تعاني المواقع الأثرية الجزائرية تشويهاً واعتداءً وتخريباً، لم تقتصر على انتهاك قدسية وروحانية المكان، بل تعدّتها إلى نهب وتهريب القطع التاريخية التي تمثّل روح الأمة، وهو الوضع الذي استدعى تدخل الوزير الأول عبد العزيز جراد ووزيرة الثقافة مليكة بن دودة.
نهب واعتداء
في وقت تحافظ الشعوب والأمم على تاريخها، يسارع الجزائري إلى الإتجار بقطع الآثار الحجرية والمعدنية والفخارية وغيرها، بعد حفريات عشوائية في مواقع أثرية تمثّل إرثاً تاريخياً للشعب والبلاد، التي يكتشف زائرها حجم الاعتداء "الوحشي" الذي طالها من خلال الرسومات والتخريب، كما باتت أخرى مكاناً لتفريغ النفايات، في ظاهرة سلبية أخذت أبعاداً خطيرة جداً، استدعت تدخّل السلطات.
وتشكلت شبكات لتهريب القطع الأثرية إلى الخارج مقابل مبالغ مالية كبيرة، بينما تنهب عصابات الحجارة والفسيفساء لبيعها إلى جزائريين يستعملونها في بناء المنازل وتزيينها من الداخل.
السلطات تتدخل
ومن أجل وضع حد للظاهرة، دعا الوزير الأول عبد العزيز جراد إلى "إنشاء فرق خاصة" لحماية الموروث الثقافي والمواقع الأثرية من التخريب والسرقات. وقال خلال إشرافه على إحياء اليوم العالمي للجمارك إن جميع القطاعات "معنيّة بالتنسيق والعمل على حماية المواقع الأثرية من السرقات، خصوصاً في المناطق الحدودية والصحراء، وإن تطلّب الأمر إنشاء فرق خاصة بها".
وكشف جراد عن استرجاع كثير من القطع الأثرية والمخطوطات من دول الجوار، مشدداً على أن الدولة تعوّل على الجمارك لوضع حد لعصابات تهريب الآثار.
كما أصدرت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة، أوامر عاجلة إلى ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية للتدخل العاجل لمعالجة آثار التخريب، الذي تتعرّض له المواقع الأثرية ومتابعة الفاعلين قضائياً واتخاذ إجراءات قانونية ردعية لكل متسبب.
ودعت بن دودة مصالح الوزارة عبر مختلف المحافظات إلى اليقظة والعمل على تأمين المواقع الأثرية وحمايتها، والمعنيين كافة من مجتمع مدني وباحثين، إلى التجنّد لحماية المعالم وعدم التردّد في التبليغ في حالة المساس بها أو ملاحظة شبهة حولها.
وشددت على أن الاعتداءات على الآثار "جريمة لا تغتفر"، وتشويه المواقع بالكتابات العشوائية أو النقش أو محاولة الهدم، يعتبر مسعى لرهن مقدّرات الأجيال القادمة وطمساً وتشويهاً لملامح التاريخ الاستثنائي والعريق لهذا الوطن.
إهمال وجهل
"للأسف، كثير من الجزائريين لا يعطون أهمية للآثار"، هكذا استهل أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر رابح لونيسي حديثه، مؤكداً "أنهم لا يدركون أنها تمثّل تراث الأمة وتاريخها، بغض النظر عما تدرّه من أموال عن طريق السياحة".
وأضاف، "الحفاظ على الآثار يتطلب عقوبات صارمة ضد من يمسها أو يخربها، إضافة إلى ضرورة حراستها". موضحاً أن ما يلحق بها من أذى عادة ما يكون "بسبب الإهمال وجهل بعض المواطنين". مستدركاً "لكن، لا نستبعد وجود أطراف سواء أجنبية أو داخلية تستهدف تخريبها في إطار الرغبة في طمس التاريخ والهوية".
واستشهد لونيسي، "كلنا يتذكر كيف سعت فرنسا إلى التشكيك في الاكتشاف الذي جرى التوصل إليه في نواحي منطقة سطيف منذ عامين، المتمثل في آثار وشواهد لحضارة تمتد إلى نحو مليوني سنة".
جهود غير كافية
على الرغم من الجهود المبذولة، خصوصاً في إطار التعاون الثنائي بين وزارة الثقافة والمصالح الأمنية التي سمحت باسترجاع قطع أثرية ثمينة عدة، على غرار قناع "غورغون"، والتمثال النصفي للإمبراطور الروماني "ماركوس أوريليوس"، فإن عمليات النهب متواصلة في كثير من المواقع الأثرية.
وتؤكد مديرية الحماية القانونية للتراث الثقافي وتثمين التراث بوزارة الثقافة، أن المواقع الأثرية في الهواء الطلق تعدُّ "الأكثر عرضة للنهب والتهريب من طرف شبكات الجريمة المنظمة"، خصوصاً مع تشكيلها "سوقاً افتراضية" على الإنترنت، تعرف ازدهاراً واسعاً في الطلب مقابل العرض.
شبكات تهريب
وأطاحت فرقة البحث والتدخل التابعة لأمن محافظة أم البواقي، شرق الجزائر، بشبكة متخصصة في تهريب الآثار والمتاجرة بها، إذ أسفرت العملية عن توقيف ستة أشخاص وحجز ثلاث قطع أثرية ومئة قطعة من الأحجار الكريمة مختلفة الألوان والأحجام، مشددة على أن المحجوزات كانت موجّهة إلى تونس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تمكّنت عناصر الشرطة من حجز 48 قطعة نقدية ذهبية وفضية بمحافظة تيارت، غرب البلاد، وتوقيف ثلاثة أشخاص بتهم الإتجار غير المشروع بالقطع الأثرية. وألقت مصالح الدرك في محافظة تيبازة، وسط البلاد، القبض على عناصر متورطين في المتاجرة بتحف فنية وقطع أثرية قديمة، حسبما أفاد بيان للشرطة.
وحُجزت 92 قطعة نقدية تعود إلى العهد الوندالي بشمال أفريقيا، القرن السادس ميلادي، وثلاثة أوانٍ فخارية ترجع إلى القرن الأول ميلادي، وتمثالان نحاسيان، ومصباح زيتي من الفخار يعود إلى الفترة الرومانية.
قوانين تحتاج إلى تعديل
في الشأن ذاته، تؤكد أستاذة الحقوق فاتن سيد الليثي أن الظاهرة "ليست جديدة"، غير أن الأنظار لم تكن موجهة إليها فقط. وتقول إن المشرّع الجزائري "يولي أهمية قصوى لهذا المجال من خلال القانون 98/04 المتعلق بحماية التراث الثقافي"، مستدركة "القانون يحتاج إلى مراجعة شاملة وإعادة نظر وتعديل لمواكبة التطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال نهب وسرقة وإتلاف وتهريب الآثار".
وفي ما يتعلق بالعقوبات المخصصة للمتسببين في إتلاف المعالم أو تشويهها، تشير الليثي إلى أن القانون واضح في هذا الشأن عبر معاقبة كل من يتلف أو يشوّه عمداً الممتلكات الثقافية المنقولة أو العقارية المقترحة للتصنيف أو المصنفة أو المسجلة في قائمة الجرد الإضافي، بالحبس "سنتين إلى خمس سنوات وبغرامات مالية". كما تطبّق العقوبة ذاتها على كل من يتلف أو يدمّر أو يشوّه عمداً أشياء مكتشفة.