Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الولاية الخامسة تثير الجدل السياسي حول رئيس جيبوتي

مصادر: إسماعيل غيلّه ارتكب عنفاً ممنهجاً يوقعه تحت طائلة القانون والسلطة سبيله الوحيد للنجاة منها

الرئيس الجيبوتي إسماعيل غيله أعلن ترشحه لولاية خامسة (أ ف ب)

تشهد جيبوتي حالة من الجدل السياسي بعد إعلان الرئيس إسماعيل عمر غيلّه إعادة ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة للمرة الخامسة في الجمهورية التي استقلت عام 1977، وسميت باسم عاصمتها جيبوتي، حيث أسس حسن جوليد أبتيدون فيها دولة ذات حزب واحد لتولّي منصب الرئيس حتى عام 1999.

وتعتبر جيبوتي إحدى البقاع الأكثر استقراراً في منطقة القرن الأفريقي التي تمور بالأزمات والصراعات الداخلية، وهو ما سمح للجمهورية الأصغر حجماً بين دول المنطقة لعب دور كبير على المستويين الاقتصادي والسياسي، خصوصاً مع إثيوبيا التي تمر 95 في المئة من تجارتها عبر الموانئ الجيبوتية، في حين كانت الأولى الراعي لسلسلة مؤتمرات السلام التي كان آخرها مؤتمر "عرتا" الذي سمح بانتهاء الفترة الانتقالية بالصومال.

وشأن العديد من الدول التي نشأت عبر التقسيم الاستعماري، لم يخل التاريخ الجيبوتي من صراعات، فقد أدت الاضطرابات بين قومية عفر والنظام خلال التسعينيات إلى حرب أهلية استمرت حتى عام 2001 باتفاق سلام بين متمردي عفر والحكومة التي تهيمن عليها عشيرة عيسى الصومالية، وقد أسفرت أول انتخابات رئاسية متعددة الأحزاب في جيبوتي عام 1999 عن انتخاب إسماعيل عمر غيلّه رئيساً، الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية في 2005، ومدد فترة ولايته من خلال تعديل دستوري في 2010، وهو ما سمح له بالاستمرار في الحكم لفترة ثالثة في 2011 وبدء فترة رابعة في 2016.

مميزات وتحديات وواقع صعب

يشير زكريا آدم، الباحث في مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، إلى تأثير موقع البلاد في واقعها الاقتصادي والسياسي، الذي تسهم طريقة إدارة البلاد إلى إبراز التناقضات التي يجمعها فيقول: "ميّز الموقع الجغرافي جيبوتي على المستوى الجيوسياسي، نظراً لكونها تشغل الضفة الجنوبية الغربية لمضيق باب المندب، الذي للاستفادة منه تم حفر قناة السويس، إذ تمر بالمضيق واحد وعشرون قطعة بحرية سنوياً، تحمل نسبة كبيرة من التجارة الدولية، بدءاً بحاويات السلع وصولاً إلى  ناقلات النفط والغاز، والقطع البحرية العسكرية، إلا أن الموقع ذاته وصغر المساحة كانا سبباً في اعتماد البلاد في اقتصادها على "قطاع الخدمات"، فالظروف المناخية للبلاد وقلة الأمطار فيها، جعلاها لا تصلح لنشاط زراعي على مستوى اقتصادي، ما حدا بالحكومة للتركيز على الاستفادة من سواحلها، في دعم التوسع في بناء الموانئ، بغرض توفير خدمات إعادة التصدير من جهة، والتوسع في تأجير مساحات معينة من البلاد لدول أجنبية، لتتخذ منها تلك الدول قواعد عسكرية".

يضيف آدم، "على الرغم من قلة السكّان الذين لا يتجاوزون مليون نسمة، فإن سوء إدارة البلاد خلال أربعة عقود أدى إلى أزمات اقتصادية كبيرة، على رأسها ارتفاع نسب البطالة بين الفئات الشابة، ليبلغ بحسب كتاب حقائق CIA 40 في المئة من القوى العاملة بالبلاد، يترافق مع ذلك الغلاء الشديد في خدمات أساسية تقدمها الدولة كالطاقة الكهربائية، وتراجع مستوى الخدمات التعليمية في التعليم الحكومي مع زيادة في الالتزامات الموقعة على أولياء الأمور، كل هذا في مجتمع شاب تشكل الفئة العمرية ما دون 26 سنة أكثر من 50 في المئة من السكان".

أسباب تمسك غيلّه بالسلطة

وفي أسباب تمسك الرئيس إسماعيل عمر غيلّه في الاستمرار بالسلطة، إلى حدّ تعمّد تعديل دستور البلاد يشير عبد الرحمن بشير، المفكر السياسي الجيبوتي، إلى عدد من العوامل فيقول، "هنالك دعوى قضائية مفتوحة في فرنسا ضد غيلّه، فحواها أن الرئيس وراء مقتل القاضي الفرنسي بوريل، الذي عمل في جيبوتى نهاية الثمانينيات، وبداية التسعينيات من القرن المنصرم كمستشار قانوني منتدب في وزارة العدل الجيبوتية، وعلى الرغم من العلاقات الطيبة بين غيلّه وفرنسا حالياً، فلا توجد ضمانات لعدم تعرّضه للملاحقة في حال تنازل عن السلطة، كما أن توليه ملف الأمن السياسي في جيبوتى لعقود، خلق له عداوات في البلد بل وفي المنطقة، فليس من الحكمة مواجهته لهذه الملفات الساخنة داخل الوطن وفى المنطقة كذلك وهو في موقف أقلّ قوة مما هو عليه الآن".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي سياق التجاوزات التي حدثت في عهد غيلّه، التي قد تجعل من تنازله عن السلطة أمراً غير وارد، يضيف بشير عن وقائع حدثت نتيجة الاستخدام المفرط للعنف ضد المحتجين، "هنالك ملفات شديدة الخطورة أخرى متعلقة بالقتل الجماعي الممنهج، ومنها ضرب قبيلة سمرون الصومالية بداية التسعينيات، وكذلك مجزرة حي أرحبا ذي الغالبية من القومية "العفرية" ذات الحضور الكبير فى جيبوتى وإريتريا وإثيوبيا، وأخيراً مجزرة بولطقو؛ عشيرة يونس موسى، العيساوية الصومالية، التي جرت في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وكل هذه الملفات تجعله خائفاً، وغير قابل للرحيل كما يرى بعض المحللين".

المحسوبية وأزمة الخلافة

وفي إشارة إلى أزمة الخلافة التي طفت على السطح في جيبوتي يحيلنا خالد سعيد محمد، الباحث في الشأن الأمني بالقرن الأفريقي، إلى حالة الاحتقان الداخلي في الجمهورية فيقول، "مما يتم تداوله بين الأوساط الشعبية ووسائل الإعلام، امتلاء مفاصل السلطة الجيبوتية، بالمؤيدين ذوي الولاء الشخصي للرئيس غيلّه، فقد صدرت تقارير صحافية تشير إلى وجود أكثر من 17 عضواً من عائلة الرئيس في أشد المناصب حساسية وتأثيراً في البلد، من دون أن ينحصر دور أولئك الأفراد على الهيمنة السياسية، بل اتسع نفوذهم ليمتد إلى العمل الاقتصادي، وهو ما فجرته قضية لجوء أحد رجال الأعمال الجيبوتيين إلى صوماليلاند؛ مسقط رأس آبائه، التي يمتلك فيها مصنعاً للمشروبات الغازية (كوكاكولا)، مقدماً شكواه رداً على طلب تسليمه للسطات الجيبوتية من استغلال بعض أفراد أسرة الرئيس نفوذهم، للاستيلاء على ممتلكاته في البلاد، بعد امتناعه عن الموافقة على دخولهم شركاء معه في عدد من أعماله التجارية الناجحة".

ومع ما تمّ اعتياده من نمط العمل السياسي بالدول الأفريقية، في إقصاء المنتقدين والتضييق على المعارضين، فإن الوضع السياسي في جيبوتي يزداد صعوبة، وهو ما عبّر عنه الباحث بقوله، "اتساع حجم النفوذ العائلي لأسرة إسماعيل عمر غيلّه، وطبقاً لما يمكن استقراؤه من تجارب تاريخية مماثلة، يكاد أن يكون مؤشراً لمرحلة خطرة من مراحل التاريخ الجيبوتي، فبعد اعتياد السلطة تحجيم المنتقدين ذوي الكفاءة والوطنية، لمجرد انتقادهم للأوضاع من داخل الحزب والدولة، والتضييق على العناصر المعارضة السلمية، بحيث قبلت بالنفي الاختياري، فراراً من الملاحقة والتعنيف، فلم يبق سوى أن يتصارع أقطاب أسرة الرئيس لتحديد من سيخلفه، ويمكن اعتباره وصولاً لمرحلة دق ناقوس الخطر، والخوف الحقيقي على واحة للسلام والاستقرار مثلتها جيبوتي في القرن الأفريقي".

السعي نحو الأفضل

بقاء جمهورية جيبوتي واحة استقرار، أمر لا يمكن للمتابع أن يغفله، وسط إقليم يمور بالصراعات والاضطراب، وعند سؤال بهجة محمود موسى وهي طبيبة جيبوتية مقيمة في صوماليلاند، عن واقع الأمور في وطنها، وسط الانتقادات التي يواجهها النظام الجيبوتي أجابت "بالتأكيد، أن كل مواطن يرغب في أن يكون وطنه من البلدان التي يشار لها بالبنان، وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها جيبوتي، بسبب موقعها الجغرافي، ضمن أرض لا تتمتع باحتياطيات معدنية أو النفط أو الغاز، ولا تتوفر فيها مقومات الزراعة بسبب قلة الأمطار وحرارة الطقس، فإن توسع الدولة في تقديم الدعم لمواطنيها، بحسب الإمكانيات والموارد المتوفرة، أمر نلمسه ويحقق تقدماً ملموساً بشكل ثابت ومستمر، فعلى سبيل المثال فإن القطاع الطبي الجيبوتي، على الرغم من تواضع إمكانياته فإن ثلث متلقي خدماته المجانية عبارة عن حالات صحية قادمة من الصومال وإثيوبيا، هذا على مستوى القطاع الصحي فقط، ولا أظن أن المجال يتسع للحديث عن قطاعات التعليم والمرافق وخلق فرص العمل، التي تقوم الدولة بتطويرها بشكل تدريجي ولكن دؤوب".

ولدى سؤال الطبيبة موسى عن الجانب السياسي، أحالتنا إلى أحد اللقاءات الصحافية التي قام بها الرئيس الجيبوتي بعيد الانتخابات البرلمانية الأخيرة فقالت "أشار الرئيس إلى أن الجمهورية التي استقلت سنة 1977، ما زالت تعمل على صقل خبراتها في مجال الديمقراطية، وأن الطريق طويل ما دمنا نوازن بين الوصول إلى نظام سياسي ديمقراطي كامل يعكس هوية الشعب الجيبوتي، وبين تجنيب الشعب ويلات الصراع السياسي الذي قد يؤثر على أمن البلد، وحياة المواطنين ومصادر عيشهم، كما أشار الرئيس إلى أن تطوير التجربة الديمقراطية بدأ بإجراء انتخابات رئاسية، واعتماد نظام الكتل الحزبية لانتخاب أعضاء البرلمان، ثم تم تطوير نظام الكتل بحيث يسمح بزيادة حصص الكتل المعارضة– الأصغر– بإيصال مرشحيها إلى المجلس التشريعي، كما حُددت حصة "كوتا" للنساء لا تقل عن 25 في المئة من مقاعد البرلمان، وزيادة تواجد المرأة والشباب في مفاصل اتخاذ القرار، وأن الرئيس لم يخفِ أن الكتلة الحزبية الأكبر في الجمهورية تؤيده، واعتبر ذلك إيجابياً، نظراً لأنه يسمح لإدارته بتنفيذ خطط التنمية التي تقترحها على البرلمان للموافقة عليها، لذا فيمكن النظر إلى العملية السياسية في جيبوتي على أنها تسير في اتجاه النضج الديمقراطي التدريجي، لتجنب المرور بالمآسي التي مرت بها بلدان كثيرة كفرنسا مثلاً ليمكنها الوصول إلى نظامها الديمقراطي الذي تفخر به".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير