Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين في لقاء كان يجب ألا ينشر

استعرض مواقف بلاده تجاه دونباس وبيلاروس ونافالني... ولافروف "أقام الدنيا وأقعدها"!

لا يذكر الرئيس الروسي اسم المعارض أليكسي نافالني (أ ب)

في لقاء تقليدي لم تكن مفرداته ومضامينه مخصصة للنشر، ضم 35 من رؤساء تحرير ومديري وسائل إعلامية مطبوعة وإلكترونية روسية، كشف الرئيس فلاديمير بوتين عن كثير من جوانب سياسات الدولة وتوجهاتها إزاء عديد من قضايا السياستين الداخلية والخارجية، لكن ما إن انتهى ذلك اللقاء الذي جرت وقائعه عبر "الفيديو كونفرنس"، حتى تسربت بعض تفاصيل ذلك اللقاء إلى الصحافة المسموعة والمكتوبة، ومنها ما جرت إذاعته ولم يكن اللقاء انتهى بعد، ما أثار غضب الكرملين الذي سارع دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسمه، إلى انتقاده.
وقال بيسكوف إن مثل هذه الأساليب لا تعزز الثقة المتبادلة، وأشار إلى أن "مثل هذه اللقاءات مخصصة لكي يتمكن رؤساء وسائل الإعلام الذين يقررون سياسات هيئات التحرير، من الغوص بشكل كامل في بعض القضايا التي تبدو لهم غير واضحة، أو مفسرة بشكل غير كامل". وأضاف أن مثل هذا الحديث الذي دار في إطار ما يعرف تحت عنوان "off the record" من دون حق الاستشهاد بما جاء فيه، يسمح بقدر من الصراحة لتوضيح كثير من خلفيات الأمور والأوضاع والقرارات وخفاياها. ونفي بيسكوف أن يكون اللقاء قد استهدف احتواء ما أثارته التظاهرات "غير المرخص بها" التي جرت في موسكو وعدد من كبريات المدن الروسية في 23 و31 يناير (كانون الثاني) الماضي، و2 فبراير (شباط) الحالي.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة والحد من التفسيرات المتضاربة لما قاله بوتين في معرض هذا اللقاء، اضطر الكرملين إلى الإعلان عن تفاصيل مجمل جوانب ما أدلى به بوتين من تصريحات، من خلال فقرات أذاعتها وسائل الإعلام الرسمية والمعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع الكرملين، أماطت اللثام عن كثير من جوانب السياسات الداخلية والخارجية للدولة الروسية.
ومن هذه الفقرات ما قاله بوتين في شأن ما وصفه باستغلال أليكسي نافالني في الوقت الذي تتصاعد معاناة المواطنين ليس في روسيا وحسب، بل وفي أوروبا والولايات المتحدة من جراء قيود فيروس كورونا وتفاقم الأوضاع المعيشية وتردي مستوى الدخول والمرتبات. ومن اللافت في هذا الصدد أن ما قاله بوتين يبدو تفسيراً لما كانت تردده وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في إطار تغطيتها ما جرى من تظاهرات في يناير الماضي، حول أنها تجرى بموجب "سيناريو بيلاروس" الذي اعتمد في تنفيذه على ما كان يصل إلى المتظاهرين في بيلاروس من تعليمات ومعلومات وتوجيهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الإنترنت من بولندا وليتوانيا المجاورتين. وتطرق الرئيس الروسي في حديثه إلى عدم وجود أي خطط لقطع شبكات الإنترنت الخارجية، لكنه لا يستبعد قطع اتصالات الإنترنت في الداخل مع الشبكات والمواقع الخارجية في حال تعرض بلاده لأي أعمال معادية من الخارج، وتوفر الشبكات المحلية البديلة. وأكد الرئيس الروسي ضرورة أن تلتزم هذه الشبكات والمواقع الأجنبية بالقوانين واللوائح الروسية. ومضى يقول إن الدوائر الخارجية المعادية لروسيا استغلت الأوضاع الداخلية، ومنها ما يتعلق بما شهدته وتشهده روسيا من متاعب ومشاكل بسبب تفاقم تبعات وسلبيات وباء كورونا.

وتوقف بوتين في حديثه وردوده على أسئلة سامعيه ومشاهديه من الحضور الرسمي الإعلامي عند واقعة تسمم نافالني، الذي لم يشر إليه بالاسم، شأن عادته منذ أن ظهر نافالني في صدارة المشهد السياسي في روسيا.
فقال بوتين إنه طرح على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون التعاون في التحقيقات التي يمكن أن تجرى بهذا الصدد.
وطرح استعداد بلاده لإيفاد عدد من ممثلي أجهزة التحقيقات للمشاركة في أي تحقيقات تجرى حول هذا الموضوع. واعترف الرئيس الروسي بأن روسيا لم ترفع الدعوى الجنائية في شأن قضية "تسمم" نافالني. وقد طلب أليكسي فينيديكتوف رئيس تحرير إذاعة "صدى موسكو" السماح بنشر ما قاله بوتين، ووافق عليه الرئيس الروسي، علماً بأن "صدى موسكو" ذات ميول ليبرالية معارضة، على الرغم من تمويلها حكومياً عبر مؤسسة "غاز بروم". وتقول المصادر الروسية إن هذا الخبر جرى تسريبه للنشر عبر إذاعة "صدى موسكو" قبل انتهاء وقائع اللقاء الذي استمر ساعتين، بينما كان من المقرر أن يستمر لمدة ثلاث ساعات، حسب مصادر "بي بي سي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان بوتين قد انتقد محاولات خصوم روسيا على مدى قرون طويلة استخدام الطامحين إلى السلطة في الداخل لتنفيذ مآرب ومخططات خارجية، على حد تعبيره. ولعله كان يقصد بمثل تلك التعابير المثيرة للجدل، المعارض الروسي نافالني الذي يتحاشى دائماً الإشارة إليه بالاسم. وقال إن ذلك يحدث في إطار استغلال الحالة النفسية للمواطنين وما يتكبدونه من متاعب بسبب تردي الأوضاع المعيشية وتأليبهم ضد من يصفونهم بأنهم وراء هذه المتاعب، أي القيادات أو السلطة، سواء في روسيا أو أوروبا أو الولايات المتحدة.

ولم يغفل الرئيس الروسي الحديث عن دور روسيا في الفضاء السوفياتي السابق، إذ قال إن بلاده لا تنوي "أبداً" التوقف عن مساعدة منطقة دونباس ودعمها وتأييدها، في إشارة إلى الجمهوريتين غير المعترف بهما في جنوب شرقي أوكرانيا، اللتين أعلنتا الانفصال عن أوكرانيا من جانب واحد بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2014. وعن الأوضاع في بيلاروس، وتعليقاً على ما قاله رئيسها ألكسندر لوكاشينكو في شأن "تنويع توجهات سياسات بلاده الخارجية" متجاهلاً ما سبق وقاله حول التكامل مع روسيا، قال بوتين بضرورة أن يستمر البلدان في تعاونهما وصداقتهما، من دون الإشارة إلى كيان وحدوي، أو تكامل واسع النطاق، وهو ما اعتبرته مصادر "بي بي سي" إجابة غير واضحة!

وفي ما يتعلق بسياسات بلاده تجاه الولايات المتحدة قال بوتين إن القادة الأميركيين، وتحديداً رؤساء الولايات المتحدة يقسمون على الإنجيل، ويحنثون بمبادئه. وأشار في ذلك إلى تأييدهم للمثلية الجنسية، التي تحرمها الأديان، وإلى ما يدّعونه لبلادهم بالتميز والفرادة. 

ومن اللافت أن لقاء بوتين مع كبار رموز الإعلام والصحافة في مختلف أشكالها في روسيا، جاء مواكباً لحديث أدلى به وزير خارجيته سيرغي لافروف إلى الصحافي اليهودي الروسي فلاديمير سولوفيوف، المعروف بعلاقته الوثيقة مع الكرملين. وبعيداً عن الموقف من السياسة الداخلية، الذي لم يكن ليختلف بطبيعة الحال عما قاله بوتين، بما في ذلك ما يتعلق بدور المعارض نافالني، أثار عميد الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف كثيراً من الجدل والتعليقات التي انفجرت كرد فعل حول تصريحه في شأن مستقبل علاقات بلاده مع بلدان الاتحاد الأوروبي. وتوقفت وسائل الإعلام المحلية والعالمية عند قوله، إن "موسكو على استعداد لقطع علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي"، وهو ما قاله رداً على سؤال محاوره سولوفيوف حول مدى "استعداد موسكو لقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في حال تنفيذه تهديداته بقطع علاقات بلاده مع روسيا". وبمنطق اجتزاء الإجابة من سياقها، لم يلتفت المعلقون إلى ما قاله لافروف كاملاً، وكان يتلخص في أن "بلاده مستعدة لذلك إذا ما رأينا مرة أخرى، وكما سبق ورأينا أكثر من مرة، أن العقوبات مفروضة على بعض المجالات التي تشكل خطراً على اقتصاد بلادنا، فإن إجابتي يمكن أن تكون نعم". واستطرد ليقول إن روسيا لا تريد أن تكون معزولة عن حياة العالم، لكنها يجب أن تكون مستعدة لذلك.
وخلص إلى القول الروسي المأثور "إن كنت تريد السلام، فاستعد للحرب!"، وذلك ما أقام الدنيا وأقعدها، فقد سارعت وزارة الخارجية الألمانية إلى انتقاد التصريح الذي وصفته بأنه "غريب وغير مفهوم". أما دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، وليس ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، فقد انتفض ليقول "وسائل الإعلام تقدم عنواناً مثيراً حول كلام لافروف خارج السياق... هذا خطأ كبير من الإعلام، وهذا خطأ يغير المعنى".
 وأضاف أن "كلمات لافروف أسيء تفسيرها، وأن موسكو ليست مستعدة لقطع العلاقات مع بروكسل". وأوضح بيسكوف "النقطة المهمة هي أننا لا نريد ذلك، ولكن نسعى لتطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
مع ذلك، إذا اختار الاتحاد الأوروبي السير في هذا المسار، فعندئذٍ نعم، سنكون مستعدين، لأنك بحاجة إلى أن تكون مستعداً للأسوأ، ذلك ما كان يتحدث عنه الوزير، لكن المعنى جرى تشويهه، وتم طرح هذا العنوان المثير للجدل على النحو الذي تبدو فيه روسيا وكأنها هي التي ستبادر إلى قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي".
 أما عن تعليقات لافروف في شأن العلاقات الروسية - الأميركية من واقع المكالمة الهاتفية التي جرت مع نظيره الأميركي، أنطوني بلينكن، فلم تخرج عن الإطار المألوف في شأن الاتفاق حول ضرورة الحوار، ولا سيما ما يتعلق بالمسائل الخاصة بالاستقرار الاستراتيجي ومعاهدات الحد من التسلح، وذلك لم يُثر في حينه أي أصداء زاعقة، أو مواقف خلافية وجدلية بين الجانبين.

المزيد من تقارير