Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب ورؤساء أميركا: هاجس السجل التاريخي

"الرجل الذي جاء من خارج الحزب الجمهوري يشكل اليوم خطراً على وحدة الحزب ومستقبله"

ترمب الذي جاء من خارج المؤسسة السياسية يبدو غير مهتم ولا مكترث بما سيسجله عنه التاريخ (أ ب)

أميركا هي الدولة العظمى الوحيدة التي ليست ابنة التاريخ، والنخب الأميركية التي تركز على المستقبل تضع عادة بين العوامل الإيجابية المسهمة في تقدم الولايات المتحدة، كونها متحررة من أثقال التاريخ. حتى في أوروبا وآسيا بخاصة، فإن النخب الثقافية والسياسية تتحدث عن سطوة الذاكرة التاريخية على الحاضر، وتردد قول جيمس جويس في "عوليس"، "التاريخ كابوس أريد الاستيقاظ منه". لكن رؤساء أميركا على اختلاف شخصياتهم وظروفهم وسياساتهم يتشاركون في اهتمام محدد، كيف يذكرهم التاريخ.

كل رئيس يضع في حسابه، وهو يدير السلطة ويتخذ القرارات، مدى ما يخدم ذلك موقعه في التاريخ، لا فقط في الولاية الثانية الأخيرة طبعاً، بل أيضاً في الولاية الأولى. الرئيس جورج بوش الأب الذي خاض حرب "عاصفة الصحراء"، وسقط الاتحاد السوفياتي على ساعته، وأعلن قيام "نظام عالمي جديد" بقيادة أميركا، وتصرف كأنه "ملك العالم"، رافقته على مدى عمره مرارة عميقة، وهي الفشل في الفوز بولاية ثانية ستطبع سجلّه في التاريخ مع فرض ضرائب جديدة، بعدما التزم العكس قائلاً، "اقرأوا شفاهي"، إلى جانب إنجازاته الخارجية المهمة.

الرئيس ريتشارد نيكسون، وهو من أهم رؤساء أميركا ثقافة سياسية، سقط بغلطة سخيفة لم يكن في حاجة إليها، "ووترغيت"، واضطر للاستقالة كي يتجنب العزل في الكونغرس. وتروي سكرتيرته مونيكا كراولي في كتاب "نيكسون في الشتاء" أن موقعه في التاريخ كان هاجسه الدائم، "في 1970 سأل وليم سافاير، ما الذي سيذكره عني التاريخ؟ ترومان في موقع المقاتل، أيزنهاور الرجل الجيّد، كندي الكاريزما، جونسون العمل، وأنا ماذا؟ وفي 1993 قال لي على متن زورق في مياه الصين، سيذكرونني تاريخياً في شيئين، "ووترغيت" والانفتاح على الصين. أمر سيء وآخر جيّد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وفي كتاب تحت عنوان "قيادة مكتب: التحول في الرئاسة من تيودور روزفلت إلى جورج بوش الابن" للمؤرخ ستيفن غروبارد في هارفرد، يسجل المؤلف حقيقة معبرة جداً، "خلال 70 سنة تعاظمت أهمية المنصب، لكن نوعية الذين احتلوه تناقصت بشكل دراماتيكي، وهذا التزاوج غير الملائم بين المسؤولية والقابلية خطر على كل شخص". ولا أحد يعرف ما الذي كان سيكتبه غروبارد لو وصل إلى رئاسة باراك أوباما، ففي حوار مع "نيويورك تايمز" عن تجربته ومذكراته "أرض موعودة"، قال أوباما "بذلت جهداً أيام المراهقة لتربية نفسي لأن أكون رجلاً أسود من أميركا ثم في شبابي لأصبح شخصاً جدياً". وكشف أن رغبته في الترشح للرئاسة جاءت من "الحاجة الى أن أبرهن لوالدي الذي هجرني أنني مستحق وأعيش من أجل توقعات أمي". وأبرز ما سجّله التاريخ هو أنه أول رئيس أسود في تاريخ أميركا. لكن الكل يعرف ما الذي يمكن أن يقوله مؤرخ هارفارد عن الرئيس دونالد ترمب، وهو الأخطر بين الرؤساء والأقل ثقافة والمصرّ على الادعاء الكاذب بلا أي دليل أنه ربح الانتخابات التي "سرقها" الرئيس المنتخب جو بايدن بأكثر من 81 مليون صوت.

ذلك أن ترمب الذي جاء من خارج المؤسسة السياسية يبدو غير مهتم ولا مكترث بما سيسجله عنه التاريخ. أولاً لأن همه هو التمسك بالحاضر، وثانياً لأنه لا يعتبر أن دوره انتهى، ويرى المستقبل أمامه عام 2024 وفي أمور أخرى. وحتى الآن، فإن التاريخ سجّل أن ترمب هو أول رئيس تتم محاكمته في دعوى "العزل" أمام الكونغرس مرتين، مرة بسبب الضغط على رئيس أوكرانيا لايجاد تهمة ضد هانتر نجل بايدن و"التدخل" الروسي لمصلحته ضد هيلاري كلينتون في معركة العام 2016، ومرة بتهمة "التحريض على التمرد" بعدما دفع الغوغاء إلى الاعتداء على الكونغرس لمنعه من تثبيت فوز بايدن تمهيداً لشيء من "الانقلاب" على الديمقراطية. في المرة الأولى أنقذه الجمهوريون في مجلس الشيوخ، وفي الثانية المؤجلة إلى ما بعد تنصيب بايدن تبدو التوقعات ضبابية بالنسبة إلى الإدانة ومنعه من الترشح في المستقبل. فالرجل الذي جاء من خارج الحزب الجمهوري يشكل اليوم خطراً على وحدة الحزب ومستقبله، سواء بقي فيه أم بادر إلى شقه وتأسيس حزب جديد من غلاة اليمين العنصري، ومن لم يكن له ماضٍ سياسي ولم يخض أية معركة لعضوية الكونغرس أو لرئاسة بلدية أو لحاكمية ولاية، بل مارس المقاولة في العقارات، صار "مقاولاً سياسياً" يحاول أن يصنع التاريخ. واللعبة بالغة الخطورة على أميركا وحتى على شخص ترمب.

المزيد من تحلیل