Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أجادت بريطانيا استخدام الإغلاق لمواجهة كورونا ؟

بينما تنتظر المملكة المتحدة انتهاء إغلاقها الثالث منذ بدء الجائحة تبحث أوليفيا بيتر في كيفية تصدي عمليات الحجر لتفشي الفيروسات وتسأل عما كان علينا فعله على نحو مغاير

قطاع الترفيه والضيافة في المملكة المتحدة من أكثر القطاعات تضرراً من إجراءات الحجر (غيتي)

في المملكة المتحدة، تجاوز عدد الأرواح التي أودى كورونا بها مئة ألف شخص حالياً، وهو أعلى معدل وفيات في العالم بالنسبة إلى عدد الأفراد. وعلى الرغم من أن ما يربو على 10.5 مليون شخص قد تلقوا جرعتهم الأولى من اللقاح المضاد لفيروس كورونا (وأخذ 500 ألف فرد الجرعتين كلتيهما)، وهي أنباء تبشر خيراً ضمن مجموعة أخبار أخرى قاتمة، يستمر الإغلاق (الحجر) الثالث الذي تدخله البلاد إلى تاريخ غير محدد.

في مطلع فبراير (شباط) الحالي، قال كريس ويتي، كبير الأطباء في المملكة المتحدة، إن إنجلترا، كما يبدو، تجاوزت ذروة الإصابات، لكن معدلات تفشي الفيروس ما زالت "مرتفعة بشكل ينذر بالخطر"، محذراً من التساهل في هذه المرحلة. وتعهد بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، بأن تطرح حكومته "خريطة طريق" للخروج من الإغلاق قبل الاثنين 22 فبراير فحسب في حال واصلت الإصابات تراجعها.

وفرضت إنجلترا حتى الآن عمليات إغلاق شاملة على مستوى البلاد في ثلاث مناسبات منفصلة، في مارس (آذار) الماضي، وقبل حلول عيد الميلاد 2020، ومرة أخرى في يناير (كانون الثاني) الماضي، ما يعني أن الناس يخضعون لقرار "ملازمة المنزل" ولا يسمح لهم بمغادرة بيوتهم إلا لأسباب معينة. واستكملت فترات الإغلاق تلك بقواعد أخرى أقل صرامة، مثل توجيهات متعددة المستويات (أربعة مستويات)، وتدابير خاصة بالتباعد الاجتماعي.

ولجأت الحكومة البريطانية إلى الإغلاقات كملاذ أخير، كـ"عازل" [مقبس قطع تيار العدوى]، في محاولة منها لوضع حد لحالات العدوى عندما استنفدت الوسائل الأخرى كلها. ونجح إغلاق مارس 2020 في خفض معدلات الإصابة والوفيات في البلاد، ما فسح في المجال أمام صيف أقل قيوداً، ولكن نظراً إلى أننا نخوض الآن إغلاقاً ثالثاً، وهذه المرة من دون خاتمة محددة سلفاً، فهل ما زالت الإغلاقات تعمل بالطريقة المتوقعة نفسها؟ وهل لديها فاعلية في الحد من تفشي كورونا؟ إليكم كل ما تحتاجون إلى معرفته.

ما هو الإغلاق؟

الإغلاق على مستوى البلاد إجراء أمني ينفذ خلال حال طوارئ يشهدها البلد بغية منع الأشخاص من مغادرة منازلهم، لما يشكله ذلك من خطر على أنفسهم وعلى الآخرين.

وقد تفرض البلاد إغلاقاً أثناء جائحة ما، أو من أجل مكافحة تهديد إرهابي (شهدت مدينة نيويورك الأميركية إغلاقاً نوعاً ما في الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) عقب تهديد بوجود قنبلة)، أو كوارث تكنولوجية. في حالة "كوفيد-19"، كان الغرض من الإغلاق الوطني إبقاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص في المنزل بغرض خفض معدل انتقال الفيروس بين الناس.

في هذا الصدد، تخبر الدكتورة بيني وارد، رئيسة لجنة التعليم والمعايير في كلية الطب الصيدلاني "اندبندنت"، أن "عمليات الإغلاق تستخدم عادةً في سبيل تحقيق توازن بين الاقتصاد وسلامة الأفراد وتخفيف آثار الأمراض في مجال الصحة العامة.

خلال جائحة كوفيد فإن أبرز عملية وبائية يجب قطعها هي انتقال العدوى من شخص إلى آخر، لذا فإن أي خطوة في المتناول لتقويض هذا الانتقال، تعزز احتمال تلاشي المرض لاحقاً.

إدوارد آر ميلنيك، وهو أستاذ مساعد في "كلية الطب في جامعة ييل"Yale School of Medicine، يقول في "المجلة الطبية البريطانية"British Medical Journal في يونيو (حزيران) 2020 "في غياب لقاح فعال أو علاج أو علاج وقائي، فإن التدخلات غير الدوائية تبقى الخيارات الوحيدة المتاحة لإبطاء تفشي الفيروس".

لذا، في حين ننتظر توزيع اللقاح على المجتمع بأسره، يجب ألا يُستغنى عن إجراءات من قبيل الإغلاق

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لماذا تلجأ البلاد إلى الحجر خلال الجوائح والأوبئة؟

إرساء الإغلاق، إلى حد ما، لمكافحة الفيروسات، يعد استراتيجية وقائية شائعة في مواجهة انتشار مسببات المرض. أثناء تفشي "سارس" SARS ("متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد") في الصين عام 2002، فرضت الحكومة الصينية حجراً على مئات الآلاف من الأشخاص عبر تطبيق إغلاق في البلاد.

علاوة على ذلك، تذكر "المجلة الطبية البريطانية" (BMJ) بتحليل قديم تناول 43 مدينة خلال اندلاع جائحة "الأنفلونزا الإسبانية" Spanish flu بين العامين 1918 و1919، كشف عن علاقات قوية بين عمليات الإغلاق من جهة، وبين تأخر وصول معدلات الوفيات إلى الذروة أو تراجعها من جهة أخرى، بالإضافة إلى انخفاض معدل الوفيات التراكمي. ووجد التحليل أيضاً أن عمليات الإغلاق المبكرة وطويلة الأمد أفضت إلى تقليص مجموع الوفيات.

يقول البروفسور مايكل بونسال من قسم علم الحيوان في "جامعة أكسفورد" University of Oxford لـ"اندبندنت": "عموماً، ينبغي أن تكون هذه الأنواع من التدخلات غير الدوائية فاعلة في الحد من انتشار الفيروس".

في المملكة المتحدة، تجلت صوابية هذا الكلام في بيانات جمعت خلال الإغلاق الأول الذي فرض في مارس 2020، في حين تراوح متوسط الإصابات اليومية بين ألفين وثلاثة آلاف حالة وقت دخول المملكة المتحدة الإغلاق في 23 مارس، انخفضت الأعداد إلى بين 300 و400 إصابة بحلول يوليو (تموز)، ولكن بينما تجلب عمليات الإغلاق منافع كبرى عند مكافحة جائحة ما، نجد أن أوجهاً سلبية تترتب عليها. فيما يتعلق بالتأثير الاقتصادي، دخلت المملكة المتحدة في كساد للمرة الأولى منذ 11 عاماً، وتتزايد المخاوف من احتمال انهيار واحدة من كل ثلاث شركات ضيافة قبل وصول الإغلاق الحالي إلى خاتمته.

ويترك الإغلاق أيضاً تأثيرات واضحة على التماسك المجتمعي، فقد خلصت دراسة استقصائية أجرتها "مؤسسة الصحة العقلية"Mental Health Foundation الخيرية في بريطانيا إلى أن قرابة ربع الأشخاص البالغين في بريطانيا شعروا بأنهم يعيشون في وحدة، العام الماضي. كذلك وجد تحليل أجري في ديسمبر (كانون الأول) أن كثيراً من الموظفين أخذوا إجازات مرضية نتيجة مكابدتهم مشكلات في صحتهم العقلية والنفسية خلال فترة الإغلاق في نوفمبر (تشرين الثاني). في الوقت نفسه، وجدت دراسة حديثة شارك فيها ألفا شخص بالغ أن متوسط مستويات القلق والضغط النفسي في أوساط البالغين ازدادت بنحو 50 في المئة خلال المدة الزمنية نفسها.

هل نجحت عمليات الإغلاق بالمملكة المتحدة في التصدي لتفشي كورونا؟

أشار العلماء إلى دول أخرى، من بينها فيتنام ونيوزيلندا وتايوان، حيث عادت الحياة اليومية في معظمها الآن إلى سابق عهدها من دون حاجة إلى أشكال مستمرة من الإغلاق على غرار التي فرضتها المملكة المتحدة. وقد شدد كثيرون أيضاً على أنه بغض النظر عن كفاءة الإغلاقات، فإنها تبقى بديلاً مؤقتاً لكسب الوقت إلى حين التوصل إلى إجراءات علاجية دائمة.

مثلاً، استطاعت تايوان أن تتفادى الإغلاق الشامل برمته، وقد أشادت مجلات طبية عدة، من بينها المجلة المرموقة "ذا لانسيت" The Lancet، بطريقة تصديها للجائحة، واعتبرت نموذجاً احتذت به بلدان أخرى.

هنا يوضح البروفسور بونسال أن "تايوان تحركت في وقت مبكر (في أواخر عام 2019) لإبلاغ "منظمة الصحة العالمية" بانتقال عدوى فيروس كورونا المستجد من شخص إلى آخر، ثم بدأت تايوان إجراءات معاينة للركاب على متن طائرات آتية من ووهان" (بؤرة تفشي كورونا).

وتستفيض الدكتورة بيني وارد في الشرح أكثر قائلةً إن "علاقة جيدة تجمع سكان تايوان بحكومتهم، ومعدل الامتثال لتدابير الصحة العامة مرتفع جداً في تلك البلاد". طبقت تايوان أيضاً إجراءات صارمة عدة، خضعت للمراقبة باستخدام تكنولوجيات عدة وتدابير تحفيزية مبتكرة.

إذاً، ما أوجه اختلاف عمليات الإغلاق التي لجأت إليها المملكة المتحدة عن غيرها؟ وهل ثمة عوامل أخرى تكتب لهذا الإجراء النجاح غير مجرد تطبيق الإغلاق من عدمه؟ وهل ثمة مسائل أخرى ينبغي أخذها في عين الاعتبار كي تؤتي الإغلاقات مفعولها؟

هل كان على المملكة المتحدة إرساء الإغلاق الأول في وقت أبكر؟

أحد معايير نجاح الإغلاق هي بلا ريب توقيته. وعليه، انتقد عدد من العلماء الإغلاق الأول الذي شهدته المملكة المتحدة في 23 مارس، باعتباره كان "متأخراً جداً"، حسب تعبيرهم.

في "المجلة الطبية البريطانية"، وصف خبراء في مجال الصحة العامة أشكال مواجهة لندن لفيروس كورونا بالـ"مشوبة بالقصور" والمتأخرة، كما قالوا. وكتبوا في هذا الصدد "حتى الآن، لم تبل المملكة المتحدة بلاءً جيداً في إعداد العدة للتصدي لكورونا ولم تكن ملاءمة ولو بأدنى درجة"، مشيرين إلى إيطاليا التي دخلت في إغلاق كامل في 11 مارس، تلتها مباشرة إسبانيا وفرنسا.

كذلك كتبوا أنه "بحلول الوقت الذي أعلنت فيه المملكة المتحدة رسمياً فرض إغلاق مقروناً بحزمة ضخمة من تدابير خاصة بالدعم الاقتصادي، كان قد أهدر زهاء شهرين من الاستعداد المحتمل و[أهدرت فرصة] فترة الوقاية".

في يونيو الماضي، قال البروفسور نيل فيرغسون، وهو مستشار علمي سابق للحكومة البريطانية (في الاستجابة للجائحة)، إن تطبيق إغلاق وطني شامل قبل أسبوع واحد حتى (من تطبيق الإغلاق الأول) كان لينقذ ما يصل إلى 20 ألف شخص.

وأشارت إحدى الدراسات أنه أثناء انتشار فيروسي مميت، ينبغي ألا يتجاوز الوقت الأمثل لبدء الإغلاق الأسبوعين بعد بدء التفشي، مع تخفيف القيود تدريجياً لتشمل 60 في المئة من السكان بعد مرور شهر واحد (من فرض الحجر)، و20 في المئة منهم بعد ثلاثة أشهر.

كذلك ينبغي توخي الحذر في شأن كيفية الخروج من الإغلاق. يقول بونسال في هذا الشأن "يظهر العلم المتعلق باللجوء إلى الإغلاقات والتدخلات غير الدوائية الأخرى أن الأخيرة تؤتي ثمارها، لكن التحرر من عمليات الإغلاق يجب أن يدار بعناية، كيما تتسنى معرفة ضريبة استراتيجيات فك القيود".

ما كان على بريطانيا أن تفعل بشكل مختلف؟

توضح الدكتورة وارد أن "نظام اختبار وتتبع"test and trace أكثر كفاءة (من الذي اعتمدته بريطانيا) كان من شأنه أن يترك تأثيراً كبيراً في معدلات الإصابة في المملكة المتحدة. وتضيف قائلة "تخلينا مبكراً عن فكرة التعقب (للمصابين) والتتبع (للمخالطين) الصارمين. لو أننا كنا في طموحنا أشد حزماً، ربما تمكنا من وقف زحف الفيروس في وقت سابق."

وفي سياق حملات أطلقتها الحكومة البريطانية، يخضع حالياً نحو 800 ألف شخص لاختبارات الكشف عن كورونا يومياً (تعود البيانات إلى 3 فبراير الحالي)، ولكن البيانات أظهرت بصورة مستمرة أن النظام لا يزال يخفق في الوصول إلى عدد كبير من المخالطين. حتى عند رصد هؤلاء، فإنهم لا يلتزمون العزلة الذاتية. البارونة ديدو هاردينغ، المسؤولة عن "نظام الاختبار والتتبع"، قالت إن عدد هؤلاء (المخالطين) يصل إلى 20 ألف شخص يومياً.

وتضيف الدكتورة وارد أننا إذا كنا قد عقدنا العزم على القضاء على الفيروس (خلافاً لـ"تسطيح المنحنى")، نحتاج إلى أن نكون "أكثر تدخلاً، وأن نأخذ في عين الاعتبار الحجر الصحي القسري". كان ذلك يقتضي فصل المصابين وجميع مخالطيهم في منشأة خاصة بالحجر الصحي، حيث لا يمكنهم ببساطة نقل العدوى إلى الآخرين. الحجر الصحي سيفرض، مع إقامات جبرية في الفنادق للقادمين من وجهات معينة إلى المملكة المتحدة اعتباراً من منتصف فبراير. هذا الإجراء متأخر بأشواط عن مثيله في كثير من البلدان الأخرى.

يضيف البروفسور بونسال أن إنجلترا كان ينبغي ببساطة أن تتصرف بشكل أسرع، وربما تبحث عن كثب في خيار الإغلاقات السريعة والقصيرة الأجل... "أظهر بحث أن الاستخدام السريع لإجراءات عزل تفاقم العدوى خلال أكتوبر (تشرين الأول) كان ليوقف موجة العدوى والوفيات التي نشهدها الآن".

© The Independent

المزيد من صحة