أنشأ حزب المؤتمر الوطني، الذي حكم السودان ثلاثة عقود العديد من المؤسسات والمنظمات التي شكلت حواضن ترفده بالكوادر المؤهلة وتؤمّن له الأموال. وعلى الرغم من أن تلك المؤسسات كانت واضحة في توجهاتها الحزبية ولا تخفي ميولها الإسلامية، اكتسبت جانباً من الشرعية القانونية، لكون حزب المؤتمر الوطني هو صاحب القرار الوحيد في البلاد.
وطوال العقود الثلاثة الماضية راكمت تلك المؤسسات ثروات ضخمة، وأصبح بعضها الوجهة الأولى للراغبين في الدخول إلى بوابة الحزب والتدرج في المناصب الحكومية.
وفي الجانب نفسه، شُكلت مؤسسات عسكرية خارج إطار المؤسسات القومية المتعارف عليها في غالبية الدول، مثل الجيش والشرطة، وباتت أذرعاً عسكرية تحمي النظام الحاكم، ولعبت أدواراً مهمة في تثبيت أركان حكم الرئيس السابق عمر البشير.
قوات عسكرية
منذ وصول الإسلاميين إلى الحكم في العام 1989، أسسوا قوات "الدفاع الشعبي". وهي قوة عسكرية مستقلة عن قيادة الجيش، كان يتم استيعاب المدنيين فيها عبر فتح أبواب الانتساب إليها في الأماكن العامة، ولعبت دوراً مهماً في الحرب الأهلية السودانية، التي قادت إلى إنفصال دولة جنوب السودان في العام 2011.
كان المواطنون يُجيّشون في تلك القوات تحت مسمى الدعوة إلى الجهاد، بحجة أن المقاتلين الجنوبيين يرفضون حكم الإسلام ويسعون إلى علمنة الدولة وتفكيك نسيجها الاجتماعي. وكانت تلك الدعاية الإسلاموية ناجحة في استقطاب شباب المدارس الثانوية والجامعات وتأمين المقاتلين المعاونين لقوات الجيش الرسمية في تلك المعارك.
تملك قوات "الدفاع الشعبي"، التي لا تزال موجودة، موارد وإمكانات ضخمة لا تُعرف لها تقديرات رسمية حتى الآن. ولدى "الدفاع الشعبي" صلات وثيقة بالجبهة الإسلامية (المكون الرئيس لحزب المؤتمر الوطني) التي شُكّلت من مجموعة ميليشيات إسلامية.
قوة عسكرية أخرى كُونت في مرحلة متقدمة من حكم الرئيس البشير، هي قوات الدعم السريع. فمنذ تسميتها وإعلانها بصورة رسمية، قبل نحو سبع سنوات، ظلت محل اهتمام كبير، نظراً إلى تزامن إنشائها مع الحرب في إقليم دارفور، الذي يشهد نزاعاً مسلحاً منذ العام 2003. إذ يشير مراقبون إلى أن النواة الرئيسة لها هي "ميليشيا الجنجويد"، وهم المقاتلون العرب في دارفور.
شكلت ميليشيات الدعم السريع لمحاربة المتمردين في دارفور، ثم لحماية الحدود لاحقاً، وحفظ النظام في البلاد، غير أن وجودها في المدن السودانية واجه انتقادات واسعة محلياً. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إليها وسوء سمعتها واتهامها بإرتكاب جرائم وانتهاكات في دارفور، كانت محل ثقة البشير، الذي منحها قوة ونفوذاً ودعماً، لتكون إحدى أذرع النظام الضاربة.
وعلى الرغم من ارتباط تلك القوات بعلاقات حميمة برأس النظام السابق، فإن رئيس المجلس العسكري في السودان عبد الفتاح البرهان عيّن قائد تلك القوات، الفريق محمد حمدان دلقو، نائباً له في المجلس.
الاتحادات الشبابية
يعتبر الاتحاد الوطني للشباب السوداني في عداد أهم المؤسسات التي كانت ترفد حزب المؤتمر الوطني بالكوادر الشبابية. ويعد المعبر الرئيس للقيادات المستقبلية في أجهزة الدولة. فغالبية الإسلاميين من قيادات الصف الثاني، في الفترة السابقة، مروا عبر هذه المؤسسة، التي كانت تحظى بدعم مباشر من البشير.
وعلى الرغم من أن مسمى الاتحاد يأخذ طابع الانفتاح على الشباب كافة، كان محصوراً بالإسلاميين ولم يسبق أن مرت عليه قيادة مخالفة لتوجهات الحزب الحاكم، بل لعب أدواراً مهمة في صراع التيارات داخل الحزب الحاكم وترجيح كفة تيار على آخر في الأعوام العشرة الماضية، خصوصاً الصراع الداخلي الذي كان يقوده نائب الرئيس السابق علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع، القيادي في حزب المؤتمر الوطني وأحد أهم قادته الأمنيين.
أما الاتحاد الوطني للطلاب السودانيين فكان يقود عملية الاستقطاب الحزبي داخل المدارس والجامعات، ويوفر الفرص والمنح للطلاب المتفوقين بغية استيعابهم في الحزب، مستغلاً موازنة الدولة الرسمية. وبدا ذلك واضحاً في حجم الدور والموارد التي يملكها، والتي لا تتناسب مع حجم اتحاد طلابي.
مؤسسات المجتمع المدني
مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان، بعد إنفصال جنوب البلاد في العام 2011، أنشأ النظام السابق عدداً من الصناديق، مثل نوافذ الشباب للتمويل، التي كانت تُغذى عبر البنوك لدعم المشاريع الصغيرة، وكان بعضها متاحاً للعامة. لكن غالبيتها كانت موجهة لدعم الكوادر الشبابية في الحزب.
ونجد منظمات من المجتمع المدني مثل "سند الخيرية" ومؤسسة "الشهيد الزبير" ومنظمة "بنت البلد"، تقوم بأدوار الإغاثة ورعاية الأسر الفقيرة، وتحظى بدعم لا محدود من الحكومة السابقة. وبرز العديد من شبهات الفساد حول هذه المؤسسات، خصوصاً مؤسسة "سند"، التي تتولى رئاستها عقيلة الرئيس السابق وداد بابكر، وهي كانت واجهة لحزب المؤتمر الوطني وتعمل على تجميل وجه النظام الحاكم، مع إضفاء المسحة الدينية على مبادراتها.
وهناك العديد من المؤسسات التي كانت تتبع الجيش وأجهزة الأمن، وتأخذ طابعاً حكومياً، لكنها كانت مسخّرة لتوفير الأموال للنظام الحاكم، عبر أجهزة الدولة المختلفة، مثل مؤسسة جياد الصناعية ومنشآت التصنيع الحربي.
وعلى الرغم من إصدار عدد من القرارات الحكومية، في وقت سابق، بحل تلك المؤسسات الاستثمارية التي تتبع جهات حكومية، ظلت غالبيتها تمارس نشاطاتها تحت حماية متنفذين في النظام السابق. وحتى الآن لا يوجد حصر لحجم الأموال التي تملكها هذه المؤسسات.
مطالب المحتجين
يدعو المحتجون في السودان، الذين يواصلون اعتصامهم أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة في وسط الخرطوم منذ 6 أبريل (نيسان)، إلى حل مؤسسات النظام السابق كافة، والكشف عن أرصدتها الحقيقية وأسماء قادتها. إلا أن هذا المطلب يصطدم بعقبة المجلس العسكري نفسه. إذ لم يحسم الجدل بشأن شكل مؤسسات الدولة، التي ستتولى إدارة البلاد وطبيعة الحكومة التي ستتولى عمليات المحاسبة ومحاربة الفساد.
ويرتبط مطلب حل المؤسسات التي أنشأها حزب المؤتمر الوطني، وفق مراقبين، بتكوين مجلس رئاسي مدني يتولى تعيين الحكومة المدنية ومراقبة تنفيذ مطالب المحتجين، التي أعلنها تجمع المهنيين السودانيين وتحالفات "التجمع الاتحادي" و"نداء السودان" و"قوى الاجماع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سعيه إلى طمأنة المحتجين السودانيين، أصدر رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، قراراً بمراجعة التحويلات المالية منذ أول أبريل ومصادرة الأموال "المشبوهة".
وطلب المجلس العسكري "وقف نقل ملكية أي أسهم إلى حين إشعار آخر مع الإبلاغ عن أي نقل لأسهم أو شركات بصورة كبيرة أو مثيرة للشك".
وفي مرسوم منفصل، قال المجلس إن جميع الكيانات الحكومية يجب أن تفصح عن الحيازات المالية في غضون 72 ساعة، وإن المخالفين سيُعاقبون بالغرامة والسجن لمدة تصل إلى عشر سنين، وفق وكالة السودان للأنباء (سونا).
أضاف المجلس أن المرسوم يُطبق على "الحسابات المصرفية والإيداعات والأوراق المالية والمبالغ النقدية أو على أي معادن نفيسة أو مجوهرات داخل السودان وخارجه".
ويقضي المرسوم بتسليم جميع البيانات إلى بنك السودان المركزي والجهات المختصة.