Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موجة تسول تغزو شوارع الجزائر وسط صمت السلطات

يتم غض النظر عن جريمة تشغيل أجنبي من دون رخصة والإقامة غير الشرعية واستغلال الأطفال

عائلة افريقية في أحد شوارع العاصمة الجزائرية تنتظر صدقات المواطنين (موقع الإذاعة الجزائرية)

عادت ظاهرة تسول المهاجرين الأفارقة بقوة إلى شوارع الجزائر، بعدما اختفت لمدة بسبب جائحة كورونا، في مشهد "يشوّه" المنظر العام ويقلق المواطنين، غير أن الصمت غير المبرر من قبل السلطات طرح تساؤلات عدة.

تدفق أفريقي وصمت رسمي

لا يخلو شارع ولا مدينة في الجزائر من عائلات أفريقية تمارس التسول، وغالبيتها تتخذ من الأطفال وسيلة للحصول على "صدقات" ومساعدات المواطنين. وعلى الرغم من تفهّم البعض لوجود هؤلاء المهاجرين في الجزائر، علماً أنهم يقيمون بطريقة غير شرعية، إذ إنهم فارّون من بلدانهم بسبب الفقر والجوع والحروب والنزاعات، إلا أن تجمعاتهم العشوائية وتصرفاتهم في الشوارع باتت غير مرغوب فيها من قبل فئة واسعة من الجزائريين.
وفي وقت يجرّم القانون ممارسة التسول من خلال المادة 195 من قانون العقوبات التي تنص على أنه "يُعاقَب بالحبس من شهر إلى 6 أشهر كل مَن اعتاد ممارسة التسول في أي مكان، بالرغم من وجود وسائل التعيّش والعيش لديه، أو إمكانية الحصول عليها بالعمل أو بأي طريقة مشروعة أخرى"، غير أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل لافت تحت أعين السلطات الأمنية والسياسية.

مجرد وافدين

وأوضح الحقوقي حسان براهمي أنه "لا يوجد مهاجرون أفارقة في الجزائر، بل هم مجرد وافدين، ما دامت الحكومة منحتهم حق حرية التنقل داخل البلاد ولم تضعهم في مخيمات خاصة مثلما تفعل بقية الدول مع النازحين، وكذلك هم ليسوا لاجئين". وأضاف أن "الدولة الجزائرية تركت لهم حرية ممارسة حقوقهم بما فيها العمل والتنقل والتعليم والسكن وغيرها، لكن نتساءل دائماً عن سر التسامح الكبير الذي تبديه السلطات في التعامل مع ملف الوافدين الأجانب". وتابع أن "السلطات بما فيها القضائية، لا تطبق القانون عليهم، كمثل غض النظر عن جريمة تشغيل أجنبي من دون رخصة والإقامة غير الشرعية والدخول بطريقة غير قانونية وجريمة التسول واستغلال الأطفال التي يتخذها غالبية الوافدين، بخاصة من الدول الأفريقية كوسيلة للكسب داخل الجزائر".
وأبرز براهمي أن "المشكلة أكبر من تسيير ملف وافدين على التراب الجزائري، بل البعض يعطيه أبعاداً سياسية، وحتى استراتيجية، من قبيل أن هناك عصابات منظّمة تنقل مئات آلاف الأشخاص من الدول الأفريقية جنوب الصحراء لمسافة 2000 كيلومتر، لتحقيق هدف تغيير التركيبة السكانية للدولة الجزائرية، ما قد يخلق اضطرابات في عمق المجتمع". واعتبر في ما يتعلق بمواجهة الظاهرة أن "تطبيق القانون هو الحل لا غير، ويتمثل في الترحيل تحت سيادة القانون بما يحفظ كرامة الشخص المرحَّل ويضمن عدم تعريضه للخطر في بلده الأصلي، بما يتماشى مع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان".

تحذيرات

وفي حين ينظر بعض الجزائريين إلى تسول الأفارقة بعين الرأفة والشفقة، حذرت وزارة الداخلية في وقت سابق من استمرار منحهم مساعدات مادية، إذ إن المبالغ المكتسبة من "الصدقات والتبرعات" توجَّه إلى شبكات عالمية إجرامية تتاجر بالبشر والمخدرات وتمارس تهريب الأسلحة، وصولاً إلى دعم الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. وأوضحت الداخلية الجزائرية على هامش تفكيك عصابة إجرامية تستغل أكثر من 38 طفلاً أفريقياً في التسول، أن "الحكومة عازمة على حماية هذه الفئة التي تقوم جماعات بشرائها بأثمان رخيصة من بلدان الجوار على غرار ليبيا والنيجر وبيعها إلى جماعات أخرى تمارس تهريب الأطفال إلى الجزائر بغرض التسول"، مشددة على أن "الدولة عازمة على حماية هذه الفئات من الناحية الإنسانية"، لكنها جنّدت كل الإمكانات لمحاربة جماعات التهريب.
كذلك، كشفت رئيسة "الهلال الأحمر الجزائري" سعيدة بن حبيلس عن أن "استغلال الأطفال اللاجئين الأفارقة في التسول فاق كل الحدود، إذ يتم يومياً توقيف عشرات الأطفال من دون أولياء، يُجنّدون في التسول من قبل عصابات همها الوحيد حشد أكبر عدد من الأولاد الذين يتم جلبهم من النيجر بطريقة غير إنسانية ويوزعونهم على مختلف المناطق والتجمعات العمرانية، حيث يتسولون طيلة اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


غزو وتخوف... وكرم

من جانبه، يسجل الباحث في علم الاجتماع السياسي أسامة لبيد، "غزواً كبيراً للأفارقة من مختلف الجنسيات والأعمار لمحافظات الجزائر، حيث أصبحوا يزاحمون السكان في حياتهم اليومية بحلوها ومرّها، وحتى من خلال العمل في كل الأشغال والمهن التي عزف عنها الشباب، بخاصة في ورش البناء، إذ وجد المقاولون الفرصة سانحة لاستغلالهم عبر الأجور الزهيدة التي يقدمونها إليهم مقابل ساعات عمل تمتد إلى وقت متقدم من الليل". وأضاف لبيد أن "تزايد أعدادهم تسبب في تخوّف السكان في ظل استمرار جائحة كورونا، لكن على الرغم من ذلك، التقت صدقات هؤلاء وابتساماتهم مع الأطفال الأفارقة الأبرياء، في صورة تعبّر عن كرم الشعب الجزائري وحبه لغيره، زيّنتها العمليات التضامنية لمديريات النشاط الاجتماعي والهلال الأحمر والمصالح الأمنية، بخاصة في ظل الأجواء الباردة".

تعامل بمسؤولية

في سياق متصل، تربط جهات عدة صمت السلطات بالوضع الداخلي الصعب وتحديات الخارج، وسط تصاعد التوترات في دول الجوار. وأوضحت الإعلامية المهتمة بالشأن السياسي غنية قمراوي أن "هجرة الأفارقة إلى الجزائر أصبحت تشبه موجات تعلو وتنخفض، لا أستطيع إلا أن أربطها بالظروف التي تشهدها دول الساحل. والجزائر تتعامل معهم بموجب ظروف بلدانهم". وأضافت "نذكر جميعاً أن المهاجرين تقلصت أعدادهم من شوارع المدن الجزائرية قبل انتشار وباء كورونا، ثم اختفوا بعد انتشاره من دون أن ندري كيف، لكنهم ما إن تم تخفيف الحجر الصحي عادوا بقوة". واعتبرت أن "سبب صمت السلطات يعود إلى تعاملها بمسؤولية تجاه ما يحدث في منطقة الساحل، حيث تُبذَل كل الجهود على الصعيد السياسي لتحقيق المصالحة في مالي مثلاً، ليعود سكانها إلى الاستقرار في أراضيهم".

المزيد من العالم العربي