Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين مربع أخضر ودائرة خطر... الطاقة النووية تثبت أقدامها عربيا

شركة "روساتوم" تملأ فجوات أحفورية باتفاقيات وعقود... وتبحث عن الاستدامة

شهد منتدى الطاقة الذرية آتوم إكسبو 2019 حضوراً دولياً وعربياً واسعاً بمشاركة نحو 3600 شخص يمثلون 74 دولة (إندبندنت عربية)

البداية "مربع أخضر" باقٍ للأبناء والأحفاد، والمسار قصص وحكايات تغلب عليها صفة النجاح وتحقيق المراد، لكن لا تخلو أيضاً من مخاوف فشل وقلق ناجم عن حوادث وقعت في الماضي القريب، أمَّا المحصلة النهائية فالمؤكد أنها اتفاقات كثيرة، وتعاقدات عديدة، ومستقبل قريب مليء بالطاقة النووية والآفاق الواعدة، لكن تظل العبرة أيضاً بالخواتيم.

جاء ختام "منتدى الطاقة الذرية آتوم إكسبو 2019"، الذي أقيم في مدينة سوتشي الروسية يومي 15 و16 أبريل (نيسان) الجاري، تحت عنوان "نووي من أجل حياة أفضل" ليفتح آفاقاً نووية لم تكن في الحسبان، ورسَّخ خطوات عربية كانت قد اُتخذت في السنوات القليلة الماضية للتحول نحو الطاقة النووية.

الرئيس التنفيذي لشركة "روساتوم الروسية" أليكسي ليكاتشوف قال في أثناء افتتاح فاعليات المؤتمر إن "المربع الأخضر (وهو اسم الحديقة الصغيرة التي قصَّ شريطها في داخل قاعة المؤتمرات)، هذه الأشجار مقدرٌ لها أن تبقى لسنوات عديدة ليستمتع بها ليس فقط أبناؤنا، بل أحفادنا، وكل الأجيال التي ستأتي بعدنا، وهي في ذلك شأنها شأن المحطات النووية، التي نبنيها، والتي سينتفع بها أبناؤنا وأحفادنا سنوات كثيرة".

سنوات كثيرة مضت من دون أن تدخل الدول العربية معترك الطاقة النووية، لكن يبدو أن الوقت قد حان، رئيس هيئة المحطات النووية المصرية د. أمجد الوكيل تحدث عما تم إنجازه في ملف الطاقة النووية في مصر منذ عام 2007 وحتى توقيع عقد بناء المفاعل النووي في الضبعة مع شركة "روساتوم"، تحدث الوكيل عن خطوات الاتفاق مع الشركة الروسية فيما يختص بالتمويل والبناء، وتوفير فرص مشاركة الشركات الوطنية المصرية، هذه المشاركة وصفها الوكيل بأنها تحقق الأهداف الاستراتيجية الخاصة بتوطين التكنولوجيا النووية في مصر والارتقاء بمستويات الجودة في الصناعات المصرية.

تكنولوجيا الجيل الثالث

ومع رفع جودة الصناعات المصرية تأتي تكنولوجيا الجيل الثالث المتطور، التي تستخدمها شركة "روساتوم" في بناء مفاعل الضبعة، ويشار إلى أن هيئة المحطات النووية تعد كوادر بشرية مدربة متخصصة في مجال محطات الطاقة النووية منذ عام 1976، ويجرى تدريبها بصفة مستمرة من قبل هيئات أممية وإقليمية عدة، أهمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية وغيرهما، وهذه الكوادر مؤهلة للعمل في مشروع الضبعة النووي.

سكرتير عام الجمعية الأوروبية النووية (مقرها بروكسيل) فرنادندو ناريدو يقول، إنه زار مصر قبل ما يزيد على أربعة عقود، وتحديداً منطقة الضبعة لدراسة إمكانية إنشاء محطة للطاقة النووية، لكن الفكرة لم تكتمل، "من الجيد جداً أن مصر بصدد دخول عصر الطاقة النووية فعلياً، حتى وإن جاء ذلك بعد سنوات من تفكيرها الأولي".

التعليم المصري يرحب

من جهته، رحّب نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لقطاع التعليم الفني د. محمد مجاهد، بالمشاركة المصرية في مبادرة "المهمة: المهارات"، التي أطلقتها شركة روساتوم خلال المنتدى، وتعمل المبادرة على دراسة أفضل الممارسات في مجال تنمية الموارد البشرية في ظل المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية غير المسبوقة، التي يمر بها العالم.

وقال مجاهد، "من الواضح أن لدينا الكثير من العمل في مصر، في محاولة لسد الفجوة المتزايدة في المهارات ومعالجة النقص في الكفاءات المطلوبة لسوق العمل المحلية. لهذا، نحن سعداء لقيام روساتوم بدور رائد في البحث عن أفضل الممارسات العالمية في مجال تنمية الموارد البشرية في ظل المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية غير المسبوقة".

وأشار مجاهد إلى أن "روساتوم" نظَّمت جلسة للتباحث في تطوير المهارات والكفاءات وتبادل أفضل النماذج المطبقة لتطوير المهارات ومواءمتها وسوق العمل، لا سيما فيما يتعلق بمجال الطاقة النووية، الذي تدخله مصر قريباً جداً.

يشار إلى أن مدرسة الضبعة الفنية للتطبيقات النووية أنشئت في مصر خصيصاً قبل عامين لتجهيز خريجين مستعدين ومؤهلين للعمل في محطة الضبعة النووية. 

الطاقة النووية... منافعها أكثر من أضرارها

وعلى الرغم من أن عدداً من الدول المتقدمة بدأ بالفعل تقليل أو حتى التوقف عن استخدام الطاقة النووية، وهو ما يقلق البعض في الدول النامية الموشكة على دخول عصر الطاقة النووية، فإن ناريدو يقلل من هذا القلق، ويقول: "أمضيت عمري كله في مجال الطاقة النووية، وأنا من أكثر المؤيدين لها والمؤمنين بها، لا سيما أن منافعها أعلى بكثير من أضرارها. ورغم أن بعض هذه المحطات يجرى إغلاقها في الدول المتقدمة، فإن دولاً أخرى متقدمة أيضاً تشيد محطات جديدة مثل المجر وفرنسا وغيرهما".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فرنسا وجدت نفسها على خط المقارنات الدائمة مع ألمانيا في مؤتمر "روساتوم"، رئيس منظمة "إنفيرومنتال بروغرس" أو "الارتقاء البيئي" (مقرها كاليفورنيا) ميخائيل شلنبرغر يقول، "لماذا نصر على النظر إلى ألمانيا التي قررت إغلاق المحطات النووية؟ لماذا لا ننظر إلى فرنسا التي تعتمد على الطاقة النووية بنسبة 75%؟ فواتير الكهرباء لديهم (فرنسا) أقل، ونسبة اعتمادهم على الوقود الأحفوري، ومن ثم مساهمتهم في الانبعاثات الضارة أقل بكثير من ألمانيا".

شلنبرغر، الذي تحوَّل من مناهضة الطاقة النووية لأسباب بيئية إلى الترويج لها يقول إنه أمضى سنوات طويلة يبحث في أضرار الطاقة النووية، ووجد أن الأضرار التي يتم تصديرها في الواجهة مبالغ فيها جداً، بل إن الأضرار البيئية الناجمة عن الاعتماد على الوقود الأحفوري أكثر بكثير من مثيلتها النووية.

ويذهب شلنبرغر إلى القول بأن النفايات النووية ضررها مسيطر عليه، إذ تخضع لعمليات مراقبة وإدارة صارمة، عكس مخلفات ونفايات أنواع الطاقة الأخرى.

عوامل بيئية واقتصادية وسياسية تحسم المنافسة

لكن تظل أنواع الطاقة الأخرى مطلوبة، ومعتمداً عليها، إذ يشير الخبراء في المؤتمر إلى أهمية التنوع في مصادر الطاقة. د. حافظ خبير الطاقة ورئيس جهاز شؤون الطاقة المصري الأسبق يتحدث عن أهمية ضمان وجود مصادر مستمرة للطاقة طيلة الوقت بأسعار مناسبة، وذلك عبر بنية تحتية ذات جودة عالية وبكلفة معقولة. يقول: "المنافسة الرئيسية تحدث حالياً بين الوقود الأحفوري بأنواعه المختلفة من غاز وفحم ونفط من جهة، والوقود النووي من جهة أخرى، هذه المنافسة تتدخل في حسمها عوامل بيئية واقتصادية وسياسية".

ويرى حافظ، أن العوامل البيئية ستبقى حاسمة، وذلك يعود إلى اهتمام الناس وقلقها على حياتها وأمانها على سطح الأرض. أمَّا القلق حول الطاقة النووية، فيظل منحصراً في الخوف من حدوث خطأ بشري، إضافة إلى سبل التخلص من النفايات. ويؤمن حافظ بأهمية تعدد مصادر الطاقة بين نووية وأحفورية ومتجددة، لا سيما أن تغير المناخ مشكلة كبرى تمتد آثارها لتلحق الضرر بأجيال بأكملها.

ويشير حافظ إلى القلق، الذي يعتري الناس في كل دول العالم من الطاقة النووية، الذي يرجعه إلى "الحوادث القليلة التي جرت في هذا الشأن، والتي يعمل الإعلام على نشرها والتذكير بها".

ويرى حافظ في الطاقة النووية مصدراً نظيفاً للطاقة، مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، ويشير إلى أنه في عام 2014، لم تزد نسبة الطاقة المولدة نووياً على 15% حول العالم، رغم أن 30% فقط من الدول قالت إنها تستخدم الطاقة النووية. مضيفاً أن الحوادث القليلة التي حدثت على الصعيد النووي تظل مؤثرة في مسار الطاقة النووية في العالم وحجم الاعتماد عليها.

 

رأس المال البشري عامل نمو اقتصادي

الاعتماد على الموهبة في مجال الهندسة والعلوم ليس له بديل، وشركة "روساتوم" الرائدة في مجال إنشاء محطات الطاقة النووية خصصت جلسة طويلة لمناقشة أهمية ودور الموهبة في عملها تحت عنوان "رأس المال البشري كعامل نمو اقتصادي". وحيث إن تنمية الموارد البشرية من أجل اقتصاد المستقبل هو أحد التحديات الكبرى في كل المجتمعات هذه الآونة، فقد أعلنت الشركة مبادرة عنوانها "المهمة: المهارات".

أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تشير إلى أن مهارات ومواهب ما يزيد على 35% من الموظفين الحاليين لا تناسب متطلبات أصحاب العمل، وأن الفجوة آخذة في الاتساع، هذه الفجوة تؤدي إلى خسارة دولية في الأرباح تقدر بنحو 2،1 ترليون دولار أميركي كل عام.

تنمية المواهب وتدريب الكوادر

تقول مديرة الموارد البشرية في الشركة تتيانا ترنتيفا، إن الابتكارات والتطورات التكنولوجية تسهم بفرص تنموية هائلة في الاقتصاد الدولي، لكنها في الوقت نفسه ترفع من سقف المعايير المطلوب توافرها في الكوادر البشرية.

وتضيف أن هناك فروقاً كبيرة في قدرات دول العالم في التواؤم مع التطورات التكنولوجية الجارية، ومن ثم تتفاوت قدراتها على الانتقال بسلاسة نحو اقتصاد المستقبل.

ترنتيفا تتحدث عن 45% من الموظفين في العالم يواجهون مشكلات في القيام بعملهم، لا سيما في الأعمال التي تتطلب عمالة ماهرة ومهندسين، وعن 27% من أصحاب الأعمال يؤكدون أن المتقدمين لشغل وظائف يفتقدون المهارات. وتشير أيضاً إلى 65% من الأطفال حول العالم يدرسون اليوم في مدارس تعلمهم أشياءً لا تؤهلهم للوظائف التي سيقومون بها في المستقبل.

وتشير ترنتيفا، في ضوء مبادرة "روساتوم" للعمل على تنمية المواهب وتدريب الكوادر، إلى أن التعامل مع مصر في مجال تدريب الكوادر التي ستعمل في محطة الطاقة النووية في الضبعة هو تعاون مباشر، إذ إن البلدين وقعا معاهدات واتفاقات في هذا الشأن، ولذلك تسعى الشركة إلى تدريب الكوادر المصرية، وتحديث المهارات الموجودة بشكل مكثف.

مصر وروسيا... اتفاقات وتعاون

عميد قسم الفيزياء في معهد موسكو للهندسة الفيزيائية د. ميخائيل ستريخانوف يشير إلى أن روسيا أبرمت اتفاقات مع كل من جامعتي القاهرة والإسكندرية في صعيد الطاقة النووية. ويقول "تم الاتفاق على أن الجانب المصري يقوم بتدريب الطلاب في العامين الأولين في الجامعة، على أن يقوم الجانب الروسي بتدريبهم في المراحل الأكبر، وكذلك ما بعد التخرج في هيئة منح دراسية في روسيا وتدريب في مصر".

وتقول ترنتيفا، إن هناك خطة عمل محددة ومرتبطة بتوقيتات بين مصر وروسيا في مجال التعاون، سواء في شأن الدراسة أو التدريب على مجالات العمل في قطاع الطاقة النووية، وإن مصر تحدد احتياجاتها، ومن ثم يقوم الجانب الروسي بالعمل على تلبية هذه الاحتياجات.

احتياجات نووية مشابهة عبَّرت عن نفسها في أروقة المؤتمر، إذ تحدث مدير عام "روساتوم" أليكسي ليخاتوشف عن محادثات مع المملكة العربية السعودية لبناء محطات للطاقة النووية لاستخدامات مختلفة في مجال الطاقة، كما تحدث المساعد الأول لرئيس شركة "روساتوم" كيريل كوماروف عن إمكانات التعاون مع السعودية في مجال الطاقة النووية، لكن الأمر لم يحسم بعد، ويبقى الاختيار للسعودية لاختيار الشركة، التي تتعاون معها في مجال الطاقة النووية.

وينتهي المؤتمر، لكن نقاشات وجدالات الطاقة ومصادرها واستخداماتها لا تنتهي، دول في المنطقة العربية تخطو أولى خطواتها على صعيد الطاقة النووية، وأخرى على مستوى العالم تخرج من المسار النووي، وثالثة تحتفظ بما لديها من محطات مع تنويع في مصادر الطاقة ضماناً للاستمرارية ومراعاة لأبعاد بيئية وسياسية ومجتمعية.

الطاقة النووية بين التأييد والرفض

رافضو الطاقة النووية يركزون على مخاطرها، ولا يرون سوى دائرة خطر لا مهرب منها، ناهيك بكلفتها المبدئية العالية ومخاطرها النادرة ومشكلات نفاياتها، التي قلما تحدث. أمَّا مؤيدوها فيركزون على حفاظها على البيئة، والموارد الطبيعية المحدودة مع مراعاة عنصر الزيادة السكانية. وفي المنتصف مساحة واسعة رحبة من تنوع مصادر الطاقة، حيث محاولات للوصول إلى الخلطة الأمثل بين أنواع الطاقة المختلفة حفاظاً على البيئة، ومراعاة للبعد الاجتماعي، وحماية للتوازنات والمواءمات السياسية.

شهد المؤتمر حضوراً دولياً وعربياً واسعاً، وذلك بمشاركة نحو 3600 شخص، يمثلون 74 دولة، ممثلين للقطاعين العام والخاص. وأبرز الدول العربية المشاركة مصر والسعودية، كما شهد المؤتمر توقيع عدد من الاتفاقات التعاون والعقود بين "روساتوم" وعدد من الشركات المشاركة، وذلك في مجال الطاقة النووية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات