لا تزال أحزاب المعارضة تبحث عن مكان لها وسط الأحداث الحاصلة في الجزائر، فمع بداية الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) الماضي، التزمت الصمت، لتحاول لاحقاً ركوب الموجة من خلال محاولة المشاركة في المسيرات، غير أنها لقيت رفضاً شعبياً صريحاً، بعد طرد الوجوه المحسوبة عليها. فلجأت إلى عقد اجتماعات أسبوعية تحت راية "تنسيقية قوى التغيير"، تُختتم ببيانات تقدير وتنديد واستنكار ودعم.
اجتماع المعارضة في وضعية تسلل
جددت أحزاب وشخصيات المعارضة، في اجتماعها الثامن، دعوتها المؤسسة العسكرية إلى ضرورة الاستعجال في تحقيق مطالب الشعب المعبر عنها في المسيرات المليونية، وأبدت رفضها القاطع للانتخابات الرئاسية المقبلة، لأنها ستولّد انتقالاً مزوراً ومنقوصاً، كونه منظماً من قبل سلطة سياسية غير شرعية، منددة بتعنيف المتظاهرين السلميين أثناء التظاهرات الأخيرة. وجاء ذلك في بيان ختامي صدر بالتزامن مع خطاب قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، أكد فيه أن الجيش لن يصدر قرارات ضد إرادة الشعب، وأنه تم توجيه تعليمات صارمة لحماية المتظاهرين، مطمئناً إلى وقوف الجيش إلى جانب الشعب وتحقيق مطالبه. وهذا ما جعل اجتماع المعارضة في وضعية تسلل، وبيانها ولد ميتاً، وهو ما كشف أن الطبقة السياسية والمعارضة بشكل خاص، باتت خارج حسابات النظام والحراك الشعبي.
وانتقدت المعارضة، التي مثّلها في الاجتماع حوالي 30 شخصاً، محاولات المساس بصورة الحراك على المستويين الوطني والدولي. ودعت إلى إحداث فترة انتقالية حقيقية مناسبة ومعقولة، لتمكين مكونات "الهبّة الشعبية" من الانخراط في الحياة السياسية والنقابية لممارسة الحق في الاختيار الحر، مؤكدة أن النخب السياسية ملزمة بمرافقة هذه الثورة الشعبية السلمية وتقديم مقترحات وحلول لمطالبها، لتحافظ الدولة على مرجعيتها النوفمبرية وتحقق المطالب المشروعة للشعب الجزائري. وطالبت من الأجهزة المختصة اتخاذ إجراءات استعجالية للتحفظ على الأموال المنهوبة والمُختلسة، من أجل الحفاظ على الثروة الشعبية، وخلصت إلى ضرورة قيام الأحزاب السياسية والنقابية بفتح مقارّها لتنظيم نقاشات شعبية مفتوحة بشأن الوضع القائم، لا سيما في ظل استمرار المضايقات التي بات يتعرض لها المتظاهرون، في محاولة صريحة للاستيلاء على الحراك الشعبي.
محاولات للاستيلاء على الحراك
رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، شدد في كلمة افتتاحية ألقاها خلال الاجتماع الثامن للمعارضة، على الدور الكبير الذي تلعبه فعاليات قوى التغيير المنبثقة من أحزاب وشخصيات المعارضة. وكشف عن أنها قدمت خريطة الطريق وفق خيار دستوري، تبناها الشعب بما فيها نص المادة السابعة من الدستور، التي أصبحت شعاراً أساسياً في الحراك الشعبي والمسيرات السلمية، محذراً من محاولات الالتفاف على مطالب الشعب على نحو يخدم السلطة الحالية. وهي التصريحات التي قال عنها أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة، جمال ضيف الله، إنها "تحمل مغالطات وتستهدف افتراس الحراك الشعبي، بعد عجز المعارضة عن كسب مكان من الأحداث الحاصلة في البلاد"، مشيراً إلى أن طرد المتظاهرين زعماء المعارضة من المسيرات أضاع الحسابات وأربك الجميع.
من جهته، أوضح الناشط السياسي المعارض، فاتح ربيعي، الذي شارك في اجتماع "قوى التغيير"، أن اجتماع "قوى التغيير لنصرة الخيار الشعبي" جاء لدرس التطورات الحاصلة خلال الأسبوع، وبعد مسيرات الجمعة الثامنة، وما تلاها من تداعيات وتنوع أدوات الضغط على السلطة ورموزها، خصوصاً موقف القضاة ورفضهم الإشراف على الانتخابات، وكذا إضراب الطلبة، وطرد وزراء الحكومة في زيارتهم الميدانية، ومقاطعة المنتخبين المحليين لهم، مشيراً إلى أنه في ظل استمرار الأزمة من دون حلول، كان لا بد من الاجتماع والضغط باتجاه الحلول الحقيقية. وتابع رداً على سؤال عن تجاوز الأحداث للطبقة السياسية والمعارضة خصوصاً، "بالعكس، مواقف المعارضة واقتراحاتها توافقت تماماً مع تطلعات الحراك الشعبي ومع مواقف المؤسسة العسكرية، وهو ما أوجد تناغماً كبيراً أثّر بشكل إيجابي في مجريات الأحداث".
كما أكد المعارض أنور هدام، المقيم في واشنطن، رئيس حزب الحرية والعدالة الاجتماعية، الذي شارك في اجتماع المعارضة عبر ممثلين عنه، أن "النظام الفاسد المفسد، قام بتصحير الساحة السياسية وإفراغ السياسة من مهمتها الأصلية، أي خدمة للصالح العام". وتابع "استعادة مكانة السياسة ودورها المحوري لا يتمان بين ليلة وضحاها، فهذه اللقاءات سمحت لنا ولجميع التيارات والشخصيات التي جرى تهميشها منذ عقود، بالتعارف وتطابق المواقف والسعي معاً إلى استعادة الصدقية للسياسة وللسياسيين".
منافسة على مغازلة الجيش وتسابق إلى تقديم مقترحات "شخصية"
في السياق نفسه، قدم الناشط السياسي المعارض مقران آيت العربي، تصوراً للحلول التي يجب أن تكون للذهاب إلى دولة بسيادة الشعب. وكتب في صفحته الرسمية أن "النظام الفاسد أشبه بالبناية المغشوشة، التي حين يُنزع حجر الزاوية منها تُهدم بالكامل"، مضيفاً "البارحة سقط الرئيس بوتفليقة، واليوم سقط رئيس المجلس الدستوري، وغداً تسقط كل رؤوس الفساد بالوسائل السلمية"، داعياً قيادة الجيش إلى حماية مطالب الشعب من الثورة المضادة، وأنه يجب على قيادة الجيش أن تحمي الشعب من الثورة المضادة التي بدأت عن طريق قمع المسيرات وتعرية التظاهرات في مراكز الشرطة وقمع الطلبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واقترح العربي أن تكون رئاسة دولة جماعية، مع استبعاد رؤوس الفساد كلها، وتكون لهذه الرئاسة الجماعية خريطة طريق يوافق عليها الشعب، ثم تشكل حكومة تكنوقراطية من الكفاءات، تحضّر للانتخابات الرئاسية بين ثمانية أشهر وسنة، مؤكداً أن الرئيس الذي ينتخبه الشعب هو من يعدّل الدستور ويبني الدولة الجزائرية الحديثة.
كما قدمت حركة مجتمع السلم المعارضة رؤية للخروج من الأزمة، وقالت في بيان "إن استقالة الطيب بلعيز من منصبه رئيساً للمجلس الدستوري، خطوة أساسية في طريق الحل إذا توفرت الإرادة السياسية الصادقة، على أن يتم تعيين شخصية توافقية بدلاً منه يقبلها الشعب وتكون غير متورطة في الفساد وغير مسؤولة عن التزوير الانتخابي في أي استحقاق من الاستحقاقات الانتخابية السابقة، على أن يستقيل بعد ذلك عبد القادر بن صالح، ليخلفه في رئاسة الدولة رئيسُ المجلس الدستوري الجديد التوافقي، على نحو يتناسب مع القراءة الموسعة لمواد الدستور، ودعت الحركة إلى تغيير حكومة نور الدين بدوي بحكومة توافقية تتشكل من شخصيات مستقلة لا علاقة لها بالفساد وبالتزوير الانتخابي في مراحله كافة.
ومع الاختلافات الحاصلة بشأن دعوات المعارضة المؤسسة العسكرية إلى التدخل لإنهاء الأزمة، تقول الباحثة بالمركز الديمقراطي العربي بألمانيا، فريدة روطان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "إن عبد القادر بن صالح، تسلم الكرسي بناء على المادة 102 من الدستور، وعليه لا يستطيع ولا يحق لقائد الأركان أن يقيل بن صالح، وهو الذي يتغنى بالمواد الدستورية، موضحة أن "مؤسسة الجيش تعاني ضغوطاً كبيرة، فهي لا تستطيع أن تخرق الدستور، تجنباً للفراغ المؤسساتي".