Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خروج طهران عن السياق الدبلوماسي يضعها أمام طريق مسدود

ألمانيا وفرنسا وبريطانيا رحبت بنيّة واشنطن الجدية للعودة إلى المسار الدبلوماسي لحل الأزمة النووية

لا مؤشرات تبدو في الأفق تساعد إيران في تحقيق ما تريد (أ ف ب)

يبدو أن المسؤولين في النظام والحكومة في إيران، يقتربون من الاقتناع بصعوبة الحصول على موقف من الإدارة الأميركية بإمكانية العودة السريعة إلى الاتفاق النووي، وأن هذه العودة أيضاً فيها الكثير من المعوقات والعراقيل التي لا يمكن للرئيس الأميركي جو بايدن تخطيها أو تجاوزها بسهولة، حتى لو كانت لديه رغبة في اتخاذ هذه الخطوة.

إحراج وإرباك

هذه الحقائق بوضوحها، باتت تشكل إحراجاً، حتى لا يقال إرباكاً، للقيادة الإيرانية العليا منها والدبلوماسية والسياسية، خصوصاً بعد أن رفعت سقف توقعاتها وشروطها أمام الإدارة الأميركية على طريق العودة إلى الاتفاق النووي، وباتت تدرك جيداً أن تحقيق شرط رفع كل العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب بعد الانسحاب من الاتفاق النووي غير ممكن، أو ميسّر للرئيس الجديد المحكوم بآليات قانونية ودستورية بالدرجة الأولى، تعيق أي خطوة بهذا الاتجاه، فضلاً عن حاجته لهذه العقوبات من أجل التفاوض حولها ومساومة النظام الإيراني في ملفات أخرى تحتل حيّزاً استراتيجياً في الاهتمامات الأميركية المتعلقة بمنطقة غرب آسيا، تحديداً منطقة الشرق الأوسط، من دون أن يتعارض ذلك مع قناعة هذه الإدارة بأهمية وضرورة التوصل إلى تفاهم مع طهران حول كل الملفات بما يساعد في استقرار هذه المنطقة وتخفيف حجم التوتر فيها.

الرهان الأوروبي، خصوصاً لدى دول الترويكا (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) للحفاظ على مستوى من التهدئة للأجواء السياسية التي تسمح لها بالبحث عن السبل التي تساعد في إيجاد حلّ للمفاوضات، دفعها إلى الطلب من إيران التخلي عن أي خطوة تفاقم المسائل المتعلقة بالاتفاق النووي سوءاً، خصوصاً ما يتعلق بالكشف عن قيام طهران بإنتاج معدن اليورانيوم لاستخدامه في تطوير عمل المفاعل العلمي للتحقيقات، وأنها، أي هذه الدول، رحبت بالنية الأميركية الجدية للعودة إلى المسار الدبلوماسي لحلّ الأزمة النووية، التي قد تمهّد الطريق أمام عودة واشنطن إلى الاتفاق.

طريق مسدود

الأزمة بين طهران وواشنطن حول من يتخذ الخطوة الاولى بدأت تتجه إلى طريق مسدود مع اقتراب انتهاء المهلة الزمنية التي حددتها إيران كموعد لدخول خطوة تعليق العمل ببرتوكول التفتيش المباغت، ودخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 21 فبراير (شباط) 2021، والتي من المحتمل أن تتحول إلى معضلة للنظام والدبلوماسية الإيرانية على حدّ سواء، ولن تنفع معها المواقف التي أطلقها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي تخلى عن دبلوماسيته المعهودة ومحاولات تدوير الزوايا، رداً على مواقف البيت الأبيض،" قبل الإكثار من الكلام، عليكم الالتزام بتعهداتكم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهذا الخروج لظريف عن السياقات الدبلوماسية في الخطاب، يكشف عن حجم الأزمة التي يعاني منها النظام، وما ينتظره من مصاعب جراء فشله في الخروج من الضغوط الداخلية نتيجة العقوبات التي أوصلت الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية والمعيشية في إيران إلى حافة الانهيار والانفجار، وتراجع القدرة على الاستمرار في الصمود أمام الأزمات المتزايدة، الأمر الذي فتح النقاش واسعاً داخل النظام والقوى السياسية حول الجدوى من القانون الذي أقره البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 وتحوله إلى عائق أمام الحلول السياسية والتفاوضية، لأنه ألزم الحكومة بتوقيتات لتنفيذ خطوات تقليص الالتزامات النووية وصولاً إلى الانسحاب من الاتفاق برمته. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن على القيادة الإيرانية، ما هي الخطوة الإيرانية التالية إذا لم تستجِب الإدارة الأميركية للسقف والشرط الذي وضعه المرشد الأعلى؟ والمهلة التي حددها القانون في ما يتعلق بالعقوبات وعمل مفتشي الوكالة الدولية؟ وما الذي يمكن أن تفعله أو تقوم به إيران لمواجهة هذا الأمر؟

خياران

هذه الأسئلة والتحديات تضع النظام الإيراني بكل مؤسساته أمام اللجوء إلى واحد من خيارين، وكلاهما لن يكون سهلاً في التداعيات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية.

الخيار الأول في أن يبتلع الموقف المتشدد للإدارة الأميركية، وأن يتخلى عملياً عن الشروط التي وضعها مع الاحتفاظ بالخطاب التصعيدي والاستمرار في تطبيق القانون النووي. وهذا الخيار سيتحول إلى ذريعة أميركية لممارسة مزيد من التشدد في استغلال العقوبات التي ورثتها عن الإدارة السابقة، مع اعتماد سياسة تنفيس الاحتقان من خلال اتباع سياسة مقننة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية عبر العودة إلى سياسة الإعفاءات النفطية المحدودة، والمقيّدة، والتي لا تسمح للنظام بالحصول مباشرة على عائدات النفط، بل بتسهيل عمليات شراء الحاجات الأساسية التي لا تدخل في إطار العقوبات، وفي الوقت ذاته، ترك الباب مفتوحاً أمام مفاوضات سرية أو بعيدة من الاضواء تجبر الجانب الإيراني على الاستجابة للمخاوف والمطالب الأميركية التي لا تقتصر على البعد النووي بل تشمل كل الملفات، بما فيها الصاروخي والنفوذ الإقليمي، بالتالي سيكون النظام حينها أمام معضلة وأزمة أخلاقية وشعبية نتيجة فشل ما يعتقده بسياسة الضغوط التي لجأ إليها عبر البرلمان الذي لم يضع في اعتباراته إمكانية أن يواجه مثل هذا التحدي وآليات التعامل معه.

أما الخيار الثاني، في ذهاب النظام إلى خيار استخدام القدرات العسكرية لرفع العقوبات أو توقيفها، وهو ما بدأ يتوضح من خلال تقرير مفتشي الوكالة الدولية الذي كشف عن قيام طهران بإنتاج معدن اليورانيوم، ويرجح البعض أن إيران تعمدت تسهيل عملية اكتشاف المفتشين له لإيصال رسالة بأنها قادرة على عسكرة برنامجها النووي والذهاب إلى خيار إنتاج السلاح، وأن يكون توقيت الكشف عنه أيضاً لدفع الدول الشريكة في الاتفاق النووي لممارسة الضغط على واشنطن لتسريع قرار عودتها إلى الاتفاق النووي قبل انتهاء المهلة الإيرانية، خصوصاً أن ما قاله وزير الأمن الإيراني محمود علوي في لقائه مع التلفزيون الرسمي إنه "إذا رأيتم أن إيران ذهبت إلى خيار إنتاج السلاح النووي، فاعلموا أنكم أنتم من يتحمل المسؤولية لأنكم دفعتم إيران للذهاب إلى هذا الخيار"، وهذا الموقف لوزير الأمن يتزامن مع تصاعد المواقف العسكرية لقائد حرس الثورة الجنرال حسين سلامي الذي دعا الأعداء "للاعتبار من القدرات النارية للحرس"، وأنهم "ليسوا غافلين للحظة للدفاع عن وحدة الأراضي الإيرانية ولن يترددوا في ذلك، لأن روح القوة والدفاع والصمود والهجوم على أعداء البلاد متحفزة دائماً"، وأن المناورات التي يقوم بها الحرس لإيصال رسالة إلى أميركا وحلفائها في المنطقة بأنهم على استعداد للمواجهة، ما يدلّ على أن القيادة الإيرانية تدرك أن الذهاب إلى خيار التصنيع العسكري النووي يعني أنها ستكون في مواجهة المجتمع الدولي بأكمله الذي لن يسمح لها بهذا الأمر، ما يرفع إمكانية المواجهة العسكرية وتعرّضها لضربات تستهدف منشآتها النووية بهدف القضاء على البرنامج أو إعاقته وتأخيره، بالتالي يجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات من دون أي شروط مسبقة.

دور الوسيط

هذا التشدد من الطرفين، الأميركي والإيراني، جعل طهران في وضع لا تحسد عليه، خصوصاً ألا مؤشرات تبدو في الأفق تساعدها في تحقيق ما تريد، الأمر الذي دفع أطرافاً كثيرة لإعلان استعدادها للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، في وقت لا تتردد أصوات في الداخل الإيراني في الدعوة للعودة إلى طريق الحوار، وأن تذهب بإرادتها وقرارها المستقل بعيداً من الوسطاء إلى الحوار مع الدولة الأولى التي تمتلك مفاتيح العقوبات، بالتالي تعمل من أجل الحفاظ على موقعها ودورها بالتفاهم مع واشنطن. ولعلّ كلام نائب رئيس البرلمان السابق علي مطهري أن "أميركا لم تسعَ يوماً إلى القضاء على إيران، وعلى إيران أن تبدي تعاوناً مع هذه الدولة خطوة بخطوة"، قد يشكل صورة عن هذه المواقف التي تجد في هذه الخطوة مسوغاً منطقياً وعقلانياً يساعد طهران على الخروج من أزماتها والعودة إلى لعب دورها الطبيعي في المنطقة والعالم.

المزيد من تحلیل