Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الطلاق الصامت" في تونس أحد أشكال إدارة الخلافات

يحاول بعض الأزواج الحفاظ على مظاهر الاستقرار العائلي أمام الأبناء والمجتمع

زواج تقليدي في تونس (أ ف ب)

يعيشان تحت سقف واحد يربطهما عقد ينظم العلاقة بينهما، إلا أنه خلال فترة من مسيرة حياتهما يجدان نفسيهما في قطيعة كاملة تحت ما يسمّى بـ"التعايش القسري" أو "الطلاق الصامت" أو "الطلاق العاطفي"، كلها مسمّيات لضرر واحد، وهو انفصال الزوجين عن بعضهما البعض وتشتت الأطفال، وهي بطبيعة الحال وضعية غير عادية لأسباب قهرية.

السيدة فاطمة (55 سنة) بعد إنجابها ثلاثة أطفال، وجدت نفسها ومن دون أن تشعر تقطع علاقتها الحميمية بزوجها، والسبب بحسبها "تكرّر خيانات زوجي لي جعلتني لا أستطيع مواصلة العيش معه"، مضيفة "لم أطلب الطلاق كرمى لأبنائي، فابنتي الكبرى على أبواب زواج ولا أريد أن يكون والداها مطلّقين، وذلك حفاظاً على المستوى الاجتماعي الذي كافحت للحفاظ عليه".

وتضيف "زوجي لم يطلب الطلاق للسبب ذاته، أولادنا"، لكن هذا الوضع يؤلم فاطمة جداً حد البكاء، فتقول "ليس من السهل العيش تحت سقف واحد مع الشخص الوحيد الذي أحببته وأنجبت منه أولادي، من دون عواطف أو مشاعر أو العيش كزوجين".

علاقات غير شرعية

وسام (40 سنة) لم يمرّ على زواجه ثلاث سنوات، وهو يتألم بسبب ما وصلت إليه علاقته مع زوجته، ويقول "لا أرغب في طلب الطلاق لعدم قدرتي على تحمّل تكاليفه المالية، فالانفصال في تونس مكلف جداً وزوجتي أيضاً تتردد في ذلك للسبب ذاته، فهي لا تعمل وتحتاج إلى معيل". ويضيف وسام الذي لم يرغب في التحدث عن موضوع البرودة العاطفية بينه وزوجته باعتبار أن هذه المسألة شأن شخصي. ويتمنى، بعد سنة من الانفصال، أن يعود "الرشد" إلى زوجته وأن تعود حياتهما عادية من أجل ابنتهما حتى لا يضطر إلى إقامة علاقات غير شرعية".

التجربة ذاتها تعيشها عائشة (48 سنة) التي تجد نفسها بعد 20 سنة زواج، تعيش تحت سقف واحد مع زوجها لكنهما منفصلان منذ ست سنوات تقريباً"، وتضيف عائشة "لم أعد أشعر بالرغبة في ممارسة علاقة زوجية معه، لم نعد نشعر بذلك الإحساس الجميل الذي كان بيننا منذ البداية"، ويبدو أنها مرتاحة لهذا الوضع، خصوصاً أنها ناجحة في حياتها المهنية ومستقلّة مادياً.

ولهذا هي تعيش حياتها خارج بيتها ومع أصدقائها وهي مكتفية بذلك، إلا أن الحفاظ على زواجها أمام المجتمع مهم جداً بسبب وجود ابنها وابنتها. 

في هذا الشأن، يصف الباحث في علم الاجتماع صلاح الدين بن فرج هذا الانفصال "بالطلاق غير المعلن باعتباره غير قضائي، بالتالي هو شكل من أشكال التفكّك الأسري وينتج منه نوع من الفراق غير الرسمي بمعنى كل طرف في استقلالية تامة عن الآخر، وهذا وضع غير طبيعي يسبب أحياناً أو غالباً ضغوط نفسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إدارة الأزمات

يضيف بن فرج "أولاً، الطلاق الصامت هو شكل من أشكال التوازنات"، مضيفاً "العائق المادي أحياناً لا يسمح للثنائي بالانفصال باعتباره مكلفاً، أيضاً نجد من يرى الأبناء عائقاً لطلاق رسمي". ويردف "فبعض الأزواج  يحاولون الحفاظ على مظاهر الاستقرار العائلي أمام الأبناء أو أمام المجتمع ربما لأسباب اجتماعية أو مادية أو لأن الحسم في هذه ليس ضرورة ملحّة لعدم وجود حافز جدّي للطلاق، كعلاقة جديدة مثلاً".

ويتابع أن "الطلاق الصامت هو شكل من أشكال إدارة الأزمات، وأن هذا النوع من الحلول يحافظ على المصالح الموجودة كمصلحة الأبناء أو مصلحة أحد الزوجين، خصوصاً في الحياة المهنية لأنه يعتبر شكلاً من أشكال الفشل في إدارة الأزمات، لا سيما بالنسبة إلى المسؤولين السياسيين، لهذا دائماً ما نشاهد المرشحين للانتخابات برفقة زوجاتهم"، موضحاً "أن هناك رسالة وراء هذا الظهور مفادها بأنهم أشخاص ناجحون في حياتهم، بالتالي من ينجح في إدارة علاقة زوجية ينجح في مسؤوليات أخرى".

ويواصل بن فرج "لهذا، يخاف البعض على مستقبله المهني والوصم الاجتماعي الذي يلتصق به. الطلاق الصامت هو شكل من أشكال دفع الطرف الآخر إلى طلب طلاق الإنشاء حتى لا يتحمل التكلفة المادية، ومن له طاقة صبر أكثر، يربح المعركة".

من جهة أخرى، يعتقد الباحث في علم الاجتماع أن "الظاهرة موجودة في كل المجتمعات، خصوصاً تلك التي تأخذ فيها المرأة مكانة عالية، والمرأة التونسية مقارنة بالمرأة في بعض الدول المحيطة، تتميز بالاستقلالية. فحقوقها في تونس مدعّمة ما يجعلها في موقع مريح في العلاقة الزوجية أي أنها حرة في قرارها ولا تخضع للسلطة الأبوية التي تتعرّض لها نساء في بلدان أخرى".

وعلى الرغم من وجود أرقام غير رسمية تفيد بأن سبعاً من أصل عشر زيجات في تونس تعيش حالة "الطلاق الصامت"، إلا أن بن فرج يؤكد أن الرقم مبالغ فيه، وأنه يصعب تحديد نسبة من يعيشون هذه الوضعية لأن مثل هذه الحالات تعتبر معطيات شخصية وليس من السهل التحصل عليها. 

تقتل المجتمع

ومن الجانب القانوني، تؤكد المحامية سلمى الدقي أن "الطلاق الصامت من المواضيع المسكوت عنها في تونس، ولا يتم تناولها كموضوع من الضروري معالجته". وترجّح أن ذلك خيار الطرفين حفاظاً على الاستقرار الاجتماعي والعائلي، إضافة إلى ذلك يصعب إثبات هذه الحالات العاطفية، خصوصاً في ما يتعلق برفض إقامة العلاقة الزوجية من قبل أحد الزوجين، معللة ذلك بأن مثل هذه الأمور ترزح تحت إطار المعطيات الشخصية وعلى المستوى القانوني، يُمنع على أي طرف آخر بخلاف المعنيين الإدلاء بها.

وتوضح في السياق ذاته أن "هناك فراغاً تشريعياً في تونس بخصوص هذه المسألة، التي وجب إيلاؤها الأهمية حتى لا تقتل المجتمع"، وتقترح "تكليف خبراء نفسيين وخبراء في العلاقات الجنسية لإجراء حصص علاج نفسي للمرأة أو الرجل ومتابعتهما لتحديد من يرفض إقامة العلاقة الجنسية، ثم الاعتماد على تلك الاختبارات عند تقديم قضية في الطلاق".  

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات