Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فريق عون- باسيل يتشدد ضد الحريري لأن لا عقوبات جديدة بعد رحيل ترمب

يتوقع بعض محيط الرئاسة أن تشتد الأزمة في الأيام المقبلة

رفض رئيس الجمهورية ميشال عون طلب البطريرك بشارة الراعي بالمبادرة إلى اللقاء مع سعد الحريري (دالاتي ونهرا)

النتيجة الوحيدة التي يمكن القول إنها تحققت من وراء الانتظار اللبناني لخروج دونالد ترمب من البيت الأبيض ودخول جو بايدن إليه، هي أن العقوبات الأميركية التي كانت إدارة الرئيس المنتهية ولايته، فرضتها على بعض الشخصيات اللبنانية، إما لتعاونها مع "حزب الله" أو لاتهامها بالفساد، بات مستبعداً أن تفرض إدارة الرئيس الجديد مثلها، على مزيد من الساسة اللبنانيين، لا سيما حلفاء الحزب.

هذا ما خلصت إليه استنتاجات بعض الدبلوماسيين اللبنانيين، الذين سبق أن تعاملوا مع الإدارات الأميركية المتعاقبة. وكانت وزارة الخزانة الأميركية صنفت الوزيرين السابقين الحليفين للحزب، علي حسن خليل اليد اليمنى لرئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حركة "أمل"، ويوسف فنيانوس المقرب من رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، في 8 سبتمبر (أيلول) 2020، متهمة إياهما باستغلال منصبيهما بالفساد وتقديم خدمات إلى "حزب الله"، الذي تعتبره منظمة إرهابية، ووضعتهما على لائحة "أوفاك" المعنية بملاحقة الأصول الخاصة للمتهمين بتبييض الأموال لمصلحة جهات إرهابية. ثم فرضت الخزانة الأميركية عقوبات على صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) "لدوره في استشراء الفساد" استناداً إلى قانون "ماغنتسكي" للمساءلة "في مجال حقوق الإنسان والفساد وانتهاك حقوق الإنسان"، ولتعاونه مع "حزب الله".

العقوبات وترسيم الحدود واعتذار أديب

وجد بري في العقوبات على معاونه الوزير السابق خليل ضغطاً عليه كي يأخذ مسافة عن "حزب الله"، واعتبر أن من أهداف "الرسالة"، كما قال، تغيير موقفه من المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية على الحدود البحرية، التي اتفق على أن تتولى واشنطن دور الوسيط فيها. وفي الأول من سبتمبر أعلن بري "اتفاق الإطار"، الذي كان يتولى البحث فيه مع الجانب الأميركي منذ 9 سنوات، في شأن تلك المفاوضات، فانطلقت جلسات التفاوض في 14 أكتوبر (تشرين الأول)، ثم عادت فتعثرت أواخر نوفمبر نظراً إلى رفع سقف المطالبات من الجانبين، وما زالت معلقة في انتظار الإدارة الأميركية الجديدة.

لكن ما حصل في شأن تأليف حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، وفق المبادرة الفرنسية، أن فرض العقوبات على خليل وفنيانوس كان حجة لعرقلة تأليفها من قبل "الثنائي الشيعي"، نظراً إلى إصراره على احتفاظ الطائفة الشيعية بحقيبة المال. شكل ذلك العقبة الأولى أمام ولادتها مع الرئيس المكلف السابق السفير مصطفى أديب، الذي اعتذر عن مواصلة المهمة في 26 سبتمبر بعدما اعتمد عون وباسيل المطلب الشيعي حجة كي يرفعا من سقف مطالبهما، فيما اعتبر المراقبون أن هذه العقوبات أدت إلى تسريع بري الموافقة على بدء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.

تعقيدات الحكومة

أما في خصوص العقوبات على باسيل، فقد أدت إلى مزيد من التشدد من قبله ومن قبل عون في مطالبهما من الحريري في شأن الحصص الحكومية، على الرغم من أن الحكومة يفترض أن تتألف من غير الحزبيين. فرئيس "التيار الحر" تصرف على أن إبعاده عن الحكومة معطوفاً على العقوبات، يقطع الطريق على دوره كوريث سياسي لعون، وكمرشح لرئاسة الجمهورية، خصوصاً أن استهدافه وفق قانون "ماغنتسكي" يقيد سفره (وعائلته) وتعاملاته المالية، ويقطع علاقاته الخارجية التي جهد لاستثمارها حين كان وزيراً للخارجية، ويصبح تصنيفه من سائر الدول على أنه لصيق بـ "حزب الله" وإيران.

إلهاء الرأي العام بالمواعيد

ما علاقة العقوبات وموعد دخول بايدن البيت الأبيض بتشكيل الحكومة اللبنانية؟

ربط بعض الساسة اللبنانيين تشكيل الحكومة بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر الماضي، وبعد حصولها سادت التكهنات بأن حلحلة العراقيل التي تعترض ولادتها برئاسة الحريري بتاريخ 20 يناير (كانون الثاني) تنتظر استلام بايدن مهماته. وكان ذلك مدار تندر واستغراب من أوساط لا ترى علاقة بين الحدث الأميركي المهم، وبين شأن لبناني خلافي داخلي على الحصص والمواقع داخل السلطة. تحول هذا الربط إلى ملهاة للرأي العام، وكان موضوع نفي من أفرقاء آخرين مثل "حزب الله"، الذي اتُّهم بأنه وراء هذا الربط بهدف رهن الحكومة ورقة تفاوض بين إيران وإدارة بايدن، فرد التهمة عنه بأنه وراء تأخيرها عبر حليفه الرئيس عون وصهره باسيل. وشدد الحزب على أن لا مفاوضات إيرانية أميركية أصلاً.

عقدة العقوبات عند باسيل تزيد العراقيل

انقضى 20 يناير وتسلم بايدن الرئاسة، وغادر ترمب البيت الأبيض وسط تأكيد بأن لدى الرئيس الجديد أولويات كثيرة لبنان ليس واحدة منها، وفي ظل مزيد من التعقيدات في الأزمة السياسية اللبنانية والفراغ الحكومي المستمر منذ 10 أغسطس (آب) الماضي، عندما استقالت حكومة الرئيس حسان دياب، ودخل تكليف الحريري شهره الرابع، فيما الخلاف يتصاعد بينه وبين عون على صيغة حكومية عرضها عليه في 9 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثمة قراءة داخلية مختلفة عن الانطباعات التي سادت في الأشهر الماضية حول خلفيات الفراغ الحكومي، الذي يغرق فيه لبنان.العودة بضعة أسابيع إلى الوراء تشير إلى تكثيف باسيل هجومه على الحريري وإصراره على تبرير تحالفه مع "حزب الله"، الذي أدى منذ العام 2013 إلى تدهور علاقات لبنان العربية. إلا أن رئيس "التيار الحر" تصرف على أنه ضحية ذلك التحالف، وأن ثمن العقوبات الأميركية عليه يجب أن يقابله الحزب بتأييد مطالبه وعون في تركيبة السلطة. ومهما كانت الأسباب التي تتردد عن التشدد في مطالب عون وباسيل الحكومية ومنها طموحات الثاني الرئاسية التي تجعله لا يتردد في التسبب بتدهور أوضاع البلد، فإن هناك من يعتقد بأن عقدة العقوبات ضده تتحكم بسلوك باسيل العبثي. وفي وقت التزم الحزب الصمت وامتنع بري عن القيام بدور الوساطة، الذي من عادته المبادرة إليه عند التأزم السياسي، لإدراكه أن حليفه "حزب الله" يترك الحبل على غاربه لباسيل وعون، أشاع خصوم الأخير أنباء رددتها وسائل الإعلام، بأن في أدراج إدارة ترمب عشرات المرشحين للعقوبات، توقيت الإعلان عنها مرهون بالظرف السياسي، بالتالي باستمرار عرقلة تأليف الحكومة، وأنها قد تشمل باسيل مرة أخرى، لأنه يضع العصي في دواليب قيام تلك الحكومة. لكن هذه التوقعات خابت، ومن أسباب ذلك إبلاغ فرنسا واشنطن أن العقوبات باتت عقبة أمام ولادة الحكومة والأرجح أن إدارة ترمب استجابت لموقف باريس وخففت من وتيرتها.

مراهنة على رفع العقوبات بعد توقفها؟

لكن، بدلاً من تراجع التوتر السياسي بعد موعد دخول بايدن البيت الأبيض، ازداد الأمر سوءاً، في الأيام الماضية بين الرئيسين. وخلافهما العلني الذي اتسم بالحدة خلال الأسابيع السابقة إثر تقديم الحريري لائحة حكومته وفق مقاييس المبادرة الفرنسية، والذي أخذ بعداً غير مألوف في العلاقات السياسية اللبنانية، بحيث لم يجد عون حرجاً في إهانة الحريري بوصفه إياه بالكاذب.

ثمة قناعة لدى فريق الرئاسة بأن ذهاب ترمب يفرمل العقوبات. بل إن قياديين في "التيار الوطني الحر" يتصرفون على أساس أن إدارة بايدن الديمقراطية سترفع العقوبات عن باسيل قريباً، لأن لديه أصدقاء بين فريق الديمقراطيين لا يجارون أسلوب ترمب العقابي. هذا على الرغم من أن الدبلوماسيين اللبنانيين المتابعين للشأن الأميركي يرجحون أن يستفيد فريق بايدن من الإجراءات التي نفذها ترمب بالحصول على تنازلات من الأفرقاء الذين خضعوا لها، قبل رفع العقوبات. وهو أمر ينطبق طبعاً على إيران أيضاً.

رسائل عون السلبية للراعي وفرنسا

قناعة الفريق الرئاسي اللبناني بقرب رفع العقوبات جعلته يتشدد أكثر حيال خصومه. وفضلاً عن رفضه الاعتذار عن الفيديو المسرب الذي أهان فيه الحريري، أصدر بياناً شكل رسالة سلبية إلى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي طالبه بالمبادرة إلى طلب اللقاء مع الحريري لمعالجة الخلاف على الحكومة. تضمن البيان رداً واضحاً بنصه على أن "ليس لرئيس الجمهورية أن يكرر دعوة رئيس الحكومة المكلف إلى الصعود إلى بعبدا، ذلك أن قصر بعبدا لا يزال في انتظار أن يأتيه رئيس الحكومة المكلف طرحاً حكومياً يراعي معايير التمثيل العادل عملاً بأحكام الدستور".

وتضمن البيان رداً غير مباشر على محاولة فرنسية للتوسط من أجل معالجة الخلاف قبل ثلاثة أيام، شملت توجيه أسئلة إلى الفريق الرئاسي عن سبب عودته إلى طرح مطلب الحصول على الثلث المعطل في الحكومة، على الرغم من أن هذا المطلب صرف النظر عنه سابقاً. ومع أن عون وباسيل يصران على حق رئيس الجمهورية بتسمية سبعة من الوزراء المسيحيين التسعة في الحكومة، (ما يعني حصوله على الثلث زائداً واحداً) فإن البيان نفى مطالبة عون بالثلث المعطل.

ونفى البيان الرئاسي أن يكون باسيل يتدخل في تأليف الحكومة أو يعرقلها، بما يوحي بأن الشروط التي يطرحها عون في تسمية الوزراء من المقربين من "التيار الحر" بدلاً من أن يكونوا من المستقلين فعلاً هي شروطه هو. وشدد البيان على حق الرئاسة الدستوري في "اختيار الوزراء وتسميتهم وتوزيعهم على الحقائب الوزارية"، وأن هذا الأمر ليس حقاً حصرياً لرئيس الحكومة"، بما يكرس الخلاف مع الحريري. كما أن عون استبق أي وساطة من قبل "حزب الله" بينه والحريري، تحدثت عنها الصحف، بنفيه أن يكون الحزب قد ضغط عليه "لأنه لا يتدخل في أي قرار لرئيس الجمهورية، بما في ذلك تأليف الحكومة، وللحزب مواقفه السياسية التي يعبر عنها".

ويكون البيان قطع الطريق على جهود ثلاثة أفرقاء لمحاولة إيجاد تسوية مع الحريري، هم فرنسا والبطريرك الراعي و"حزب الله".

الذين التقوا عون قبيل إصداره بيانه، خرجوا بانطباع أنه ما زال عند موقفه بوجوب اعتذار الحريري عن مهمة تأليف الحكومة، معتبراً "أنهم يريدون إسقاط دوري في الحكم وأن يأخذوا من صلاحياتي، وأنا لن أتنازل مهما كان الثمن ومهما كانت الضغوط الخارجية علي".

ويتوقع بعض محيط الرئاسة أن تشتد الأزمة في الأيام المقبلة، إذ يعمل فريق عون على إثارة ملفات قضائية ضد الحريري لإحراجه وإخراجه.

المزيد من تقارير