إنها العاشرة صباحاً في بولفار سان ميشل بوسط باريس، ومحل "ماركس أند سبنسر" (الماركة البريطانية الشهيرة للملابس والأغذية) خاو في شكل مقلق. ولا يقتصر الفراغ على الرفوف فقط، بل يشمل أيضاً المتجر نفسه، فلا يوجد عميل واحد في أي من الممرات.
وثمة عاملان يدردشان بكسل قرب قسم رقائق البطاطس – وهو أحد الزوايا الوحيدة الممتلئة بالبضائع في المحل. وحين أسأل عن قرب وصول مخزون جديد، يقول لي أحدهما: "في بعض الأيام تصل شِحنات صغيرة لكنها دائماً مفاجئة. هكذا هي الحال خلال يناير (كانون الثاني) كله، والأسوأ أننا لا نعرف متى ستتحسن الأمور. والناس غير راضين عن الوضع".
قبل عدة أسابيع انتهت المرحلة الانتقالية من بريكست، والواقع الصارخ لخروج المملكة المتحدة من السوق الأوروبية الموحدة واضح في سائر أرجاء فرنسا كما هي الحال في متاجر "ماركس أند سبنسر" الموزعة في العاصمة.
ومع الصور النمطية الخاصة بالمطبخ الإنجليزي، فإن الغالبية الساحقة لعملاء المحل في حي سان ميشيل (الراقي) هي من الفرنسيين الذين يأتون لشراء الأطعمة الإنجليزية. لكن مع فراغ الرفوف خلال رأس السنة، اختفت الحشود المعتادة.
يقول العامل، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: "لا زال الناس يتصلون هاتفياً، ويسألون عما إذا كانت هذه السلعة أو تلك متوفرة لدينا. لكننا مضطرون إلى أن نقول لا كل مرة. إنه كابوس".
ينتشر أكثر من 12 متجراً للأطعمة تابعة لشركة "ماركس أند سبنسر" في باريس، ومعظمها افتُتِح في السنوات الأخيرة لتلبية الإقبال الفرنسي على معجنات الكرامبت (الإنجليزية) وحلوى الكاسترد ونقانق كامبرلاند – وتعاني الفروع كلها من النواقص نفسها في المخزون.
وعلى بعد أقل من 10 دقائق سيراً على الأقدام، داخل أروقة سوق سان جيرمان الشهيرة، تعاني الأرفف أيضاً فراغاً.
وتقول متسوقة وهي تتفحص الممرات الخالية وتحمل سلة فارغة: "يا للهول".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتجد متسوقة أخرى علبة معدنية من البسكويت، لكنها غير راضية بالقدر نفسه.
تقول كاترين أرنو، المتقاعدة والتي تقيم في الحي: "ليس الأمر مسلياً على الإطلاق. لقد سئمتُ من بريكست هذا. لا أستطيع أن أجد كل ما أبحث عنه".
وتنحي علامات كثيرة موضوعة على أبواب البرادات الفارغة باللائمة بسبب التعطل على "التنظيمات الجديدة الخاصة ببريكست" التي فرضت بروتوكولات جمركية جديدة على الحدود البريطانية الفرنسية في شأن أي منتج يحتوي لحوماً أو ألباناً.
ويبدو "ماركس أند سبنسر"، الذي تدير محلاته الـ19 في باريس جهات محلية للبيع بالتجزئة باعتبارها امتيازات، على القدر نفسه من الحيرة كالعاملين في متاجره حين يُسأَل عن موعد تحسن الأوضاع.
فقد قالت الشركة في بيان أرسلته إلى "اندبندنت": "في وقت ننتقل إلى العمليات الجديدة، يأخذ بعض منتجاتنا وقتاً أطول قليلاً للوصول إلى المحال". وأعرب موظف مكتبي سراً عن أسفه إزاء "التعقيد المذهل" الذي تتسم به الإجراءات الروتينية الجديدة بعد انتهاء التجارة السلسة بين البلدين.
وهذه مسألة تمس القطاع كله وتجعل مجرد عملية بسيطة، على غرار نقل سندويتش عبر الحدود، أزمة لوجستية وبيروقراطية.
فإذا كانت القطع الباردة من اللحم أو الجبن المستخدمة في السندويتش تأتي من البر الأوروبي، تحتاج إلى الامتثال لقواعد المنشأ المعقدة عند عودتها. وعلاوة على هذه المتطلبات، التي تغطي 50 صفحة من الاتفاقية التجارية المرافقة لبريكست، لابد أن تخضع البضائع أيضاً إلى فحص مختبري جديد صارم عند المرور عبر الجمارك. وعلى الرغم من مدة السنوات الأربع التي كان على الحكومة أن تستعد خلالها لاحتمال كهذا، ليست الموانئ البريطانية والفرنسية مجهزة للتعامل بكفاءة مع ضخامة الشحن البحري الذي يحمل بضائع لمحلات السوبرماركت.
وبالنسبة إلى شركات كبيرة مثل "ماركس أند سبنسر"، تمثل تلبية المتطلبات الجديدة هذه استنزافاً كبيراً للموارد وتستدعي فرقاً متفرّغة جديدة تُعَد للتعامل معها تحديداً. أما بالنسبة إلى العمليات الأصغر حجماً، فقد تؤدي المتطلبات إلى خراب الشركات.
والواقع أن هذه المعاملات الجديدة الورقية كلها – بانتظار رقمنة النظام بالكامل – تتناقض مع "الاتفاق الخالي من الرسوم الجمركية والحصص" الذي فاخرت به الحكومة حين جرى التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في اللحظة الأخيرة ليلة عيد الميلاد.
ووصف الرئيس التنفيذي لـ"ماركس أند سبنسر" الاتفاق بأنه صفقة للتجارة الحرة بالاسم فقط، إذ تقدّر هيئة الواردات والجمارك الملكية تكاليف الإجراءات الجديدة المترتبة على الشركات البريطانية بنحو سبعة مليارات جنيه إسترليني (أي حوالي 9.5 مليار دولار أميركي).
وقال ستيف رو أثناء إعلان النتائج الفصلية للشركة هذا الشهر: "على المستوى الظاهري تُعَد اتفاقية التجارة الحرة خالية من الرسوم الجمركية، [لكن] الغموض والتعقيدات ومداها حول قواعد المنشأ يفرضان عبئاً جمركياً من شأنه أن يؤثر في الشركات البريطانية.
"وفي حين أن الشركات الكبرى ستتوفر لها حلول بديلة مستهلكة للوقت، يعني الأمر بالنسبة إلى العديد من الشركات الأخرى دفع الرسوم الجمركية أو إعادة التمركز داخل الاتحاد الأوروبي".
وفي الطرف الآخر من التسلسل الهرمي الإداري، يظل عامل المتجر في سان ميشال غافلاً عن المدة التي قد تتطلبها هذه الحلول البديلة.
ويقول: "نأمل في أن تعود المواد الغذائية في نهاية المطاف". ويصمت لبرهة قبل أن يضيف: "نحن وحظنا".
© The Independent