Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما الإيطالية في حداد بعد رحيل ألبرتو غريمالدي 

عاصر أجيالاً من المخرجين والممثلين وأسهم في ترسيخ المدارس الجديدة

ألبرتو غريمالدي أسطورة صناعة السينما الإيطالية (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - فيسبوك غريمالدي)

السينما الإيطالية في حداد. فهي طوت إحدى صفحاتها المجيدة قبل بضعة أيام مع رحيل المنتج الكبير ألبرتو غريمالدي عن 95 عاماً في ميامي. غريمالدي الذي كان اعتزل نشاطه منذ نحو عقدين، يجسد نصف قرن من السينما (1962 - 2002) التي تربت عليها أجيال من المشاهدين. هذا الرجل انتمى إلى سلالة منتجين "مبادرين" تركوا بصماتهم على الأفلام التي أنتجوها. في السبعينيات، كانوا يلقبونه في الأوساط السينمائية بـ"المحامي غريمالدي"، نظراً لأنه درس الحقوق، لكن الوصف الأدق هو "عراب جيل الستينيات والسبعينيات"، يوم كانت السينما الإيطالية في الطليعة. أسهم فيها بأفلام جريئة انقلابية، لسينمائيين يملكون رؤية جديدة للعالم الذي يحيط بهم. نظرة سريعة على سجله المهني (نحو 80 فيلماً) تكفي لندرك مدى تنوعه. قلما اجتمعت في فيلموغرافيا واحدة قامات مثل فيديريكو فيلليني، وبرناردو برتوللوتشي، وبيار باولو بازوليني، وفرنتشيسكو روزي، ومارتن سكورسيزي، وإيليو بتري، وماركو فيريري، وجيلو بونتيكورفو، وماريو مونيتشيللي. أنتج أعمالاً سينمائية لكل هؤلاء الذين طبعوا ذاكرة الجمهور في القرن العشرين، وكان شهيراً بأنه يترك السينمائيين يعملون براحتهم من دون تدخلات، ولا يزور موقع التصوير إلا عند الضرورة.  

 

في العام 1962، أسس هذا النابوليتاني شركة إنتاج، وأنجز فيلماً إسبانياً - إيطالياً - فرنسياً بعنوان "ظل زورو" من إخراج خواكين لويس روميرو. كان العصر الذهبي للإنتاجات المشتركة، ثم كان موعده مع أول فيلم من نوع الوسترن السباغيتي في سجله، وهو النوع السينمائي الذي فتح له أبواب المجد. في تلك الفترة، التقى سرجيو ليوني إذ كان مستشاره القانوني، فتطورت الأمور إلى أن أنتج له "لأجل مزيد من الدولارات"، ثم "الطيب، الشرس والشرير". آنذاك، خاض مع ليوني الذي كان في منتصف الثلاثينيات من عمره، مغامرة أصبحت لاحقاً ثلاثية شهيرة هي "ثلاثية الدولار". أنتج غريمالدي جزأين منها، الأول والثاني. فبعد نجاح الجزء الأول، "لأجل حفنة من الدولارات"، أراد ليوني وغريمالدي تكرار التجربة وبلورتها في جزء ثان هو "لأجل مزيد من الدولارات". كانت المشكلة الوحيدة الحصول على موافقة كلينت إيستوود، الذي لم يكن مستعداً لإعطاء الضوء الأخضر، ذلك أنه لم يكن قد شاهد بعد الجزء الأول. أُرسلت نسخة بالإيطالية على وجه السرعة لإيستوود، فجمع بعض أصدقائه وشاهده، وعلى الرغم أن أحداً لم يفهم شيئاً من الحوارات، فقد أعجبه الفيلم ووافق على التمثيل في "لأجل مزيد من الدولارات". أما "الطيب، الشرس والشرير"، فدخلت استوديوات "يونايتد آرتستس" على الخط بعد ما ذاع صيت الفيلمين السابقين دولياً. وفي الواقع، إن أصحاب الاستوديو هم الذين اقترحوا على ليوني وغريمالدي والسيناريست لوتشيانو فينتشنزوني إنجاز جزء ثالث. فخطرت على بال السيناريست فكرة سيناريو عن "ثلاثة محتالين يبحثون عن الكنز نفسه خلال الحرب الأهلية الأميركية"، وتمت الموافقة على الفكرة.

أفلام متعددة

لم يتوقف شغفه بالوسترن سباغيتي عند حدود العمل مع ليوني، فأنتج أعمالاً أخرى تنتمي إلى هذا النوع، منها أفلام لسرجيو سوليما، والشهير جداً في هذا المجال سرجيو كوربوتشي الذي أعاد المخرج الأميركي كوانتن تارانتينو بعد سنوات صياغته في قوالب سينمائية جديدة. مع "لا شاماد" لألان كافالييه (1968)، انتقل غريمالدي إلى سينما أخرى، أكثر طموحاً على المستوى السينمائي، وتعامل للمرة الأولى مع مخرج فرنسي ينتمي إلى تراث فني آخر. الفيلم اقتباس لرواية لفرنسواز ساغان، بعيدة من الأجواء التي اعتاد عليها المنتج، وهو من بطولة كاترين دونوف وميشال بيكولي. تكررت تجربة العمل مع سينمائيين فرنسيين مع فيليب دو بروكا في "الشيطان من ذيله" وكلود لولوش في "البلطجي" وكريستيان جاك مع "غراميات لايدي هاميلتون". 

 

أنتج غريمالدي ثلاثة أفلام لفيلليني بين عامي 1969 و1986: "ساتيريكون" و"كازانوفا" و"جينجر وفريد". أعظمها "ساتيريكون". تحفة بصرية لا تشبه أفلام فيلليني الأخرى، وتستند إلى حد ما إلى عمل لبترونيوس كُتب في عهد الإمبراطور نيرون وتقع أحداثه في روما القديمة. الفيلم مقسم إلى تسعة فصول، ويتعقب إنكولبيوس وصديقه أسيلتوس في محاولة للفوز بقلب صبي صغير. بالمصادفة المحضة، شهد المشروع منافسة من فيلم آخر حمل العنوان نفسه، وصدر في العام نفسه، وانتهت المسألة بينهما في القضاء، قبل أن تُحسم لمصلحة المنافسين. 

مع بيار باولو بازوليني، أنجز غريمالدي "ثلاثية الحياة" (1971 - 1974)، ثلاثة أفلام تخرج عن المألوف سياسياً وجمالياً وفنياً. إلا أن العمل الذي جمعه ببازوليني ولا يمكن نسيانه هو "سالو" (1975)، الفيلم الذي قُتل من بعده بازوليني. هذا العمل جردة حساب صادمة عن الجرائم التي أرتُكبت في ظل النظام الفاشي في إيطاليا. صادم ومقرف ومقزز وبديع، لأن بازوليني فاقد الأمل بالإنسانية وقرر ألا يمارس أي رقابة على خياراته ولا يساوم. 

رجل وامرأة

 

لا يمكن تناول سيرة غريمالدي من دون الحديث عن تعاونه مع برناردو برتوللوتشي. معاً بلغا ذروة العطاء في مطلع السبعينيات، كتب برتوللوتشي سطرين من مشروع سيناريو يعتزم أفلمته نزولاً عند رغبة موزع يملك صالة سينما في نيويورك. "رجل وامرأة أحدهما لا يعرف الآخر يلتقيان بشكل دوري داخل شقة. طريقة التواصل الوحيدة بينهما كانت الإيروسية"، هكذا يلخص برتوللوتشي فيلم "التانغو الأخير في باريس" (1972) الذي أصبح "اسطورة" في ما بعد. كان مارلون براندو الذي لعب دور الرجل الأربعيني بيار في الفيلم أهم عناصره. هناك حكايات كثيرة تُروى عن لجوء برتوللوتشي إلى براندو لإقناعه بالدور، بعدما رفضه بلموندو بحجة أنه "خلاعي". ويقال إن لغريمالدي دور فعال في هذا الموضوع. فبعدما كان عمل مع براندو على "كويميدا" لجيلو بونتيكورفو في العام (1969)، هدد غريمالدي النجم الأميركي بمقاضاته بسبب تصرفاته خلال التصوير، ولكن عاد واقترح عليه "حلاً حبّياً" إذا وافق على "التانغو الأخير"، مع إعطائه أجر 250 ألف دولار ونسبة من الأرباح. حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وتربع في مرحلة من المراحل على عرش أكثر الأفلام الإيطالية تحقيقاً للإيرادات، الأمر الذي كان يقلق سرجيو ليوني، وفق برتوللوتشي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العمل الثاني الذي جمع غريمالدي ببرتوللوتشي كان "القرن العشرون" أو "1900" (1976). تحفة بطولة روبرت دنيرو وجيرار دوبارديو يمكن ترتيبها بسهولة في مرتبة أعمال أدبية لشكسبير وهوغو. نحن أمام نحو نصف قرن من تاريخ بلد وشعب، أراده برتوللوتشي الطموح فيلماً يخاطب الجمهور العريض، ولكن انتهى في الأخير بجدارية نكتشف في تفاصيلها التغييرات الاجتماعية التي حدثت في منطقة إيميليا في بداية القرن العشرين. الفيلم عُرض بدايةً في مهرجان "كان"، وكان عرضه صعباً في الصالات بسبب طوله (317 دقيقة). بعد هذه الملحمة، كان هناك مشروع آخر للرجلين لكن لم يتحقق. عمل آخر تخلى عنه غريمالدي، "ذات زمن في أميركا"، آخر أفلام سرجيو ليوني وتحفته الخالدة. الفشل الجماهيري الذي كان من نصيب "1900" أخافه، وربما كان نادماً، نظراً للمكانة التي احتلها هذا الفيلم لاحقاً. بعد سنوات، عوض عن هذه الخطوة الناقصة في سيرته، عندما وضع كل الإمكانات في خدمة مارتن سكورسيزي يوم أنجز "عصابات نيويورك" (صوّره في تشينيتشيتا)، على الرغم من صعوبة إخراج الفيلم في الصالات الذي صادف مع اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما