Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحدي الإسرائيلي أمام العرب واستراتيجية الخيار الوحيد

خاض بنيامين نتنياهو معركته الانتخابية بوضوح هذه المرة وتحت عنوان "لا دولة فلسطينية"

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحيي جماهير حزبه "الليكود" بعد انتهاء الانتخابات (أ.ف.ب)

اللعبة القائمة على الغموض انتهت. إسرائيل انتخبت الأيديولوجيا، التي يعمل لها وبها بنيامين نتنياهو. لا ملفات التحقيق معه واتهامه رسمياً بالفساد منعت الناخبين من زيادة مقاعد حزبه في الكنيست. ولا الأكثرية التي رشحته إلى رئاسة الحكومة للمرة الخامسة سوى مجموعة أحزاب دينية وعلمانية متطرفة في اليمين ويمين اليمين، صار فوزها على اليسار والوسط ثابتاً.

في العام 1996 شكّل نتنياهو حكومته الأولى التي دامت حتى العام 1999. بين 2009 و2019 شكّل ثلاث حكومات. والآن دور الرابعة التي هي الخامسة عملياً، بحيث يتجاوز المدة التي قضاها مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون في رئاسة الحكومة. وهو من مدرسة جابوتينسكي المسماة "الصهيونية التحريفية"، المختلفة عن مدرسة بن غوريون المسماة "الصهيونية الليبرالية". والده بنزيون نتنياهو كان سكرتير جابوتينسكي ورئيس تحرير صحيفته "هاردن". والفارق بين المدرستين أن "التحريفية" ترفع بوضوح شعار "إسرائيل الكبرى"، الممتدة من البحر إلى الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن، في حين أن "الليبرالية" تعطي الأولوية للأكثرية اليهودية على مساحة الأرض.

وفي رأي البروفسور في أوكسفورد آفي شلايم، مؤلف كتاب "الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي"، فإن فوز نتنياهو يعني "نهاية الصهيونية الليبرالية وانتصار الصهيونية التحريفية بعد 100 سنة". لكنه يرى أن بيبي "أكثر تطرفاً من أستاذه". إذ كان موقف جابوتينسكي من الفلسطينيين هو "لا مبالاة مهذبة"، في حين يمارس نتنياهو "العداء" ضمن إستراتيجية "الصراع الدائم" لتحقيق "إسرائيل الكبرى".

وهو كشف أوراقه بالكامل هذه المرة. ففي العام 2009، أعلن نتنياهو في جامعة "بارايلان" أنه مع "حل الدولتين" لإرضاء الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. اليوم، خاض معركته بوضوح تحت عنوان "لا دولة فلسطينية" بدعم من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أهداه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وشجعه على ضم المستوطنات في الضفة الغربية. لا بل أعلن بعد قانون يهودية الدولة أن "إسرائيل دولة الشعب اليهودي فقط ولا أحد آخر، وأن العرب لديهم 22 دولة وليسوا بحاجة إلى واحدة أخرى". وبلغت به الصفاقة حد دعوة الفلسطينيين والعرب إلى الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.

والترجمة البسيطة لـ "عقيدة نتنياهو"، كما يقول دان ميريدور الذي كان من "أمراء" الليكود ونائباً سابقاً لرئيس الحكومة، الانتهاء في دولة واحدة، تحتوي شعباً آخر لا يصوّت، ليست يهودية ولا ديمقراطية". أما المحامي عامي أيالون وهو رئيس "شين بيت" سابقاً، فإنه يلفت النظر إلى أن "الحرب التي يظن الإسرائيليون أنهم يخوضونها للاعتراف بالسيادة وأمن الدولة ربحوها منذ عقود، والحرب التي تخاض اليوم حول التوسع، وستكون كارثة إذا ربحناها".

لكن التحدي الكبير هو أمام الفلسطينيين بشكل خاص والعرب بشكل عام. فعلى مدى عقود كان "رأسمال" عملية السلام عند أميركا وروسيا وأوروبا والصين والعرب وإسرائيل هو الغموض. الآن اختفى الرأسمال وأفلست العملية. وأبسط دليل على إفلاسها، على الرغم من جهود الرؤساء بيل كلينتون وجورج بوش الابن وأوباما، هو "صفقة القرن"، التي يعد بها ترمب على يد صهره غاريد كوشنر.

والسؤال التقليدي هو: ما العمل؟ قبل الجواب، شيء من الماضي. فالدول العربية كانت ولا تزال تمارس في الصراع العربي- الإسرائيلي إستراتيجية الخيار الوحيد في ظروف معاكسة. وهو خيار مرَّ في مرحلتين: مرحلة الخيار العسكري ومرحلة خيار التسوية السلمية.

الأولى بدأت قبل قيام إسرائيل، واستمرت بشكل كامل حتى حرب يونيو (حزيران) 1967 وبشكل جزئي حتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. في هذه المرحلة، رفض العرب قرار التقسيم في العام 1947، ثم قرار عودة اللاجئين في العام 1949، بحجة أن قبوله يعني الاعتراف بإسرائيل، التي فشل العرب في منع قيامها بالقوة في العام 1948 عبر دخول الجيوش العربية إلى فلسطين. والسبب هو الخلل في التوازن العسكري وفي التوازن السياسي والديبلوماسي. إذ جنّد اليهود حوالي 100 ألف عنصر في ميليشيا "الهاغاناه"، مقابل حوالي 30 ألف جندي عربي في المعركة. ويروي الجنرال حاييم وايزمان، في مذكراته، أن أول سلاح جو إسرائيلي جاء من تشيكوسلوفاكيا، وسط الاعتراف الأميركي والسوفياتي والأوروبي بإسرائيل. حرب العام 1967 كانت هزيمة قاسية احتلت فيها إسرائيل غزة وسيناء والضفة الغربية، بما فيها القدس والجولان. وحرب 1972 كانت عملياً آخر الحروب العربية، وإن بقيت الساحة مفتوحة لحروب إسرائيل على لبنان ثم غزة. وصار الشعار العام هو إزالة آثار العدوان أي العودة إلى حدود 5 يونيو 1967.

والمرحلة الثانية مستمرة منذ اتفاقيات فك الارتباط في سيناء والجولان في العام 1974 حتى اليوم. أميركا فتحت الباب واسعاً للتفاوض على عملية السلام بعد حرب "عاصفة الصحراء"، التي أخرجت القوات العراقية من الكويت. وأوروبا والاتحاد السوفياتي، ثم روسيا والأمم المتحدة، أسهمت في المساعي. مصر ذهبت إلى معاهدة كامب ديفيد. الأردن إلى معاهدة وادي عربة. منظمة التحرير الفلسطينية إلى اتفاق أوسلو. وبقي الجولان محتلاً تحت عنوان الخلاف على عشرات الأمتار عند شاطئ بحيرة طبريا.

في العام 2002، طرح العرب في قمة بيروت "مبادرة السلام العربية"، وأعلنوا أن التسوية هي "الخيار الإستراتيجي". لكن التسوية تعثرت. وها هو نتنياهو يضم الجولان ويستعد لضم المستوطنات في الضفة الغربية، معلناً رفضه قيام دولة فلسطينية، والموقف الذي عبّر عنه أمام الجميع هو "لماذا نتنازل عن الأرض التي كسبناها إذا كان أصحابها عاجزين عن استعادتها بالقوة؟".

والسؤال، تكراراً، هو: ماذا يفعل العرب بعدما سقطت عملية التسوية من الحسابات الإسرائيلية المدعومة أميركياً؟ ما العمل لمواجهة استعدادات إسرائيل لممارسة الخيار العسكري على الجبهة الشمالية في لبنان وسوريا؟ العودة إلى الخيار العسكري الكلاسيكي أو عبر المقاومة؟ المزيد من الانتظار والرهان على الزمن؟ انتفاضة فلسطينية ثالثة؟

لا شيء يوحي بأن إستراتيجية الخيار الوحيد تبدّلت.

المزيد من آراء