Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماكرون أكد وجوب الضغط لتأليف حكومة لبنان وبايدن وافقه  

"حزب الله" لن يقبل بوزراء مستقلين يرفضون تلقي التعليمات من المراجع

يتعلّق اللبنانيون بقشة، كلما لاح في الأفق بصيص نور محتمل، يخرجهم من الفراغ الحكومي القاتل الذي يقر معارضو الطبقة السياسية برمتها من ثوار 17 تشرين، مع غالبية القيادات التقليدية المعارضة للحكم، أنها نقطة البداية لمسار التخفيف من أضرار الأزمة المالية الاقتصادية غير المسبوقة التي يعيشونها، وفاقمت جائحة كورونا من آثارها الاجتماعية المأساوية مع ازدياد نسبة الفقر والعوز في المجتمع اللبناني. فمن دون حكومة تنفذ الإصلاحات لا مجال لأي مساعدات دولية وعربية للبنان.

وإذا كانت تظاهرات المناطق اللبنانية التي أخذت طابعاً عنفياً في الأيام الماضية، احتجاجاً على الضائقة المعيشية لمياومين وصغار الباعة وجيش الشباب العاطل من العمل، بسبب الإقفال العام تفادياً لمزيد من تفشي كورونا (يستمر حتى 8 فبراير المقبل)، شملت مطالبة المتظاهرين بتأليف الحكومة في سرعة، فإن بعض الأوساط السياسية وجد فأل خير بإعلان الرئاسة الفرنسية عن أن اتصال الرئيس إيمانويل ماكرون مع نظيره الأميركي جو بايدن تناول "استعداد فرنسا للتعاون مع الولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني والوضع في لبنان"، إضافة إلى "رغبتهما في العمل معاً من أجل السلام في الشرقين الأدنى والأوسط"... والحديث عن تقارب وجهتي نظرهما حيال القضايا الدولية.

لكن الآمال بأن يفتح ذلك الباب لإنهاء الفراغ الحكومي لمجرد ذكر لبنان في اتصال بايدن بنظيره الفرنسي في 25 يناير (كانون الثاني) الجاري، ما لبثت أن تبخرت لأن الأمر لم يعدُ كونه إعلان نيات من دون أن يعني أي خطوات ملموسة لإخراج الحكومة من عنق الزجاجة العالقة فيه منذ 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تاريخ تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيلها.

البيان الأميركي لم يذكر لبنان

البيان الصادر عن البيت الأبيض لم يذكر لبنان في إشارته إلى ما جرى بحثه في الاتصال الذي جرى خلال المكالمة الهاتفية بين بايدن وماكرون، كما لاحظ أكثر من مصدر سياسي لبناني، واكتفى  بالحديث عن رغبة الأول في "تقوية العلاقات بين ضفتي الأطلسي"، في إشارة منه إلى أن علاقات واشنطن بأوروبا ستكون أفضل مما كانت عليه في عهد سلفه دونالد ترمب.

والمعطيات الواردة من باريس تفيد بأن ماكرون حين تناول موضوع لبنان قال لبايدن إنه يتمنى تعاونهما من أجل قيام حكومة جديدة في لبنان، فاكتفى الأخير بموافقته الرأي، وهذا كل ما حصل من دون التداول في خطوات محددة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا حاجة لتكرار اللازمة القائلة إن أولويات بايدن في مكان آخر، بدءاً بكورونا مروراً بالوضعين الاقتصادي والسياسي الملبد في ظل تهيؤ مجلس الشيوخ للبت في محاكمة ترمب، داخلياً، وبترميم العلاقة مع أوروبا وحلف الناتو، مروراً بالصين وروسيا... خارجياً، على الرغم من معرفته بالوضع اللبناني ووجود عدد من معاونيه ممن تابعوا مشكلات لبنان.

وقد يكون ملف النووي الإيراني مدار اهتمام في الأشهر المقبلة، لكن وُلوجَه سيكون شديد التعقيد في ظل القناعة العامة بأن إدارة بايدن ستنطلق مما بلغه في عهد ترمب، ونيتها العودة إلى هذا الاتفاق الذي انسحب منه ترمب، مع "تطويره".

ماكرون الوحيد المهتم لكن باريس شبه يائسة

وفي وقت راجت في بيروت أنباء بأن ماكرون سيرسل قريباً مستشاره لشؤون الشرق الأوسط، الدبلوماسي المحنك باتريك دوريل، تبين أن الأمر مجرد تكهنات لبنانية لا أساس لها، لأن باريس باتت شبه يائسة من عدم قدرة الفرقاء اللبنانيين على إنهاء خلافاتهم على تسمية الوزراء. وهي تنوي مواصلة ضغوطها بالتنسيق مع الدول الأوروبية، على الفرقاء اللبنانيين من أجل تشكيل الحكومة، ويردد مسؤولوها القول إن بلدهم هو الوحيد المهتم بلبنان ويسعى لمعالجة أزمته على الرغم من انشغالات ماكرون الكثيرة، فيما سائر الدول لديها اهتمامات أخرى.

لكن فرنسا لا ترى أن من المنطقي تلبية رغبة بعض الفرقاء بدعوة الرئيس ميشال عون والحريري إلى فرنسا للتوفيق بينهما في فرنسا، وإنجاز الحكومة، طالما أن لا مؤشرات على إمكان التقارب بينهما. فما المغزى من ذلك إذا كانا سيأتيان ويبقيان على اختلافهما؟

لا تعليمات مختلفة من واشنطن للسفيرة

ذهب خيال بعض المحللين اللبنانيين إلى حد أنهم نسبوا للقاءات أجرتها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا في اليوم التالي لاتصال بايدن بماكرون، أنها صدى لذلك الاتصال. فهي اجتمعت بعون ورئيس البرلمان نبيه بري ووزير الخارجية شربل وهبة، ونسب بعض التكهنات إلى لقاءاتها بأنها جاءت لتشجيع المسؤولين اللبنانيين على تسريع تأليف الحكومة. لكن مصدراً مطلعاً على ما جرى خلال اجتماعها مع كل من عون وبري أوضح لـ "اندبندت عربية" بأنها لم تأتِ على ذكر هذا الاتصال، وأنها في سياق الحديث عن الوضع الداخلي اكتفت بتكرار الموقف الأميركي التقليدي الذي يدعو الفرقاء اللبنانيين إلى الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، تكون قادرة على مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاحات المطلوبة للاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج مساعدات مالية، وستكون واشنطن مهتمة بأن تساهم بدورها في تقديم الدعم للبنان. وأشار المصدر إلى أن السفيرة شيا أكدت أنها لم تتلقَ تعليمات مختلفة من الإدارة الجديدة في شأن سياسة بلادها حيال لبنان، لكنها حرصت على التأكيد أنه كل يوم تأخير في الإقدام على الإصلاحات التي تحتاج حكومة جديدة، يسبب المزيد من الخسائر للبنان في ظل أزمته الصعبة التي ستزداد سوءاً.

وفي وقت يتعلق الوسط السياسي والإعلامي في لبنان بأقل موقف خارجي يصدر حول أوضاع البلد، لشدة ربط مأزق الفراغ الحكومي بالوضع الإقليمي والدولي، تختلف قراءات القوى السياسية حيال المرتقب من إدارة الرئيس الأميركي الجديد.

وإذ يؤشر ذلك إلى مراهنات فرقاء على التطورات الخارجية، لا سيما العلاقة الأميركية - الإيرانية، فإن الفريقين الرئيسيين المتباعدين في الموقف من تأليف الحكومة، أي فريق الرئيس عون ومعه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل والرئيس الحريري وتيار "المستقبل" وحلفائه، يتبادلان الاتهامات في هذا الشأن.

مراهنة عونية على رفع العقوبات عن باسيل

يقول فريق عون إن الحريري يؤخر الحكومة لعل الليونة التي سيتصرف بها بايدن حيال إيران ستقود إلى ليونة خليجية حيال تأليف حكومة يرأسها الحريري ويشارك فيها "حزب الله". وتقول أوساط "التيار الحر" إن الحريري لا يجيد قراءة التطورات، ويرمي هذا الفريق مسؤولية التأخير على الرئيس المكلف، مشيراً إلى أنه يرفض مطالبة رئيس الجمهورية بتسمية معظم الوزراء المسيحيين لأهداف خارجية. ترد أوساط الحريري بالقول إن فريق الرئيس عون يتذرع باتهام الحريري بأنه يستند إلى الأسباب الخارجية لتأخير تأليف الحكومة، بينما مطلبه الحصول على الثلث المعطل في الحكومة للتحكم بقراراتها، واحتياطاً لإمكان حصول فراغ في الرئاسة، فتتولى الحكومة صلاحياتها وتكون له اليد الطولى في مصير الحكومة إذا حصل على الثلث المعطل.

القراءتان المختلفتان لتوجهات إدارة بايدن

لكن للفريقين قراءتين تفرضان حسابات متناقضة بالكامل، للوضع الإقليمي بعد تولي بايدن الرئاسة. وعلى الرغم من أن "حزب الله" نفى ربطه الموقف من الحكومة بالتطورات الخارجية، مؤكداً أن لا مفاوضات أميركية - إيرانية ستحصل، فإنه لم يعد خافياً بأن قيادة "التيار الحر" تراهن على أن يؤدي انفتاح إدارة بايدن إلى رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب على طهران تدريجاً، وأن يتم استطراداً رفع العقوبات التي استهدفت جبران باسيل، في شكل يؤدي إلى الإفراج عن الحكومة لاحقاً.

وفي اعتقاد أصحاب هذه القراءة أن تعليق إدارة بايدن العقوبات التي فرضها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو على "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن هو باكورة القرارات في هذا الصدد. ويمارس "حزب الله" الصمت حيال مراهنة كهذه، لكن مجاهرة "التيار الحر" بها دليل إلى أنه متفق مع الحزب عليها، بخاصة أن قادة الأخير يرددون بأن موازين القوى لمصلحة محور الممانعة وحلفائه في المنطقة، مع ما في ذلك من مكابرة إزاء الصعوبات التي تواجهها إيران جراء العقوبات واتجاه إدارة بايدن إلى طرح مسألة برنامجها للصواريخ الباليستية ودورها التوسعي في المنطقة.

أما القراءة الثانية فتستند إلى ما صدر حتى الآن عن رجال إدارة بايدن، لا سيما وزير الخارجية الذي صادق الكونغرس الأميركي على تعيينه أنطوني بلينكن الذي قال خلال جلسات الاستماع إليه في الكونغرس، إن الرئيس بايدن "يعتقد أنه إذا عادت إيران للتقيد (بالاتفاق)، فنحن أيضاً سنتقيد به"، مشيراً إلى أن إدارة بايدن ستلجأ إلى ذلك "كنقطة انطلاق، مع حلفائنا وشركائنا الذين سيكونون مجدداً إلى جانبنا، سعياً لاتفاق أقوى يستمر وقتاً أطول".

واعتبر أن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل البرنامج الإيراني للصواريخ البالستية، إضافة إلى "أنشطتها المزعزعة" للشرق الأوسط.

وهذا ما سبق لمرشد الجمهورية في إيران علي خامنئي والرئيس حسن روحاني وقادة الحرس الثوري أن أعلنوا رفضهم له بشدة. كما يحيل هؤلاء المتفائلين بحوار أميركي - إيراني إلى إعلان وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن "سياسة إيران مع بايدن ستكون خطوة مقابل خطوة ولن نقبل باتخاذ إجراءات مقابل بيان أو توقيع"، ما يعني أن أي تفاوض بين الجانبين سيأخذ وقتاً وسيكون على مراحل، هذا إذا بدأت المفاوضات في آخر الربيع المقبل. بالتالي يبدو ربط الحكومة اللبنانية بها يعني إبقاء الفراغ الحكومي لأشهر مقبلة، في شكل سيؤدي إلى إفلاس كبير للمالية اللبنانية التي تحتاج في شكل عاجل إلى مبالغ مالية لتسيير أعمال الدولة في غضون شهرين أو ثلاثة.

العقوبات لم يخترعها ترمب

يقول أحد النواب اللبنانيين الفاعلين ممن سبق لهم أن زاروا واشنطن مراراً لإقناع المسؤولين الأميركيين بعدم فرض عقوبات على المصارف اللبنانية بسبب الاشتباه بأن للحزب حسابات فيها، لأنها ستسبب أضراراً للقطاع المصرفي اللبناني، إنه من المبكر تقدير ما سيذهب إليه رجال بايدن، ويجب انتظار أن يجلسوا في كراسيهم ويتعمقوا بملفاتهم قبل الذهاب إلى استنتاجات مبكرة حول توجهاتهم.

ويضيف النائب الذي فضل عدم ذكر اسمه أن "البعض عندنا يعتقد أن ترمب هو من اخترع العقوبات، في وقت نحن نبحث في أمرها مع واشنطن منذ عام  2014-2015، حين صدر أول قانون ضد "حزب الله" وأقره الجمهوريون والديمقراطيون معاً.

فالأميركيون اكتشفوا أنه سلاح مزعج لخصومهم لا يكلفهم أي إنفاق مالي. بالتالي ليس منتظراً أن يكون هناك تحول كبير في السياسة حيال المنطقة ولبنان. وربما يحصل اختلاف في الأسلوب وليس في الأهداف.

ويرى النائب نفسه أن ما يشهده لبنان في انتظار اتضاح المشهد الإقليمي، لا سيما بين واشنطن وطهران، هو تقطيع للوقت، سيكون عالي الكلفة على البلد. وفي الانتظار من المحال أن يقبل "حزب الله" وحلفاؤه في "التيار الحر" بحكومة من المستقلين الذي لا يتلقون تعليمات من الزعامات السياسية، كالتي يطمح إليها الحريري، لأن المرحلة الحساسة المقبلة ستتطلب قرارات تؤخذ في مجلس الوزراء، لن يقبل الحزب بأن يكون بعيداً منها.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي