مجاراةً للتحولات التكنولوجية العالمية سريعة الوتيرة تحاول الحكومة المصرية اللحاق بقطار التحول الرقمي، وإنهاء مجتمع التعامل النقدي إلى عالم غير نقدي (الكاش)، سواء في الدواوين الحكومية أو بين المؤسسات والأفراد والعملاء والمستهلكين.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صدَّق على قانون استخدام وسائل الدفع غير النقدي، الأربعاء 17 أبريل (نيسان) الجاري وفقا للجريدة الرسمية، التي نشرت القرار، وجاء فيه "نصّت المادة الثانية من القانون على أن يقوم رئيس مجلس الوزراء المصري بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي، الذي حمل رقم 18 لسنة 2019، بناءً على عرض وزير المالية وموافقة كل من محافظ البنك المركزي ومجلس الوزراء خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به. وألزم القانون جميع المخاطبين بأحكامه بتوفيق أوضاعهم خلال 6 أشهر من تاريخ العمل بلائحته التنفيذية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مدفوعات رقمية
وكان مجلس النواب المصري برئاسة الدكتور علي عبد العال وافق نهائيا، في جلسته العامة مساء الاثنين 12 مارس(آذار) الماضي على مشروع قانون مقدم من الحكومة لتنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدي، الذي ينص على "إلزام جميع سلطات وأجهزة الدولة والأشخاص الاعتبارية العامة والشركات التي تملك الدولة كل أو أغلبية رأسمالها بسداد المستحقات المالية المقررة واشتراكات التأمينات بوسائل الدفع غير النقدي، باستثناء بدلات السفر للخارج".
كما نصَّ المشروع على أن "يكون تحصيل الضرائب، والجمارك والرسوم، والغرامات، ومقابل الخدمات والمبالغ المستحقة للجهات، وأقساط التمويل النقدي، وأقساط وثائق التأمين، واشتراكات النقابات، واشتراكات صناديق التأمين الخاصة، وقيمة المساهمة أو الاكتتاب في رؤوس أموال الشركات، أو صناديق الاستثمار بمختلف أنواعها، باستخدام وسائل الدفع غير النقدي".
وخلال مناقشة القانون في الجلسة العامة بمجلس النواب المصري في مارس الماضي قدَّم النائب محمد السويدي، طلباً لرفع قيمة الغرامة المقررة في تطبيق هذا القانون، التي نصَّت على "ألا تقل عن 1% من قيمة المبلغ المدفوع نقداً، ولا تجاوز مليون جنيه"، وجاء الطلب المقدم بأن "يكون من 2 - 10% لتحقيق حرية في توقيع الغرامة، ومن شأنها أن تضع ضوابط لمواجهة إشكاليات غسل الأموال".
وأكد ممثل البنك المركزي "أن فتح هذه النسبة حدث في بعض الدول مثل الهند، وحدثت إشكاليات له بخلق قنوات أخرى، ومن ثم قصرها على 1% كان من أجل هذا التخوف"، وعقّب النائب عمرو غلاب، "أن فتح المساحة سيكون فيه إطار من الحرية نحو تطبيق الغرامة ويواجه غسل الأموال، لتتم الموافقة على الاقتراح المقدم".
من جانبها أكدت نائب محافظ البنك المركزي المصري لبنى هلال، خلال الجلسة نفسها، "أن استخدام وسائل الدفع غير النقدي يأتي تفعيلاً لخطة المجلس القومي للمدفوعات برئاسة عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، التي تهدف إلى تمكين المجتمع المصري من التحول إلى مجتمع رقمي أسوة بالدول الكبرى في العالم".
وقالت هلال "إن الدراسات الخاصة بهذا القانون، التي سبقت صياغة مواد مشروع القانون، استغرقت أكثر من عام، منذ تبنى البنك المركزي فكرته، وعرضها على المجلس القومي للمدفوعات في اجتماعه الأول في 3 يونيو (حزيران) 2017".
الكروت الإلكترونية
التحول إلى منظومة الدفع والتحصيل الإلكتروني لا تعد خطوة جديدة على الدولة المصرية، إذ تعد استكمالا لجهود الدولة في تعميم وشمولية هذه المنظومة، فقد بلغ عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة، الذين يتقاضون مستحقاتهم المالية من خلال استخدام الكروت الإلكترونية نحو 5 ملايين موظف، إضافة إلى ما يقرب من 7 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات يستخدمون الكروت الإلكترونية، وأيضاً طلاب الجامعات، الذين يحصلون على الكروت الإلكترونية مجاناً بمجرد التحاقهم بالجامعة، هذا إضافة إلى التحول من استخدام البطاقات التموينية الورقية إلى البطاقات الإلكترونية وتطبيق نظام حساب الخزانة الموحد TSA ونظام الدفع الحكومي (GPS).
"المالية" تمهد الطريق
وزارة المالية مهّدت الطريق للتحول بإصدار قرارات وتوجيه تعليمات واتخاذ إجراءات لتهيئة الجهاز الإداري للدولة والوزارات والهيئات الحكومية المختلفة للتعامل مع العالم الجديد وتوديع المعاملات النقدية (الكاش) منذ العام الماضي 2018.
في منتصف 2018 أصدر وزير المالية المصري محمد معيط قرارين متتابعين، الأول بوقف تحصيل رسوم الخدمات الحكومية بالشكل النقدي في يناير (كانون الثاني)، ثم أصدر القرار الخاص بربط مقار مقدمي السلع والخدمات للمستهلك النهائي بمصلحة الضرائب، عبر ماكينات للتحصيل الإلكتروني، فضلاً عن إطلاق خدمة الإقرارات المميكنة، وإلزام الأشخاص الاعتبارية بها مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تمهيداً لتعميمها على جميع الممولين مطلع مايو (أيار) المقبل، وتطبيق نظام الرقم الضريبي الموحد مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ومنذ يوليو (تموز) 2018 بدأ تحصيل الرسوم الضريبية والجمركية من خلال الوسائل الإلكترونية للمبالغ، التي تزيد على 5 آلاف جنيه من خلال مركز الدفع الإلكتروني والتحصيل التابع إلى وزارة المالية، لافتاً إلى أن مجلس النواب المصري أقرَّ في مارس (آذار) 2019 قانون الدفع بالوسائل الإلكترونية (غير النقدية)، الذي يلزم جميع المواطنين بدءاً من أول مايو (أيار) المقبل دفع رسوم جميع الخدمات الحكومية، التي تتجاوز قيمتها 500 جنيه بأي من وسائل الدفع الإلكتروني، كما تم الانتهاء من إنشاء قواعد البيانات المالية للجهات الحكومية المختلفة، التي تمكّن المواطنين من الدفع مباشرة من خلال حساباتهم المصرفية للخدمات العامة.
وأكد وزير المالية الدكتور محمد معيط لـ"اندبندنت عربية" أن "الدولة تتبنى حالياً استراتيجية شاملة لتطوير أداء جميع أجهزة الدولة وتحسين الخدمات العامة عبر استكمال منظومة المدفوعات الإلكترونية، والتحصيل الإلكتروني، ومد خدماتها لكل التعاملات بين المواطنين وأجهزة الدولة، في إطار سعي الحكومة لإرساء منظومة الشمول المالي والتحول من مجتمع نقدي؛ يعتمد على تداول العملات الورقية، إلى مجتمع إلكتروني، يعتمد على استخدام الكروت المالية الإلكترونية".
وأضاف وزير المالية "أن التحول للنظم التكنولوجية جاء ضمن سعي الحكومة إلى التحدث بلغة الشباب، الذين يمثلون 21% من تعداد سكان مصر طبقاً لأرقام عام 2018، ولذا نعمل على ملاحقة التطور التكنولوجي للاقتراب من الشباب وتعزيز مهاراتهم، بما يلبي احتياجات سوق العمل"، وأشار إلى أن "تجربة الحكومة المصرية في الرقمنة، عبر استخدام تطبيقات التكنولوجيا في جميع التعاملات والخدمات الحكومية، جزءٌ أساسي في الرؤية الاستراتيجية مصر 2030، والبرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي".
وأوضح "أن أنظمة الدفع والتحصيل الإلكتروني أصبحت الآن متكاملة مع منظومة حساب الخزانة الموحد (TSA) في البنك المركزي المصري، كما تم إلغاء التعامل بالشيكات الورقية الحكومية لتستبدل بنظام الدفع الإلكتروني الجديد، ومن خلاله يتم تحويل أوامر الدفع المختلفة، التي تنفذها الوحدات المحاسبية الحكومية مباشرة إلى الحسابات المصرفية للمتعاملين مع الحكومة وموظفيها أيضاً".
ورأى إبراهيم سرحان، رئيس مجلس إدارة شركة تكنولوجيا تشغيل المنشآت المالية، المسؤولة عن تنفيذ الخدمات الإلكترونية للحكومة المصرية، إن "النظام الرقمي يهدف إلى تحقيق العدالة وتوفير الخدمات المستدامة، التي تمس المواطن بسهولة ويسر في ضوء اتجاه العالم للتحول إلى النظام الرقمي"، وأشار إلى أن أغلب الجامعات في مصر بدأ تطبق خدمة نظام الدفع الإلكتروني، بهدف تحصيل الرسوم الدراسية بأداء أسرع وآمن مقارنة بالتحصيل النقدي، بالإضافة إلى تسهيل مهام الطلبة في دفع المصروفات الدراسية بدلاً من الوقوف في طوابير أمام مكتب شؤون الطلبة".
ولفت سرحان إلى أن "كروت ميزة" التي طرحها البنك المركزي تسهل على المواطن تطبيق النظام الرقمي بسهولة، وأن وزارة المالية تعمل على توفير مراكز الدفع والتحصيل الإلكتروني لجميع الجهات الحكومية لتحصيل مستحقات الدولة إلكترونياً لأى معاملة أكثر من 500 جنيه، مشيراً إلى أن نسبة الدفع الإلكتروني للكهرباء تزداد 30% شهرياً، والدفع الإلكتروني للجمارك ازداد 82% للعام الحالي.
وأشار سرحان إلى أن كل 10% زيادة في المدفوعات الرقمية يوفر 1.5 مليار دولار، ويوفر 200 ألف فرصة عمل، مؤكداً أن إنشاء المجلس القومي للمدفوعات كان ضرورياً للتنسيق بين الجهات المعنية للتحول للدفع الرقمية، موضحاً أن المجلس القومي للمدفوعات وضع استراتيجية تستهدف التحول لمجتمع أقل اعتماداً على أوراق النقد خلال خمس سنوات.
البنك الدولي يدعم "التحول الرقمي"
البنك الدولي تعهد بدعم مبادرة التحول الرقمي بأفريقيا بضخ استثمارات قدرها بنحو 25 مليار دولار على مدار السنوات العشر المقبلة، ففي جلسة "اقتصاد أفريقيا الرقمي" ضمن فاعليات اجتماعات الربيع للبنك الدولي بواشنطن، التي عقدت منتصف الشهر الحالي أعلن مختار ديوب، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون البنية التحتية، أن البنك سيستثمر نحو 25 مليار دولار لدعم التحول الرقمي على مدار الـ10 سنوات المقبلة بالتعاون مع القطاع الخاص.
وقالت سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي المصرية، التي شاركت في الجلسة ممثلة لأفريقيا، باعتبار أن مصر تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي حاليا، "إن مصر أول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا لديها استراتيجية للتحول الرقمي والتجارة الإلكترونية، التي تعد من المكونات الرئيسية لاستراتيجية الدولة للتنمية، وتتضمن الاستراتيجية تطوير البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ورفع مستوى كفاءة الخدمات الحكومية، وتنفيذ مشروعات المدن والمجتمعات الذكية وتطوير الكوادر البشرية وخلق بيئة تدعم الابتكار التكنولوجي والإبداع".
التغيير ليس سهلاً
في تقرير أعدته مؤسسة "جارتنر" للأبحاث العلمية منتصف 2018 عددت 6 عوائق قد تواجه الدول والمؤسسات ومديري تكنولوجيا المعلومات لتحويل مؤسسات الأعمال إلى أعمال رقمية، وحددت العائق الأول في ثقافة رفض التغيير، خصوصا في مؤسسات ثقافتها مبنية على الفردية والتسلسلات الهرمية في العمل، والعائق الثاني عدم الرغبة في المشاركة، والثالث عدم جاهزية المؤسسات للتحول الرقمي، وتمثل الرابع في فجوة المواهب، التي تتولد من تنظيم العمل ضمن مهام محددة لا تدفع إلى الإبداع، والخامس هو غياب الممارسات الصحيحة، في العمل التي تسمح باكتشاف المواهب، وأن تعمل بكفاءة، وأخيراً صعوبة التغير، فتطوير منصات الأعمال وتغير الهيكل التنظيمي يحتاج إلى كثير من الوقت والأموال.
محاور الرقمنة
وكان وزير الاتصالات المصري عمرو طلعت قال، خلال فاعليات قمة "صوت مصر... صحوة العقول"، التي استضافتها القاهرة منتصف الشهر الحالي، "لدينا في وزارة الاتصالات خطة عمل من 4 محاور لتنفيذ استراتيجية مصر 2030 في سبيل تحقيق التحول التكنولوجي الرقمي، بهدف إدارة موارد الدولة والمنظومة الحكومية بشكل أفضل، وأولها بناء الإنسان وتسليحه بالعلم كل في مجال تخصصه، وخلق مجتمع رقمي، وبالفعل مصر مستعدة لهذا التحول، ولدينا خطة لتقديم جميع الخدمات الحكومية بشكل رقمي للمواطنين، ووضع التشريعات، وبالفعل فرغنا من إصدار قانون الجريمة الإلكترونية، ونسير الآن في سبيل إصدار تشريع لحماية بيانات المواطنين، وأخيرا النهوض بالبنية التحتية المعلوماتية من حيث السرعة والانتشار".
وبدأت الحكومة المصرية بداية من شهر يناير (كانون الثاني) تلقى الإقرارات الضريبية للمولي الضرائب من كافة شرائح مجتمع الأعمال إلكترونيا في خطوة أخرى للتحول إلى عالم غير نقدي ورقمي.
وأكد رئيس قطاع التوعية والعمليات الضريبية بمصلحة الضرائب محمد شوقي لـ"اندبندنت عربية" "أن الإقرار الإلكتروني حقق استجابة ونجاحا كبيرا لدى المستثمرين منذ بداية العام الحالي حتى الآن، مشيراً إلى أنه سيتم الانتهاء من الميكنة الكاملة لتقديم الخدمات الضريبية إلكترونيا بداية من 1/7/2020"، وأشار إلى أن هناك "طفرة غير مسبوقة ونمو متزايد لعدد الإقرارات الإلكترونية لضريبة القيمة المضافة والتي وصلت إلى 596 ألف إقرار حتى الآن، وسيبلغ خلال يوم واحد 600 ألف إقرار إلكتروني".
وأوضح نائب وزير المالية للسياسات الضريبية السابق عمرو المنير "إن تطبيق الاقتصاد الرقمي على أرض الواقع في مصر بدأ منذ عام 2014، بتكوين قواعد بيانات بداية من الأعمال (الحكومية الحكومية)، والنوع الثاني في G2B، وهو الخاضع تحت الاقتصاد الرسمي، وذلك يتوافر به البيانات لأن الشركات تقدم بياناتها للحكومة، وB2B بين رجال الأعمال وبعضهم البعض، وهو ما يزيد مصداقية العديد من الشركات، وB2C بين رجال الأعمال والعملاء، والتي سيتم إدخال الضرائب الإلكترونية فيها، وتستهدف الإجراءات التنظيمية في هذا القطاع إلى القضاء على الاقتصاد غير الرسمي، وG2C بين الحكومة والمواطن، حيث يمتلك كل مواطن قاعدة بيانات، وتتباين في كافة الخدمات التي تقدم له، وG2E بين الحكومة والموظف، وتختلف بياناته في التأمينات وغيرها.
وكشف المنير أن حجم الاقتصاد الرقمي حول العالم بلغ 27 تريليون دولار، خلال عام 2017 مرتفعا بنحو تريليوني دولار عن العام الذى سبقه، وفقا لأحدث الدراسات العالمية".