Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قضية التدخين" رسالة فنية تشكيلية

العواجي سبق أن قدم نموذجاً استلهم فيه موروث الجنوب السعودي

لم تكف 50 جولة طافها معرض "ألوان ودخان" في مدن السعودية، لتؤدي الغرض المطلوب من عرض رسالة مفادها "توقف عن التدخين". العرض الفني التشكيلي التوعوي الذي انطلق عام 2007، لايزال هماً مجتمعياً عالمياً قابلاً للتحديث، ليتماشى مع العصور التي يعرض فيها، حين أشعلت قصاصة صحافية في جريدة محلية الحراك الفني داخل التشكيلي السعودي عبد العزيز العواجي، فأضحى قطعة من رسالته الفنية التشكيلية التي رسمت الجمال في المدن الجنوبية ومدينة جدة بموروثاتها وقصصها.

 

قصة "ألوان ودخان"

يقول العواجي، إن جذور الرسالة نبتت من قصاصة صحافية تحمل خبراً يفيد بأن نسبة التدخين في مدرسة ثانوية واحدة بلغت 40 في المئة. لم تنفك الصحيفة من يديه إلا وأسئلة عدة تتمحور في مخيلته، بينها كيف يمكن للفن أن يكون جزءاً من التوعية في هذا الجانب؟.

يضيف، "وجدت الفن التشكيلي أرضاً خصبة لدعم قضية مجتمعية مؤثرة كالتدخين، من جانب أهمية تقديم ما يحتاجه المجتمع، وليس للمتعة فحسب، لا شك أنها مغامرة بذلت من خلالها كثيراً من الجهد والوقت والمال، إلا أنها تجربة فريدة من نوعها، لم تُخض سابقاً كسلسلة متكاملة، وبولادة الفكرة الأولى توالت باقي الأفكار، حينذاك قررت تحويلها إلى معرض شخصي تحت عنوان (ألوان ودخان)، ويعنى بطرح رسائل تدعو إلى مكافحة التدخين والتوعية بأضراره، واستخدمت في هذه المجموعة الألوان الزيتية، وبدأت الأفكار تترتب في حيز تشكيلي سريالي، وهو أحد الفنون التي تمزج الفن بالخيال والمبالغة للمتلقي، وخرجت على شكل قصص واقعية رومانسية، تحمل بعضاً من المبالغات للفت انتباه المتلقي إزاء الرسالة".

 

رسائل المعرض

استخدم ابن مدينة أبها الذي يقطن في جدة منذ سنوات، الخط التشكيلي السريالي اللاواقعي، لتصويب هدفه نحو المدخنين بعمق غزير، مبيناً، "أنه رسم عدداً من اللوحات، بينها واحدة جاء من خلالها الشباك على شكل قضبان من حديد يمنع المدخن من التمتع بالهواء العليل الذي يسكن الطبيعة خارجاً. وفي ثانية صورت المدخن وهو يتناول الشيشة والنسور تحلق حول رأس الشيشة كما النيران، وتشير هذه اللوحة إلى أن المدخن فريسة سهلة للمرض. وفي ثالثة أصدقاء يتناولون الشيشة معاً، ورسمت الملابس البيضاء محروقة بالجمر للفت انتباه الأشخاص، محذراً من عدوى انتقال ممارسة تناولها بين الأصدقاء، من منطلق أن الصاحب ساحب، ورابعة صورت من خلالها المدخن وهو يغرق مع كل سيجارة يتناولها، وكلما دخن أكثر غرقت صحته أكثر. كما صورت في أخرى انقضاض الصقر على الحمامة المسالمة وتقطيعها، تعبيراً عن هجوم المرض الفتاك لا قدر الله".

 

ليست للاقتناء

تمسّك العواجي بمسيرة القضية التشكيلية التوعوية من باب التكاتف المجتمعي، وأكمل حديثه "تمسكي بالرسالة التوعوية جاء نتيجة ملاحظات عن كثب لظاهرة انتشار التدخين في مدينة جدة تحديداً، وبحكم عملي كمعلم، سألت الطلاب عن الأفراد المدخنين ضمن محيطهم الأسري، وتبين لي أن أكثر من 50 في المئة من الآباء يدخنون، كما أن الشيشة منتشرة بشكل كبير بين الأوساط النسائية، ولخوفي من تأثر الأبناء بمحيطهم، صوبت هدفي التشكيلي نحو سبل توعيتهم بالرسم، أحد الطلاب غرقت عيناه بالدموع وهو يشاهد الأعمال، كان متأثراً وخائفاً على والده، وهذه الرسالة دفعتني لإكمال هذه الرسالة، وتنقل المعرض في حدود مدينة جدة بين مدارس الذكور والإناث، وحصد كثيراً من التقدير والتكريم، وأحرص كل الحرص على مشاركته في كل مهرجان يقام ما أمكن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تابع، كل تلك الجهود فردية بحتة من جميع النواحي، وطاف المعرض أنحاء متفرقة في جدة، حتى المرة الخمسين حين أقمته في مركز حي النهضة، نالت الأعمال اللاواقعية ذات الخط السريالي صدى كبيراً وأثراً بالغاً وملموساً، علماً بأن مسيرة هذا العمل مستمرة، ولا تزال الأفكار تتوارد إلى مخيلتي، وثمة إضافات جديدة ستقتحم هذه القضية التوعوية لإبرازها مستقبلاً، وتواصلت مع معلمي تربية فنية لنقل الرسالة إلى الطلاب عن بعد في حصص التربية الفنية، وأرى أن تحويله إلى معرض إلكتروني سيسهم في نشر الرسالة ضمن نطاق أكثر شمولية. وعلى الرغم من الجهد الشخصي الذي بادرت به، فإن هذا المعرض ليس للاقتناء، ذلك لأن الرسالة فيه متواصلة، وبانتظاره محطات خارجية أخرى، كالبحرين، والإمارات حيث جرى التواصل معهم عبر وزارة الصحة والوقاية وأبدت استعدادها،إالا أن جائحة كورونا أوقفت الأمر مؤقتاً.

 

المعارض الستة

 تحولت المدينة الساحرة "أبها" كما يلقبها السياح، إلى لوحات تشكيلية تشد نظر السياح والزائرين للتمعن في تاريخها من خلال لوحاته، يتذكر معرضه الأول ويقول، "في المعرض الأول استخدمت الألوان الزيتية، وتطرقت إلى هذه المدينة بما تكتنزه من موروث طبيعي، في السوق، وجمال الطبيعة، ودفء الأماكن. أقيم المعرض عام 1993ـ ضمن ملتقى أبها الثقافي في قرية المفتاحة، المعرض الذي ضم عدداً زاخراً من الأدباء والمفكرين، وركزت فيه على السياح الزائرين ليتعرفوا إلى طبيعة هذه المدينة، وضم المعرض 50 عملاً واقعياً عن طراز المباني، والأحياء القديمة، وسوق الثلاثاء المعروف، والملابس العسيرية، وأواني الطبخ، وموروث المنطقة الخاص".

واعتنى العواجي بتنمية مهارته الفنية بشكل شخصي، لافتاً أن تخصصه في علم الاجتماع كان بعيداً كل البعد عن الرياضة والتشكيل، وأضاف" أعتمد على تثقيف ذاتي، مع بصيص ومحاكاة للأعمال العالمية، حتى استخلصت من معرضي الأول رضا الذات الذي نجح في إيصال رسالة فنية استحسنها المتلقي، وكانت حافزاً لإقامة معارض أخرى، من ثم قدمت الثاني عن مدينة أبها أيضاً، وأبرزت الأعمال الاهتمام بالقط العسيري، والزخارف داخل المنازل، وجمع الثالث موروث المنطقة الجنوبية ومناطق أخرى، كخميس مشيط، والباحة، وغيرهما، ومضمونه الطبيعة والموروث الخاص لكل منطقة، وتضمن 53 لوحة، فيما خصصت الرابع لرسم جدة وطراز المباني فيها، وإبراز الأحياء والسوق، وضم 35 لوحة، حتى المعرض الخامس المتنوع، الذي أقيم في أبوظبي انتهاء بالمعرض المتنقل (ألوان ودخان)، الذي لا يزال مستمراً في طرحة وعطائه".

والتشكيلي الذي قدم ستة معارض شخصية، خمسة داخلية، وأخير في مدينة أبو ظبي، وأنتج قرابة أكثر من ألف وخمسمائة لوحة على مدار أربعين عاماً، يؤكد أن اقتناء اللوحات ليس هدفاً بالمطلق، موضحاً "لا شك أن البيع يحرك الفنان، إلا أن بعض اللوحات تهدى، في ظل ضعف القوة الشرائية للأعمال التشكيلية، ذلك ما يؤكد أن الفن الحقيقي ينبع من الفنان نفسه لاستمراره بغض النظر عن مستقبل لوحاته، في حين أن بعض أعمالي اقتنتها بعض الجهات، وبلغ أعلاها سعر عشرة آلاف ريال (2665.80 دولار أميركي)، وفي جانب آخر، يعد الرسم استغلالاً للوقت، ومتعه للنفس، منحني التصالح مع الذات، ورؤية الأشياء من زوايا جمالية مهما كانت، أنظر إلى السماء بألوان عدة وليس بلون واحد، وهو نعمة جعلتني أتأمل أكثر وأتصالح مع ذاتي".

 

الرسم التقني

من جهة أخرى، لا يجد التشكيلي الذي يندرج من المدرسة التأثيرية نفسه في الرسم الرقمي التقني، موضحاً، "لأن الفن طاقة وعلاقة، والعلاقة مع المسطح الإلكتروني لم تبن معي جسراً من الوفاق، إذ لا أجد أن هناك علاقة بيني والمسطح، بعكس علاقتي مع اللوحة، خضت غمار التجربة فترة ما، لكن مشاعري لم تخرج كما يجب".

والمدرسة التأثيرية التي ينتمي إليها، هي حركة فنية فرنسية تعود إلى القرن التاسع عشر، وكانت بمثابة استراحة كبيرة من الفن التقليدي في الرسم الأوروبي، قام الانطباعيون بدمج بحث علمي جديد في فيزياء اللون، لتحقيق تمثيل أكثر دقة للون. وحدث التغيير المفاجئ في مظهر هذه اللوحات من خلال تغيير في المنهجية، وتطبيق الطلاء بلمسات صغيرة ذات لون تقني بدلاً من ضربات أوسع، والطلاء من الأبواب لالتقاط انطباع خاص بالألوان والضوء. وكانت النتيجة التأكيد على تصور الفنان للموضوع بقدر ما هو الموضوع نفسه.

الموناليزا تبكي

 من مجمل أعماله تأثر بلوحة الموناليزا العالمية، يقول، "أعدت رسمها وهي تقرأ في الجريدة خبراً عن الحرب بين كوسوفو والبوسنة والهرسك، صورتها تذرف الدموع، واستخدمت فيها الخط السريالي اللاواقعي، والموناليزا هي سيدة الأعمال الفنية في العالم، وهي لليوناردو دافينشي ببقائها على مدار العصور".

وأضاف، "يبقى الفنان بعمله الحاضر، وبعد مماته، كما حدث مع الأسلاف، بعضهم بدأت حياتهم بعد مماتهم، ولكن هذا ظلم اجتماعي، كما حدث مع فان جوخ على سبيل المثال، لذلك أرى أن الفنان السعودي المعاصر يحتاج إلى الاهتمام من قبل الجماعات الفنية التشكيلية، وبحاجة لحل مشكلاته، وبناء المتاحف، وعلى وزارة الثقافة والفنون عدم اقتصار اهتمامها على الجيل الجديد من الفنانين، بعضنا لم يأخذ حقه من الاهتمام ولا نزال نصارع".

ويستعد العواجي لمعرض فني تشكيلي "سيكون المعرض المائي الأول على مستوى البلاد، ومضمونه المدينة التاريخية في جدة. إضافة إلى العروض الإلكترونية عن بعد، وسيحرص لإظهارها بشكل محترف يظهر مدرسته بالطريقة التي يطمح إليها، وفقاً لقوله.

المزيد من ثقافة