Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سنعود يوما إلى سابق حياتنا لما قبل كورونا؟

هل ستعود الحياة يوما إلى ما كانت عليه في 2019 أم أن بعض القيود التي خبرناها ستبقى في صميم حياتنا اليومية الجديدة؟

هل يُكتب لنا استئناف طريقة عيشنا السابقة والعودة إلى مرافق العمل والدراسة والسهر؟ (غيتي)

في ربيع السنة الفائتة، وخلال الحجر الوطني الشامل الأول لمواجهة فيروس كورونا، الذي مثل حدثاً غير مسبوق في حياتنا الحديثة على أرض بريطانيا، طرح كثير منا، في عناوين الصحف اليومية، ومجموعات التواصل عبر "واتس آب"، وخلال الموائد في الجلسات العائلية، أسئلة تتعلق بالطريقة التي يمكن لنا أن نشرح بها هذه الفترة من الزمن لأجيال المستقبل. إذ إن القواعد الصارمة التي ألفينا أنفسنا فجأة تحت رحمتها مثلت قواعد جديدة لا علاقة لها البتة بكل ما خبرناه في حياتنا "السابقة"، وهي تبدو عصية على التصور والشرح لمن لم يختبرها أو يعش في ظلها.

ثم ما لبث أن انتشرت رسالة "محاكية" (meme) على وسائط التواصل الاجتماعي يطرح أسئلة عما يمكن أن يحصل إن غدت تلك القواعد في الحقيقة جزءاً من الوضع الطبيعي، أو الاعتيادي، الجديد لحياتنا. وبالتالي، إن حلت هذه القواعد في عيشنا وقلبت أنماطه رأساً على عقب، فإن شرح ذاك الفعل الفوضوي المتمثل في عدم غسل اليدين باستمرار في سنة 2019 وما قبلها، قد يغدو حتى أصعب للفهم من التصدع الاجتماعي الذي شهدناه سنة 2020.

وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أطلق وعده الشهير الذي قال فيه إن بريطانيا قد "تشد الخناق" حول عنق كوفيد-19 في غضون 12 أسبوعاً فقط. ذاك الوعد جاء قبل نحو سنة. أما الآن، وقد تخطى عدد الوفيات جراء كورونا في المملكة المتحدة 100 ألف شخص، فقد بات هناك في حياتنا عبء جديد مقيم بيننا. وها هي الذكرى السنوية الأولى للإغلاق الأول تتراءى أمامنا في الأفق، فيما البلاد ما زالت تحت رحمة أمر ثالث "لالتزام المنزل" من دون موعد ثابت لانتهاء كل ذلك (خطة جونسون لتخفيف الإغلاق مرهونة بارقام انضباط العدوى).

في هذا الإطار، وعلى الرغم من الارتفاع المثير للإعجاب بمعدل التلقيح البريطاني (لغاية 11 فبراير تلقى أكثر من 15 مليون شخص جرعة اللقاح الأولى، و500 ألف شخص تلقوا الجرعتين المطلوبتين)، وهو الأمر الذي يعني أن عملية نشر اللقاح تسير في الطريق القويم كي تبلغ هدفها المتمثل في تلقيح كل البالغين في سبتمبر (أيلول) (أو بموعد أقرب على الأرجح)، إلا أننا ما زلنا نشعر بمسافة طويلة تفصلنا عن النهاية التي طالما حلمنا بها، تلك النهاية التي ستطلق سراحنا جميعاً من الحجر كي نعانق عائلاتنا وأحباءنا، ونُهرع إلى حانات تعج بالناس.

أما أولئك الذين تلقوا اللقاح فقد طلب منهم الاستمرار راهناً باتباع المباعدة الاجتماعية، لأنه من غير المعلوم بعد إلى أي مدى سيسهم تطبيق برنامج التلقيح في تقليص انتشار الفيروس بين الناس، إذ إن الأمر في الحقيقة لا يقتصر فقط على تحصين الذين تلقوا الإبرة ضد المرض (على الرغم من أن البيانات الأولى تشير إلى بعض العلامات الواعدة في تقليص الانتشار). هذا ومن المنتظر تراجع مخاطر الفيروس حين يكتمل نشر اللقاح، لكن، حتى الآن، فإن تلك المخاطر ما زالت تحيط بمن لم يُلقحوا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونحن في هذا الإطار، على الرغم من هذه المحاذير، عاينا عودة بعض الدول إلى الحياة الاعتيادية. إذ إن ووهان، المهد الأول لفيروس كورونا، شهدت إقامة حفلات مسابح pool parties على الملأ. كما ذكر بعض الخبراء، من بينهم المستشار في هيئة المستشارين العلميين البريطانية SAGE البروفيسور جون إدموندس، أن بريطانيا قد تعود "إلى الحرية بشكل أو بآخر" مع حلول عيد الميلاد سنة 2021، غير أن هناك أسباباً باقية تستدعي الحذر. وكانت نيوزلندا في السياق، التي استطاعت تقريباً تقليص انتشار الفيروس في المجتمع على مدى أشهر عديدة، قد اضطرت في فبراير إلى تفعيل تدابير حجر صارمة مرة أخرى في أوكلاند، وذلك إثر ظهور حالات إصابة جديدة بكوفيد-19 أفلتت من شبكة الحماية المعتمدة. والآن، على ضوء التطورات الحاصلة في مسرح الجائحة، يقوم السياسيون بتبني لغة مختلفة تبتعد عن كلامهم السابق الذي تحدث عن القضاء التام على الفيروس، وتطرح مفهوم التعايش مع كوفيد-19. وقد قال وزير الصحة البريطاني في أواسط فبراير (شباط) في هذا الصدد، إن كورونا ربما يغدو مماثلاً للإنفلونزا، أي اعتلال يعيش معنا و"مرض قابل للعلاج"، وداء يمكن التطعم والتحصن ضده. لكن ذلك على الأرجح سيتطلب جرعتي تطعيم سنوية معززة (أو ربما أكثر) لمواجهة سلالات الفيروس المتحورة. وفي 15 فبراير ذكر رئيس الخدمات الطبية في إنجلترا، كريس ويتي، في مؤتمر صحافي، أنه في المستقبل ربما يكون من الضروري بالنسبة لضعاف الجسم فقط تلقي اللقاح السنوي المعزز ضد كورونا، وليس جميع الناس. لكن ذلك الرأي يبقى غير نهائي أو حاسم.

وبناء على هذا يحضر السؤال؛ هل سنصل في يوم من الأيام إلى نهاية كوفيد-19؟ أم أننا سنكون أمام عالم تشبه أحواله الحال التي كانت سائدة سنة 2019، عندما كانت عبارات مثل "الحجر" و"الفقاعات" تستحضر معاني مختلفة؟

 

هل سينتهي فيروس كورونا ببساطة؟

وصل فيروس كورونا، كما نعلم، تحت جنح الليل. وعلى الرغم من أن الفارق الزمني بين الإصابة الأولى في الصين وزمن وصوله إلى بريطانيا كان بضعة أسابيع (وربما أكثر)، فهناك لحظة مرت لم يكن فيها الفيروس موجوداً في بريطانيا. الحالة الأولى في المملكة المتحدة ظهرت في 29 يناير (كانون الثاني) 2020. وهذا التعيين الواضح للحدود الفاصلة بين "ما قبل كوفيد" و"ما بعد كوفيد"، يتلاءم مع وجهة النظر (المتفائلة) التي ترى إمكانية في قلب وجهة الواقع، والقضاء على الفيروس. لكن هل هذا يمثل سبيلاً صحيحاً للتفكر في المسألة؟

في حديث مع "اندبندنت" يقول مايكل هيد، الباحث البارز في شؤون الصحة العالمية بجامعة ساوثهامبتون، إن كوفيد-19 لن يختفي هكذا ببساطة، وإنه في الحقيقة سيبقى مرضاً مستوطناً في مجتمعاتنا "لسنوات عديدة مقبلة، وعلى الأرجح لعقود". يردف هيد "سيكون هناك حاجة لخوض معركة متواصلة لمواجهة حالات تفش جديدة ما أن تطل برأسها، وطوال فترة انتشارها".

ويوافق على هذا الطرح لورنس يونغ، عالم الفيروسات وأستاذ طب الأورام الخبيثة بكلية وريك للطب Warwick Medical School، فيقول "من الواضح أنه سيكون علينا العيش مع الفيروس، فهو لن يغادر إلى أي مكان!"، لكن الأمر لا يعني أن حضوره معنا سيماثل إلى الأبد حضوره في عامي 2020 و2021. وقد حدد البروفيسور يونغ عوامل يرى أنها ستمثل نقطة تحول في هذا الإطار. تلك العوامل هي: معظم الأشخاص البالغين سوف يتلقحون، كما سوف يجري العمل بنظام اختبار فعال وبتدابير تتبع وعزل، إضافة إلى اعتماد خطة متابعة للتلقيح وتطوير اللقاحات بالاستناد إلى مستويات مناعة القطيع المحققة وإلى المزيد من المعلومات المتعلقة بما يظهر من سلالات متحورة جديدة.

كيف سيسهم اللقاح في إيصالنا إلى هذه المرحلة؟

هل يمكننا مع الانتشار الواسع للقاح أن نبدأ في النظر بصورة أكثر إيجابية إلى مستقبل عيشنا مع فيروس كورونا؟ هل سيقودنا ذلك إلى نقطة يكون فيها جميع من تلقوا اللقاح محصنين في وجه الفيروس، فيمكننا إلى حد ما استعادة أسلوب حياتنا السابق حين يجري وخز الإبرة الأخيرة من اللقاح؟ عن هذه التساؤلات، يقول مايكل هيد "تمثل اللقاحات من دون شك أداة أساسية للتخلص من عبء كوفيد-19، والوصول بمعدلات انتشاره إلى مستويات متدنية جداً. كما أن نشر تلك اللقاحات بسرعة كبيرة يشكل إنجازاً ممتازاً".

لكن في المقابل، ثمة أسباباً وجيهة عديدة تستدعي الإبقاء على حذرنا وعدم اعتبار ما ينجز حلاً تاماً. من بين تلك الأسباب، وليس أقلها، أن جميع تجارب اللقاحات لم تأت بنتيجة فعالية تامة (100 في المئة). هذا وعلى الرغم من وجود تجارب بنتائج ذات مستوى عال على لقاحات محددة، كافية لاعتبار الأخيرة لقاحات ناجحة، ومصادق عليها من قبل هيئات اختبار صارمة، فإنها في النهاية لا تعد جميع من تلقوا اللقاح بحصانة تامة ومحسومة ضد فيروس كورونا. إذ إن اللقاح المضاد لكورونا في الحقيقة يماثل اللقاح السنوي ضد الإنفلونزا. فالأخير لا يشكل حصانة تامة وحاسمة ضد المرض، بل يساعد في الحماية من الإنفلونزا. وتشير نماذج التلقيح البحثية التي أعدتها هيئة "أس بي آي أم" SPI-M، التي تعتبر جزءاً من هيئة الحكماء البريطانية، إلى أن المملكة المتحدة تحتاج إلى أن تشمل 85 في المئة من سكانها بالتلقيح، كي توقف انتشار الفيروس.

وفي هذا الإطار يقول الدكتور سايمون كلارك، الأستاذ المشارك لمادة علم الأحياء الدقيقة في جامعة ريدينغ Reading University، إن "هناك تجارب محترمة للغاية، لكنها قد تبقي كثيراً من الناس عرضة للعدوى. إذ ثمة في المسألة عوامل غير معروفة أيضاً. يتمثل أولها في التساؤل عن مدى عمر أي مناعة مكتسبة، سواء حققت هذه المناعة بعد التقاط العدوى، أم بفضل اللقاح. فقد يعني الأمر مع تراجع معدلات الانتشار، أننا ربما نصبح عرضة فحسب لنمط من المرض أخف وطأة. لكن لا يمكننا التأكد تماماً من هذا".

إلى ذلك، فإنه على الدوام سيكون ثمة أشخاص لا يتلقون اللقاح لأسباب مختلفة. في هذا السياق يقول إيان جونس، أستاذ علم الفيروسات بجامعة ريدينغ أيضاً، إن الطريقة التي يمكن من خلالها فهم اللقاحات تتمثل في اعتبارها "وسيلة تحكم واسعة، وليس حصانة تامة". ومع ازدياد المناعة بين الناس، من المرجح، أن نشهد تراجعاً في انتشار الفيروس، لكن سيكون هناك دائماً مجموعة متشددة من الأشخاص الذين يرفضون تلقي اللقاح (أو الذين يتعذر الوصول إليهم)، وهؤلاء سيبقون عرضة للإصابة بالفيروس".

إجراءات الحجر ستظل سلاحاً في ترسانة الحكومة

من هنا، وأمام هذا الواقع المتمثل في بقاء احتمالات تفشي الفيروس، لكن على نحو محلي ومحصور أكثر مما شهدنا في عامي 2020 و2021، هل ستبقى الحكومات مضطرة للجوء إلى تدابير احتواء صارمة، مثل الإغلاقات والحجر، من جديد؟ رئيس الوزراء البريطاني أطلق وعداً في منتصف فبراير يقول فيه، إنه ما أن ترفع تدابير الإغلاق الثالث، فإن ذلك سيكون "نهائياً". لكن البروفيسور مايكل هيد يرى أن أي ظاهرة تفش صغيرة محتملة بعد حملة التلقيح قد تستدعي ذاك النمط من التدخل غير الطبي "والأمر قد يتضمن تدابير إغلاق محلية، وضوابط تتعلق بتحديد عدد الناس في التجمعات، أو شروطاً للعمل من المنزل إن إمكن".

ويوافق الدكتور سيمون كلارك على أن الإغلاقات (تدابير الحجر) ستمثل ملاذاً أخيراً، لكنها لن تُستثنى نهائياً فـ"الإغلاقات ستبقى سلاحاً محتملاً لحماية الصحة العامة، وعلينا أن نعي مستقبلاً أنه لا ينبغي إعادة تبرير اعتمادها كلما جرت الدعوة إلى الالتزام بها".

كيف علينا تصور كوفيد مستقبلاً؟    

ثمة اليوم، أكثر من ذي قبل، أصوات متزايدة – من بينها تصريح لوزير الصحة البريطاني– ترى أنه في المدى البعيد سيكون مفيداً أكثر أن نعتبر كوفيد-19 فيروساً انضم إلى اللائحة الطويلة من الفيروسات التي تسبب الأمراض الموسمية الموجودة سلفاً. وهذه الأخيرة في بعض الأحيان تنحو لتكون شديدة الخطورة، وتتسبب في ارتفاع حاد في معدلات إشغال المستشفيات (غالباً ما يقود موسم الإنفلونزا السنوي في بريطانيا إلى أزمة تواجهها هيئة الخدمات الصحية الوطنية NHS تتمثل في امتلاء أسرة المستشفيات). من هنا، فإن كورونا قد يتحول من فيروس يشكل خطراً على حياة كثير من البشر، إلى فيروس يمكننا معايشته، لكنه يتطلب الانتباه والعناية في التعامل معه.

 ويقول عالم الفيروسات إيان جونز "باختصار، كان هذا الفيروس جديداً علينا، ولهذا سبّب جائحة. لكنه عما قريب نسبياً لن يبقى غريباً على جهاز مناعتنا، وسوف يفقد قدرته على إمراض الناس من دون مقاومة". وحتى فيما يتعلق بالسلالات الجديدة المتحورة، فإن جونز يرى أن فرصتها في المناورة، وبالتالي في الانتشار والتفشي، ستكون قد باتت تحت الحصار بفضل برامج التلقيح. "لذا فإن تطور سلالة أكثر خطورة في وجه الجهاز المناعي، ليست مرجحة في رأيي"، يذكر جونس. يردف "بل من المرجح أن تغدو (سلالات الفيروس) أضعف مع الوقت".

أما البروفيسور روبيرت دينغوال، الذي يرأس مجموعة "نيرفتاغ" Nervtag الحكومية البريطانية (المجموعة الاستشارية لمواجهة أخطار الفيروسات الرئوية الناشئة والطارئة) فقال إن الخوف والاضطراب تجاه كوفيد دفعانا جميعاً إلى أن نطمح للاطمئنان بتوسل مقاربة حاسمة في القضاء عليه، وبلوغ معدل صفر إصابات. وهذا "يبدو أخاذاً للغاية، باعتباره طريقة للتخلص نهائياً من خطر محدق". لكن "في عالم ما بعد اللقاح"، يتابع دينغوال "فإن كوفيد قد يغدو أشبه بالأمراض الرئوية، الثلاثين تقريباً، التي عايشها البشر منذ آلاف الأعوام".

ويردف البروفيسور دينغوال "اللقاح سيجعل من كوفيد واحداً من الأمراض ذات المستوى المنخفض التي تصيب كل شخص منا بين الحين والآخر، وثمة عدد من الناس قد يختبرونه بحدة أكبر تتطلب علاجاً في المستشفى، وعدد قليل من الأشخاص ربما يموتون من جرائه. فهو سيشبه كثيراً الإنفلونزا الموسمية، لكن ربما على نطاق أوسع قليلاً". بيد أن البروفيسور لورنس يونغ يحذر في هذا السياق، من أننا قد نحتاج "لبضع سنوات" كي نصل إلى هذه المرحلة.

هل يمكننا العودة إلى نمط حياتنا السابقة مع انتشار اللقاح وافتراض تحول كورونا إلى ما يشبه الإنفلونزا؟

إن وافقنا على اعتبار أن اللقاح يشكل أداتنا الأقوى في مواجهة خطر كوفيد، وأن الفيروس سيطوع مع برنامج التلقيح ويغدو مرضاً موسمياً كتلك الأمراض التي نألفها، هل سيعني ذلك أن بإمكاننا بدء العودة إلى النمط السابق في ممارسة عيشنا؛ فلا يكون ثمة كمامات، ولا مباعدة اجتماعية، ولا معقمات للأيدي، ونعاود أسفارنا عبر البلدان لقضاء إجازاتنا؟

لقد أشار تقرير نشر في 15 فبراير إلى أن الخبراء والعلماء المعتمدين من قبل الحكومة (البريطانية) يريدون الإبقاء على تدابير المباعدة الاجتماعية في المستقبل المنظور، وذاك يشمل المحافظة على قاعدة "أكثر من متر واحد" كمسافة فاصلة بين الأشخاص. لكن الأمر لم يجر تأكيده بعد.

ويقول كلارك، متوقعاً: "أعتقد أن الأمور ستعود إلى وضعها الاعتيادي بالنسبة للكمامات والمباعدة والحفلات والسفر، لكن لن يكون هناك عذر لعدم وضع خطة مناسبة للعودة إلى اعتماد هذه الأشياء بسرعة إذا اقتضى الأمر. كما أنه، على الرغم من اعتقادي بأننا في النهاية سنعود إلى الحياة الاعتيادية، فإن ذلك لن يتم قبل العام المقبل على أقل تقدير". ويوافق البروفيسور لورنس يونغ على أن سنة 2022، ستشهد المزيد من العودة إلى الحياة الاعتيادية، فيمكن لنا ربما أن نتوقع "احتفالات عيد ميلاد جيدة".

ويقول مايكل هيد، إنه يتوقع المضي قدماً ببعض الدروس التي تعلمناها خلال الجائحة، فلن نتخلى عن جميع الممارسات التي قمنا بها سنة 2021. ويذكر في هذا الصدد "أتوقع أنه سيكون لزاماً علينا ارتداء الكمامات عندما ندخل إلى دور الرعاية والمستشفيات في الفترة المقبلة". البروفيسور لورنس يونغ من جهته، يرى أنه قد يكون علينا الاستمرار في ارتداء الكمامات في أمكنة تتزايد فيها المخاطر (ضمن وسائل النقل المشترك مثلاً) وإبقاء انتباهنا لمسألة تعقيم الأيدي.

ويعتقد إيان جونس أن الناس قد يختارون الإبقاء على اعتماد الكمامات في الأمكنة العامة، كما شاع في شرق آسيا بعد مرض السارس SARS، لأن الكمامات تساعد في تقليص مخاطر أمراض موسمية أخرى. ويلفت البروفيسور دينغوال النظر في هذا الموضوع إلى أنه عندما تتكرس ممارسات وتدابير السلامة في الحقب التي تلي الأزمات، يصبح أمر الإقلاع عنها أو تقليصها أصعب. ويضرب دينغوال مثالاً بتدابير الأمن والسلامة التي اعتمدت في المطارات إثر أحداث 11 سبتمبر (أيلول). إذ حين يغدو ذاك "الأداء الأمني" معتمداً وسائداً، فإنه يغدو أمراً يود الناس رؤيته مطبقاً كي يشعروا بالاطمئنان. ويوافق الدكتور كلارك من جهته على هذا الطرح، قائلاً، إن فيروس كورونا سوف يبقى في وعينا الجمعي بهذه الطريقة.

ويرى الدكتور سيمون كلارك أيضاً أن المؤسسات والأعمال، مثل الحانات والمطاعم ودور السينما، سوف تتأقلم مع الواقع كي تحاول التخفيف من التأثيرات والانعكاسات الأسوأ. وقد اقترح في هذا الإطار أن تقوم مؤسسات كالأندية الليلية ربما باعتماد "رتل اختبار سريع" لفحص زبائنها وهم يدخلون إلى صالاتها الداخلية. ويردف كلارك في السياق "قد نكتشف، خصوصاً في أشهر الشتاء، أن هناك حاجة للعيش بطريقة أكثر تباعداً، فلا نحتشد كما تفعل الناس في الحانات المزدحمة أو دور السينما؛ وذاك يتطلب تعديلات في نماذج وأنماط المؤسسات".

وانطلاقاً من هذا الطرح قد تشهد الحياة ومظاهر العيش تغييرات ثقافية، وليس فقط براغماتية. وكان الدكتور كلارك في هذا الصدد ذكر لـ"اندبندنت" في وقت سابق أنه لم يعد بوسع الأشخاص الحضور إلى مكاتب عملهم بأعراض زكام، ويقولون ببساطة إن الأمر لا يربو على كونه رشحاً. يتابع كلارك "فكروا مثلاً كم مرة كنا نذهب إلى أماكن عملنا ويحضر بيننا أشخاص يعانون من أعراض زكام. هذه السنة ما عاد بوسع أي شخص أن يقول، إن ما يعانيه هو مجرد زكام، لأنه قد يكون شيئاً أكثر خطورة. في الأحوال العادية عندما تشعر بتلك الأعراض وتطلب إجازة من العمل، كان يواجه طلبك بشيء من الامتعاض. لكني الآن لا يمكنني أن أرى إمكانية للسماح بحضور أشخاص في أمكنة العمل بأعراض كهذه".

وأخيراً، ماذا عن السفر بالطائرة؟ يقول مايكل هيد إن كل رحلة سفر دولية تمثل احتمالاً لخطر انتشار العدوى، وبالتالي قد يخضع الشخص المسافر لتدبير حجر صحي في البلد الذي يقصده، وفي بلده حين يعود. إذ إن الجائحة، وفق كلارك "كانت انتشرت في العالم عبر عدد صغير من حالات الإصابة المستوردة، ثم ما لبثت أن غدت تفشياً جماعياً للفيروس أوصلنا إلى ما نحن فيه، مع مليوني حالة وفاة. لذا ينبغي على جميع الدول أن تبقى متيقظة. ويرى كلارك أن جائحة كورونا سوف تبقى وينبغي أن تبقى حاضرة في أذهاننا دائماً، بطريقة أو بأخرى". يختم "بهذا المعنى لا أعتقد أنه سيكون هناك طريقة للهرب منها، وهذا لا يعادل بسوئه أن تكون عاملاً دائماً لتعطيل تفكيرنا في حياتنا اليومية".         

© The Independent

المزيد من تحقيقات ومطولات