Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مطالب لبايدن بتجميد اتفاقية ثقافية عقدها ترمب مع تركيا

يقول المنتقدون إن الاتفاقية تمنح أنقرة "يد طولى" على تراث وتاريخ الأقليات والسكان الأصليين مما يهدد بمحوهما

كنيسة شورا التي حُوّلت إلى مسجد العام الماضي (أ ب) 

قبيل رحيل إدارته بيوم واحد، وقعت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب اتفاقاً يتعلق بالتراث والآثار مع تركيا، أثار غضباً واسعاً بين الجاليات الأرمنية واليونانية التي تطالب الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس جو بايدن بتعليقها وعدم العمل بها. 

حماية التراث

ففي 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وقعت الولايات المتحدة وتركيا "اتفاقية الملكية الثقافية" التي تدعو إلى حماية التراث الثقافي ومنع تهريب القطع الأثرية المتعلقة بتركيا، بحسب بيان وزارة الآثار والسياحة التركية. بينما يشير المنتقدون إلى أنها تدق ناقوس الخطر حيث يخشى الكثيرون من أن الاتفاق يمهد الطريق لمحو تاريخ الأقليات الدينية والسكان الأصليين بالنظر إلى ممارسات الحكومة التركية تجاه تراث هذه الفئات. 

وتفرض مذكرة التفاهم الموقعة، الشهر الماضي، قيوداً على استيراد القطع التي يبلغ عمرها 250 عاماً أو أكثر والتي لم ترخص لها الحكومة التركية بمغادرة البلاد. والهدف من ذلك وفقاً للمذكرة "تقويض عمليات نهب المواد الأثرية والإثنولوجية التي لا يمكن تعويضها والتي تمثل التراث الثقافي لتركيا"، ويصبح الاتفاق ملزم بمجرد إخطار الحكومات بعضها البعض بأن إجراءات الإنفاذ الخاصة بها جاهزة.

رفض وتنديد

لكن منظمات أميركية يونانية وأرمينية وصفت مذكرة التفاهم الثنائية التي وقعتها إدارة ترمب في الساعات الأخيرة لها في البيت الأبيض، بـ "الكارثية". وقالت اللجنة الوطنية الأرمينية الأميركية، في بيان، إن الاتفاق يمنح تركيا الحقوق القانونية على التراث الديني والثقافي الواسع للشعوب الأصلية في المنطقة والأقليات الأخرى، ومن بينهم الأرمن واليونانيين والآشوريين والكلدان السريان والآراميين والموارنة واليهود والأكراد. 

وأضاف آرام هامبريان، المدير التنفيذي للجنة، إنه "تم القيام بهذه الخطوة غير المسؤولة من قبل إدارة تدرك جيداً أن تركيا قضت بشكل علني وغير اعتذاري ومنهجي خلال القرنين الماضيين في تدمير الأقليات، وتدنيس مواقعهم المقدسة، ومحو حتى ذاكرتهم من المشهد العام لأوطانهم الأصلية القديمة ".

وقال المعهد الهيليني الأميركي إنه "من غير المعقول أن تقدم وزارة الخارجية (الأميركية) على هذا الاتفاق في ضوء ما اقترفته حكومة أنقرة بحق متحف آيا صوفيا واضطهادها للأقليات الدينية داخل البلد، وكذلك الزعماء الدينيين مثل البطريرك المسكوني". ووصف رئيس المعهد، نيك لاريجاكيس، بيان الحكومة الأميركية الذي يشير إلى "التنوع الديني والعرقي والثقافي الطويل الأمد في تركيا" بأنه "مهين وسخيف بشكل خاص"، داعياً الرئيس الأميركي إلى عدم تنفيذ مذكرة التفاهم. 

تدمير تاريخ الأقليات

تزخر تركيا بآثار حضارات عديدة، من المعابد التي تعود للعصر الحجري الحديث إلى المدرجات الرومانية وكاتدرائيات العصور الوسطى والمساجد العثمانية. ويتهم المنتقدون الحكومة بإعطاء الأولوية لفترات وثقافات معينة. وتجذب المواقع والآثار التي تتعلق بالفترة الهلنستية في تركيا ملايين الزوار كل عام، بينما غالباً ما يتم إهمال التراث البيزنطي والأرميني أو يعاني من أعمال ترميم دون المستوى المطلوب، بحسب موقع "ذا أرت نيوزبيبر"، المعني بالفنون والآثار العالمية.

في حين لا تتناول مذكرة التفاهم الممتلكات الثقافية غير المنقولة، فإن الإشراف على المواقع المدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، يشير إلى "سجل سيء" في حماية ثقافات الأقليات، وفقاً للمعارضين، بما في ذلك تحالف التراث العالمي وجمعية مديري المتاحف الفنية (AAMD)، في أميركا الشمالية، الذين أشاروا في بياناتهم إلى أن تركيا لم تف بالمتطلبات الأساسية للاتفاق بسبب فشلها في حماية المواقع الثقافية.

وفي رسالة تعارض الاتفاقية، التي تم اقتراحها العام الماضي، قالت جمعية مديري المتاحف الفنية، إن تركيا "تتخذ خطوات حاسمة للقضاء على بعض من أهم تراث البلاد - لا سيما تراث الأقليات والأديان - من خلال تدمير التراث الثقافي بموافقة الدولة". 

 

وفي يوليو (تموز) الماضي، قامت تركيا بتحويل متحف آيا صوفيا الذي يعود إلى القرن السادس وكنيسة شورا التي تعود إلى القرون الوسطى (التي بُنيت ككنائس بيزنطية واستخدمت كمساجد خلال العصر العثماني ثم تم تحويلها كمتاحف جامعة للثقافات خلال السنوات الأولى للجمهورية التركية العلمانية) إلى مساجد على الرغم من الاحتجاجات من منظمة اليونسكو والحكومات الغربية. كما تعرض الحي القديم لمدينة دياربكر ذات الأغلبية الكردية للتخريب جراء العمليات العسكرية التركية ضد الأكراد في عام 2015 وذلك بعد أسابيع قليلة من إدراجه في قائمة التراث العالمي.

اتفاق هام 

ومع ذلك دافع متخصصون وأكاديميون أميركيون عن الاتفاقية باعتبارها "أداة قوية" لإقناع تركيا بالالتزام بالمعايير الدولية بشأن إنقاذ التراث المعرض للخطر، بحسب قول تيس ديفيس، المدير التنفيذي لتحالف الآثار، وهي منظمة أميركية غير حكومية معنية بحماية الآثار. 

وقال ديفيس في تعليقات لـ "ذا أرت نيوزبيبر" إنه "يجب على المدافعين عن التراث الثقافي للأقليات في تركيا ألا ينظروا إلى مذكرة التفاهم على أنها عقبة ولكن كنقطة انطلاق لتعزيز عملهم. إنها تمنحهم آلية لإسماع أصواتهم وتحقيق التغيير الذي تُمس الحاجة إليه".

وبحسب عمر هارمانساه، عالم الآثار في جامعة إلينوي في شيكاغو الذي يدير مشروع مسح أثري في وسط تركيا، فإن الاتفاق جاء رداً على "النهب على نطاق واسع" في تركيا على مدى العقد الماضي، مشيراً إلى أن "الطريقة الوحيدة لوقف هذا هو الحد من تداول الآثار ووقف سوق الآثار، وهو ما تفعله هذه الاتفاقية".

ويوسع الاتفاق التبادلات الثقافية بين البلدين، والتي يقول هارمانساه إنها قد تشجع المزيد من المعارض المتنقلة أو التبادلات طويلة الأجل بين المتاحف الأميركية والتركية. ويقول المراقبون إن الاتفاقية يمكن أن تخفف أيضاً من التحديات التي تواجه علماء الآثار الأميركيين الذين يواجهون عقبات بيروقراطية في عمليات التنقيب الرئيسية.

وقد وقعت وزارة الخارجية الأميركية اتفاقيات ثنائية مع مجموعة من الدول لوقف هذه التجارة غير القانونية وتعزيز اتفاقية اليونسكو لعام 1970 التي تنتمي إليها كل من تركيا والولايات المتحدة.

غسل الفن

ومع ذلك، فإن تاريخ الأرمن، يواجه تدميراً بشكل خاص. ويبدو أن محو الثقافة الأرمينية مستمر حتى يومنا هذا، ففي الأسابيع الأخيرة تم عرض كنيسة للبيع وهدم أخرى. 

فبحسب صحيفة "دوفا أر غازيت" التركية التي تصدر بالإنجليزية، تم عرض كنيسة أرمينية تاريخية في مدينة بورصة التركية، للبيع بسعر 6 مليون و300 ألف ليرة (حوالى 850 ألف دولار). وعلى الرغم من أنه تم إخفاء اسم الكنسية في الإعلان الذي عُرض على موقع مخصص للبيع، لكن الصحيفة التركية تشير إلى أن مكانها معروف في منطقة مدرجة ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي. 

وترى إليزابيث برودرومو، أستاذ مساعد زائرة في مدرسة فليتشر، وهي كلية دراسات عليا للشؤون الدولية في جامعة تافتس في بوسطن، أن توقيع الاتفاقية الجديدة "غير معقول، بل شائن بالنظر إلى تاريخ أنقرة في بيع القطع الأثرية من الحضارات الهيلينية والبيزنطية التي ازدهرت فيما مضى" بحسب تعليقات لموقع غريك ريبورتر.

ويخشى هيغنار واتنبو، أستاذ الفن والعمارة في جامعة كاليفورنيا، من أن يكون الاتفاق شكلاً من أشكال "غسل الفن" لصرف الانتباه عن الضرر الذي ألحقته السياسات الثقافية التركية بمواقع مثل آني، المقر السابق لمملكة أرمينية، حيث العمل على إنقاذ آثار القرون الوسطى المنهارة وفن الكنيسة المدمر يسير بخطى بطيئة على الرغم من وضعها في التراث العالمي.

ووثق واتنبو في كتاب بعنوان "الصفحات المفقودة"، الصادر عام 2019، رحلة جزء من مخطوطة تعود للقرن الثالث عشر إلى متحف بول غيتي في لوس أنجلوس والجهود التي تبذلها الكنيسة الأرمينية لاستعادتها. وذكر أن "ما يعرف بـ (أناجيل الزيتون) موجودة اليوم لأنها تم تهريبها من تركيا خلال الإبادة الجماعية قبل قرن من الزمان". 

وقال في تصريحات صحافية: "إذا كانت هذه الاتفاقية تشير إلى أن الدولة التركية تتمسك الآن بالتزاماتها الدولية تجاه التراث الثقافي، فسيكون ذلك موضع ترحيب.. لكن لا يزال يتعين علينا طرح أسئلة حول التنوع [التراث] عندما لا تكون الدولة قادرة على نطق كلمات (أرميني) أو (كردي) عند الحديث عن ثقافتها. إنها مسألة ثقة، بالنظر إلى عدم الاعتراف بالماضي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير