Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل باتت علاقة الإنسان بالحيوانات قنبلة موقوتة؟

دراسة: 700 ألف فيروس غير نشط تحملها الكائنات الأليفة بانتظار طفرة جينية لتبدأ في التفشي

أكدت دراسات احتواء الحيوانات على عدد هائلة من الفيروسات الحاملة (غيتي)

خوفاً من تطور سلالات جديدة لفيروسات كورونا، أغلقت السعودية عدداً من أسواق الإبل والطيور، تعزيزاً للاحترازات الوقائية للحماية من مسببات جديدة لـ"كوفيد 19"، في الوقت الذي بدأت روسيا في تطوير لقاحات للحيوانات الأليفة، خصوصاً القطط والكلاب التي لا تظهر عليها أعراض على الرغم من قدرتها على التقاط الفيروس. كل هذا يأتي في وقت تتحدث فيها دراسات عن أن الحيوانات قد تكون مصدراً لخلق طفرات جينية لأوبئة جديدة، نتيجة لفيروسات خاملة تستطيع الحيوانات حفظها في أجسادها.

على سبيل المثال، أشارت دراسة صادرة عن جامعة مينيسوتا الأميركية، إلى إمكانية تطعيم القطط والكلاب للحد من انتشار فيروس كورونا وانتقاله من البشر للحيوانات على المدى الطويل، وأكدت الدراسة أهمية تحصين القطط والكلاب من العدوى بفيروس كورونا، طبقاً لتقرير نشر في صحيفة الـ"ديلى ميل" البريطانية.

وأشار التقرير إلى أنه يمكن أن يتطور الفيروس في مضيفات حيوانية، ما يشكل تهديداً للصحة العامة على المدى الطويل، ويمكن لـكوفيد 19 أن يصيب مجموعة واسعة من الأنواع المضيفة، بما في ذلك القطط والكلاب والأنواع البرية والمستأنسة الأخرى، ما يعني أن الحيوانات باتت مصدراً رئيساً لاستمرار الدورات الوبائية.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه شركات اللقاح عجزاً عن تلبية حاجة جميع سكان العالم، إلا أن بعض الدول استشعرت قابلية تحول الفيروس إلى نموذج أشد ضراوة بسبب حاضن حيواني، وتدرس العمل على تطعيم الحيوانات أيضاً.

القنابل الموقوتة

منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد، توجهت أصابع الاتهام إلى حيوانات برية رائجة في الصين على رأسها الخفافيش، ونقله عبر وسيط حيواني أليف لم يحدد نوعه، وذلك كما حدث في كورونا الشرق الأوسط الذي نُسب إلى حيوان مستأنس وهو الإبل، وأتت الإرشادات حينها بضرورة تقليل الاحتكاك بها، والتخلص منها إذا وجب الأمر.

وأوصت الوكالة الأميركية لمكافحة الأمراض جميع الأشخاص بمعاملة الحيوانات الأليفة بالطريقة نفسها التي يعاملون بها أفراد الأسرة لحمايتها من الإصابة بكوفيد-19، إذ تنصح بإبقاء القطط في الداخل ومنع الحيوانات الأليفة الأخرى من التجوال بحرية.

ويجب على الأشخاص المصابين تجنب الاتصال بالحيوانات الأليفة، بما فيها الإبل، ما يعني عدم التقبيل، وبالتالي، من المهم أن يتولى شخص آخر مسؤولية الاعتناء بالحيوانات الأليفة، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، ينصح مركز السيطرة على الأمراض بارتداء قناع الوجه عند التعامل معها، كما يجب على الأشخاص الذين يشتبهون في إصابة حيواناتهم الأليفة بفيروس كورونا استشارة طبيب بيطري.

وأشار المركز أيضاً إلى أنه من بين 93 حالة إصابة بـالوباء لدى القطط والكلاب في الولايات المتحدة، فإن 53 في المئة منها لم تظهر أي أعراض، وقال المركز، إنه يجب عزل الحيوانات الأليفة التي ثبتت إصابتها بفيروس كورونا بعيداً عن البشر والحيوانات الأخرى.

ووجدت الدراسة المبنية على بحث أجري في الصين في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، أن القطط أكثر الحيوانات الأليفة عرضة للإصابة بكوفيد-19، وأشارت إلى أن القطط المصابة وجد لديها أثر للفيروس في الفم والأنف والأمعاء الدقيقة، مضيفة أنها عانت تداعيات "حادة" في الرئتين والأنف والحنجرة.

في المقابل، توصل الباحثون في الدراسة نفسها إلى أن إصابة الكلاب والدجاج والخنازير بالفيروس "غير مرجحة".

وذكرت "رويترز" أن منظمة الصحة العالمية "ستلقي نظرة أكثر شمولية" على انتقال الفيروس بين البشر والحيوانات، بعد أن أكدت أكثر من مرة أن المرض لا ينتقل من الحيوانات الأليفة إلى الإنسان.

"ميرس" الإبل

وتتوسع الدراسات ذاتها في الحديث عن كوفيد-19 للتحول إلى السلالة الفيروسية المسماة "كورونا"، فهذه السلالة التي بدأت بـ"سارس" ثم "ميرس"، حتى شكل "كوفيد" الحالي هي حيوانية المنشأ قبل انتقالها إلى البشر.

وأشار برنامج "بريدكت" الذي يضم مجموعة من خبراء الأمراض المعدية في مشروع لدراسة طفرات الأوبئة الحديثة، إلى أن 75 في المئة من الأمراض الناشئة التي تصيب البشر في الوقت الحالي حيوانية المنشأ، مؤكدين وجود 700 ألف نوع من تلك الفيروسات التي تكتنزها الحيوانات الأليفة والطيور المنزلية تحت جلودها قادرة على التحول إلى فيروس بمجرد مرورها بالطفرة الجينية المناسبة لهذا التحول، وأجرى الفريق دراسة على الإبل في كينيا عام 2019، واكتشف وجود فيروس في نحو 14 جملاً تنتمي لسلالة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس".

ويقدر عدد رؤوس الإبل التي يربيها البشر في شمال شرقي أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط بالملايين، وتعتمد مجتمعات بأكملها عليها للحصول على الحليب واللحم أو جني المال.

وتقول مسؤولة الرصد بالدراسة، إن هذه العدوى تنتمي فعلاً إلى "ميرس"، لكنها أشد فتكاً 10 مرات على الأقل من فيروس كورونا المستجد، وعلى الرغم من أن تفشيه بات أقل سرعة وحدة من ذي قبل، فإنها تضيف، "لم يتوقع أحد أن يتحول كوفيد-19 إلى جائحة عالمية تحصد أرواح الملايين، ولهذا ربما يجدر بنا أن نتخذ الاحتياطات اللازمة للوقاية من المرض بدلاً من علاجه".

تحذير سعودي من الإبل

وقد حذر نادي الإبل السعودي (المعني بتنظيم رياضات الجِمال) من أن الحيوانات قد احتضنت فعلاً ‫فيروس كورونا مجدداً، وقد تكون سبباً لموجات ثانية للوباء، وفقاً لبعض الدراسات العالمية.

وبين النادي عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر" أن الحيوانات ومن ضمنها الإبل قد تكون سبباً في توسع الموجة الثانية من الفيروس المستجد.

وكان باحثون من كلية لندن قد وصفوا الحيوانات بـ"خزانات محتملة للفيروس"، مؤكدين أنها قد تؤدي إلى تفش ثان للفيروس حتى وإن قُضي عليه بين البشر، وشدد الباحثون على ضرورة تطوير استراتيجيات لمراقبة الحيوانات الأليفة والماشية لمحاولة فهم آلية انتقال العدوى من الحيوان إلى الإنسان والعكس، وتحديد حجم الخطر.

ولفتت دراسة إلى أن الإصابة بالفيروس كانت صغيرة ومحدودة عند الحيوانات، خلال الموجة الأولى من كورونا، لكنها أكدت في الوقت نفسه ضرورة البحث بشكل أوسع لتفويت أي فرصة لتفشي المرض بين الحيوانات، مشيرة إلى ما قد يشكله من تهديد لصحة البشر.

وأعلنت أمانة منطقة القصيم إغلاق سوق الطيور وسوق الإبل (المقاني) والساحة المعدة لإقامة "حراج الإبل"، بمدينة الأنعام في بريدة (وسط السعودية)، إنفاذاً لتوجيهات أمير المنطقة فيصل بن مشعل، تجاه تفعيل وتعزيز الاحترازات الوقائية لفيروس كورونا.

وبين أمين منطقة القصيم المهندس محمد بن مبارك المجلي، أن هذه الخطوة تأتي ضمن الخطوات المتبعة للحفاظ على سلامة رواد السوق، وتطبيقاً للبروتوكولات الوقائية والإجراءات الاحترازية والوقائية التي وضعتها الدولة لمكافحة فيروس كورونا المستجد.

مالك إبل: يجب التخلص من الإنسان قبل الإبل

إلا أن ملاك الإبل لديهم رأي آخر أكثر صلابة من رأي العلم، ففي البحث عن ملاك الحيوانات التي بات رجال المختبرات يعدونها قنابل وبائية موقوتة، توقفنا عند النوق، الحيوانات الأكثر شعبية في الخليج، والسعودية بالتحديد للحديث مع ملاكها.

وأشار مثيب المقاطي، مرب للإبل في محافظة رماح (شمال شرقي الرياض)، إلى أن الحديث عن الإبل ليس أمراً جديداً، فقد بدأ منذ 10 سنوات عندما ضربت موجة وبائية قوية مدينة جدة (غرب السعودية)، واتُهم حيوانه المفضل بالتسبب بها، ومع ذلك "انتهى الفيروس على الرغم من بقاء الإبل واستئناسها، ولم يعد موجوداً الفيروس على الرغم من استمرار الاختلاط بيننا وبين النوق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورفض المقاطي الربط بين كورونا والدواب، مضيفاً، "ما دام كورونا مصدره الإبل، لماذا لا يصيب جهازها التنفسي كما يصيب الإنسان الحامل له؟"، إلا أن الأبحاث ذاتها التي أتينا على ذكر شرحها لدور الإبل في تطوير الفيروس، قد فرقت بين أن يكون الجسم مصدراً للفيروس ومطوراً له وأن يكون مصاباً به، مؤكدة فروقات الجهاز التنفسي بين الكائن البشري والحيوانات، ما يسمح "بتطور الفيروسات داخل الأخيرة كجزء من عملية بيولوجية إلا أن ما ينتج عنها لا يتناسب مع الإنسان الذي قد يعتل به".

ومع احتدام النقاش حول التهم المساقة إلى حيوانه المفضل، وضرورة التخلص من المصاب منها، قال المقاطي "الإنسان أيضاً يحمل فيروس كورونا، هل معنى ذلك أنه مصدر له ويجب التخلص منه؟ لو كان الفيروس يضرب الإبل فعلاً فهو ضحية كما الإنسان وليس متهماً، وإن كان الحل بالتخلص منه فيجب التخلص من الإنسان المصاب أيضاً"، مؤكداً عدم رصده تسجيل أي إصابات بين ملاك الإبل منذ شيوع هذه المعلومة.

وهو ما لا يتفق مع بيانات وزارة الصحة السعودية، قبل عقد من الآن، والتي أشارت إلى تسجيل إصابات بين ملاك الحيوان الصحراوي.

كورونا الإبل أكثر حصداً للأرواح

ولفت استشاري الأمراض الصدرية النشمي العنزي إلى أنه لا يوجد دليل على أن الحيوانات تلعب دوراً رئيساً في انتشار فيروس كورونا بين البشر، كما أنه للآن لم يثبت أي وفيات للحيوانات بفيروس كورونا. في مقارنة بين "كوفيد-19" ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (فيروس كورونا)، الذي ظهر في السعودية سنة 2012.

وقال إن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وفيروس كورونا المستجد يتشاركان في إمكانية انتقالهما من الحيوانات إلى البشر، وتعتقد منظمة الصحة العالمية أن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية يمكن إرجاع أصلها إلى الإبل، بينما يُعتقد أن فيروس كورونا المستجد قد نشأ أولاً لدى الخفافيش.

وتظهر لدى المصاب بالفيروسين أعراض متشابهة، كارتفاع درجة الحرارة، والسعال الذي يمكن أن يتطور إلى التهاب رئوي، وصعوبة تنفس، والتهاب في الحلق والعطس، وآلام العضلات والمفاصل، ويزيد خطر الوفاة بسبب كلا المرضين لدى الأشخاص الذين تفوق سنهم 60 عاماً، والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة.

أما الاختلاف الرئيس بين متلازمة الشرق الأوسط التنفسية و"كوفيد-19"، ففي نسبة العدوى والوفيات، إذ إن "ميرس" أكثر فتكاً من نظيره المستجد، فقد حصد أرواح 866 شخصاً من أصل 2519 مصاباً بالعدوى، أي بمعدل وفيات يصل إلى 35 في المئة.

في المقابل، وصل معدل الوفيات بسبب كورونا المستجد إلى 3.4 في المئة حتى الآن، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمعدل المسجل لدى فيروسات أخرى من العائلة نفسها، ويصيب فيروس كورونا المستجد أعداداً أكبر بكثير من تلك المسجلة بسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

وعلى العكس من المستجد، لا تنتقل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية بين الأشخاص بسهولة، إلا في حالة المخالطة عن قرب، كتقديم الرعاية السريرية إلى مريض مصاب بالعدوى من دون اتخاذ تدابير النظافة الصحية الصارمة، وهو ما يفسر كون معظم الإصابات التي نتجت في الأيام الأولى لتفشيه كانت بين القطاع الصحي.

المزيد من صحة