Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تأثر لويد رايت بالمعمار العراقي في بنائه متحف غوغنهايم؟  

 عصمت كتاني يؤكد والقاعة اللولبية الصاعدة تشهد على ذلك 

لويد رايت مع أحد مخططاته الأولية (غيتي)

 قبل شهور قليلة من رحيله في العام 2001 كان الدبلوماسي العراقي المخضرم عصمت كتاني، واحداً من قلة من السياسيين العرب الذين تولوا رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد قرأ مقالا نشره كاتب هذه السطور عن المعماري الأميركي فرانك لويد رايت، فاستل قلمه وكتب لنا رسالة يدلي فيها بشهادته حول ذلك المبدع الكبير مشيراً فيها إلى لقاءاته الشخصية به كما إلى المحاولات الرسمية العراقية للاستعانة بخبرة لويد رايت وإبداعه في بناء بغداد في زمن كانت السلطات العراقية تستقطب كبار المبدعين العالميين في هذا المجال. ولقد كتب كتاني (1929 – 2001) في رسالته: "قرأت مقالكم في ذكرى رحيل المعماري الأميركي فرانك لويد رايت؛ فرجعت بذاكرتي التي بدأت تضعف إلى العام 1957 عندما كنت أعمل في ممثلية العراق لدى الأمم المتحدة. في ذلك الحين كانت الحكومة العراقية تستقطب عدداً من كبار المعماريين في العالم، لكي يقوموا بتشييد صروح عمرانية في العاصمة وغيرها، ولكن أيضاً كي ينهلوا من التراث العمراني العراقي. وكان السيد فرانك لويد رايت من بين هؤلاء بل في مقدمتهم حيث فوتح بإنشاء دار للأوبرا في بغداد والمساهمة في تشييد جامعة جديدة. ولقد قبل السيد رايت العرض وشرع بوضع رسوم، لا أزال أذكر أنها كانت في غاية الجمال وتكاد تكون قطعاً فنية. وهو حمل الرسوم يومها وتوجه بها إلى العراق وبعد عودته إلى نيويورك حيث كان مقر عملي، أشارت إليّ السلطات بالاحتفال به كإعلان عن بدء العمل في المشروع. وبالفعل أقمت الحفل على شرفة الممثلية العراقية ولاحظت خلاله شدة سرور رايت بالمشروع".

 أين اختفت الرسوم؟  

ويتابع كتاني: "ولكن الذي حدث بعدها هو أن المشروع لم ير النور، لكني عرضت اللوحات في قاعة الممثلية ما أفرح المعماري الكبير وجعله يهدي اللوحات إلى الممثلية حيث ظلت معلقة على جدران مدخلها سنتين ثم اختفت. ونظراً لأهميتها كجزء من أعمال هذا المعمار الرائد العظيم هل لنا أن نسألكم (في توجه من الراحل كتاني إلى كاتب هذه السطور) أن تستخدموا مواهبكم في مجال البحث لعله يقف على مصيرها. وللمناسبة لا بد لي من القول هنا إن مبنى متحف غوغنهايم والذي لا يبعد كثيراً عن مقر الممثلية العراقية والذي الذي صمّمه السيد رايت هو في الحقيقة ملوية مقلوبة على الطريقة العراقية، قاعدتها أضيق من طابقها العلوي. ولا أشك في أن السيد رايت أخذ الفكرة من العراق فهل أشار إلى ذلك يا ترى في مذكراته؟

"والحقيقة إنني زرت المتحف مراراً. حيث يذهب الزائر بالمصعد إلى أعلاه ويدور حول الصور المعروضة كمن ينزل من "ملوية" ولما ينتهي من مشاهدة اللوحات يجد نفسه في الطابق الأرضي. الفرق بينه وبين الملوية هو طريق النزول والصعود في "غوغنهايم" ممر داخلي بينما في الملوية في العراق فالممر خارجي حول البناء". وتنتهي هنا رسالة كتاني.

 الدفاع عن الجديد

 صحيح أن لويد رايت، لم يكن بحاجة إلى تلك "المأثرة" حتى يثبت مكانته العالمية، لكنه كان بحاجة إليها، بكل تأكيد، حتى يدعم موقفه في الصراع بين القديم والجديد، في مضمار الهندسة المعمارية. فهو كان سيد المدافعين عن الجديد، بينما كان خصومه "القدامى" و"الكلاسيكيون" أقوياء يشنون عليه، بين الحين والحين، هجمات ضارية، لا ينقصها في بعض الأحيان أن تورده موارد اليأس، على الرغم من أن سمعته في العالم، خارج وطنه، كانت كبيرة، وكان في ذلك الحين قد بات مؤشراً إلى عالم العمران في طول العالم وعرضه، وفي أوروبا على وجه الخصوص. طبعاً لسنا هنا بحاجة إلى القول إن "مأثرته" اليابانية أعطته انتصاراً عظيماً، وبات منذ ذلك الحين يعتبر، حتى في وطنه الأميركي، أكبر مجدد عالمي في مضمار الهندسة المعماري. واسم فرانك لويد رايت، منذ وفاته في عام 1959، لم يغب يوماً عن هذا العالم الفني العملي: عالم العمار.

ولادة ريفية

ولد رايت العام 1869 في ريتشلاند سنتر في ولاية وسكونسين الأميركية، وأمضى معظم سنوات طفولته في مزرعة. وفي 1884 دخل جامعة وسكونسين حيث كان يريد التخصص في الهندسة المعمارية، لكن هذا التخصص لم يكن موجوداً في تلك الجامعة وما كانت أوضاعه لتمكنه من الانتساب إلى جامعة أخرى، فأمضى سنوات من حياته يدرس الهندسة التقنية، ثم سئم ذلك كله فتوجه إلى شيكاغو ليبحث عن عمل، وهناك من حسن حظه عثر على عمل لدى واحدة من أكبر شركات البناء، مقابل راتب لا يزيد على 8 دولارات أسبوعياً. وخلال السنوات السبع الأولى التي أمضاها فيها تمكن من أن يظهر مواهبه الاستثنائية في مجال الهندسة والتجديد، ما جعله إثر ذلك ينفرد بمكتب وبعمل خاص به. وسرعان ما بدأ يشتهر بتمرده على أسلوب الإعمار الفيكتوري وميله إلى التجديد المعتمد على الخطوط الأفقية والنوافذ وتصميم أبنية ترتبط بالبيئة المجاورة بشكل أساسي. ومن أول إنجازاته المهمة في ذلك الحين تصميمه منزلاً ريفياً في مجموعة مساكن فردريك روبي في شيكاغو في 1909. هنا بدأت الحرب هذه، لكنه جابهها بقوة بخاصة أن المشاريع راحت تنهال عليه. فهو قبل ذلك كان قد صمم مبنى إدارياً في بوفالو، تميز ببساطته وبكونه أول مبنى إداري يستخدم الأبواب والأثاث المعدنية والتكييف المركزي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأب الشرعي للحداثة

 في الوقت الذي كانت هذه السمات تستثير غضب المهندسين الكلاسيكيين في الولايات المتحدة، كانت سمعة رايت تكبر وتكبر في الخارج، وكان تأثيره في العمران الأوروبي بدأ يتضح، ثم كان نفاد فندق "إمبريال" من تشييده، من كارثة زلزال طوكيو، نقطة الذروة في شهرته.

منذ ذلك الحين، صار لويد أحد أكبر العمرانيين في العالم، والأهم من هذا، أنه صار يعتبر الأب الشرعي للحداثة العمرانية في الولايات المتحدة، وراحت مبانيه تنتشر في أكثر من ثلاثين ولاية. وعلى الرغم من التنوع الهائل في تلك الأعمال، فإن ثمة وحدة أساسية تجمع بينها. وحدة تنطلق من تطوير رايت أساليب بناء جديدة، غالباً ما يستخدم فيها مواد جديدة، وأحياناً كتلاً مصنفة سلفاً. وفي هذا المجال لا يزال تصميمه الكبير مبنى "مسقط الماء" في بيران في ولاية بنسلفانيا المقام في 1936، يعتبر حتى اليوم أبرز وأهم مبنى في العالم أقيم فوق مسقط مائي. أما أهم أعماله من ناحية الفعالية والوظائفية فهو مجمّع المباني المعروف باسم "بروداكرز" ويعتبر حتى اليوم نموذجاً أساسياً لمجمع سكني ريفي.

تجديد حتى الرمق الأخير

خلال سنوات حياته الأخيرة واصل رايت عمله التجديدي وإن بوتيرة أقل حدة، في الوقت الذي راح يُعدّ التلامذة في مبنيين أقام أولهما في وسكونسين والثاني في ولاية آريزونا. وخلال ذلك كله كان لديه من الوقت ما يكفي لوضع العديد من الكتب في فن المعمار، أهمها على الإطلاق سيرته الذاتية التي حملت عنوان "وصية" 1957، إضافة إلى كتاب وضعه حول مدينة المستقبل بعنوان "المدينة الحيّة" 1959. وبهما تمكن من نقل معركته التجديدية إلى صفوف الرأي العام، من دون أن يتنبه إلى كسبه هذا الرأي العام منذ زمن بعيد.

حين رحل رايت عن عالمنا كان على وشك إنجاز مبنى متحف "غوغنهايم" في نيويورك - الذي يتحدث عصمت كتاني عنه أعلاه مشيراً إلى "احتمال" تأثر تصميمه بالتراث العمراني العراقي -، كما العديد من المشاريع الأخرى. وعند موته في التسعين من عمره كان لا يزال يتمتع بحيوية استثنائية.

المزيد من ثقافة