Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل طويت صفحة ترمب بعد تبرئته الثانية؟

تبعات المساءلة لا تزال تخيم على واشنطن وسط ترجيحات بأن تكون إشارة لمعارك سياسية مستقبلاً واصطفاف الجمهوريين لإحباط الإدانة عكس نفوذ الرئيس السابق

عكست نتائج المساءلة الثانية لترمب حجم النفوذ الذي لا يزال يتمتع به الرئيس السابق في صفوف الحزب الجمهوري (أ ف ب)

على الرغم من تبرئة الكونغرس للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من تهمة "التحريض على العصيان والتمرد"، التي وجّهت إليه إثر اقتحام أنصار له مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، لمنع المصادقة البرلمانية على فوز الرئيس جو بايدن، لا تزال تبعات محاكمة الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الثانية، تلقي بظلالها على المجتمع الأميركي، وسط ترجيحات بأن تكون إشارة إلى معارك سياسية في المستقبل، إثر اصطفاف الجمهوريين لإحباط الإدانة.

واختتم مجلس الشيوخ الأميركي مساء السبت 13 فبراير (شباط)، إجراءات مساءلة ترمب التي استمرت على مدار خمسة أيام. وكما كان متوقعاً جاء القرار النهائي بعدم إدانة الرئيس السابق، بعدما رفض رفاقه الجمهوريون تأييد المساعي الديمقراطية لتثبيت الإدانة، وخلص العدّ النهائي إلى 57 صوتاً مؤيداً مقابل 43، بناقص عشرة أصوات من النصاب المطلوب للإدانة وهو غالبية الثلثين (67 صوتاً).

ووفق تقارير أميركية، أحبطت النتائج النهائية للتصويت، الطموحات الديمقراطية في "طي" صفحة الرئيس السابق، الذي أصبح أول رئيس يواجه المساءلة مرتين، وأول رئيس يمثل للمحاكمة في مجلس الشيوخ بعد تركه المنصب، والثالث الذي يخضع للمساءلة في سجل المحاكمات الرئاسية في التاريخ الأميركي.

هل طويت صفحة ترمب؟

وفق مراقبين ومعنيين بالشأن الأميركي، لا تزال صفحة الرئيس الجمهوري السابق، غير قابلة للطيّ بعد، إذ من المرجح أن يحمل المستقبل القريب معارك سياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين على مستويات عدة، وذلك في وقت احتفل ترمب نفسه بعد ساعات، قائلاً إن "مشواره السياسي بدأ للتوّ".

وقال ترمب الذي مثّل "فشل" إدانته انتصاراً يؤهله لخوض سباق الرئاسة مجدداً عام 2024 إذا هو أراد ذلك، إن "حركتنا التاريخية والوطنية والجميلة لجعل الولايات المتحدة عظيمة مجدداً بدأت لتوّها"، مضيفاً في بيان له، "في الأشهر المقبلة، لديّ الكثير لأتشاركه معكم، وأنا أتطلّع إلى مواصلة رحلتنا الرائعة معاً لتحقيق العظمة الأميركية لشعبنا بأجمعه".

لكن ووفق مراقبين، فإن التساؤل الذي خلّفته المساءلة الثانية لترمب، تكمن في التبعات التي عكستها، وما هو متعلق بما سيفعله مستقبلاً، وما إذا كان سيعاود الملياردير الجمهوري البالغ من العمر 74 سنة، الظهور مجدداً على الساحة السياسية الأميركية، مذكّراً أنصاره وخصومه على السواء بتلك المعارك السياسية مع اقتراب الانتخابات المقبلة؟ أم أنه سيختار الاعتزال في النوادي الخاصة وملاعب الغولف التي يمتلكها؟

وبحسب تحليل لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، ففي بلد منقسم مثل الولايات المتحدة، وعندما يتعلق الأمر بإدانة رئيس سابق بتهمة التحريض على العصيان، وهو أمر تاريخي، أظهر "إحباط الإدانة" الحد الفاصل بين الجناح الذي يؤمن بالمبادئ في الحزب الجمهوري وباقي الحزب، وذلك بعدما صوّت سبعة فقط من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري لصالح إدانة ترمب. كما أظهر القبضة القوية التي لا يزال ترمب يملكها على الحزب، واحتفاظه بولاء النواب الجمهوريين على الرغم من خسارة الانتخابات الأخيرة.

وعلى الرغم من ذلك، تقول الصحيفة، إن المساءلة تحمل تداعيات على ترمب نفسه، حتى لو لم ينتج منها منع تولّي المنصب مرة أخرى، مشيرة إلى أنه: "يقع على عاتق الجمهوريين العقلاء أن يتأكدوا من أن النتيجة بداية لشيء ما، وليست صورة خاطفة في الانحطاط المستمر لليمين الأميركي، وأنه يجب على الحزب ألا يرفض ترمب فحسب، بل يرفض جنون العظمة والتطرف الذي أدى إلى أعمال العنف المميتة في السادس من يناير (كانون الثاني)".

من جانبها، تقول وكالة الصحافة الفرنسية، إنه وعلى الرغم من أن تبرئة مجلس الشيوخ للرئيس السابق كانت أمراً شبه مؤكد، إلا أنه لا شك في أن ترمب تنفّس الصعداء لدى سماعه القرار، بعدما باتت مستبعدة إمكانية منعه للترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية المقبلة وحجبه عن تولّي أي منصب فيدرالي إلى الأبد. ونقلت الوكالة عن كابري كافارو من الجامعة الأميركية في واشنطن، التي كانت عضواً في مجلس شيوخ أوهايو عن الديمقراطيين، قولها إن تبرئته قد تكون بمثابة "صرخة تعبئة" بالنسبة بالنسبة إليه وأنصاره. وتابعت: "سيكون هناك أميركيون ممن يعتقدون أن دونالد ترمب لعب دوراً ما، وهو أمر قد ينعكس أيضاً على أنشطة قطب العقارات في القطاع الخاص" وأضافت "يبدو الأمر كأنه لا خيار لديه سوى مواصلة محاولاته للخوض في السياسة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي إشارة إلى تصويت الغالبية الساحقة من الجمهوريين في مجلس الشيوخ لصالح تبرئة ترمب، قالت ممثلة ولاية جورجيا في المجلس مارغوري تايلور غرين، التي تعدّ من بين أشد المؤيدين له، الأسبوع الماضي، إن "الحزب له، لا لأحد آخر"، في انعكاس لمدى النفوذ الذي لا يزال يحافظ عليه ترمب ضمن حزبه.

وفي الأثناء، يبقى انضمام عدد من نواب الكونغرس عن الحزب الجمهوري لصالح إدانة ترمب، ما يؤشر إلى الانقسام داخل الحزب على مستقبل الرئيس السابق ذاته. وكان لافتاً في هذا الشأن اعتبار حاكمة كارولاينا الجنوبية الجمهورية نيكي هايلي، التي قالت إن الجمهوريين أخطأوا في دعمهم حملة ترمب الرامية إلى قلب نتائج الانتخابات، والتي قادت إلى الهجوم على مقر الكونغرس. ونقلت مجلة "بوليتيكو" عن هايلي قولها إنه (ترمب) "سلك مساراً ما كان عليه أن يسلكه، وما كان علينا أن نتبعه فيه".

أي مستقبل ينتظر الجمهوريين؟

مع توافق غالبية التحليلات بشأن إظهار اصطفاف الجمهوريين لصالح منع إدانة الرئيس السابق مدى النفوذ الذي لا يزال يتمتع به، تدور أسئلة بشأن الحزب ذاته ومستقبله، بعدما بات الجمهوريون الداعون إلى الانفصال تماماً عن ترمب لا يزالون أقلية، وذلك في وقت يخشى كثيرون منهم من النفوذ الذي يتمتع به في أوساط قاعدته الشعبية.

ووفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن ويندي شيلر، أستاذة العلوم السياسية في جامعة "براون"، فإن "أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين صوّتوا لصالح تبرئته ربما يحمون أنفسهم من التحديات الأولية من قبل الجناح الأكثر تشدداً داخل حزبهم في انتخابات التجديد النصفي 2022 أو حتى 2024، لكنهم قد يجعلون أنفسهم بالتوازي أكثر عرضة للهزيمة في الانتخابات العامة".

وطرحت مجموعة من المسؤولين الجمهوريين السابقين المناهضين لترمب فكرة تأسيس حزب ثالث يميني وسطي، لكن وفق مراقبين، يُستبعد تبلور الخطوة على المدى القريب.

وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، قائلة، إن ما حدث في مجلس الشيوخ يمثّل "توبيخاً تاريخياً غير مسبوق" لأي رئيس أميركي من جانب الحزب الذي ينتمي إليه، بعدما انضم سبعة نواب جمهوريين إلى المساعي الديمقراطية لإدانته.

 

وفي انضمام هؤلاء النواب الجمهوريين، تقول الصحيفة، كان هذا الأمر لافتاً إذ لم يحدث من قبل أن انضم نواب من الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس محل المساءلة، إلى مساعي محاكمته، موضحة: "لم يحدث من قبل لأي رئيس أميركي في التاريخ أن انضم نواب من حزبه لجهود مساءلته، إذ لم تشهد محاكمة الرئيس الديمقراطي الراحل أندرو جونسون عام 1868 تأييد أي نائب ديمقراطي في مجلس الشيوخ المدجج حينها بالجمهوريين (كانوا يمثلون الغالبية)". وأردفت "كان المجلس وقتها قريباً للغاية من إدانة جونسون، لولا عدم تصويت أي نائب ديمقراطي على قرار الإدانة، على الرغم من هيمنة الجمهوريين على الغالبية حينها".

وتكرر السيناريو ذاته وقت مساءلة الرئيس الديقراطي بيل كلينتون عام 1999، ووفق "واشنطن بوست"، لم يؤيد أي نائب من حزبه قرار الإدانة، وهو ما يعني أن "ترمب تعرّض للإحراج الكبير للمرة الثانية" في إشارة إلى خسارته الانتخابات الرئاسية أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، وانضمام جمهورين لتأييد مساءلته، معتبرة أن كل حملة سينظمها ترمب مستقبلاً ستكون صور اقتحام الكونغرس من قبل أنصاره مهيمنة على المشهد، لا سيما في أوساط الناخبين المستقلين والمعتدلين، إنْ لم يكن في أوساط الناخبين الجمهوريين.

وكان استطلاع للرأي أجرته شركة "إبسوس" لبحوث الرأي العام لصالح وكالة "رويترز"، قبل أيام من تبرئة ترمب، قد أشار إلى أن 71 في المئة من البالغين الأميركيين، منهم حوالى نصف الجمهوريين، يرون أن ترمب كان مسؤولاً بشكل جزئي على الأقل عن إطلاق الهجوم على مبنى الكابيتول، وكان نصف الأميركيين تقريباً يعتقدون بضرورة إدانة ترمب بالتحريض على التمرد.

محطات رحلة البراءة الثانية

وبعد محاكمته الأولى التي بدأت نهاية 2019، لاتهامه بـ"استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس"، على إثر الضغط على الرئيس الأوكراني من أجل تشويه سمعة منافسه في الانتخابات الرئاسية، وبرّأه مجلس الشيوخ منها في فبراير (شباط) 2020، مرّت المحاكمة الثانية بمحطات بارزة بدأت أحداثها في أعقاب إصرار الرئيس السابق على رفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي عقدت في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وفاز فيها جو بايدن.

وبدأت القصة في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين دعا ترمب بشكل مفاجئ، في تغريدات موجهة إلى متابعيه البالغ عددهم 88 مليوناً على موقع "تويتر" (حظر منه لاحقاً) للحضور إلى واشنطن من أجل "تظاهرة كبيرة" في السادس من يناير، الموعد المقرر لالتئام الكونغرس من أجل تثبيت نتائج الانتخابات في إطار مراسم لطالما كانت عادية ورمزية، وقال لهم "كونوا هناك، ستكون (التظاهرة) صاخبة".

وفي الثاني من يناير، اتصل ترمب بالمشرف على انتخابات جورجيا رافنسبرغر، وطلب منه العثور على مزيد من الأصوات لقلب فوز بايدن. وقال "هذا ما أريد القيام به. أريد فقط بأن يتم إيجاد 11780 صوتاً". وبعدها بأيام، أصدر نائب الرئيس السابق مايك بنس بياناً رفض فيه طلب ترمب غير الدستوري بعدم قبول نتيجة أصوات الهيئة الناخبة، وذلك بالتزامن مع انعقاد الكونغرس في مبنى الكابيتول للمصادقة على فوز بايدن.

في الأثناء، خاطب ترمب حشود أنصاره المجتمعين أمام البيت الأبيض، ودعاهم إلى الخروج في مسيرة باتجاه الكابيتول و"القتال" من أجله. وعلى الإثر اقتحم المئات المبنى، ما دفع النواب وبنس إلى الفرار خوفاً على حياتهم. ولقي خمسة أشخاص بينهم شرطي حتفهم في أعمال العنف. وعقد الكونغرس مجدداً جلسته لتثبيت النتيجة بعدما أعادت الشرطة والحرس الوطني فرض النظام.

وبعد أيام من مشهد اقتحام الكونغرس، والمصادقة على فوز بايدن، قرر مجلس النواب في 13 يناير، بدء إجراءات عزل ترمب بتهمة التحريض على التمرّد، وحينها صوّت عشرة جمهوريين مع الديمقراطيين دعماً للخطوة.

وفي التاسع من فبراير (شباط) الحالي، بدأت ثاني محاكمة رامية لعزل ترمب في مجلس الشيوخ المكون من 100 عضو، بينما لعب أعضاؤه الذين كانوا شهوداً على الفوضى التي طبعت أحداث اقتحام الكونغرس، دور المحلّفين. وقدّم المدعون عرضاً مفصّلاً لتصريحات وتغريدات ترمب وتسجيلات مصورة لأعمال الشغب، تضمنت تسجيلاً لم يسبق أن نُشر يظهر النواب وهم يفرّون للاختباء، بينما طارد أنصار ترمب المشرعين الديمقراطيين.

وبعد أربعة أيام فقط من انطلاق إجراءات المحاكمة، تحديداً في 13 فبراير، برّأ مجلس الشيوخ ترمب، بعدما أمل الديمقراطيون في إدانته لتحميله مسؤولية اقتحام الكونغرس وتهيئة المسرح لاقتراع يحرمه من تقلّد منصب عام مرة أخرى.

المزيد من دوليات