Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتسارع الارتفاع في حرارة القطب الشمالي أكثر من غيره بأشواط؟

ظاهرة قد يكون الرذاذ قوتها الكبرى بفعل علاقته مع تشكل الغيوم

لا تخطئ العين مشاهد الاحتباس الحراري المتسارع في القطب الشمالي (غيتي)

ترتفع درجة حرارة المنطقة القطبية الشمالية بمعدل أسرع مرتين إلى ثلاث مرات، بالمقارنة مع الارتفاع الحراري الذي تشهده بقية المناطق في كوكبنا. فما هي الآليات التي تُعزى إليها هذه الظاهرة، المعروفة علمياً باسم "التضخيم القطبي" polar amplification؟ [يقصد بذلك تضخّم الارتفاع في درجات الحرارة فوق تلك المنطقة الثلجية].

منذ فترة طويلة، يُعرف أن أحد الأسباب الرئيسة لـ"التضخيم القطبي" يكمن في انخفاض درجة "الوضاءة" albedo، بمعنى الضوء الذي يعكسه الجليد ويرتد منه كي يعبر الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي]، بسبب ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي. في المقابل، بات العلماء يعتقدون الآن أن العلاقة التي تجمع بين الرذاذ [خصوصاً الذي يصدر من البخاخات الصناعية] والسحب، قد تترك تأثيراً أكبر مما كان يُعتقد سابقاً في هذه الظاهرة.

من المستطاع شرح طريقة تأثير تناقص "وضاءة" الجليد المرتدّة في القطب الشمالي على الشكل التالي: مع تراجع حجم الجليد البحري الذي يغطي المحيط المتجمد الشمالي، وذوبان الأنهر الجليدية، يصبح تساقط الثلوج أقل شيوعاً أو لا يدوم لوقت طويل، ما يؤدي إلى تناقص الكمية التي تعكسها الأسطح الثلجية الناصعة البياض، من كمية ضوء الشمس الذي يصل إليها.  

في المقابل، يؤدي ذوبان الثلوج إلى انكشاف مساحات من المحيطات والأراضي في القطبين، وتعتبر [المساحات المنكشفة] داكنة اللون بالمقارنة مع تلك الأسطح الثلجية الناصعة البياض. وفي خطوة تالية، يتزايد امتصاص تلك المساحات المنكشفة والداكنة للطاقة الآتية من الشمس، ما يقود إلى ارتفاع درجات الحرارة، ويتسبَّب تالياً في تراجع حجم الجليد والثلج في نهاية المطاف، وبذا، تتشكل حلقة مفرغة تدفع درجات الحرارة المحلية [فوق القطب] إلى الارتفاع بسرعة.

من جهة أخرى، يرى العلماء أن عاملاً محلياً آخر يؤدي إلى ازدياد "التضخيم القطبي"، يتمثل في مدى تلبد السماء بالغيوم، بمعنى تشكل غطاء من السحاب فيها.

وكذلك تملك الغيوم أيضاً قدرة كبيرة على عكس أشعة الشمس، سواء باعتراض الأشعة الواصلة من الشمس [فتعيدها إلى الفضاء] أو المرتدة من الأرض [فتعيدها إلى دواخل الغلاف الجوي والكرة الأرضية تحته]. واستطراداً، يعني ذلك أن السحب تعمل أيضاً كحاجب واقٍ من الإشعاع الشمسي. ومع وجود سحب قليلة، يصبح في مقدور الأرض أن تمتص مقداراً أكبر من أشعة الشمس التي تصلها مباشرة، ولكن الغيوم تستطيع أيضاً أن تشكل عازلاً فاعلاً في حرارة المناطق التي تغطيها [لأنها تعكس موجات الحرارة الصاعدة من الأرض صوب الأعلى، وتعيدها إلى الغلاف الجوي والأرض تحته].

وفي تطوّر متصل، يعتمد تشكّل الغيوم على الرذاذ الذي يتألف من جزيئات متناهية الصغر عالقة في الهواء، متنوعةً في أحجامها وتركيباتها. في المستطاع أن يتشكّل بطرق طبيعية كحال رذاذ البحر، أو الانبعاثات الميكروبية البحرية، أو يتأتى من حرائق الغابات (وفق ما يحدث في سيبيريا). وكذلك يتولّد الرذاذ بواسطة أنشطة الإنسان من قبيل احتراق أنواع الوقود الأحفوري، أو زراعة المحاصيل. وفي الواقع، لا تتشكل الغيوم في غياب الرذاذ، ومرد ذلك إلى أنه يعمل كسطح تتكاثف فيه جزيئات متناهية الصغر من الماء ثم تتجمع على هيئة قطرات مائية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الآن، يعتقد العلماء أن الرذاذ يشكل "عنصراً أساسياً" في ضبط مناخ الأرض، خصوصاً في القطب الشمالي.

في ورقة بحثية جديدة نُشرت في مجلة "التغيّر المناخي" التابعة لمجلة "نايتشر" Nature Climate Change، ذكر علماء من "مدرسة الفنون التطبيقية الاتحادية في لوزان"، أن بحوثاً إضافية حول الرذاذ مطلوبة بغية معرفة أسباب تسجيل القطب الشمالي درجات حرارة غير متكافئة مع ما يسجّل في بقية كوكب الأرض.

واستطراداً، تناولت تلك المعطيات الدكتورة جوليا شمايل، رئيسة "مختبر بحوث البيئات المتطرفة" في "مدرسة الفنون التطبيقية الاتحادية في لوزان"، وواحدة من الباحثين الذين أعدوا الورقة البحثية. وذكرت أن "الطريقة التي تؤثر بها "الوضاءة" في الجليد مفهومة بشكل جيد إلى حد ما. ومثلاً، تتوافر قيم محددة قصوى ودنيا تتراوح بينهما درجة وضاءة الأجسام.

وأوضحت، "لكن، عندما يتعلق الأمر بمجموعات عدة من الرذاذ، ثمة كثير من المتغيرات التي لا بد من أخذها في الاعتبار. هل ستعكس الضوء أم ستمتصه؟ هل ستشكل سحابة؟ هل هي طبيعية أم بشرية المنشأ؟ هل ستبقى محلية أم ستسافر إلى مسافات طويلة؟ وما إلى ذلك. ثمة كثير من علامات الاستفهام، ويجب أن نعثر على إجابات".

وكذلك شاركت الدكتورة شمايل في بعثات بحثية عدة إلى القطب الشمالي، حدث آخرها في أوائل 2020 على متن كاسحة الجليد الألمانية "بولارشتيرن" Polarstern. خلال تلك الرحلات، رأت عن كثب أن مناخ القطب الشمالي يميل إلى التغير بشكل أسرع في الشتاء، على الرغم من غياب "البياض" خلال هذه الفترة من السنة التي يطول فيها الليل ليصل إلى 24 ساعة.

وفي المقابل، لا يزال السبب في ذلك مجهولاً بالنسبة إلى العلماء، لكن الباحثين الذين نهضوا بهذه الدراسة يشيرون الآن إلى أن أحد الأسباب قد يكمن في أن السحب التي تنشأ في الشتاء، تعكس مجدداً إلى الأرض الحرارة المرتدة منها إلى الفضاء.

وتحدث هذه الظاهرة بدرجات متفاوتة اعتماداً على الدورات الطبيعية وكمية الرذاذ في الجو. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة فوق الكتلة الجليدية في القطب الشمالي، لكن العملية شديدة التعقيد بسبب التنوع الكبير في أصناف الرذاذ، والاختلافات في قدرتها على عكس الضوء وامتصاصه.

في هذا الصدد، ذكرت الدكتورة شمايل أن "عمليات الرصد التي تتبّعت هذه الظاهرة قليلة، ذلك أن النهوض ببحوث في القطب الشمالي خلال فصل الشتاء، يتطلب إبقاء كاسحة الجليد والعلماء ومعدات البحث في المنطقة طوال الموسم".

وفق العلماء، من المستطاع استخدام نتائج الدراسة في تعديل النماذج المناخية المعتمدة راهناً. وكذلك يوضحون أن ثمة حاجة إلى مزيد من البحث، بينما يمكن أيضاً الاستفادة من الاكتشافات الحالية المرتبطة بالاحتباس الحراري بغية إدخال تحسينات على النماذج الحالية.

من وجهة نظر الدكتورة شمايل "تدعو الحاجة إلى بذل جهد كبير في الحال، وإلا سنكون متأخرين دائماً خطوة واحدة عن استيعاب ما يحدث".

وأضافت، "إن عمليات الرصد التي سبق أن اضطلعنا بها يمكن استخدامها في تنقيح نماذجنا المناخية. وتتوافر في متناولنا ثروة من المعلومات، لكنها لم تخضع لفرز صحيح من أجل إنشاء روابط بين العمليات المناخية المختلفة. مثلاً، لا يمكن لنماذجنا حالياً أن تطلعنا على أنواع الرذاذ التي تؤدي دوراً أكبر من سواها في تغير المناخ، سواء أكانت طبيعية بخاصة بالمنطقة نفسها أو بشرية المنشأ".

وفي سياق متصل، يقترح ذلك الفريق العلمي في ورقته البحثية إنشاء منصة افتراضية تفاعلية ومفتوحة المصدر تجمع كل المعلومات المتصلة بالقطب الشمالي حتى الآن.

ويضرب الباحثون مثلاً بـ"برنامج أنظمة القطب الشمالي الدولية لرصد الغلاف الجوي" International Arctic Systems for Observing the Atmosphere (IASOA). إذ يعكف هذا البرنامج على التنسيق بين الأنشطة المنوطة بكل مراصد المنطقة القطبية الشمالية في سبيل توفير شبكة تعاون دولية تكون مخصصة للبحوث والعمليات المرتبطة بالغلاف الجوي في المنطقة القطبية الشمالية.

في الحقيقة، "نحن بحاجة إلى إدخال تحسينات على نماذجنا المناخية لأن التغيرات التي يشهدها القطب الشمالي ستمتد في نهاية المطاف إلى مكان آخر. يخلِّف هذا التغير فعلاً تأثيره في المناخ الخاص في أجزاء أخرى من نصف الكرة الشمالي، كما شهدنا عِبْرَ ذوبان الأنهر الجليدية وارتفاع مستويات سطح البحر في "غرينلاند". بغية تطوير نماذج أفضل، سيكون من الضروري فهم دور الرذاذ بصورة أفضل. إذ يترك الأخير تأثيراً كبيراً في أحوال المناخ وصحة الإنسان"، بحسب تحذير من الدكتورة شمايل.

© The Independent

المزيد من بيئة