Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مراكز الثقافة في تونس لم تواكب المجتمع وانعزلت عن الشباب

تأثيرات العولمة وتفشي فيروس كورونا أسهما في تقزيم دورها

لم تعُد المراكز الثقافية في تونس تستقطب سوى عدد محدود من الشباب (أ ف ب)

تغطي دور الثقافة في تونس، وعددها 225 داراً، 70 في المئة من التراب التونسي، وإضافة إلى أن الخدمات الثقافية لا تصل إلى كل الشباب والأطفال في مختلف مناطق البلاد، فإن هذه المساحات الثقافية تفتقر إلى استراتيجيات عمل واضحة وبرامج خاصة ذات أهداف مدروسة، كما أنها لم تعُد تستقطب سوى عدد محدود من الشباب. فأي دَور لهذه المراكز اليوم بعد عشر سنوات على أحداث عام 2011؟ وهل تستجيب لتطلعات الشباب التونسي؟
 

مؤسسات لم تواكب التحولات

بقي أداء دُور الشباب في تونس كلاسيكياً، إذ لم تواكب التحوّلات التي شهدها المجتمع، بالتالي باتت معزولة عن مشاغل الشباب التونسي. وأكد المدير العام السابق لـ"مرصد الشباب" (مؤسسة رسمية)، أستاذ علم الاجتماع، محمد الجويلي أن "دُور الثقافة هي نتاج دولة الستينيات، أي مرحلة بناء الدولة الوطنية، وكانت هذه المؤسسات حاضنة فعلياً للشباب في ذلك الوقت، وقامت بدورها في التأطير والترفيه والتثقيف، إلا أن العولمة قضت على هذه المؤسسات التي فقدت جاذبيتها، ولم تعمل على تغيير مضامينها. ومع تغيّر وسائل التعبير وأدوات الترفيه عند الشباب والأطفال، بدأت هذه الفضاءات تتراجع، وأصبح بعضها مهجوراً". وأضاف الجويلي أن "الشباب التونسي يجد صعوبة كبيرة في الاندماج بهذه الفضاءات التي تقادمت لوجستياً وتآكلت بنيتها التحتية وأصبحت عبئاً على الدولة. كما لم تتغير التشريعات التي تنظم هذه الفضاءات وما زالت تحمل الاسم نفسه (دار الثقافة) منذ ستينيات القرن الماضي، بينما يحيل الاسم رمزياً إلى العائلة وسلطة الأب والنمطية، التي لم يعُد يرغب فيها شباب اليوم، الطامح دوماً إلى الانعتاق من كل ما هو مقنّن وكلاسيكي".

الشراكة مع المجتمع المدني

واقترح الجويلي أن تعمل هذه المؤسسات في إطار شبكات مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الحديثة، بعيداً من المراكز المغلقة والبيروقراطية والضبط الإداري، مشيراً إلى "ضرورة أن يدير هذه المراكز شباب قادر على التفاعل مع هذه الفئة العمرية وفهم واستيعاب تطلعاتها".

وأكد "ضرورة انفتاح دُور الثقافة على المجتمع المدني، وأن تتشارك معه في البرمجة الثقافية وفي الإدارة"، مشدداً على ضرورة حوكمة هذه المؤسسات ومراقبة موازنياتها ومراجعة تشريعاتها.

وأردف أنها الآن "مهجورة" وهي تقريباً في حالة "موت سريري"، إذ إن الشباب لا يجدون فيها ضالتهم ويعتبرونها أحياناً "عدواً لهم" لأنها تحمل اسمهم من دون احتضانهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


كورونا قلّصت نشاط هذه المؤسسات

من جهة أخرى، وإضافة إلى ما تعانيه هذه المؤسسات من تراكمات سابقة أثقلت كاهلها بالتشريعات القديمة في التصرف والإدارة، فرضت جائحة كورونا شروطها عليها وقلّصت حجم نشاطها.
وصرّح وحيد البجاوي، مدير دار الثقافة "طبربة" (شمال العاصمة) أن "تفشي الوباء قلّص أداء دار الثقافة"، معرباً عن "استعداد كوادر هذه المؤسسة للعمل وإعداد برامج ونشاطات ثقافية للشباب، حالما ترفع الإجراءات التي أعلنتها الدولة خلال الفترة الأخيرة من أجل تطويق كوفيد-19".

كما أكد أن "دار الثقافة طبربة تضم قاعة  كبيرة يمكنها استيعاب عدد كبير من الشباب، في عروض سينمائية ومسرحية وورشات للرسم وغيرها من النشاطات، إلا أن المؤسسة مغلقة الآن بسبب كورونا"، آملاً في أن تستعيد الدار نشاطها في منتصف شهر فبراير (شباط) المقبل، عندما تصدر وزارة الثقافة قراراً بذلك.

وعبّر البجاوي عن استيائه حيال وجود الشباب والأطفال في الشوارع، بعد قرار وقف النشاطات الثقافية تفادياً لزيادة تفشي الفيروس، وقال إن "دُور الثقافة بإمكانها استيعاب الشباب الذي أصبح لقمة سائغة للانحراف بسبب تقلّص أنشطتنا نظراً إلى الاجراءات التي فرضتها الدولة بسبب الجائحة"، مؤكداً أن "الموازنة المرصودة للدار، على الرغم من محدوديتها، قادرة على توفير النشاطات وإشراك الشباب".

الدروس الخصوصية

في المقابل، أكدت أميرة غرياني، مديرة دار الثقافة "بوعوان" التابعة لمحافظة جندوبة (شمال غربي)، أن النشاطات الثقافية في تراجع مقارنةً بمواسم ما قبل تفشي فيروس كورونا. وأضافت أن "جلّ النشاطات لم تُنجز، نظراً إلى الإجراءات الصارمة التي فرضها البروتوكول الصحي"، مشيرةً إلى أن "دُور الثقافة تعمل في هذه الفترة وفق التوقيت الإداري، وهي مغلقة طيلة أيام العطل ونهاية الأسبوع، وهو أمر غير طبيعي إذ يُفترض أن تشكّل العطل ذروة النشاط فيها، لأنها تتلاءم ووقت فراغ للشباب والأطفال".

أما عن الموازنة، فقالت غرياني إنها في حدود 17 ألف دينار (حوالى 6 آلاف دولار) وهي ليست كلها مخصصة للنشاطات الثقافية، مشددةً على أنها تمسّ كل الشرائح، من الشباب والمرأة الريفية. وتُنظَّم نشاطات عدة مع المدارس الريفية.
وعن عدد النوادي، أفادت بأن دار الثقافة "بوعوان" تضم أربعة منها - الرسم والتراث والمسرح والفنون التشكيلية- فيما يصل عدد روادها إلى 80 شاباً وشابة.

وتحدّثت غرياني عن "إشكالية عدم التنسيق مع المؤسسات التربوية بشأن الدروس الخصوصية التي تتزامن مع أوقات نشاط النوادي".

المزيد من ثقافة