Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركي الدخيل يتناول مفهوم التسامح تاريخا وفكرا... ويرى العالم تجمعا انسانياً

كتابه يتوجه الى النخبة والعامة ويدعو الى العيش المشترك

الكتاب من ثلاثة فصول رئيسة (الصورة للغلاف)

يواصل الكاتب والاعلامي السعودي تركي الدخيل مساره في تأليف الكتب التي تتوجه الى النخبة والعامة، معتمداً كعادته لغة بسيطة وبعيدة من التعقيد، وجديده في هذا السياق كتاب بعنوان «التسامح.. زينة الدنيا والدين»، الصادر عن دار مدارك. ويطلق المؤلف كتابه في معرض ابو ظبي للكتاب الذي يُفتتح الاربعاء المقبل. يوضح الدخيل بدءاً، مفهوم التسامح معتبراً أنه "يعالج الكثير من القبح في هذا العالم، فهو شقيق الحب والسعادة، ورفيق الالتزام بالفضائل والمُثل، وركن الإيمان بالعيش المشترك، والدواء الذي يعالج ذاكرة الحروب والعنف والكراهية، يَقوى بالذكر المتكرر، والممارسة الراشدة المبنية على إرث قوي. ولكن، لا يمكن تأسيسه وترسيخه، إلا بفعل الكتابة، والتوثيق له، والنقاش حول هذا المفهوم، وأبعاده، ونماذجه، وسلوكياته".

يتعرض المؤلف في كتابه لأمراض العنصرية والتباغض قائلاً: "كلنا ضعفاء، كلنا هشّون وميالون إلى الخطأ، لذا دعونا نسامح بعضنا بعضاً، ونتسامح بعضنا مع بعض." ويحدد الدخيل عنصرين لنجاح التسامح ، أولهما إرادة سياسية واضحة، وثانيهما فاعلية مجتمعية ودينية لخدمته. هذا النجاح يضيق الخناق على التعصب والتشدد والعنصرية والكراهية، ويبشر عبر القوانين التي يتساوى الناس أمامها، ومن خلال سيادتها، بعهد يسع الجميع، فلكل إنسان الحق في اختياره".

وفي رأيه أن الكتاب هذا "يوفر مادة مختصرة، متنوعة، تبين للقارئ العربي، منابع متنوعة للتسامح، بعضها يأتي من تراثه والآخر من التجربة الإنسانية، و شجرة الفضيلة، التي تحمل التسامح والحرية، والخير، والعدالة، تعيش وتنتعش حينما ندعّمها بسلوك وتفكير، وهذا الكتاب يشرح المفهوم، ويبسِّطه في وقت واحد".

يطرح الدخيل في كتابه أيضاً أسئلة جوهرية تضع القارئ في مواجهة مع الذات، فهو مؤمن بأن التطرف "دمر ما تبقى من إنسانية بهذا العالم، قطعت بسببه الرؤوس، واستهدفت الأديان فهاجر أهلها مجبرين عن بلدانهم، وبقي المتطرفون يبحثون عن مزيد من الضحايا والسبايا، كل ذلك وقع في بلداننا". وليس ذلك الواقع المتحقق هو المشكلة فحسب، بل أن هذا القبح، كما يؤكد الدخيل، جاء مدعياً بأنه ينطلق من خلفيات دينية وثقافية. لهذا يرى الدخيل وجوب طرح أسئلة التسامح، والتأصيل له، خاصة على الصعيد الديني والثقافي.

يقسم الدخيل كتابه إلى ثلاثة فصول، فيحمل الأول عنوان "التسامح، في البدء كان السؤال"، ويقدم فيه موجزاً لتاريخ التسامح عند العرب، متناولاً حاجتنا لهذا المفهوم معرفةً وتطبيقاً، لينتقل إلى المفردات الأخرى التي تقابل هذا المفهوم، من تساهلٍ، ولينٍ، ورفق، وتعايش، ثم يعرجُ على تجربة جمال الدين الأفغاني والراهب والأديب لويس شيخو و على أدب الدعوة إلى التسامح،و تاريخ التسامح.

ثم اسئلة مثل: كيف فهمنا "ثمن" التسامح؟ وكيف تطور تلقينا له؟ وكيف صغنا إسهامنا فيه؟ ليصل إلى سؤال جوهري: لماذا غاب التسامح؟ وعلى الرغم من هذا الغياب، يتساءل الدخيل: "أيشعّ النور المضاع؟ ليقدم تأصيلاً للتسامح من خلال شعر العرب، والحروب التي تعرض لها التسامح من خلال ما يعكسهُ هذا الشعر، ثم ينتقل إلى التسامح عند المعاصرين، متناولاً تجربة المفكر محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، وعلي أومليل، ومن هؤلاء، ينتقل إلى مسارٍ آخر، يقدمُ فيه الغزالي، والحصين، وشوقي، ليختم بالتعليق على المسارين المختلفين. ثم يبيّن التسامح بين الفكر والسلوك، وصولاً إلى الإمكانات الكامنة في هذا المفهوم، من خلال معالجته لتشدد الذات، والحوار الذي يرى فيه وسيلة لبلوغ هذا المبتغى.

يرى الدخيل أن "العيش المشترك هو ركن الدولة في عصرنا، والتوافق عليه هو القرار الضامن لاستقرارها، فنحن نعيش معاً بإرادتنا، ولو تخلخلت هذه الإرادة الطوعية، لانهار البناء. وهناك من يسعى لتدمير سلمنا المجتمعي، وقبولنا للآخر، وهو يجيد اللعب على وتر ترسيخ الانقسام داخل المجتمعات، ولنمنعه، علينا أن نراجع سيرة توحدنا، والقيم الضامنة لذلك".

أما الفصل الثاني من الكتاب، والذي جاء تحت عنوان "التسامح... لوك وفولتير ونحن، مواقف أثمرت الأفكار" فيبحث مفهوم التسامح، ونشأته، وصولاً إلى البحث في الظروف التاريخية التي أدت الى تأليف رسالة الفيلسوف جون لوك في التسامح، ومن لوك ينتقل إلى فولتير، «صدام الإعدام شرارة التأليف»، ثم يتعمقُ في تطور مفهوم التسامح، بعد لوك وفولتير، ليستعرض التطورات التي أكدت أن التسامح قيمة حضارية.

ثم ينتقل إلى العصر الحديث، مستعرضاً المحاولات المعاصرة للتسامح، مركزاً على الدين، والمرأة، ومستحضراً عدداً من المواقف المعاصرة، إلى جانب حضور هذا المفهوم على صعيد الثقافة الفقهية عند الفقهاء، متوسعًا في التسامح بوصفه تقبلاً لعادات البشر، وصولاً إلى التسامح في الدين والمجتمع، مركزاً على "ثقافة التسامح والمرأة"، ليؤكد من خلال بحثه على أن إشاعة التسامح تُنير الظلام. ويبيّن أن ما يزعجنا هو الربط بين مفهوم الإرهاب، وبين ديننا وثقافتنا، لهذا يؤكد ضرورة أ«ن نقدم اجتهادنا في تفكيك منهج الإقصاء والكراهية، وأن نعيد طرح ثقافتنا الراهنة، لا عبر منظومات تراثية متخفظة أو أساطير مجتمعية مرتبكة، أو ممارسات فردية متنطعة، بل عبر منتجنا الحيوي، ومبادرتنا الذكية، لسياسة التسامح وإدارة الذاكرة، والاحتفاء بالتنوع، وإدراك أهمية العيش".

وفي الفصل الثالث، يقدمُ الدخيل قراءة معمقة في كتاب «تاريخ التسامح في عصر الإصلاح»، مستعرضاً محتوياته والدراسات السابقة عليه، ثم يجيب عن سؤال "لماذا عصر الإصلاح؟" ويوضح معنى التسامح الذي تضمنهُ الكتاب، مقدماً قراءة للتسامح في "الإنجيل"، وفي "مرسوم ميلانو"، ومعرجاً على الجدلية بين الكنيسة والدولة في العصر الوسيط، وعلى دور المثقف، وصولاً الى تمرد مارتن لوثر على الكاثوليكية. ثم ينتقل  الى سياسة الحوارات، وإلغاء طابع الدولة المذهبية، وتأسيس "البروتستانتية".

ومن خلال هذا التطواف المتوسع والمتفرع، يريد الدخيل أن يبين "أن التسامح يجب أن يكون مساراً لأعمالنا الفكرية، وممارستنا الحياتية، ليقف سداً منيعاً، بوجه الكراهية والعنف".

و يبين الدخيل، أن رسالتنا اليوم لم تعد ملكاً لنا، بل صرنا جزءاً من تجمع إنساني، لا ينقطع  بعضه عن بعض، يزداد تواصلاً، وتتزايد رغباته ومخاوفه، وتتقاطع مصالحه.

المزيد من ثقافة