمليون لإدارة الأعمال" في فرنسا: "أعتقد بحسب المنطق أن مقاطعة مونديال قطر 2022 ليس بأمر مرجح".

وأضاف: "إن الإقدام على هذه الخطوة، في ما لو حصل، سيشكل حدثاً غير مسبوق، إضافةً إلى أنه سيتسبب بمشكلات عدة لبعض الجهات المعنية، عدا عن كونه استجابةً بسيطة لمسألة في غاية التعقيد. لكن قلبي ينبئني بأن أي شيء ممكن في الوقت الراهن".

ومن شبه المؤكد أن أي قطيعة - في حال حدوثها - ستقتصر على قلة من الدول الغربية. إن تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في دولة عربية وإسلامية مثل قطر، وهي أول دولة في الشرق الأوسط تقوم باستضافتها، يحظى بمقدار كبير من الدعم في أماكن أخرى. وقد شكك البعض في دوافع الذين يريدون المقاطعة في الغرب، وفي سبب استهداف دولة قطر.

أحد المشجعين القطريين قال لصحيفة "اندبندنت": "الواقع هو أن بعض الأشخاص قرروا قبل نحو 10 أعوام عدم دعم إجراء نهائيات كأس العالم في قطر". 

وأضاف أن "بطولات كأس العالم التي أجريت على أراضي البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا واجهت مشكلات تتعلق بالفقر والبيئة وحقوق الإنسان، لكنني لا أذكر أن أي تحركات قامت لمقاطعتها. إن بطولة كأس العالم "ستحقق الكثير من الأمور الحسنة لبلادي".

وفي حال لم يتم المضي قدماً في تنفيذ أي قطيعة، فإن أحد أشكال الاحتجاج التي يمكن رؤيتها في عام 2022، هو "جثو اللاعبين على ركبة واحدة". وفي عصر الاحتجاجات الحاشدة التي باتت تطاول أيضاً أرض الملاعب، قد يكون من الممكن أن يُظهر بعض اللاعبين تضامناً مع قضية العمال الآسيويين الذين قدموا أقصى التضحيات من أجل إنجاح البطولة الأكبر في العالم لكرة القدم.

في غضون ذلك، دعا البعض على شبكة الإنترنت إلى اتخاذ مثل هذه المبادرة، فيما رأى النائب الدنماركي كارستن هونغ إن هذه الخطوة يمكن أن تكون "إحدى الطرق" التي يمكن اللجوء إليها للاحتجاج. أما البروفيسور تشادويك فقال إنه يتعين على منظمي كأس العالم أن يتهيأوا لمثل هذا الحراك.

وأضاف أن "ليس من المستبعد أن يلجأ اللاعبون إلى الجثو على ركبتهم تعبيراً عن احتجاجهم ربما دعماً لحقوق العمال". ومع ذلك، قد تتملك البعض رغبة جامحة بالاحتجاج إما على حقوق "مجتمع الميم" LGBT (مثليو الجنس ومزدوجو التوجه الجنسي والمتحولون جنسياً)، أو على سجل قطر في مجال (حماية) البيئة. لكن السؤال الذي يتعين طرحه هو "كيف ستستعد قطر واتحاد اللعبة لمثل هذه الاحتجاجات وما هي الإجراءات التي سيتخذانها؟".

وخلص هونغ إلى القول: "مع اقتراب موعد مونديال قطر 2022، سيكون لزاماً على الهيئة الحاكمة لكرة القدم العالمية أن توضح موقفها".

© The Independent

المزيد من دوليات