Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جونسون لا يستطيع أن يفعل الشيء ونقيضه في إيرلندا الشمالية

أدت الخيارات التي اتخذها رئيس الوزراء البريطاني إلى إقامة الحدود التجارية في عرض البحر الإيرلندي وهو لا يزال في حالة إنكار لذلك

بوريس جونسون يواصل الإعلان عن الخلل الذي يعاني منه مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (غيتي) 

شبّه مايكل غوف العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي منذ 1 يناير ( كانون الثاني) الماضي، (بأنها تتعرض إلى) "مطبات هوائية" مثل تلك التي تتعرّض لها طائرة عند إقلاعها، ثم أشار إلى أن ما حصل في أعقاب ذلك هو نوع من التحليق على ارتفاعات عالية "من دون ربط حزام الأمان". وفي معرض وصفه للمسار في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أمام لجنة تابعة لمجلس اللوردات، قال غوف "نحن لم نصل حتى الآن إلى مرحلة تناول (مشروب) الجين مع ماء التونيك والفول السوداني [الاسترخاء والاحتفال]، ولكنني واثق من أننا سنبلغها".

ومع ذلك، فهناك مخاوف في لندن وبروكسيل من أن ينتهي الأمر بوزير شؤون مجلس الوزراء Cabinet Office بالوصول إلى مرحلة الفول السوداني فحسب [من دون شراب الاحتفال المرافق له]، حين يستجيب الاتحاد الأوروبي لمطالبته بإجراء تغييرات في بروتوكول إيرلندا الشمالية، وذلك للتخفيف من عرقلة ورود السلع الآتية من بريطانيا العظمى، الأمر الذي يتسبب في نقص إمدادات المحال التجارية.

وفي أعقاب مباحثات استغرقت ثلاث ساعات ونصف الساعة مؤخرا، تعهد غوف وماروس سيفكوفيتش، وهو نائب رئيس المفوضية الأوروبية، بعدم "ادّخار أي جهد" للحؤول دون حصول أزمة في إيرلندا الشمالية. ودلّت النبرة حينذاك على مزاج أكثر دفئاً بينهما مما كانت عليه الحال في الرسائل التي تبادلاها ببرودة واضحة قبل عقد اللقاء. وتربط الجانبين علاقات أفضل من تلك التي تجمع بين كبيري المفاوضين في ملف "بريكست" ديفيد فروست وميشال بارنييه. ومع ذلك، فإن من العسير إخفاء الفجوة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذين ما زالا على طرفي نقيض بشأن قضية إيرلندا الشمالية الحساسة.

في هذا السياق، يعترف المقربون من الدوائر الحكومية في حي وايتهول (السياسي) بوسط لندن أن غوف يسعى إلى تحقيق أهداف كبيرة من خلال المطالبة بأن تستمر فترات الإعفاء التي تسمح بانتقال البضائع من بريطانيا العظمى إلى إيرلندا الشمالية لحوالي سنتين، من دون خضوعها للفحص في النقاط التي أقيمت لهذه الغاية. وقد قدّمت المفوضية فرصة للحكومة البريطانية على طبق من ذهب حين حاولت بحماقة تطبيق المادة 16 لتجميد جزء من البروتوكول بغرض منع نقل اللقاحات من جمهورية إيرلندا إلى إيرلندا الشمالية.

وعلى الرغم من أن المفوضية سارعت بالتراجع عن تلك الخطوة، فإن المملكة المتحدة ليست في وارد نسيان الأمر، لا سيما أنه يعزّز موقعها في ما يخص المباحثات المتعلقة بالبروتوكول. إن هذا يمثل تناقضاً حاداً في المفاوضات التجارية المتواصلة مع الاتحاد الأوروبي منذ العام الماضي، عندما خرقت المملكة المتحدة القانون الدولي من خلال تجاوزها بنوداً من البروتوكول، ولم تتراجع لندن حتى توصّل غوف وسيفكوفيتش إلى اتفاق  في ديسمبر (كانون الأول) الماضي حول كيفية عملها. من جانبه، يجادل الاتحاد الأوروبي بأن المملكة المتحدة لم تطبق عناصر رئيسة من تلك الاتفاقية. لكن قال لي مسؤول "إنه (الاتحاد) يبالغ في تقدير قوته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد تعرض بروكسيل الموافقة على بعض التمديد لفترات السماح المعنية ربما لأشهر عدة، وتعمد إلى تبسيط القواعد الخاصة حول نقل الحيوانات الأليفة من بريطانيا العظمى الى إيرلندا الشمالية. وقد كان الاتحاد الأوروبي مفرطاً في حماسته لتفسير بعض القواعد. بيد أن السبب الجوهري للمشكلات في الإقليم لا يكمن في "متاعب مؤقتة" تعود إلى حداثة الإجراءات الجديدة المعمول بها، بل هي ناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتحديداً عن صيغة الانسحاب "القاسية" [من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة في آن]، حين منح بوريس جونسون "السيادة" الأولوية على الوصول إلى الأسواق الأوروبية. وهذا هو الدليل الأخير على أن رئيس الوزراء البريطاني ليس في وسعه أن يفعل الشي ونقيضه في الوقت ذاته.

 أدت الخيارات التي اتخذها جونسون إلى إرساء حدود تجارية في عرض البحر الإيرلندي، وهو لا يزال في حالة إنكار [لا يقرّ بذلك]. وقد أشاد باتفاقية الانسحاب، معتبراً أنها "صفقة جديدة عظيمة"، وذلك في أعقاب تحقيق اختراق عبر مباحثات ثنائية أجراها وجهاً لوجه مع نظيره الإيرلندي ليو فارادكار عام 2019. وأعرب بعض المسؤولين في المملكة المتحدة عن قناعتهم بأن جونسون لم يفهم تماماً بعض تفاصيل البروتوكول. وخاطب الشركات في إيرلندا الشمالية، داعياً إياها إلى وضع كل نماذج البيانات الجمركية "في سلة المهملات" [الاستغناء عنها]، وذلك حين قال إن "ايرلندا الشمالية وبقية أجزاء بريطانيا العظمى هما ضمن المنطقة الجمركية في المملكة المتحدة ولا يمكن أن تكون هناك رقابة على تبادل السلع في منطقة جمركية واحدة".

وعلى الرغم من إصرار حلفاء جونسون على أن تعهده "بعدم فرض قيود على [حركة] السلع" كان يتعلق بحركة البضائع من إيرلندا الشمالية إلى بريطانيا العظمى، فمن المفهوم أن أبناء المنطقة هذه لم يفسّروا الوعد هكذا.

والواقع أن تيريزا ماي، رئيسة الوزراء التي سبقته مباشرة على السلطة، وقالت إن أي رئيس حكومة بريطاني لن يوافق على إرساء حدود في البحر الإيرلندي كانت في حاجة (لدعم) وأصوات ممثلي "الحزب الوحدوي الديمقراطي" من أعضاء مجلس العموم البريطاني. ولم تكن محقة في قولها. أما جونسون، فكان تركيزه منصباً في 2019 على "تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" والفوز في الانتخابات العامة. ويعتقد "الحزب الوحدوي الديمقراطي" (الذي يتمسك بالوحدة مع لندن) أن جونسون قد تخلى عنه بصورة نهائية حين أقام حدوداً تفصل بين إيرلندا الشمالية وبقية أجزاء المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة البريطانية كان بعد انتصاره الساحق في الانتخابات في غنى عن "الحزب الوحدوي الديمقراطي"،  فستكون مساعدة هذا الحزب حالياً ضرورية بالنسبة إليه، إذا أُريد الحفاظ على السلام الهش في إيرلندا الشمالية.

ويواجه "الحزب الوحدوي الديمقراطي" الذي دعم خروج بريطاينا من الاتحاد الأوروبي، التهديد السياسي من منافسه المتشدد "حزب الصوت الوحدوي التقليدي" الذي يمكن أن يسحب البساط من تحته بالطريقة ذاتها التي حجّم فيها هو نفسه "حزب ألستر الوحدوي" الذي قاده ديفيد تريمبل لسنوات. ولهذا يدعو "الحزب الوحدوي الديمقراطي" حالياً إلى إلغاء البروتوكول، وهو مطلب يحظى بتأييد بعض المحافظين من أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن القضية التي ستهمين على انتخابات العام المقبل لمجلس إيرلندا الشمالية تتمثل في القرار بالإبقاء على البروتوكول حتى عام 2024.

بعث جونسون الأمل في "الحزب الوحدوي الديمقراطي"  حين وعد بتطبيق المادة 16 لتجميد أجزاء من البروتوكول، إذا لزم الأمر. إن الخطأ الكارثي الذي ارتكبته المفوضية الأوروبية قد يوفر الغطاء إلى حد ما لإجراء كهذا، بيد أن خطوة من هذا النوع ستثير أزمة عميقة. والسبب في ذلك يكمن في أن البروتوكول هو البديل الوحيد المتاح لتجنّب حدود فعلية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا.

قد تكون الحرب الدائمة مع الاتحاد الأوروبي خياراً مغرياً بالنسبة إلى جونسون، فذلك من شأنه أن يساعده على إرضاء أنصاره في مناطق "الجدار الأحمر" (التي اعتادت تقليدياً أن تصوّت لحزب العمال وهم من الإنجليز البيض من الطبقة العاملة والمؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي)، فضلاً عن ممارسة الضغط على كير ستارمر، زعيم حزب العمال، بشأن قضية يريد حزبه أن يطويها. بيد أن هذا السلوك سيكون غير مجدٍ وانهزامياً أيضاً. وحريّ بجونسون أن يسعى إلى جعل البرتوكول والعلاقات على مستوى أوسع بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، في خدمة ما في مصلحة الجانبين، بدلاً من أن يعاود خوض معارك قديمة من جديد ويجهد لاستمالة المشككين بأوروبا في حزب المحافظين و"الحزب الوحدوي الديمقراطي".

إن من مصلحة جونسون أن يجعل نسخته من مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تعمل بشكل جيد قدر الإمكان، عوض مواصلة الكلام عن الخلل الذي يشوبها.        

© The Independent

المزيد من آراء