Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا عدالة ولا سلام ولا ديمقراطية ما لم يُحاسَب أمراء الحرب في ليبيا

نشهد نموذجين متناقضين مع حلول الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الانتفاضة الشعبية

جنود في الجيش الليبي الرسمي أثناء مشاركتهم في الاحتفال بيوم الاستقلال في بنغازي (رويترز)

في فبراير (شباط) 2021، بالتزامن مع حلول الذكرى السنوية العاشرة لاندلاع الانتفاضة الشعبية في ليبيا التي تمكّنت في النهاية من إسقاط الديكتاتور معمر القذافي الذي حكم طويلاً، برزت أمام أعيننا صيغتان متناقضتان عن ذاك البلد. وعقدت إحدى الصيغتين في ما بدا أنه عنبر للطائرات في ضواحي مدينة جنيف السويسرية، حيث اجتمع 75 قيادياً من قادة المجتمع المدني في إطار "المنتدى الليبي للحوار السياسي" الذي تدعمه الأمم المتحدة.

وقد جاء ذاك الحدث كي يتوّج جهوداً دامت أشهراً بهدف اختيار سلطة انتقالية تقود البلاد نحو الانتخابات المقبلة في ديسمبر (كانون الأول)، وتشكّل حكومة ديمقراطية يوافق عليها الجميع، وتضع أيضاً دستوراً جديداً للبلاد. 

وتتمثّل الصيغة الثانية عن ليبيا الراهنة في الحالة التي تابعها كثيرون في أنحاء العالم، وقد غدت معهودة على مدى عقد السنوات المنصرم. إنها ليبيا رعاع الميليشيات الغارقة في نزاعاتها المسلحة. إنها ليبيا فرق الموت والتفجيرات والقتل، التي جرى توصيفها من قبل "منظمة العفو الدولية" في فقرة مقتضبة، ضمن رسالة صادرة في17 فبراير بالذكرى السنوية للثورة الليبية. وجاءت تلك الرسالة المحذرة كي تشير إلى رجال الميليشيات المسلحة التابعين للزعماء السياسيين والمتطاولين على حكم القانون والمتنصّلين من كل مسؤولية عن جرائم الحرب، وعمليات الإعدام على نواصي الطرق، وممارسات التعذيب والتهجير والخطف.

بذلت الأمم المتحدة جهوداً للتوصل إلى صيغة مستخلصة من الصيغتين الموجودتين، بهدف دعم المؤسسات المدنية الناشئة ومحاصرة الجماعات المسلحة. لذا، لم يكن أمامها [تلك الميليشيات] سوى قليل من الخيارات كي تضع خلافاتها ومواقفها المتناقضة، ضمن العملية السياسية.

وفي مقابلة أجريت معها الأسبوع المنصرم، تحدثت ستيفاني ويليامز، المبعوثة الأممية السابقة في ليبيا، عن المحاولات المتعددة التي بُذلت بهدف ضمان ألا يعمد زعيم الحرب الليبي خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد، والتكتلات السياسية- العسكرية المختلفة التي تسيطر على غرب البلاد، إلى العمل على إفساد محاولات إعادة ليبيا إلى وضع طبيعي. وقد نقلت ويليامز إلى "اندبندنت" رأياً مفاده "إن لم يتمكن البرلمان الليبي من تنسيق جهوده كي يمنح الحكومة الجديدة الثقة، فإن الأمر سيتطلب عودة إلى [منتدى] الحوار". وأردفت، "كل شيء يعود إلى [منتدى] الحوار الذي يؤدي دوراً مهمّاً كراعٍ للعملية السياسية".

ولقد حظيت المباحثات التي عقدت بين مختلف الأطراف بمتابعة حثيثة من قبل المواطنين الليبيين. وسجّل أحد المواقع الإخبارية، الذي نقل وقائعها 1.7 مليون مشاهدة، وذاك رقم ربما يوازي ثلث عدد سكان البلاد. كذلك بثّت جميع المحطات الفضائية التي عملت على نقل ذلك الحدث، وقائع المؤتمرات الصحافية التي عقدها المرشحون لتولّي المناصب السياسية. وعن هذا الأمر، ذكرت ويليامز أن "المواطنين الليبين يشاهدون قادتهم السياسيين يتلقّون الأسئلة ويجيبون عن أسئلة مبهمة". وخلال واحدة من تلك اللحظات المشحونة، أبدى عقيلة صالح، رئيس برلمان شرق ليبيا والمرشح لرئاسة البلاد، تملّصه من الإجابة حين سئل عن الطريقة التي سيعتمدها في سياق إعادة بناء العلاقات مع طرابلس، وذلك على ضوء موقفه الداعم ضمناً لهجوم حفتر المسلح على العاصمة الليبية في 2019.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يذكر أن جميع اللاعبين الأساسيين في البلاد وداعميهم الدوليين كمصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وروسيا، قد أيّدوا علناً العملية السياسية. وقد أفضى الصراع المسلح طوال السنوات العشر الماضية بهدف السيطرة على المدن الليبية والمصادر الطبيعية الكبيرة في البلاد إلى طريق مسدودة، ولم يمنح القوى الخارجية سوى الخيبة. وقد أدّت تلك القوى الخارجية دور الداعم للمعارك التي أسفرت عن مزيد من التدخّل الخارجي. وتصف ويليامز ذلك الأمر، مشيرة إلى أن "ذلك المقدار من التدخل الخارجي جعل ليبيا بالدرجة الأولى تحت احتلال كامل، أو جزئي. ولم يعُد بمقدور الليبيين تقبّله".

وفي موازاة التطورات الحاصلة في العملية السياسية، يبقى هناك خطر داهم، إذ إن وجه ليبيا المدني يمكنه الاستمرار في الصعود والتبلور طالما استمرت الميليشيات والمجموعات المقاتلة المحلية في التراجع. إلا أن كثيرين من قادة الميليشيات، وفق رسالة "منظمة العفو الدولية"، قد حازوا غطاء قانونياً بفضل اعتبارهم لاعبين سياسيين، حتى إنهم لم يُحمّلوا أي مسؤولية عن جرائم منسوبة إليهم، من بينها عمليات اغتيال مناوئين سياسيين كحنان البراسي التي قتلت بالرصاص السنة الفائتة في مدينة بنغازي، شرق البلاد. وفي الحقيقة، تكاد تنعدم الضمانات بشأن ألا يتمكّن أولئك المتهمون بجرائم حرب، من تبوّؤ أرفع المناصب، والحصول على الامتيازات والنفوذ في أي حكومة مستقبلية.

وذكرت ديانا الطحاوي من "منظمة العفو الدولية"، في رسالة عن الموضوع أنه "ما لم تجرِ محاكمة المسوؤلين عن الانتهاكات بدل مكافأتهم بمناصب السلطة، فإن مظاهر العنف والفوضى والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان والمعاناة اللامتناهية التي عاش في ظلها المدنيون خلال الحقبة التي تلت القذافي، ستبقى سائدة في ليبيا".

إذاً، ثمة إمكانية لأن يُقدِم مجرمو الحرب المفترضون وأصحاب النفوذ في ليبيا، بعد نجاحهم في الالتفاف على العدالة واكتساب مقدار من الغطاء القانوني، على استبدال أساليبهم القديمة وثياب ميدان المعارك، بأساليب وبذلات جديدة، والانخراط التام في العملية السياسية. وفي النهاية، يتطابق ذلك مع حسابات صانعي السلام في الأمم المتحدة الذين بذلوا جهوداً تثير الإعجاب. في المقابل، إن اعتماد طريقة نفعية كتلك في حلّ المسائل، لا يسهم في حرمان ضحايا الانتهاكات في ليبيا من العدالة فحسب، بل يمثّل أيضاً خطوة برهنت في الماضي على عدم نجاعتها. ووفق التاريخ الحديث، فإن أمراء الحرب المجرمين اليوم، هم الديكتاتوريون القتلة في المستقبل. وقد أظهرت دراسة أُعدّت في 2020 من قبل مجموعة باحثين في بريطانيا وألمانيا، وتناولت 50 حالة سياسية انتقالية في بلدان شهدت حروباً، أن محاسبة مجرمي الحرب والمنتهكين يمكنها "إطلاق آلية مضاعفة التكاليف" trigger cost-increasing mechanisms التي من شأنها حماية أي بلد من العودة إلى حالة الاقتتال.

إذًا، إنّ غياب أي نمط من العدالة في المرحلة الانتقالية سيعني ببساطة تعايش وجه ليبيا المدني (الذي عاينّاه في جنيف)، مع وجه فرق الموت. وقد يتداخل الوجهان سنوات، أو حتى عقودًا. وسيكون الوجه الأول (نسخة جنيف) قناعاً مجمّلاً لشرعية فرق القتل ووجهها القبيح.

© The Independent

المزيد من آراء