أثار تصنيف الجزائر كأفضل وجهة سفر محتملة لسياحة المغامرات في العالم خلال السنوات المقبلة، من قبل جهات دولية عدة، الاستغراب نظراً إلى إمكانات البلاد "الضعيفة" في هذا المجال.
وفي وقت يترقب الشارع الجزائري تدوير عجلة التنمية عبر الفلاحة والصناعات الخفيفة والمتوسطة، إضافة إلى البترولية والتحويلية، للجهود المبذولة في هذه القطاعات، وللتجربة التي سمحت في وقت سابق بولوج عالم التصدير بقوة، فاجأت جهات دولية بتقارير تؤكد أن قطاع السياحة سيكون له شأن كبير في البلاد خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي طرح تساؤلات كثيرة.
تصنيفات واستفهامات
وصنفت المنظمة البريطانية "بريتيش باك باكر سوسايتي"، الجزائر كأفضل وجهة سفر محتملة لسياحة المغامرات في العالم للعقد المقبل، وقالت في بيان لها تضمّن التصنيف السنوي، إنه "بالنظر إلى مقومات الجذب الكبيرة للجزائر من حيث سياحة المغامرة مقابل العدد الضعيف للمسافرين الذين يزورونها اليوم، فإن قدرات الصناعة السياحية الجزائرية لا مثيل لها في أيامنا".
وأشارت منظمة "بي بي أس" الرائدة في سياحة المغامرات التي تضم خبراء عالميين، إلى أنه "من خلال سياسات حكومية مبتكرة مشجعة للسياحة وحملة دولية للتسويق الفاعل، يمكن للصناعة السياحية الجزائرية أن تسجل أرقاماً عالمية في النمو خلال السنوات العشر المقبلة".
كما شجعت مؤسسات مهنية دولية، عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، على البدء في التخطيط لزيارة الجزائر كأفضل وجهة سفر محتملة للمغامرات، ووصفتها بـ"الوجهة الرائعة."
وسبقت ذلك زيارة الخبير الدولي في التسويق السياحي والتنمية الاقتصادية دافيد ورد بركينس، إلى البلاد، من أجل دراسة مكونات الوجهة السياحية الجزائرية وخصوصياتها، بهدف إرساء وإنجاز استراتيجية التسويق الخاصة بها، والترويج لقطاع السياحة والصناعات التقليدية والعمل العائلي، إضافة إلى إعلان نائب رئيس المركز التحليلي لمكتب السياحة والسفر "توتو رو" إيلينا شوبينا، أنه قبل تفشي وباء فيروس كورونا، كانت الجزائر ومصر والمغرب وتونس، تحظى بشعبية بين الروس من بين الدول الأفريقية، وذلك وفقاً لنتائج الفحص حول مدى استعداد هذه الدول لاستقبال السائحين الروس ووجهاتهم المفضلة في القارة السمراء.
مقومات تقابلها معوقات
في السياق، أوضح أستاذ الاقتصاد عمر هارون أن "المقومات السياحية في الجزائر مهولة، فالتنوع في الجانب الطبيعي يعطي فرصاً عملاقة لصناعة سياحية تستطيع أن تكون بديلاً للمحروقات، لكن تقابلها معوقات أبرزها غياب المرافق لاستقبال السياح الأجانب وصعوبة الحصول على التأشيرة لدخول الجزائر، الأمر الذي بدأت السلطات العمل على تذليله. يضاف إلى ذلك، غياب استراتيجية واضحة المعالم لتطوير أقطاب سياحية، بحيث يمكن للدولة التركيز على إيجاد مسار محدد للسياح الأجانب وتعزيزه في نقاط محددة، فتتم تهيئة منطقة صحراوية وأخرى جبلية غابية ومنطقة ثالثة بحرية، ويقصد السائح خلال زيارته النقاط الثلاث، فيشعر بالتأكيد أنه زار ثلاث دول في رحلة واحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبرز هارون أن نجاح العملية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطوير استراتيجية إعلامية وتسويقية خاصة في مجال التعريف بالجزائر وثرواتها السياحية، و"نظرتي هي التوجه نحو السياحة التقليدية، وإبراز الموروث الثقافي من خلال استدعاء الخيمة وبيت الشعر وتسويق قعدة عرب والتخييم الجبلي"، مشدداً على أنها استراتيجية تحتاج إلى استثمارات متوسطة، لكنها قادرة على تحقيق عوائد تصل إلى عشرة مليارات دولار سنوياً في آفاق 2030، مع إمكانية تحقيق نمو قد يصل إلى سبعة في المئة في القطاع، مقارنة بما هي عليه الحال اليوم. وختم أن أبرز ما يميّز الجزائر أنها وجهة سياحية غير معروفة، وهذا في حد ذاته حافز، خصوصاً لسياحة المغامرات المبنية أساساً على البحث عن كل جديد واكتشافه.
كورونا وتهاوي أسعار النفط
ويبدو أن جائحة كورونا قضت على كل محاولات النهوض بالقطاع في الجزائر، وأعادت الأمور إلى نقطة البداية، وزادته الأزمة الاقتصادية مع تراجع المداخيل وتآكل الاحتياطي بسبب تهاوي أسعار النفط، تضرراً بعد إفلاس كل ركائزه، ما أكدته نقابة الوكالات السياحية، معتبرةً أن حال أكثر من 4000 وكالة سياحية باتت صعبة ومعقدة، ليس بسبب تعليق قرابة 2000 وكالة لنشاطها وقيام أخرى بتغييره وتسريح عمالها، وإنما بسبب المستقبل المبهم للمهنة التي من المفروض أن تكون لها مكانة مهمة في الجزائر الجديدة، التي تمنح لقطاع السياحة متّسعاً من رقعة الاقتصاد. وشددت النقابة على أنه إذا تواصل الأمر على ما هو عليه، فإن بقاء وكالة واحدة صامدة سيكون أمراً أشبه بالمعجزة.
عجز في هياكل الاستقبال
ويقول أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي إن السياحة اليوم لم يعُد ينظر إليها على أنها نشاط للترفيه فقط وإنما كصناعة قائمة بذاتها. والجزائر بالنسبة إلى المقومات التي تملكها، يمكن أن تصبح قطباً سياحياً في البحر الأبيض المتوسط يستهدف عشرة ملايين زائر سنوياً، بحسب ما جاء في مخطط التنمية السياحية آفاق 2030، لكن هل يمكن أن يحقق القطاع في البلاد نجاعة وسط المنظومة الاقتصادية الحالية؟ ويضيف أن المنظومة الاقتصادية الحالية ترتكز على سياسة الدعم العشوائي الذي أصبح يشكّل هاجساً للحكومات المتعاقبة، إذ إن سياسة دعم الأسعار والتحويلات الاجتماعية تمثّل عشرة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و30 في المئة من الموازنة العامة السنوية.
ويردف الحيدوسي أن كل دول العالم تسعى إلى استقطاب السياح قصد الرفع من الاستهلاك الداخلي، بالتالي المؤسسات الإنتاجية المحلية تقابل ذلك بزيادة طاقتها الإنتاجية لتلبية الطلب الإضافي، عازياً تصنيف الجزائر كوجهة سياحية مفضلة مستقبلاً، إلى الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها والتي لا يختلف عليها اثنان، ومشيراً إلى أن البلاد تسجل عجزاً في هياكل الاستقبال، فيما الموجودة حالياً لا يمكنها استيعاب الرقم المخطط له، وحتى المشاريع المبرمجة لا تكفي.