Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يعاني "الحجر الدبلوماسي" وخفض مستوى تمثيل السفارات

"الشعب يدفع ثمن الحصار الاقتصادي والسياسي المفروض على إيران"

دول عدة سحبت الكثير من معتمديها والملحقين العاملين في سفاراتها في بيروت (أ ف ب)

قبل أن تستفحل أزمة كورونا وتفرض على دول العالم حجراً وعزلة، كان لبنان يعيش "حجراً" سياسياً ودبلوماسياً لافتاً، إذ إنه منذ بداية الانهيار الاقتصادي والسياسي، لم يتمكن أي مسؤول لبناني من أن يفتح أبواب دعم ومساعدات للبلد، واللافت وسط هذه المشهدية السوداوية، وجود ابتعاد عربي وأجنبي عززته مظاهر "الهجرة الدبلوماسية"، التي كادت تطال معظم السفارات الأجنبية الموجودة في لبنان، الأمر الذي عكس تغير النظرة تجاه بلد لطالما احتضن المنتديات الفكرية والثقافية الأوروبية والغربية، وشكلت أرضه ساحة جامعة للمؤتمرات العربية، وجسراً يصل بين الشرق والغرب ميزه على مدى التاريخ.

ولدى التحقق من حجم البعثات الدبلوماسية التابعة لعدد من الدول المؤثرة، تبين أنه خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما بعيد انتخاب الرئيس ميشال عون في عام 2016، بدأت الدول تقلص أفراد البعثات العاملة في لبنان، وقد سحبت الكثير من معتمديها والملحقين العاملين في سفاراتها في بيروت، حتى إن بعضها خفض مستوى تمثيله أخيراً إلى ما دون القائم بالأعمال.

إبعاد لبنان عن الأسرة العربية

ووفق المعلومات، فإن الفراغ الدبلوماسي الخليجي يتسع في الساحة اللبنانية، وآخره مغادرة السفير الإماراتي حمد الشامسي لبنان من دون تعيين بديل، وسحب عدد من الموظفين العاملين في السفارة، ليتدنى العدد إلى حدود الخمسة، بعد أن كان العدد يقارب الـ30، في وقت غادر السفير السعودي وليد البخاري، ويتم تسيير الأمور من خلال القائم بأعمال السفارة. الأمر نفسه انسحب على السفارة المصرية التي خفضت مستوى تمثيلها نحو 70 في المئة.

وتأتي "الهجرة الدبلوماسية" الخليجية من لبنان في وقت برز التشدد تجاه "حزب الله" في القمة الخليجية الأخيرة، حين أشاد البيان الختامي للاجتماع "بقرارات الدول التي صنفت حزب الله منظمة إرهابية، في خطوة مهمة تعكس حرص المجتمع الدولي على أهمية التصدي لكل أشكال الإرهاب وتنظيماته على المستويين الدولي والإقليمي، وحث الدول الصديقة لاتخاذ مثل هذه الخطوات للتصدي للإرهاب وتجفيف منابع تمويله".

وظيفة لبنان

وعلى الجانب الغربي فإن "الهجرة الدبلوماسية" في وتيرة مرتفعة أيضاً، حيث تشير المعلومات إلى تراجع أعداد الدبلوماسيين والملحقين العاملين في السفارة الأميركية من 48 إلى دبلوماسياً 18. أما السفارة البريطانية فقد خفضت عدد جهازها السياسي والعسكري إلى ما يقارب السبعة، في حين بات عمل السفارة الإيطالية يرتكز على دبلوماسيين فقط، وقد تم إلحاقهما بالقوة العاملة ضمن القوات الدولية، كما أن السفارتين الكندية والهولندية بعد تقليص تمثيلهما، عممتا على رعاياهما وجوب أخذ الحيطة في تنقلاتهم، خصوصاً خارج العاصمة بيروت، والأمر ينسحب على أكثرية السفارات الغربية العاملة في لبنان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعكس "الهجرة الدبلوماسية" حجم تراجع المبادرات الغربية لدعم لبنان بعد أن كانت السفارات الغربية في بيروت تعج بالدبلوماسيين والملحقين العسكريين والتجاريين، كون لبنان كان نقطة انطلاق غربية تجاه الشرق، الأمر الذي اعتبر مؤشراً لنتيجة سوداوية حيال مستقبل البلاد، وما يعكسه من فقدان لبنان وظيفته في المنطقة، حيث بات الاهتمام به محصوراً من زاوية عدم خروج أوضاعه عن ضوابطها، وتأثير ذلك سلباً على دول عدة. ومن هنا يمكن تفسير الدعم المحدود في إطار المساعدات الإنسانية والطبية فقط.

من طهران إلى بيروت

مصدر دبلوماسي أميركي يشير إلى أن "حزب الله" تسلق بشكل سريع في المؤسسات الرسمية اللبنانية، حتى باتت رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي تحت قبضته، وبالتالي أصبح من الصعب على العالم كله، وليس على الولايات المتحدة وحدها، أن يتعامل مع لبنان من دون المرور بدوائر الحزب، وقال إن إمساك الحزب بزمام السلطة يمنع الراغبين في مد يد العون إلى لبنان.

ورأى ان اختطاف إيران المؤسسات الرسمية اللبنانية من خلال الحزب جعل لبنان ضمن الحالة الإيرانية، وبالتالي بات الشعب اللبناني يدفع ثمن الحصار الاقتصادي والدبلوماسي المفروض على إيران. وحول إمكانية مساعدة لبنان أضاف أن هناك "ارتياباً من قبل الجهات المانحة بمصير الأموال التي يمكن أن تذهب إلى حسابات وهمية تعود إلى حزب الله، إضافة إلى عجز الحكومة عن القيام بإصلاحات حقيقية، لا سيما أن الإصلاح قد يتطلب الاصطدام بمصالح الحزب".

في المقابل، ترى أوساط "حزب الله" أن تقليص بعض السفارات حجم حضورها الدبلوماسي في لبنان، يأتي في سياق السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة بهدف تحريض الشعب اللبناني على الحزب، ومحاولة تحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي، معتبرة أن سياسة الضغط الدبلوماسي ليست سوى ورقة أميركية لمحاولة تشكيل حكومة بالمواصفات الإسرائيلية، أي بإبعاد الحزب عنها، وهو أمر بالنسبة لـ"حزب الله" مستحيل، مشيرة إلى أن أي حكومة في لبنان لا تحمي ظهر "المقاومة" لن تبصر النور مهما اشتدت الضغوط الخارجية.

تفريغ الخارجية

في المقابل، يرى وزير خارجية سابق (طلب عدم الكشف عن اسمه)، أن لبنان ليس لديه خطة خارجية لفك العزلة الدولية بسبب سيطرة "أيديولوجيا الممانعة" على السياسة الدبلوماسية في لبنان، مشيراً إلى أن تعاقب وزراء حلفاء "حزب الله" فرغ الوزارة من الدبلوماسيين المحنكين الذين لطالما كانوا رسل لبنان إلى العالم، لصالح "دبلوماسيين موظفين"، وقال "شهدت الوزارة في عهد الوزير جبران باسيل مجزرة دبلوماسية حقيقية، حيث تم بشكل ممنهج إقصاء الدبلوماسية غير الخاضعة، حتى بات عدد كبير من الدبلوماسيين يعملون جواسيس على الجاليات اللبنانية لصالح الحزب والتيار الوطني الحر، بدلاً من العمل على تحسين صورة لبنان في الخارج".

واعتبر أن العهد الحالي غير صورة لبنان، إذ باتت السياسة الخارجية مقتصرة على زيارات أو علاقات، متناسية أن دور السياسة الخارجية الأساسي تحقيق أهداف لبنان ومصالح شعبه، واستمراره في لعب دور صلة الوصل بين الشرق والغرب، لا أن يصبح طرفاً أو يسير في اتجاه واحد.

وأضاف ان تصريحات القائد في "الحرس الثوري" الإيراني علي حاجي زادة، حول استخدام صواريخ "حزب الله لمواجهة" إسرائيل، كانت فرصة ذهبية أمام وزير الخارجية الحالي شربل وهبة، لتحريك الجمود الحاصل في الدبلوماسية اللبنانية، وكان بإمكانه الرد دفاعاً عن سيادة لبنان وكسر الانطباع الدولي حول سياسته الخارجية الخاضعة لإيران والحزب. وقال إن "تبرير الوزير لتصريحات المسؤول الإيراني ومحاولة إعادة تفسيره لتخفيف وقعه، أكد المؤكد أن لبنان الرسمي تحول إلى منصة إيرانية".

تناقض رأي الخارجية ودياب

وترى مصادر في وزارة الخارجية اللبنانية أن ما يسمى "الهجرة الدبلوماسية" أمر غير صحيح، وأن الخارجية اللبنانية لم تبلغ بأي قرار بانسحاب من لبنان، مشيرة إلى أن معلوماتها بأن السفير السعودي في إجازة إدارية، نافية أن يكون هناك أي تخفيض في مستوى التمثيل الدبلوماسي، في حين أن مغادرة السفير الإماراتي مرتبطة بانتهاء مدة ولايته في لبنان، وأنها تتوقع أن تبادر دولة الإمارات العربية إلى تعيين سفير آخر في وقت قريب، كون العلاقة بين البلدين طبيعية للغاية.
وتعتبر المصادر أن حجم البعثات الدبلوماسية للدول مرتبط بقضايا إدارية بحتة، وليس لها أي طابع سياسي، موضحة أن بعض الدبلوماسيين غادروا لبنان قبل الأعياد لقضاء إجازاتهم في دولهم، وقد يكون تفشي وباء كورونا أخر مرحلياً عودتهم إلى لبنان.

ولكن ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، حسان دياب يناقض هذا التحليل، إذ أعلن أن مسؤولين غربيين أبلغوه بأن هناك "قراراً دولياً" بعدم مساعدة لبنان، في ظل سيطرة "حزب الله" المدعوم من إيران على مفاصل القرار اللبناني. وقال حينها في حديث لوكالة "رويترز" إن "الأميركيين والأوروبيين قالوا لي إن الأمر لا يتعلق بك أنت، لكن هناك قراراً دولياً بالتوقف عن مساعدة لبنان لأن لديهم مشكلة مع حزب الله".

ووفق مصادر وزارية عدة، فإن علاقات دياب الخارجية تقتصر على اتصالات بروتوكولية وبرقيات تهنئة من عدد من المسؤولين الخارجيين، باستثناء بعض التواصل المحدود مع الفرنسيين عبر وزير الخارجية الفرنسي.

المزيد من تقارير