Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يهدد "فيسبوك" ديمقراطية تونس؟

خوارزمياته أسهمت في صعود تيارات راديكالية وحجبت التنوع "وغرف الصدى" تجعل المستخدم أسيراً لعالم مثله يشبهه

"مواقع التواصل الاجتماعي تعتمد خوارزميات خاصة في عملية عرض المضامين التي ينتجها المستخدمون" (رويترز)

عندما تصبح وسائل التواصل الاجتماعي والـ "فيسبوك" تحديداً، العامل الأخطر الذي قد يحوّل الديمقراطية الناشئة إلى ديمقراطية شكلية تتلاعب بها قوى خفية، فإن مستخدمي هذه المنصّة وبسبب القواعد التقنية، والخوارزميات، يصبحون سجناء في فضاءات مغلقة منسجمة أيديولوجياً وسياسياً مع ميولهم، لا مكان فيها للتنوع الفكري.

هذه المضامين أصبحت اليوم تتحكم في الخطاب السياسي في تونس، بل تؤثر مباشرة في الاستقطاب الذي يظهر في استطلاعات الرأي التي تسهم بدورها في صعود تيارات شعبوية، قد يكون مجال نشاطها الوحيد هو الـ "فيسبوك".

ففي آخر استطلاعات الرأي في تونس، يظهر صعود "الحزب الدستوري الحر" وبقاء "ائتلاف الكرامة" في السباق، مع العلم أن هذين الطرفين الأكثر استعمالاً لمواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً عبر البث المباشر.

وقد اتصلت "اندبندنت عربية" بالمكتب الإعلامي لـ "الحزب الدستوري الحر" لمعرفة موقفه من المسألة، إلا أننا لم نتلقّ أي رد، كما أن النقابة التونسية للصحافيين أصدرت بياناً تدعو فيه إلى عدم التعامل مع "ائتلاف الكرامة" لمواقفه المعادية للإعلام.

غرف الصدى

ولفهم هذه الظاهرة، يقول أستاذ الصحافة وعلوم الأخبار في الجامعة التونسية الصادق الحمامي، "كل مواقع التواصل الاجتماعي يعتمد خوارزميات خاصة في عملية عرض المضامين التي ينتجها المستخدمون"، والخوارزميات هي آليات تعتمد لمعرفة اتجاهات خيارات المستخدمين، بالتالي ملاءمة المضامين لخيارات المستخدم، مضيفاً "هذه الخوارزميات تجعل الناس يعيشون في عوالم تشبههم، وتسمى بالمصطلحات التقنية بـ "غرف الصدى" التي يصبح فيها المستخدم أسير عالم مثله في التفكير والذوق". ويحذر الأستاذ الحمامي من "خطورة هذا المعطى على الديمقراطية الناشئة في تونس وحتى على أعتى ديمقراطيات العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويفسر الحمامي بأن "الديمقراطية هي نظام سياسي وثقافي يعتمد على الاعتراف بالتنوع، وعلى قبول الآخر، وعلى فكرة أن الإنسان يكوّن لنفسه رأياً على الحياة السياسية بالتعرض إلى كل الحجج والآراء، وهذا عادة، دور الإعلام العمومي الذي من واجبه عرض كل الآراء والحجج على المواطن، لكن خوارزميات الـ "فيسبوك" استولت على دور الإعلام". ويفسر أن "الـ "فيسبوك" يفرض على المستخدمين التعرف فقط إلى مواقف الجماعة التي تشبههم، وهذا يخلق ما يسمى بـ"غرف الصدى" ويعزز الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، وأيضاً يعزز فكرة تغييب الآخر الذي يصبح غير موجود". وقال "بالتالي، يصبح مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي، يعيش في عالم متماثل يحجب فيه التنوع. واليوم، نحن أمام مفارقة"، موضحاً أن "الـ "فيسبوك" الذي من المفترض أنه يكشف تنوع المجتمع، يصبح آلية لحجب هذا التنوع"، مؤكداً أن "إدارته تقرّ بذلك، ففي عام 2018 نشر هذا الموقع نصاً بيّن فيه المخاطر التي يخشونها، ومنها التدخل الخارجي في الانتخابات عبر الـ"فيسبوك"، وأيضاً مسألة "غرف الصدى" التي تجعل المستخدمين ينظرون للعالم بعيون الفكر التي يتبنونها فقط، ولهذا، وفي بعض الدول، ومنها الاتحاد الأوروبي، طالبوا إدارة "فيسبوك" بالكشف عن الخوارزميات التي يستخدمها في عرض المضامين".

التيارات الشعبوية

ويتابع الحمامي قائلاً، "بمعنى آخر، اليوم هناك قناعة لدى الدول الديمقراطية بأن الخوارزميات هي بالأساس مسألة سياسية وليست تقنية، أي أنها تسهم في تشكيل اتجاهات الرأي في المجتمع وتخلق البيئة التي تتشكل فيها آراؤنا السياسية".

أما بخصوص بعض الكتل النيابية أو الأحزاب السياسية التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بصفة مكثفة، يقول الحمامي "عادة، هم من التيارات الشعبوية التي لا تحبذ الصحافة والإعلام، وفي تونس لدينا ائتلاف الكرامة والحزب الدستوري الحر، كلاهما لم يمرا بالنخب الصحافية منذ البداية وتجاوزا وساطة الصحافي".

بعد ثورة يناير (كانون الثاني)، عرفت تونس طفرة في استغلال هامش حرية التعبير، فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي أحد أهم ميادين المعارك بين الأطراف السياسية، وأيضاً أهم المساحات التي تُستغل للتعبئة السياسية، وفي هذا الصدد، يقول النائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني، "حان الوقت لتعديل القانون الانتخابي وتنظيم استغلال الأحزاب لمواقع التواصل الاجتماعي".

جلب الاهتمام

أما من الجانب العلمي، فيرى المختص في الأنثروبولوجيا كريم بوزويتة أن "الخوارزميات عبارة عن البرمجة التي تقترح علينا المضمون في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تطورت هذه الآلية من سنة إلى أخرى". وقال "أهم تحديث وقع عام 2018، فقبل هذا التاريخ كان المضمون الذي يظهر لنا هو فقط ما ينشره أصدقاؤنا، ما جعل كثيرين يهاجرون هذا الموقع، باعتبار أن المضمون لا يرونه مهماً، ولهذا قامت إدارة "فيسبوك" بتغيير الخوارزميات وتقديم مضامين تشبه كل مستخدم، وهنا بدأت المشكلة"، مضيفاً "علم النفس المعرفي يقول إن المضمون الذي يجلب الانتباه هو الذي يحتوي على شحنة كبيرة من العواطف كالغضب والفرح والحزن وعنصر المفاجأة، بالتالي خوارزميات الـ "فيسبوك" في كل مرة، تقدم مضامين تحتوي على شحنة عواطف، خصوصاً السلبية، لضمان مواصلة رواد الموقع استخدام المنصة".

وبخصوص سياسيي تونس، يقول بوزويتة "حتى وإن يجهلوا كيف تشتغل خوارزميات "فيسبوك" علمياً، إلا أنهم واعون جداً بأن البث المباشر الذي يشتمون فيه خصومهم السياسيين سيحظى بأكبر نسب المشاهدة، وهذا ما نعيشه اليوم في تونس، فالأحزاب الراديكالية تتحصل على آلاف المشاهدات مقابل مضمون يعتمد على الخطاب الشعبوي أو يحتوي على العنف اللفظي أو حتى الجسدي، مثل ما شاهدناه قبل أيام في البرلمان التونسي عندما اعتدى أحد نواب ائتلاف الكرامة على زميله من التيار الديمقراطي، وتم، عبر "فيسبوك"، تصوير هذا المشهد". وأضاف، "كل ما هو سلبي للأسف يجلب انتباه مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي".

وتابع بوزويتة، "هذه ليست مؤامرة ضدنا بل هذا النموذج الاقتصادي لمواقع التواصل الاجتماعي التي تعتمد جلب الانتباه، وتصاميم هذه المنصات تعمل على ذلك، لتجعلنا أكثر التصاقاً بهذه المواقع التي توجه اهتماماتنا أحياناً".

المزيد من تقارير