Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شعب لبنان "اليتيم" ضحية حرب المواقع في السلطة

عون- باسيل واجهة "حزب الله" في تعطيل ولادة الحكومة

يتصرف "حزب الله" على أن عون واجهة مفيدة له تؤمن التغطية المسيحية لسلاحه (دالاتي ونهرا)

يُطرح في لبنان السؤال البديهي في شكل يومي، ويتردد على ألسنة المواطنين الذين لا يجدون تبريراً لاستمرار المراوحة في تأليف الحكومة الجديدة التي عليها رهان كبير، بأن تنتشل البلد من الحفرة العميقة الاقتصادية المالية التي وقع فيها: "ألا يشعر الزعماء والقادة وكبار المسؤولين بأوضاع الناس المأساوية"؟

وفي وقت يتقاذف الفرقاء اللبنانيون التهم بالتسبب بالفراغ الحكومي، ويتلطى بعضهم بغيره مثلما يفعل "حزب الله" بوقوفه خلف حليفه "التيار الوطني الحر"، عبّر البطريرك الماروني عن عمق الهوة بين الطبقة السياسية وبين الناس العاديين، بالقول: "ما كان شعب لبنان يوماً يتيماً مثلما هو اليوم". وهو قال في عظته الأحد إن "الإمعان في التعطيل (الحكومة) يتسبب بثورة الجياع"، مشيراً بذلك إلى العنف الذي حصل في طرابلس الشمالية قبل أسبوع. وأكد أن "الفقر وراء المتظاهرين"، رداً على تحليلات بعض الإعلام والمسؤولين عن مؤامرة وراء العنف وحرق مقار رسمية في المدينة.

عدم الاكتراث بنقمة الشارع

يَفترضُ السائل عما إذا كانت القيادات السياسية ستتنبه إلى الانعكاسات المعيشية للفراغ الحكومي، على المواطن العادي وأضرار ذلك عليها نتيجة نقمة الشارع حتى الموالي لها، أنها ستضع حداً للعبة تعطيل تأليف الحكومة. إلا أنه لا يبدو شيء من هذا سيحصل في المنظور القريب، ما يرجّح استمرار الأزمة السياسية وتفاقم الوضع المعيشي بسببها، على الرغم من ظهور موجات من التسريبات بين الحين والآخر عن إمكان إحداث خرق في الجدار الصلب الذي يحول دون ولادة حكومة تعنى بالحلول للأزمة الخانقة. فهذه الموجات من التفاؤل لا تلبث أن تخلي الساحة لمزيد من التشاؤم الذي ينعكس مزيداً من الارتفاع في سعر صرف الدولار الأميركي، وأسعار المواد الغذائية الرئيسة، ومزيداً من التراجع في النشاط الاقتصادي، بسبب الإقفال العام لتفادي تفشي كورونا.

الاستقطاب وتبادل الحملات

ومع أن النقمة تطال السياسيين كافة، لا سيما بعد ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) العام 2019، التي رفعت شعار "كلن يعني كلن"، فإن حالة الاستقطاب السياسي والطائفي في الأسابيع الماضية الناجمة عن تبادل الحملات بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحزبه "التيار الوطني الحر" برئاسة صهره النائب جبران باسيل، وبين الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، زعيم تيار "المستقبل"، سلطت الأضواء على هذين الفريقين، باعتبارهما المسؤولين عن إنهاء الفراغ. إلا أن مساواتهما بالمسؤولية عن تأخير إنقاذ الوضع اللبناني من قبل الأوساط السياسية، ومنها البطريرك الراعي، لم تخف ميل الأخير ومعظم القوى إلى إلقاء اللوم على الرئيس عون والوزير باسيل سواء في التصريحات العلنية أو في التسريبات لوسائل الإعلام، حتى بات عنوان عرقلة قيام الحكومة مطالبة عون وباسيل بالثلث المعطل من وزرائها (الثلث زائداً واحداً). وآخر من أعربوا عن غضبهم حيال هذا المطلب رئيس البرلمان نبيه بري في بيان أصدره في 1 فبراير (شباط)، بعد محاولة بذلها اصطدمت بهذا الشرط من قبل باسيل. وعلى الرغم من النفي المتواصل من عون وباسيل بأن هذا مطلبهما، فإن وقائع المداولات والوساطات تلصق تهمة الإصرار على الثلث المعطل بهما، خصوصاً أنهما يطالبان بحصة وزارية بحجة تمثيلهما للمسيحيين، لإبعاد تهمة التعطيل والتسبب بالفراغ الحكومي عنهما، عبر رفع لواء المطالبة بحقوق المسيحيين.

بات مسلماً به بالنسبة إلى الحريري أن مطالب عون وباسيل بأن تكون الحكومة من 20 وزيراً، وبتسمية وزيري العدل والداخلية، وبحق رئيس الجمهورية في تسمية الوزراء المسيحيين، تنسف مبدأ حكومة المستقلين غير الحزبيين، وفق المبادرة الفرنسية، بهدف السيطرة على التركيبة الحكومية، وتكريس الثلث المعطل بحكم الواقع،  فيما يتمسك هو بأن تكون مصغرة من 18 وزيراً، وعدم تولي أي فريق الثلث المعطل فيها. ولم يعد سراً أن لدى عون- باسيل هدفاً مثالياً بالنسبة إليهما هو دفع الحريري إلى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة من أجل تكليف غيره من شخصيات سنية يتواصلان معها.

موقع القوة في الصراع أهم من تسهيل الحكومة

في حملتهما على الحريري يعتقد عون وباسيل أنهما يستعيدان بعضاً من الشعبية المسيحية التي خسراها، إثر تردي الأوضاع الاقتصادية أواخر 2019 وطوال 2020، وبعد حملة ثوار 17 أكتوبر على العهد والفريق الرئاسي لا سيما باسيل. فجزء من الرأي العام المسيحي ما زال يحن إلى استعادة رئاسة الجمهورية سلطاتها التي كانت قبل اتفاق الطائف، رافضاً التسليم بتغييرات حصلت في تركيبة البلد السياسية والديموغرافية، ويتعاطف هذا الجزء من المسيحيين، مع عون وباسيل في هذا التوجه. وهما يعتبران أن خوض معركة صلاحيات تسمية الوزراء المسيحيين مع الحريري المسلم السني، يشد عصب هذه الفئة المسيحية فتقف إلى جانبهما أكثر. ولا يعطيان أهمية لرفض البطريرك الراعي تبرير تأخير الحكومة بشعار حقوق المسيحيين، لخشيته من رد فعل طائفية إذا ما جرى دفع الحريري إلى الاعتذار، فيؤدي الالتفاف السني حوله إلى صعوبة تسمية رئيس آخر للحكومة ويغرق البلد في الفراغ مجدداً. كما أن باسيل يأمل في أن يثبت للإدارة الأميركية التي فرضت عقوبات عليه مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في ظل رئاسة دونالد ترمب، أنه الرقم الصعب على الصعيد المسيحي في لبنان والذي من دونه لا تتشكل حكومة يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل مع البلد من خلالها، فضلاً عن أن سائر القوى الخارجية يفترض أن تأخذ في الاعتبار في الاستحقاقات اللبنانية المقبلة، سواء المتعلقة بالانتخابات النيابية ثم الرئاسية في العام 2022. ويتصرف عون وباسيل على أن تموضعهما المتقدم في الصراع على السلطة واكتسابهما موقعاً قوياً أهم من تسهيل قيام الحكومة للبدء في تصحيح الوضع الاقتصادي الصعب.

ومقابل مطالبتهما من قبل مرجعيات عدة في الخارج والداخل لا سيما البطريرك الراعي بالتفاهم مع الحريري فهما يصران على خوض المعارك مع مواقع الحريرية السياسية في الإدارة، على غرار المعركة التي يخوضها عون من أجل التخلص من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر فتح ملفات قضائية في حقه من قبل القاضية غادة عون المعروفة بأنها تخضع لتعليمات رئيس الجمهورية، وبهدف تعيين حاكم بديل لمصرف لبنان.

مراهنة على تجنب الانهيار المالي والاقتصادي

ويراهن الفريق الرئاسي على تجنب الانهيار المالي والاقتصادي الكامل، وعلى أن يتمكن البلد من الصمود إزاء التحذيرات من اقتراب نفاد الاحتياطي بالدولار الأميركي نتيجة سياسة دعم استيراد السلع الأساسية كالمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات، بسعر الدولار الرسمي السابق على الأزمة أي 1500 ليرة لبنانية. فالوسط السياسي والنيابي والمصرفي اللبناني يناقش منذ شهرين تحذير حاكم المصرف المركزي من قرب نفاد الاحتياطي بالدولار. ما يعني الاضطرار إلى استيراد بعض المواد بسعر السوق السوداء الموازية حيث لامس 9 آلاف ليرة. الأمر الذي يرفع الأسعار أضعافاً. وتشير المعطيات إلى أن الفريق الرئاسي مطمئن إلى القدرة على إطالة مدة استخدام الاحتياطي في مصرف لبنان بالدولار وتجنب الانهيار الكامل بسبب قدرته على الضغط السياسي على سلامة. فالأخير تمكن من تأمين قرابة 4 مليارات دولار أميركي، عن طريق إيداع أموال المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة التي تقدم المساعدات لمنكوبي انفجار المرفأ، ولمواجهة جائحة كورونا، وللنازحين السوريين في مصرف لبنان المركزي، إضافة إلى قرض البنك الدولي لتقديم مساعدات للعائلات المحتاجة، فضلاً عن أن استقدام بعض المصارف أموالاً من مستثمرين في الخارج لزيادة رأسمالها، ستسهل قيامها ببعض التحويلات الضرورية للاستيراد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تقدير بعض محيط عون أن خفض عدد السلع المدعومة من حوالى 300 سلعة إلى نحو 30-40 سلعة سيخفض الإنفاق الشهري من احتياطي 4 مليارات، بحيث يمكّن الرئاسة من ضمان نوع من الاستقرار في الوضع المعيشي حتى نهاية العهد في 31 أكتوبر 2022. ويستعد هذا الفريق لمواجهة الاحتجاجات ضد رفع الدعم عن بعض السلع (مثل البنزين كما يتردد)، فإن العدة الإعلامية الترويجية جاهزة للصق الأمر بسلامة وسياسات الحكومات السابقة ومنها التي ترأسها الحريري، ثم باتهامه بالتسبب بعدم تأليف الحكومة لرفضه التجاوب مع مطالب عون. وقد يدفع فريق عون- باسيل نحو استخدام جزء من احتياطي الذهب في محفظات استثمارية، لكن ذلك يتطلب صدور قانون عن البرلمان.

الحريري والتضامن السني

في المقابل، كسب الحريري تضامناً سنياً واسعاً معه إزاء ما اعتبره رؤساء الحكومات السابقون افتئاتاً على صلاحيات الرئيس المكلف، وتعاطفاً من أبناء الطائفة الذين كانوا انفضوا عنه بسبب تنازلات التسوية الرئاسية التي عقدها مع عون وانتخب بموجبها رئيساً في العام 2016. وأخذ التعاطف مع الحريري بعداً سنياً واسعاً خصوصاً بعد تسريب الفيديو الفضيحة الذي تضمن عبارات مهينة للحريري. حتى أن بعض خصوم الحريري في ما يسمى "اللقاء النيابي التشاوري" الذي يضم 6 نواب حلفاء لـ"حزب الله"، اعترضوا على استهزاء عون وباسيل بموقع رئاسة الحكومة وأيدوا موقفه بعدم الاعتذار عن مواصلة مهمة تأليف الحكومة. لكن الحريري يستند أيضاً إلى موقف عربي وغربي وروسي، يعتبر أنه الأكثر تأهيلاً لتولي رئاسة الحكومة والأقدر على ضمان صلات لبنان مع المجتمع الدولي، على الرغم من تعاطي بعض الدول الغربية والعربية معه على أنه أخطأ بتحالفه مع عون لأنه صنيعة "حزب الله".

أين "حزب الله"؟

هناك وجهتا نظر في شأن موقف الحزب من استمرار الفراغ الحكومي. الأولى يرى أصحابها أنه على صحة الاستنتاج بأن الحزب يستفيد من عناد عون وباسيل في مطالبهما التوزيرية، ويبقي على ولادة الحكومة ورقة تفاوضية في يده توظفها طهران إذا حان وقت البحث بينها وبين إدارة بايدن، فإن الحزب أيد موقف الرئيس بري الذي اتهم عون وفريقه، من دون تسميته، بعرقلة الحكومة عبر الثلث المعطل، وإن قيادة "حزب الله" مجبرة على مسايرة عون لأن لا خيارات أمامها سوى هذا الأسلوب، بعدما حاولت بالتعاون مع بري تليين مواقف باسيل وعون، لكنها أخفقت، وموقف بري برفض الثلث المعطل لأي فريق هو موقف الحزب أيضاً.

وجهة النظر الأخرى تشير إلى أن تفرّج "حزب الله" صاحب القرار النافذ في البلد، طوال 14 أسبوعاً على الفراغ الحكومي من دون أن يضغط على ثنائي حليفه عون باسيل، كي يسهلا تأليف الحكومة لا يعني سوى أنه مرتاح لتولي حلفائه في "التيار الحر" عرقلة تشكيل الحكومة. ويسأل سياسي غير بعيد عن "حزب الله": "لماذا يضغط الحزب على رئيس للجمهورية يمكنه أن يمون عليه، ولديه كتلة نيابية مسيحية وازنة إلى جانبه وقد يحتاج إلى موقفه لاحقاً في ملفات أخرى أكثر أهمية من إدارة الأزمة اللبنانية"؟

يتصرف الحزب على أن عون واجهة مفيدة له، تؤمن التغطية المسيحية لسلاحه، حتى لو كان في أدائه يستهلك نفسه ويستنفد قوته، بدلاً من أن يستنفدها "حزب الله".

المزيد من تقارير