Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روائيون ونقاد يقاربون اثر المعلومات على الإبداع الروائي العربي

على هامش ملتقى القاهرة الدولي السابع

في افتتاح ملتقى القاهرة (اندبندنت عربية)

"الرواية في عصر المعلومات"، هو عنوان الدورة السابعة لملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي (20- 24 الحالي)، ويبدو في مضمونه قريباً من تجارب روائيين عرب عكست التحامهم ، الذي يتفاوت من تجربة إلى أخرى، بالعالم الرقمي وفضاءاته الرحبة، وغالبيتهم من الشباب بطبيعة الحال، لتزامن تفتح وعيهم بالعالم مع صعود "الإنترنت" وتداخلها في كثير من أمورهم الحياتية.

ويصعب تحديد بداية لانطلاق تلك التجارب، ولكن يبقى من أبرزها، على سبيل المثل لا الحصر، ما قدمه الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد (من جيل السبعينات) في رواية "في كل أسبوع  يوم جمعة"، الصادرة في العام 2010 عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، وما قدمه شريف صالح (من جيل التسعينات) في روايته الأولى "حارس الفيسبوك" الصادرة عن الدار نفسها عام 2017 .ويحسب لصاحب رواية "لا أحد ينام في الإسكندرية" أنه واصل ولوج عالم المعلومات روائياً في روايات تالية ومنها "أجاديو" و"قطط العام الفائت"، وهو يقول عن ذلك: "المعلومات أصبحت الظاهرة الأساسية في حياتنا، وبالتالي على الكاتب أن يستفيد منها، وعن نفسي تعلمتُ منها ما يمكن أن يسمى بلاغة الإيجاز، والجرأة في كسر التابوهات".

ويقول شريف صالح: "تهيبتُ طويلاً كتابة الرواية، لأسباب، أهمها أنها تحتاج إلى تفرغ غير متاح لي، والأهم أنها تحتاج إلى شكل أو عمارة وليس مجرد امتلاك حدوتة مشوقة، ولذلك ركنت مشاريع روائية كثيرة. ولكن في عام 2011 وبعد ثلاثة أعوام من تعاملي مع "الفيسبوك" اكتشفت انتحال صفحة باسمي وصورتي، وتعرضتُ لإساءات غريبة من أشخاص مجهولين، ما دفعني للتفكير بعمق في هذا الوسيط الجديد". ويضيف: "بالتأكيد هناك روايات كثيرة كتبت عن عالم الإنترنت والدردشات، ولكن ربما تكون روايتي الأولى التي تتحدث حصراً عن موقع محدد فقط هو "الفيسبوك"... بعدما انتهيت من المسودة الأولى عام 2012 لم أشعر بالرضا، وأخذت آراء أصدقاء من هنا وهناك، ثم قررت عدم استكمال المشروع وأعلنت ذلك في "بوست" وجد معارضة شديدة. كان ترددي نابعاً من شعوري بأنني لم أحصل على العمارة التي أريدها. صحيح أنني كتبت فصولاً، وحددتُ شخصيات، لكن الشكل لم ينضج كفاية. عكفت على كتابة ثلاث مسودات، بصيغ مختلفة، إلى أن توصلت إلى شكل خاص جدا، أطلق عليه الكاتب والناقد الصديق ممدوح رزق "التصاعد العكسي"، وجعلت الرواية تشبه تماما بنية "الوول" في الفيسبوك، ووظفت أدوات ومصطلحات هذا العالم، ثم كانت سعادتي كبيرة عندما أتى تقرير المحرر الأدبي في الدار المصرية اللبنانية محتفياً جداً ببناء الرواية ولغتها".

الإنترنت ملاذاً روائياً

وتقول بسمة عبد العزيز صاحبة روايتي "الطابور" و"هنا بدن": "أظن أن الكتابة بعامة تستلزم الاطلاع على قدر غير بسيط من المعلومات والبيانات، وقد أصبحنا الآن في وفرة منها، بل أن الوفرة جلبت معها مصاعب استخلاص الحقيقي من الزائف، وجعلت هناك ضرورة لعقد مقارنات وقياسات للمصداقية. بالنسبة للكتابة الروائية، أظن أن لا غنى أيضاً عن المعلومات، لكن الأمر يختلف تبعاً لنوع الرواية. ولا شك في أن عملية كتابة الرواية التاريخية مثلا، تدفع كاتبها إلى الإفادة من كم المعلومات الهائل الذي يتيحه الفضاء الإلكتروني، وعلى الجانب الآخر يمكن النظر إلى أدب الخيال العلمي الذي يستلزم من الكاتب الاطلاع على المستجدات، وهذه أوتلك غير متوفرة في صورة ورقية، وإن توفرت فغالباً ما يستعصى على معظم الكتاب الحصول عليها، ومن ثم تصبح شبكة الإنترنت ملاذاً غاية في الأهمية".

وتضيف: "عن نفسي أبحث دوماً عن المعلومات التي ترتبط بكتاباتي ولو من بعيد، وكثيراً ما لجأت لمواقع وصفحات إلكترونية، سعياً وراء تدقيق صورة أو معلومة أو شهادة وظفتها في إحدى رواياتي، وبخاصة رواية ”هنا بدن“ بما حملته من تفصيلات حساسة، أردتها خالية من المبالغات والانفعالات غير الموضوعية... عموماً، لا أشير فقط إلى بحث الكاتب عن معلومة بعينها يرغب في تضمينها أحداث روايته، بل أرى أن تدفق المعلومات أمام ناظري المبدع، يحفز لديه فعل الكتابة، كما قد يصبح تحدياً لقدرته على هضم وامتصاص وتحليل المؤثرات التي تتوالى من مصادر لا حصر لها".

ويقول الروائي السوداني عبد الجميد البرنس: "إذا كان لا بد من إيمان ما هنا، فأنا أؤمن بمقولة تشيخوف الشائعة "كل شيء يمر بمصفاة عقلي"، مستعيناً بمقولة أخرى وردت في السياق لابراهيم أصلان مفادها أنني "أكتب بجسمي كله"، وهذا أوذاك تسنده عندي مسألة امتداح ماركيز لأهمية العمل الشاق في تقريب الفجوة القائمة ما بين تصور الكاتب لعمله وتحقق هذا التصور في شكل منجز إبداعي ما مثل الرواية. ربما لذلك يرى ماركيز نفسه أن الكاتب الجيد يُعرف بعدد ما يمزق من أوراق. وماركيز هنا يدعم بشدة مقولة الرواية كأطروحة أو بحث غير محدد ومسبق النتائج. "المغامرة" نفسها التي دفعت كونديرا تالياً إلى تعريف عمله بوصفه محاولة لتحسس موضع الخطى "في هذا الفخ الذي يدعى العالم". لا قصدية هنا ولا تصورات قبلية ولا شكل لديَّ سلفاً في الذهن للكتابة على نحو ما. لكن ما تثيره أنت هنا من موضوعة "المعلومات" قد يمكن تصنيفه عبر مقولة "الكاتب ابن عصره"، لا جديد مجدداً هنا، سوى التأكيد معك على أهمية ما ظلّت تحدثه ولا تزال ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال على أكثر من صعيد، بالتزامن مع تصاعد نفوذ الشركات المتعددة الجنسية العابرة للحدود، وما قد ظلّت تفرضه من هيمنة تستهدف توحيد قيم الاستهلاك وتماثلية طرق التفكير، وما كنا نسمع به بشيء من الغموض منذ نحو أربعة عقود من مفاهيم عولمة، مثل مفهوم "المواطنة الكوكبية"، غدا الآن من الوضوح والتحقق المقولاتي بمكان. الحال، هذا الترابط الذي لم يسبق له مثيل من قبل بين أجزاء العالم، لا بد أن يدفع قُدما مع ما يقوم به من توفير للمعلومات وطرق تخزينها وتداولها بالحسّ الإنساني المشترك للكاتب: أكتب محلياً تحت مظلّة العالم. ولكن قد يستدعي تساؤلك هذا أشياء على مستوى التكنيك وموضوعات الكتابة، سواء على مستوى تحرير اللغة من استعارات وعدة المجاز الأخرى الكثيفة أو على مستوى نقل مواد التواصل عبر الميديا الاجتماعية إلى مادة أدبية. ثم هناك مسألة مهمة تتعلق بتمثّل المعلومات وتضفيرها في سياق عمل فنيّ ما. أنت كروائي لا تستفيد من تلك المعلومات كما قد يستفيد منها صحافيّ ما. أنت غالباً تقوم بتحريرها من سيطرة اللحظة الراهنة وما تفرضه من سيطرة تستند على مصالح قائمة وصولاً إلى تثبيت ما هو جوهري ومتسم بالديمومة ومشترك".

ومن جانبه يرى إيمان يحيى صاحب روايتي "الكتابة بالمشرط و"الزوجة المكسيكية" أنه: "في عصر المعلومات لم يعد القارئ خاملاً أو متلقياً سلبياً. أصبحت قراءة الرواية مجالاً للتفاعل ما بين القارئ والكاتب وطرف ثالث، هو الفضاء الإلكتروني وشبكة المعلومات العنكبوتية، خصوصاً إذا كانت الرواية تثير فضول القراء وتهز ثوابت اعتادوا عليها، فيلجأون الى الإنترنت للتحقق من المعلومات والاستزادة منها. لم تعد قراءة الرواية في ذاتها هي التي تصنع الانطباعات لدى المتلقين، بل أيضاً ما يواكبها من بحث وفضول من قبل القارئ. ولعل هذا يفتح باباً جديداً للمعرفية في الرواية الجديدة. ومن جانب آخر لم تعد الحياة المعاصرة التي نعيشها تخلو من آثار الثورة المعلوماتية. تغيرت أنماط حياتنا كُلياً، وأصبحت تعتمد على شبكة المعلومات والاتصالات العنكبوتية. انهارت الحدود بين الدول والشعوب، وأيضاً بين الأفراد. كل هذا أفضى إلى تغيرات في العلاقات الاجتماعية داخل العائلة وخارجها. كل هذا وجد انعكاسه في الروايات المعاصرة التي نكتبها ونقرأها".

الرواية والحاسوب

وتقول الناقدة والروائية إيمان الزيات: "عصر المعلومات هو عبارة تطبق على الزمن الذي تكون فيه المعلومات هي المحور الذي يتحكم في السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، والأدب هو المرآة التي تعكس كل ما سبق. ولأن المعلومات العالمية المغلوطة والمضللة حول الشرق الأوسط تروج من قبل مَن يمتلكون التكنولوجيا الفائقة وتدير حياتنا وتتحكم في مصائرنا كشعوب عربية، فتحدد أنماط السلوك العالمي وردود الأفعال الدولية تجاه شتى القضايا السياسية والإنسانية حالياً؛ فقد جعلت من روايتي "مينوراه" حاسوباً شخصياً مستعداً للإجابة على أي من تلك التساؤلات التي يمكن أن تخطر ببال القارئ المطلق - مهما كان موقعه على خريطة العالم - حول مسألة "الإسلاموفوبيا" وصناعة الإرهاب العالمي، فناقشت مجموعة من مفردات هذه القضايا الجدلية والإشكالية من خلال (الحوار السُقراطي) وتعدد الأصوات الذي يولد الحقائق على ألسنة أبطال الرواية عن طريق ما يسمى نقديا "السينكريزا" أي تقابل وجهات النظر حول مسألة بعينها، و"الأناكريزا" ومعناها القدرة على أن تثار كلمة المناقش - بفتح القاف- وتستفز بالكلمة. من هنا عكفت على دراسة علم "التشريح" وطرق "التحقيق الجنائي" فكل ما ورد في الرواية في هذا الصدد هو علمي وحقيقي. أيضا هناك مجموعة معلومات إثرائية حول الفن التشكيلي، ومقامات الموسيقى، والأمراض النفسية والبدنية النادرة، فضلاً عن العادات المحلية والأحداث الراهنة". واتكأتُ على مجموعة من العوامل التقنية والتكنيكات الكتابية؛ منها عامل اللغة التصويرية والوصفية التي جسدت الحركة والصوت والانفعال، وقامت بمسرحة الفضاء الروائي وحيز كل شخصية داخله؛ وهو الأمر الذي وفَّر ذلك الشعور بأن للنص ثيمات تفاعلية رغم كونه ورقياً، وجعل الرواية تبدو للقارئ كفيلم سينمائي".

ويقول الروائي مصطفى الشيمي: "من المنطق الثقافي لهذا العصر، تنطلق روايتي "سورة الأفعى"، مرتكزة على مفهومها للزمن اللاخطي، الزمن المرتبط بالذات الإنسانية، والذي لا يقع خارجها. يمكن بذلك فهم البنية المتشظية الموجودة في النص، والتي قد تبدو غريبة لقارئ يؤمن بالزمن الموضوعي: الدائري أو الخطي. حسناً، في تصوري، لم تعد ثمة حدود فاصلة بين الزمان والمكان، في هذا العصر، وبذلك فإن الفضاء في رواية "سورة الأفعى" مزدحم، باستعارة تقنيات متفاعلة من فنون مختلفة. يبدو سلوك الأبطال في النص عشوائياً، فوضوياً، في ظل صراعهم على السلطة ينطلقون تجاه المعلومة، فهي سلاحهم الأول: فَهم الآخر، لا للتحاور بل للقتل، يبدو ذلك متسقاً مع منطقة جغرافية ملغَّمة بالحروب والثورات، لكن العشوائية، كما تبدو، تعكس منظورنا لعدم قدرتنا على السيطرة، لا نعرف شروط السيطرة: المبدأ الأول للحداثة، ولا نعرف ما الفراشة وأثرها. قفز بنا العالم إلى نقطة أخرى فلم نمر بالمراحل ذاتها، غير أننا مجبرون على التعايش مع المرحلة رغم ذلك، من دون تأمل أو تجربة. يبدو ذلك فوضوياً أيضاً، فما احتمالية الوصول إلى أرض جديدة؟ في تصوري، إن "سورة الأفعى" وليدة عصرها، عصر ما بعد الحداثة والثورة المعلوماتية، وهي بذلك تتسق مع عنوان هذه الدورة من ملتقى الرواية: الرواية وعصر المعلومات، وهي دورة بعنوان مهم، في ظل سيطرة النظرة الكلاسيكية على الأدب العربي، لذلك أنا سعيد بوجود الرواية في ورقتين بحثيتين في هذا الملتقى للناقدين صلاح السروي، وشريف حتيتة".

التوحش التكنولوجي

وفي الختام يؤكد الروائي الجزائري أمين الزاوي أن الرواية العربية لا تخرج عن هذا التوصيف: دخل العالم المعاصر في زمن "شعرية التوحش التكنولوجي المثير، حيث يوما بعد آخر تتجاوز بنية الإدهاش الخرافي وبنية الشيء الملموس في معادلة غريبة يتماهى فيها اللامعقول بالمعقول، الجميل بالمفيد". ويضيف أن شعرية التوحش التكنولوجي أحدثت انقلابا في القيم الجمالية السردية الروائية خلال العشريتين السالفتين، إذ غيرت كثيرا في فلسفة الزمن السردي. كما أحدثت زحزحة في مفهوم الجغرافيا أو الفضاء السردي بحيث أصبح ممكناً وبكل بساطة توسيع هذا الفضاء لما تقدمه التكنولوجيا من إمكانيات تسخر الخيرات المعرفية وبشكل سريع ومذهل ودقيق للروائي. لقد أحدثت تلك الشعرية ثورة في المعارف التي يقدمها السرد الروائي، حتى أصبحت الموضوعات في متناول الروائي يستفيد منها بنقرة أو بلمسة واحدة. في ظل شعرية التوحش التكنولوجي هذه ومن خلال مغامرة السردية الروائية المعاصرة ستلتقي لا محالة سحرية أوأسطورية "السجاد الطائر" كما في سرديات "ألف ليلة وليلة" بأسطورية أوسحرية التكنولوجيا الجديدة، فأين هي حدود العجائبي وأين هي حدود التكنولوجي؟".

المزيد من ثقافة