Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يريد "أولاد بوغالو" واليمين المتطرف إسقاط الحكومة الأميركية؟

يخشون زيادة أعداد الملونين على البيض ويستعدون لحرب مستقبلية

في أعقاب التجربة المريرة لاقتحام "المتطرفين البيض" مبنى الكونغرس، تحولت العاصمة الأميركية واشنطن إلى ثكنة عسكرية، وتتحسب عواصم الولايات الـ50 لحدوث مزيد من العنف والشغب بعد تحذيرات من مكتب التحقيقات الفيدرالي، وإلقاء القبض على مُسلح بحوزته مئات من طلقات الذخيرة الحية، وبات احتمال تكرار العنف قوياً، لكن أسئلة مهمة تصاعدت هي، ما الأهداف الحقيقية لجماعات "التطرف العنيف اليمينية من القوميين البيض" الذين يشار إليهم باسم أتباع "بوغالو"، ولماذا يرغبون في توسيع الفوضى واستفزاز قوات الأمن وتسريع مسار الصراع وصولاً إلى الإطاحة بالحكومة، وكيف تغلغلوا داخل الجيش والشرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة؟

هرع المسؤولون في واشنطن وعواصم الولايات الأميركية طوال الأسبوع الماضي لتأمين المباني الحكومية وتحصين المدن، عقب صدور نشرة من مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، تحذر من أن "الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة تخطط للتظاهر واستخدام العنف في أرجاء الولايات المتحدة"، بعد أن رصدت دعوات قبل أسابيع تتزعمها حركة "أولاد بوغالو" للاحتجاج في واشنطن، لكن في ظل غياب معلومات استخباراتية واضحة حول طبيعة ما يمكن أن يفعله المحتجون العنيفون بسبب غلق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وانتقالهم إلى غرف الدردشة الخاصة على الإنترنت. وتستعد السلطات الأميركية لمواجهة "مزيج من عناصر اليمين المتطرف، وأنصار حركات تفوق البيض وحقوق السلاح والجماعات المتطرفة المناهضة للحكومة".

ولكن أي طريق يسعى المتطرفون والمتمردون من خلاله إلى الاستيلاء على أميركا، وما قوة وخطورة هذه الحركات والجماعات التي أحدثت شرخاً واسعاً داخل المجتمع الأميركي؟

من أولاد "بوغالو"؟

يعتبر المتخصصون في جماعات اليمين المتطرف في الولايات المتحدة أن أتباع حركة "كيو آنون" التي تعتقد نظرية المؤامرة، وجماعة "براود بويز" والجماعات اليمينية المتطرفة الأخرى، كانوا يعيشون خلال اقتحامهم مبنى الكونغرس في واشنطن، مغامرة خيالية ممتعة تماثل رواية "مذكرات تيرنر" البائسة، التي كتبها وليام لوثر بيرس عام 1978، والتي تُعد بمثابة "الكتاب المقدس لحركة القوميين البيض"، حيث تصور الرواية الإطاحة بحكومة الولايات المتحدة عبر حريق هائل، وشن حرب إبادة عرقية نهائية لغير البيض، وكذلك العناصر العرقية غير المرغوب فيها بين السكان البيض الباقين، وغالباً ما يُطلق هؤلاء على هذا الحريق الهائل والعنف الشديد اسم "بوغالو".

غير أن حركة "أولاد بوغالو" تعد في الأصل جماعة جديدة نسبياً تفتقر إلى قيادة منظمة، وهي الأخطر بين جماعات وحركات اليمين المتطرف. وقد اشتُق اسمها من فيلم راقص رديء صدر عام 1984 بعنوان "اقتحام 2: بوغالو الكهربية"، وتضمن مشاهد لعناصر تحمل أسلحة ومعدات تكتيكية بقمصان هاواي الملونة، وخلال العامين الماضيين استُبدل الجزء الأول من اسم الفيلم ليصبح "الحرب الأهلية 2: بوغالو الكهربية" في إطار من التهكم. ومنذ 2018 أصبحت كلمة "بوغالو" تعبيراً مختصراً وشائعاً على شبكة الإنترنت، حيث يُستخدم الاسم كمرجع مختصر لحرب أهلية مستقبلية، وتشجع "بوغالو بويز" الآن على التعجيل بوقوع هذه الحرب.

النشأة والتوسع

ولكن هناك واجهتين مختلفتين لهذه المجموعة غير المنظمة، أحدها ينبع من روابطها الأصلية بالنازيين الجدد وجماعات تفوق العرق الأبيض، بينما الوجه الأحدث هو الليبرتاري المتشكك في سلطة الدولة، والذي يدعو إلى تهميش دور الحكومة وإبعادها عن التدخل في السياسة والاقتصاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد ما تأسست المجموعة عام 2019، بدأت في الظهور بشكل علني عام 2020، حين شاركوا في أنشطة العالم الحقيقي ووسعوا من تأثيرهم عبر الإنترنت، كما ظهرت عناصرها في الاحتجاجات المتعلقة بحقوق السلاح وفي التجمعات المناهضة للقيود الوبائية وعمليات القتل المرتبطة بالشرطة. وعلى الرغم من وجود العديد من أصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض داخل الجماعة، فإنها تضم أيضاً بعض الملونين، ويرفض بعض أعضاء الحركة اتهامهم بالعنصرية على هذا الأساس.

تسريع الانهيار

وبحسب ما تقول إيمي كووتر عالمة الاجتماع في جامعة "فاندربيلت"، التي تخصصت في دراسة "الميليشيات الأميركية المتشددة"، فإن بعض الجماعات اليمينية المتطرفة تبنت مفهوم يسمى "التسارع"، الذي ينبني على فكرة إحداث الفوضى، واستفزاز قوات الأمن وإنفاذ القانون، وإثارة التوتر السياسي، ما يُعجل بانهيار الحكومة، ومن ثم يُفسح المجال أمام هذه "الميليشيات المتطرفة" لإقامة دولة للبيض فقط.

رسائل الخوف

وفيما يعتقد البعض أن المتطرفين العنيفين هم مجرد أفراد ساخطين، يوضح ألكسندر هينتون أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة "روتجرز"، أن هؤلاء الناس ليسوا وحدهم كما تشير صور حشود المهاجمين الذين اقتحموا مبنى الكابيتول، ذلك أن معظم المتطرفين اليمينيين هم جزء من مجتمعات متطرفة أكبر، ويتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويوزعون المنشورات والبيانات، وتتحدث رسائلهم عن خوف متزايد من أنه في وقت قريب سيتجاوز عدد السود والملونين عدد البيض في الولايات المتحدة، وتسيطر عليهم فكرة وجود "مؤامرة يقودها اليهود لتدمير العرق الأبيض"، وكرد فعل على هذا الاعتقاد، يستعدون لحرب مستقبلية بين البيض وغير البيض.

معاداة اليهود

وتعد الدعوات لإبادة اليهود شائعة في دوائر اليمين المتطرف والقوميين البيض، إذ يتداول معتنقو أفكار جماعة "كيو آنون" على سبيل المثال نظرية تدّعي من دون دليل أن "العالم تديره عصابة من عبدة الشيطان يتآمرون ضد الرئيس دونالد ترمب"، كما نشر بعضهم صوراً معادية لليهود.

ويشير البروفيسور جوناثان سارنا في جامعة "برانديز" المتخصص في دراسة تاريخ اليهود الأميركيين، إلى أن الجماعة استهدفت خلال الأشهر الأخيرة الملياردير اليهودي جورج سوروس الذي يصورونه على أنه الشخصية الأساسية التي تتحكم في الأحداث العالمية، تماماً كما صوّرت عائلة روتشيلد اليهودية المصرفية بالطريقة نفسها قبل قرن من الزمان. 

كما يقوم أعضاء حركة "كيو آنون" والقوميون البيض بتمييز اليهود بأقواس ثلاثية، وهي وسيلة سرية تشير إلى التخلص من أولئك الذين يعتبرونهم "مغتصبين وغرباء"، وليسوا أعضاء حقيقيين ينتمون إلى العرق الأبيض، وعرض موقع شائع في دوائر القوميين البيض صوراً لنساء ورجال يهود، لمساعدة القرّاء على التمييز بين اليهود والعرق "الآري" على اعتبار أن "الأوروبيين هم أبناء الله"، بينما يشيرون إلى اليهود بكلمة "هم" من دون ذكرهم، وبحسب البروفيسور سارنا، يروج القوميون البيض في هذا الموقع أفكاراً زائفة ضد اليهود تحض على إبادتهم.

كيف تغلغلوا في الجيش؟

ولأن القوميين البيض يعتقدون أن البيض يتعرضون للهجوم في أميركا، فإنهم يسعون إلى إنشاء دولة للبيض فقط، لا يتمتع فيها غير البيض بحقوق مدنية قانونية، ولهذا يكثفون جهودهم من أجل ضم أعضاء جدد إليهم من داخل الجيش الأميركي ليتمتعوا بدعم مؤثر.

ويشير باحثون مثل جينيفر سبيندل في جامعة نيو "هامبشاير"، ومات موتا في ولاية أوكلاهوما وروبرت رالستون في جامعة "مينيسوتا"، إلى أن الروابط عميقة بين الجيش الأميركي والقوميين البيض والتي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، إذ ينظر العديد من القوميين البيض إلى الخدمة العسكرية على أنها فرصة لصقل مهاراتهم القتالية وتجنيد غيرهم من أفراد الجيش الأميركي من البيض.

ويبدو أن هذا العنصر أسهم بشكل ما في زيادة عنف القوميين البيض، حيث لاحظت دراسات سابقة أن العنصريين البيض نفذوا منذ عام 2018 هجمات قاتلة في الولايات المتحدة، أكثر من أي هجمات أخرى لحركات التطرف المحلية، كما أشار محققون في أحداث اقتحام مبنى الكابيتول إلى القبض على عناصر من المقتحمين، خدموا سابقاً في الجيش الأميركي. 

الانخراط في الشرطة

وتسعى الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض أيضاً إلى تجنيد ضباط في الشرطة، بحيث أكدت فيدا جونسون أستاذة القانون في جامعة "جورج تاون"، أن إدارات الشرطة أصبحت ساحات تجنيد جذابة لمجموعات "تفوق العرق الأبيض"، بسبب ما تتمتع به أجهزة الشرطة من قوة هائلة، وتوافر أسلحتها المرخصة رسمياً، فضلاً عن قدرتها على الوصول إلى معلومات حساسة، وهو ما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" منه عام 2006، إلا أنه يصعب حتى الآن التأكد من عدد ضباط الشرطة المنخرطين مع جماعات العنصريين البيض.

ومع ذلك، فقد تم التعرف على ضباط شرطة في فلوريدا وألاباما ولويزيانا كأعضاء في مجموعات "تفوق البيض" منذ عام 2009، كما أشارت دراسات إلى أن عدداً من الضباط الذين يتوزعون على 100 قسم شرطة في 49 ولاية مختلفة، كانت لهم رسائل بريد إلكترونية أو نصوص أو تعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت تتسم بالعنصرية، بما في ذلك واحدة هذا الشهر تضم ضابطاً رفيع المستوى في إدارة شرطة نيويورك.

وفيما أجرت السلطات في واشنطن مراجعات أمنية حول توجهات عناصر الشرطة والحرس الوطني قبل حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، الأربعاء المقبل، تظل الأجواء متحفزة لأي اختراق أمني قد تقدم عليه جماعات اليمين المتطرف وخصوصاً "أولاد بوغالو"، غير أن أعين أجهزة الأمن والسلطات الأميركية بوجه عام، من المؤكد أنها ستعيد حساباتها حول كيفية التعامل مع هذه الجماعات المتطرفة التي أصبحت تهدد الديمقراطية والحكم في الولايات المتحدة بشكل عام.

المزيد من تحلیل