Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أرنالدور أندريداسون يروي الحرب العالمية الثانية بعين إيسلندية

"عملية نابوليون" تحقيق سردي بوليسي عن أسرار هتلر في طائرة ألمانية

الروائي الإيسلندي أرنالدور أندريداسون (غيتي)

"عملية نابليون" هي الرواية الجديدة للكاتب الأيسلندي أرنالدور أندريداسون، الصادرة عن دار "ثقافة للنشر والتوزيع"، بتعريب نهى حسن. وفيها يتناول آليات عمل أجهزة الاستخبارات، والأساليب التي تستخدمها لتحقيق أهدافها، وما يترتب عليها من نتائج وخيمة. ويفعل ذلك من خلال رصد اقتفاء منظمة سرية أميركية أثر طائرة ألمانية، سقطت في نهر أيسلندي، نهاية الحرب العالمية الثانية، في محاولة للعثور على سر خطير على متنها. وبذلك، يشكل التاريخ منطلقا لأحداث معاصرة، تجري في فضاء بوليسي، تمتزج فيه الإثارة بالتشويق، لجلاء الغامض في واقعة تاريخية مهمة. على أنه لا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن ترجمة الرواية إلى العربية تعود إلى شهرة صاحبها، فهو يتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعا في أيسلندا، وقد نشرت كتبه في 26 دولة، وتُرجِمت إلى 40 لغة، ومنها العربية.

الشكل الروائي

يمكن الكلام على ثلاثة أقسام في الرواية؛ الأول تمهيدي يقتصر على فصل واحد، ويتناول واقعة اختفاء طائرة ألمانية، في نهر فاتنويوكل الجليدي الأيسلندي، في العام 1945. الثاني يشكل صلب الرواية، يمتد على أربعة وأربعين فصلا، ويتناول عملية العثور على الطائرة وإعادتها إلى الولايات المتحدة الأميركية، في العام 1999. والثالث نهائي يقتصر على فصل واحد، ويتناول السفر إلى جزيرة بورن الأرجنتينية للتحقق من واقعة معينة. وتفصل بين القسمين الأول والثاني فجوة زمنية طويلة تبلغ أربعة وخمسين عاما، وتُحدث قطيعة زمنية وحَدَثية بينهما، بينما تفصل بين القسمين الثاني والثالث فجوة زمنية متوسطة تبلغ سبعة أشهر، وتشكل قطيعة زمنية لا تحول دون العلاقة العضوية بين القسمين بحيث يعتبر الثالث امتدادا للثاني. مع العلم أن زمن الأحداث في الأخير، الأكبر في الرواية، لا يتعدى الأسبوع الواحد.

تمتد الرواية، بأقسامها الثلاثة وفصولها الستة والأربعين، على مسافة نيف ونصف قرن متقطعة، وتدور أحداثها بين واشنطن وأيسلندا والأرجنتين ودول أخرى، وتنخرط فيها شخوص كثيرة متعددة الجنسيات. غير أن اثنين منها يلعبان دوراً محورياً فيها، بحيث يمثل كل منهما سلكاً سردياً يرمز إلى منظور روائي معين، مختلف عن الآخر. وهما: راتوف، رجل الاستخبارات الأميركي، مدير العملية، وكريستين، المستشارة في وزارة الخارجية الأيسلندية، المتضررة من العملية. وتتمحور حول كل منهما مجموعة من الشخوص التي تتفاعل مع الشخصية المحورية، من موقع الرئيس أو المرؤوس، كما في حالة راتوف، أو من موقع المساعد، كما في حالة كريستين. والرواية برمتها حصيلة هذه العلاقة الملتبسة بين السلكين. على أنه في كل مرة يتقاطع فيها السلكان كان ثمة ضحايا لهذا التقاطع.

المضمون الحكائي

في المضمون الحكائي، يُشكل اكتشاف مدير المنظمة الجنرال فيتاوتاس كار علامة سوداء، في إحدى الصور العائدة لقسم صغير من نهر فاتنويوكل الجليدي الأيسلندي، خلال مراقبته صور الأقمار الصناعية، في غرفة التحكم في واشنطن، الحجر الأول في دومينو الرواية الذي بسقوطه تتساقط أحجار أخرى تباعاً. وتعود إليه واقعة اختفاء طائرة ألمانية تحمل سراً خطيراً في النهر، في عملية سرية، نظمتها المنظمة قبل أربعة وخمسين عاماً، وفشل محاولتين للعثور عليها. فيستدعي رجله راتوف المعروف بقسوته ووحشيته وعزلته، ويسند إليه مهمة الانطلاق إلى قاعدة كيفلافيك الأميركية في أيسلندا، في إطار من السرية التامة، والعودة بالطائرة وما تحمل، على جناح السرعة. ويؤمن له ما يحتاجه من القوات الخاصة والمعدات اللوجستية والتعاون الدبلوماسي، ما يشكل بداية لسلسلة من الأحداث الدرامية المتعاقبة، تحدث في السلك السردي الأول للرواية.

في المقابل، يشكل الاتصال الهاتفي الأخير الذي تتلقاه كريستين، المستشارة في وزارة الخارجية الأيسلندية، من أخيها الصغير الياس الذي يمارس رياضة التزلج على النهر في إطار فريق الإنقاذ الذي ينتمي إليه، وتقطعه جلبة جنود راتوف الأميركيين الذين يصادرون الهاتف منه قبل انتهاء المكالمة، بداية الأحداث، على السلك الثاني، ما يثير قلق كريستين على أخيها. وهنا، يحدث التقاطع الأول بين السلكين الذي تترتب عليه نتائج خطيرة، تتمثل في قيام راتوف بالتحقيق مع الشابين، الياس ورفيقه جون، وتعذيبهما، وإلقائهما في شق جليدي عميق ليلقيا مصيرهما الحتمي، وإصدار أوامره إلى رجليه في السفارة الأميركية في ريكيافيك العاصمة بالتخلص من كريستين، بذريعة الحرص على عدم تسرب أخبار المهمة السرية.

انطلاقاً من هذا التقاطع، تنطلق عمليتا مطاردة متعاكستان؛ الأولى يبدأها ريبلي وبيتمن، رجلا راتوف، للتخلص من كريستين وكل من يُشتبه في تسرب الأخبار إليه، وتندرج في إطار السلك الأميركي للسرد. والثانية تبدأها الأخيرة للبحث عن أخيها واكتشاف ما يحدث على نهر فاتنويوكل الجليدي، وتندرج ضمن السلك الأيسلندي للسرد. ويكون لكل من السلكين مساره ومصيره وأدواته وآليات اشتغاله. ويكون لكل منهما ضحاياه لا سيما حين يتقاطعان. ويشتمل كلاهما على مجموعة من الوقائع الدالة على أيديولجيا وسلوكات معينة، تعكس أيديولوجيا وسلوكات الجماعة المعنية.

آليات الأجهزة

يتمخّض السلك الأميركي عن الآليات التي تعتمدها أجهزة الاستخبارات، في عملها، سواء على مستوى الرؤساء أم المرؤوسين. فيميط اللثام عن قسوة الرؤساء ووحشيتهم وساديتهم والتخلص من أدواتهم فور استنفاد صلاحيتها، من جهة، ويميطه عن صغارة المرؤوسين ومطواعيتهم وتنفيذهم الأوامر والتعليمات وقيامهم بالأعمال القذرة، من جهة ثانية.

مدير المنظمة الجنرال كار يقوم بتضليل وزير الدفاع لتجنب عدم اعتراضه على تنفيذ العملية، ويضع اليد على عمل السفارة في العاصمة الأيسلندية بواسطة ضباط القاعدة الأميركية في ريكيافيك، ويضغط على الحكومة الأيسلندية لضمان صمتها، ويراقب مدير العملية راتوف من مقره في واشنطن، ويأمر بالتحقيق معه بعد انتهاء العملية لانتزاع ما يخفي من معلومات، ويرميه من الطائرة فوق المحيط الأطلسي بعد تعذيبه.

ومدير العملية راتوف يقوم بالتحقيق مع الشابين المتزلجين الياس وجون وتعذيبهما حتى الموت، ويأمر برميهما في شق جليدي إخفاء لجريمته، ويوعز إلى رجليه في العاصمة بالتخلص من كريستين خشية أن يكون شقيقها الياس قد سرب إليها شيئاً عن العملية، ويأمر بإطلاق النار على فريق الإنقاذ لمنعه من الاقتراب من موقع العملية، ويطلق النار بنفسه على ستيف الموظف الأميركي ويطعن كريستين حتى يفقدها الوعي تاركاً لرجله بيتمن شرف التخلص منها، ويعهد إلى الأخير بالمستندات الخطيرة التي عثر عليها في الطائرة ليتمكن من مساومة رئيسه عليها لاحقاً الأمر الذي يدفع ثمنه غالياً.

ريبلي وبيتمن، رجلا راتوف، يقومان بمحاولة التخلص من كريستين مراراً ويفشلان في ذلك، يقتلان رجل الأعمال رونولفور زوفاناسون الذي صُودف وجوده في بيتها، يقتفيان أثر كريستين في كل مكان يكتشفان ذهابها إليه، يحقّقان بوحشية مع الأشخاص الذين اتصلت بهم. وبعد تعرض ريبلي للضرب وإدخاله المستشفى، يتابع بيتمن تنفيذ المهمة المكلف بها غير أنه يفشل كالعادة، حتى إذا ما عهد إليه راتوف بالمستندات الخطيرة بعد مغادرته الموقع، يتم إنزاله من القافلة، وتُصادر منه، وتحرق أمام عينيه تنفيذاً لأوامر مدير المنظمة، ويلقى مصيراً مجهولاً.

هذه الوقائع وغيرها يفكّك فيها الكاتب آليات عمل أجهزة الاستخبارات، وأساليبها القذرة في تحقيق أهدافها. فهي لا تتورّع عن التضليل، والتزوير، والتهديد، والوعيد، والتعذيب، والقتل، والإخفاء، والتخلّص من عملائها السريين بعد انتهاء صلاحيتهم. فالغاية، عندها، تبرر الوسيلة. ويقدم صورة نمطية لرجل الاستخبارات، المجرد من أية مشاعر إنسانية، المفرط في القسوة والوحشية، الضارب بكل القيم الأخلاقية والإنسانية عُرض الحائط.

السلك الأيسلندي

أما السلك الأيسلندي في الرواية فيتمخّض عن آليات الدفاع، سواء على مستوى كريستين أم أصدقائها، ويميط اللثام عن شجاعة كريستين وجرأتها ووطنيتها وذهابها إلى الحدود القصوى لتحقيق أهدافها، من جهة، ويميطه عن وفاء أصدقائها لها وتفانيهم في مساعدتها، من جهة ثانية.

كريستين، مدفوعة بخوفها على أخيها ورفضها الوجود الأميركي في بلادها، ومزاوجة بين الذاتي والوطني، تلجأ إلى صديقها الأميركي القديم ستيف لمساعدتها، وتجري الاتصالات اللازمة لجلاء ما يحدث على النهر، وتستعين بأرشيف القاعدة الأميركية، وتنتقل إلى بلدة هوفين في ظروف مناخية قاسية للقاء الأخوين اللذين أبلغا عن سقوط الطائرة، وتقوم بمواجهة راتوف في عقر خيمته وتدفع الثمن غالياً، وتغامر في الاختباء في كيس الجثث ما يؤدي إلى نقلها معها إلى أميركا، وتتخلى عن متابعة البحث حرصاً على أصدقائها، وتتدبّر أمر التسلل إلى جزيرة بورن الأرجنتينية للتحقق من فكرة روادتها تتعلق بمصير أدولف هتلر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وستيف، صديقها الأميركي الذي رفضت الارتباط به لأسباب وطنية، لا يتردد في مساعدتها حين تلجأ إليه، مدفوعاً باستعادة ما كان بينهما وتطويره، من جهة، وبفضوله الصحافي لاكتشاف ما يجري على النهر، من جهة ثانية. لذلك، يستثمر موقعه في تزويدها ببعض المعلومات، ويرافقها لمقابلة بعض الشخصيات، وينتقل معها إلى النهر، ويموت برصاصة يطلقها راتوف على وجهه. ولعله يدفع ثمن تغليب عاطفته على وطنيته خلافاً لكريستين التي تغلب وطنيتها على عاطفتها.

هذه الوقائع وغيرها، تشي بالقيم التي تصدر عنها كريستين وأصدقاؤها في الدفاع عن الذات والوطن. وتتراوح بين الشجاعة والمغامرة والجرأة والوفاء والتضحية والوطنية والتعقل. وهي على النقيض من القيم التي تصدر عنها أجهزة الاستخبارات، مما سلفت الإشارة إليه.

إذا كان الكاتب قد تعمد أن يحيط حمولة الطائرة المحطمة بالغموض، في محاولة منه لإضفاء الإثارة والتشويق والدرامية على نصه، وقد نجح في ذلك بالفعل، فإن ما يومئ إليه السرد، بسلكيه الأميركي والأيسلندي، ولا يصرح به، من أن السر الخطير على متنها هو مجموعة مستندات تتعلق بمصير الزعيم الألماني أدولف هتلر الذي يطلق عليه اسم نابليون للتعمية والتشابه بين مصيري القائدين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة