Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وساطة إيرانية بين تركيا والنظام السوري

تسعى طهران إلى اقناع الجانب السوري بضرورة تعزيز العلاقة مع أنقرة

يلف الغموض عادةً التصريحات الصادرة عن الدبلوماسية الإيرانية، إلا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف غيّر العادة في زيارته الأخيرة إلى تركيا قبل أيام، إذ أعلن أنه أجرى "لقاء مطولاً مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، وسأعرض تقريراً عن اللقاء على السيد (رجب طيب) أردوغان". 

وفسرت مصادر متطابقة عدة ذلك التصريح بأنه كان بمثابة كشف عن وساطة غير معلنة تقودها إيران بين تركيا والنظام السوري، بخاصة أن تصريح ظريف المباشر، تلته تصريحات أخرى صبت في الاتجاه ذاته، ومفادها أن "إيران ترغب في أن تسود علاقات ودية بين دول المنطقة، ولم تتدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول".

 
معضلة إيران السورية
وترى إيران راهناً نفسها في مأزق مركّب في المسألة السورية، وهي تسعى إلى الاستنجاد بتركيا لتسهم في فك المشاكل التي تعترض استراتيجيتها في الداخل السوري. إذ ترى إيران كيف أن أزمة المشتقات النفطية التي تغرق بها الحكومة السورية، إنما هي نتيجة مباشرة لما فُرض عليها من عقوبات أميركية - دولية، وكيف أن كل المساعدات الهائلة التي وفرها النظام الإيراني إلى نظيره السوري، والتي وصلت إلى دعم سنوي بمستوى 5 في المئة من الموازنة العامة الإيرانية، لم تأت بثمار، إذ لم تُمكّن النظام السوري من الاعتماد على ذاته. وتلاحظ إيران كيف أن الماكينة الإعلامية والدعائية السورية صارت تتهم "الحليف" الإيراني بالتباطؤ في دعم نظيره السوري.
وتعتقد طهران بأن ذلك يجري في وقت تتعرض الفصائل والميليشيات الإيرانية في سوريا لأوسع مروحة من الضغوط الروسية - الأميركية المشتركة. ففي حين تراقب روسيا أزمة النظام السوري الاقتصادية من دون تدخل واضح، بحسب ما اتهمتها قناة "العالم" الإيرانية بوضوح، تسعى إلى أكبر عملية تنقلات في الرتب العسكرية والمراكز الأمنية السورية، تستبعد عبرها الضباط ومراكز القوة الإيرانية، لمصلحة قيادات عسكرية وأمنية سورية قريبة من روسيا. على المستوى ذاته، فإن روسيا لا توفر جهداً في الدخول بمواجهات مباشرة مع الميليشيات الإيرانية على الأرض، مثلما جرى في "حي النيل" في مدينة حلب قبل أيام، إذ جرت مواجهة مسلحة بين الميليشيات المدعومة من الطرفين على شكل حرب مفتوحة.
وفي السياق، التقى الأسد مبعوث روسيا الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين وعدد من المسؤولين في وزارة الدفاع الروسية، يومي الجمعة والسبت في 19 و20 أبريل (نيسان) الحالي، وبحث معهم الجولة المرتقبة من محادثات السلام في كازاخستان واستئجار ميناء طرطوس والتجارة بين البلدين. وذكرت وزارة الخارجية الروسية أن المسؤولين ناقشوا مع الأسد تشكيل لجنة دستورية، كانت وافقت المعارضة السورية على الانضمام إليها لإعادة كتابة الدستور تحت إشراف الأمم المتحدة، وذلك عقب مؤتمر للسلام في سوريا عُقد العام الماضي في مدينة سوتشي الروسية. إلا أنّ الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) اكتفت بالإشارة إلى أن اجتماعات الروس مع الأسد ركّزت على جولة المحادثات المقبلة في كازاخستان، التي ستشارك فيها سوريا وحليفتيها روسيا وإيران، إضافة إلى تركيا. وذكرت "سانا" أنّ الأسد التقى نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، وناقش معه شؤون التجارة والتعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصاً "في قطاعات الطاقة والصناعة وزيادة التبادل التجاري"، مضيفةً أنّهما بحثا "الآليات العملية لتجاوز كل العوائق، الإدارية منها أو تلك الناتجة عن العقوبات التي تفرضها الدول المعادية للشعب السوري على سوريا"، والتي تسبّبت في أزمة نقص الوقود في البلاد.

من جهة أخرى، نقلت وكالة "تاس" للأنباء عن بوريسوف قوله إن أنقرة تأمل في توقيع اتفاق لاستئجار ميناء طرطوس من سوريا خلال أسبوع، وأن الميناء سيشهد "تحولاً من أجل الاستخدام الروسي"، علماً أنّ القاعدة البحرية الروسية في طرطوس هي منطقة الوجود الروسي الوحيدة في البحر المتوسط.
يجري ذلك في وقت تنتظر الاستراتيجية الإيرانية الفعل المباشر الذي يُتوقع أن تُقدم عليه الولايات المتحدة في الداخل السوري عقب تصنيفها الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية. وأفادت مصادر متطابقة بأن الولايات المُتحدة وجهت تحذيراً إلى الفصائل والميليشيات الإيرانية على امتداد الضفة الغربية من نهر الفرات، في مدن وبلدات الميادين والبوكمال وحتى مدينة دير الزور، وطالبتها بإخلاء معسكراتها ومناطق تمركزها، وإلا تعرضت للقصف في أقرب وقت، ثم لهجوم بري من قبل قوات سوريا الديموقراطية.

 

 

حاجات تركيا

هذا الوضع الحرج لإيران في الداخل السوري يوائم ما وصلت إليه الاستراتيجية التركية في الملف نفسه، إذ فشلت أنقرة في تحقيق أي توافق مع كل من روسيا والولايات المتحدة بشأن منطقة شرق الفرات والمشروع الكردي المتنامي فيها. وجربت تركيا عرض كل شيء على هاتين القوتين من دون أن تتمكن من الاستحصال على ضوء أخضر منهما لاجتياح تلك المنطقة. ولم توافق الولايات المتحدة على تسليم تلك المنطقة لتركيا لتقوم بمتابعة عملية محاربة الإرهاب، ولم ترض الولايات المتحدة بالقراءة التركية للمنطقة الآمنة، التي كانت فعلياً بمثابة تسليم تلك المنطقة إلى النفوذ التركي.

في الطريق إلى ذلك، أدركت تركيا أن روسيا غير قادرة على منحها حق اجتياح تلك المنطقة مثلما فعلت في منطقة عفرين، فشرق الفرات غير خاضعة للنفوذ الروسي، وحتى "اتفاقية أضنة" التي رفعت تركيا لواء تطبيقها في الفترة الأخيرة، إذ اعتبرت بأنها تخول الطرف التركي أن يتدخل في المناطق الحدودية مع سوريا، فيما لو حدث شيء تعتبره مساً بأمنها القومي، فالنظام السوري أعلن أن تركيا هي التي تخلت عن تلك الاتفاقية، وأن شرط تطبيقها هو تخلي أنقرة عن دعم الجماعات السورية المعارِضة المسلحة.
حدث ذلك في ظل ضغوط متواصلة تمارَس على تركيا في مناطق سيطرتها في منطقة إدلب. وتتعرض تلك المنطقة لحملات قصف منظمة من روسيا والنظام السوري، وتُقضَم بين فترة وأخرى من دون أي اعتبار لتفاهمات سوتشي التي عقدتها إيران وروسيا مع تركيا بشأن تلك المنطقة. وكلما اعترضت تركيا على تلك السلوكيات، طالبتها روسيا بتنفيذ ما تعهدت فعله في تلك المنطقة، أي تفكيك الفصائل المتطرفة في تلك المنطقة، وإعادة الحياة لأوتوستراد حلب-دمشق الحيوي، الذي تقع منطقة واسعة منه تحت سيطرة الميليشيات المتطرفة المدعومة من تركيا. لكن يبدو واضحاً أن تركيا لا تستطيع أن تمضي قدماً في تعهداتها تلك.
يجري ذلك في ظل تراجع كبير لشعبية "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان في الداخل التركي، أرجعه متابعون أتراك إلى استراتيجية الأخير في المسألة السورية، التي انعكست بشكل حاد على الاقتصاد التركي وعلاقات تركيا الخارجية.
 
التهدئة كأساس للوساطة
وتعتقد إيران بأن هذه الظروف مناسبة ليدخل الطرفان مرحلة تهدئة وتنسيق غير معلنة، فإيران تسعى إلى اقناع الجانب السوري بضرورة جذب تركيا في المرحلة الراهنة، إذ أعلنت أنقرة معارضتها التصنيف الأميركي لقوات الحرس الثوري الإيراني تنظيماً إرهابياً، مثلما أعلنت من قبل مساندتها طهران بوجه العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وتسعى إيران إلى أن يتيقن النظام السوري بأن هذا الموقف التركي يصب في مصلحة تماسكه، لأنه يسهم في صمود النظام الإيراني واستراتيجيته الإقليمية.
وفي سبيل تهدئة تركيا وجذبها، ترى إيران أن النظام السوري يجب أن يسعى إلى خلق نوع من التهدئة في مناطق سيطرة تركيا، في إدلب وباقي المناطق القريبة منها، والتركيز في المرحلة المقبلة على منطقة شرق الفرات، وأن يعتبرها خارج الشرعية الدستورية للدولة السورية. إلا أن بقاءها بهذا الشكل، يقع محل رفض مُطلق من النظام السوري، الأمر الذي قد يبرر المخاوف التركية.
في الوقت ذاته، فإن الطرف الإيراني يسعى إلى تشجيع تركيا على تهدئة خطابها تجاه النظام السوري، واقناعها بأن استمرار الشكل السياسي للعلاقة بين الطرفين بما هو عليه راهناً، يؤدي عملياً إلى تمركز المشروع الأميركي - الأوروبي في منطقة شرق الفرات، المؤهَلة لأن تتحول بالتقادم إلى مشروع شبيه بما هو عليه إقليم كردستان العراق.
وتسعى إيران إلى إقناع تركيا بفتح منصات التواصل مع الأجهزة الأمنية السورية، وإن بشكل غير معلن، ليسهم ذلك في تسهيل مهمة تركيا في منطقة إدلب وشرق الفرات في الآن ذاته. كذلك فإنها تنصح تركيا بفتح المعابر الاقتصادية بين مناطق سيطرتها ومناطق النظام السوري، الأمر الذي يحمل عن كلا الطرفين آثار الأزمات الاقتصادية.
اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط