Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحيل إبراهيم إسحق رائد الجيل الثاني للرواية السودانية الحديثة

أول من قدم مشاهد سردية من المنطقة الغربية المجهولة وتأثر بهمنغواي ووضع دراسات تراثية

يوصف إبراهيم إسحق بأنه يمثل الجيل الذي حمل راية السرد بعد الروائي السوداني الطيب صالح( وكالة السودان للأنباء)

فقد الوسط الثقافي في السودان القاص والروائي إبراهيم إسحق، الرئيس الأسبق لاتحاد الكتاب السودانيين، الذي يمثل الجيل الذي حمل راية السرد بعد الروائي السوداني الطيب صالح، ويعد من أبرز أعمدة الكتابة الروائية في البلاد، لتميزه بخصوصية لافتة في أسلوب كتاباته، فضلاً عن لغته الرصينة والفريدة التي أسبغها على مجمل أعماله في معايشة عميقة للمجتمع السوداني، ومقدرة متميزة على رصد المشاهد والمواقف والشخوص.

وقد نعاه رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، لمسيرته الحافلة في مجال الأدب والثقافة، قائلاً عنه "اكتسب إبراهيم إسحق سمعته الأدبية بعدد من الروايات الفريدة والجديدة على الأدب السوداني، قدم خلالها صوراً فنية مبتكرة للبيئة في غرب البلاد، فقد حفر عميقاً في بيئته المحلية، حتى تمثلها وهو روائي وسارد لامست كتاباته الوجدان السوداني بلغة غلبت عليها الفرادة والخصوصية".

صور فنية

وسبق أن قال عنه الأديب الطيب صالح، معلقاً عن أعماله "إبراهيم إسحق كاتب كبير حقاً، على الرغم من أنه لم يُعرف بعد على نطاق واسع، وقد اكتسب سمعته الأدبية بعدد قليل من الروايات الجميلة، مثل روايته "حدث في قرية"، و"مهرجان المدرسة القديمة"، و"حكاية البنت مايكايا"، وهي روايات قدمت لأول مرة في الأدب السوداني صوراً فنية بديعة للبيئة في غرب السودان، وهو عالم يكاد يكون مجهولاً لأهل الوسط والشمال في السودان، وعندما تعرفت عليه وجدته إنساناً دمثاً طيباً مثل كل من لقيت من أهل غرب السودان، وواضح من روايته "وبال في كليمندو" أنه لم يكن خاملاً، بل كان يفكر ويكتب طوال فترة صمته الممتدة".

وأضاف صالح "إنني لسوء الحظ، لم أعرف غرب السودان كما يجب، أبعد نقطة وصلت إليها كانت الأبيض، عاصمة إقليم كردفان، وزرت جبال النوبة منذ أمد بعيد. لذلك حين أقرأ روايات إبراهيم إسحاق، وأيضاً القصص القصيرة الجميلة للمرحوم زهاء طاهر، أحس بالحسرة لأنني لم أتعرف أكثر على ذلك العالم البعيد العجيب".

علق الأديب والناقد السوداني فضيلي جماع على تجربته ومسيرته الأدبية، بقوله "برحيل إبراهيم إسحق تكون قبيلة الإبداع قد فقدت واحداً من أميز الروائيين، فقد فاجأ القارئ منذ صدور باكورة إنتاجه "حدث في القرية"، عام 1970، بعالم سردي مختلف، فالمكان في المتخيل السردي قُرى وأرياف أخذت كثيراً من ملامح قريته ودعة، وما جاورها من القرى في شرق دارفور، فقد كانت لغة الحوار لا تخلو من وعورة لمن اعتاد حوار أشخاص الرواية بالعربية الفصحى، أو بعامية أم درمان واسعة الانتشار. تجد في أعماله صدق العبارة وحيوية الصورة حتى لأن الحروف تنبض وهو ينقل لنا إحدى لوحات الريف السوداني، فهو يتقمص روح مجالدة الحياة ومغازلتها عند الإنسان في الريف والقرى، بل يأتيك الإحساس تارة أن هذا الروائي يسقط من ذاكرته على الورق بعض صور طفولته وصباه".

سرد جمالي

وتحدث عنه الناقد السوداني محمد أبو طالب قائلاً "احتل إبراهيم إسحق مكانة مرموقة في عالم السرد بمختلف اتجاهاته، حتى صار نجماً ساطعاً ورمزاً من رموز فرسانه الميامين، ولم يكن خاضعاً لسلطة أيديولوجيات محددة، بل كان متحرراً في خطابه، وأميناً مع نفسه، ومخلصاً في إنتاجه، ومنفتحاً على قضايا عصره من دون قيود، حيث أعطى الأدب السوداني مساراً سردياً آخر تمثل في مجال القصة القصيرة، وقدم فيه عدداً من المجموعات القصصية سارت جنباً إلى جنب مع الرواية في الرؤى والتوجه، وتمتاز بالسرد الجمالي الفني، وهي "حكايات من الحلالات"، و"ناس من كافا"، و"عرض حالات كباشية"، ثم مهر هذه المسرودات بمزيد من الدراسات القيمة لباحثي الفولكلور والباحثين عن المعرفة في تخصصات أخرى، وهي "هجرات الهلاليين من جزيرة العرب إلى شمال أفريقيا وبلاد السودان"، و"الحكاية الشعبية في أفريقيا"، ودراسة أخرى غير منشورة عن إنجاز محمد عبد الله دراز، ثم نشر العديد من المقالات في مجال الدراسات النقدية والتراث في صحف ومجلات ودوريات سودانية وعربية".

وأضاف أبو طالب "التقيت إبراهيم إسحق مرات عدة، واستفدت منه كثيراً، وفتح بصيرتي إلى معارف لم تخطر على البال. فقد حدثني في أحد لقاءاته حديث العارفين عن ماركيز وإدغار آلان بو، وإرنست همنغواي، والأخير له أثر كبير في أعمال إسحاق السردية. وحدثني أيضاً عن شكسبير ورموز الأدب المسرحي الغربي الشاهرين سيوفهم ضد أيديولوجيات عصرهم. وفي هذه اللقاءات شحن إبراهيم معرفتي الضامرة بالتراث الأفريقي الشفهي وبروايته وقصته وكتابها وتوجهاتهم. وحدثني أيضاً أحاديث موسعة عن الثقافة السودانية ورموز أدبائها منهم المجذوب والطيب صالح وحمزة الملك طمبل ومعاوية نور ومحمد عشري الصديق وغيرهم، معدداً محاسن الأدب الغربي ومؤثراته الفلسفية وأثره على الأدبين العربي والأفريقي. ورحل إسحاق تاركاً أبواباً مفتوحة للباحثين والقراء والكتاب ليكملوا مسيرة الكتابة السردية".

نشأته ومسيرته

ولد إسحق عام 1946 في قرية ودعة، شرق دارفور، تلقى فيها تعليمه الأولي والثانوي، حتى التحاقه بجامعة الخرطوم وتخرجه في عام 1969 من معهد المعلمين العالي (كلية التربية حالياً)، ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية في جامعة الخرطوم في عام 1984. ويجمع كثير من النقاد على أن البيئة التي تحدر منها إسحاق شكلت بنية أساسية في كتابة معظم أعماله الروائية والقصصية والشعرية، التي استخدم فيها اللهجة المحلية الدارجة. وقدم خلال مسيرته الحافلة صوراً فنية مبتكرة للبيئة في غرب البلاد، فضلاً عن بيئته المحلية.

وبدأ إسحق مسيرته الأدبية بكتابة الشعر، ثم انتقل إلى الرواية والقصة القصيرة، وكتب كثيراً من المقالات في الصحف السيارة والمجلات العربية والأفريقية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أثرى إبراهيم إسحق المكتبة السودانية بعديد من المؤلفات المتميزة في مجال الرواية والقصة، والدراسات، والتراث. ومن أهم أعماله الروائية "حدث في القرية" عام 1969، و"أعمال الليل والبلدة" عام 1971، و"مهرجان المدرسة القديمة" عام 1976، و"أخبار البنت مياكايا" عام 1980، و"وبال في كليمندو" عام 1999، و"فضيحة آل نورين" عام 1979. أما مؤلفاته القصصية فمنها "ناس من كافا" عام 2006، و"عرضحالات كباشية" عام 2011، و"حكايات من الحلالات".

أما في مجال الدراسات فله "هجرات الهلاليين من جزيرة العرب إلى شمال أفريقيا وبلاد السودان"، و"الحكاية الشعبية في أفريقيا"، و"نكات السخرية بين المجموعات السكانية"، و"كيوبيد السفاح"، و"مقارنات في ظاهرة القتل العشقي"، و"ذئب آل يعقوب"، و"الأدب الشعبي"، و"الرواية السودانية: ناضجة ومجهولة"، و"دارفور جسر إلى قلب أفريقيا"، و"الهلالي أبو زيد"، و"مواقف من الاستشراق الأفريقاني"، و"التوراة واليهود في فكر ابن حزم"، وغيرها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة