Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميركل الصاعدة على أنقاض "جدار برلين" تنهي رحلة المستشارية

شغلت المنصب طوال 16 عاماً على مدار 4 ولايات وقضايا اللاجئين والتجسس الأميركي والإرهاب أبرز ما واجهتها

لم تكن تدرك تلك الفتاة الصغيرة التي انتقلت وأسرتها من ألمانيا الغربية إلى شطرها الشرقي في خضم الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي آنذاك، مع والدتها المعلمة ووالدها القس في ستينييات القرن الماضي، أنها ستكمل في خمسينيات عمرها نهضة ألمانيا الكبرى على مدار ما يقرب من 16 عاماً كمستشارة للبلاد التي عانت ويلات حربين عالميتين خلال القرن الماضي.

إنها أنغيلا دوروثيا كاسنر، أو أنغيلا ميركل، المولودة في هامبورغ في ألمانيا الغربية 1954، ودخلت عالم السياسة عام 1989، بعد سقوط جدار برلين الذي كان يفصل بين الألمانيتين، ثم أصبحت بعد نحو عقد ونيف أول سيدة تتولى المستشارية في ألمانيا وتظل به طوال هذه المدة.

 تقترب ولاية ميركل الرابعة والأخيرة من نهايتها بعد انتخاب أرمين لاشيت رئيساً للاتحاد الديمقراطي المسيحي تمهيداً لقيادة المعسكر المحافظ للانتخابات العامة في سبتمبر (أيلول) المقبل خلفاً لها، تاركة إرثاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، استحقت إثره ألقاب "السيدة الحديدية"، و"أقوى امرأة في العالم"، وفق توصيفات العديد من الصحف والمجلات العالمية، فضلاً عن لقب "الأم" كما يروق للألمان أن يلقبوها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فمن تكون المستشارة صاحبة الولاية الأطول في تاريخ ألمانيا الموحدة، وكيف تمكنت من البقاء على رأس أحد أكبر اقتصادات العالم على مدار 4 ولايات، على الرغم من الأزمات الاقتصادية والسياسية العاصفة التي طالت ولايتها؟.

محطات في حياة المستشارة

خلافاً للبدايات العلمية ودراستها الفيزياء، تحوّلت حياة أنغيلا دوروثيا كاسنر، المقيمة في إحدى المناطق الريفية في مدينة برلين بألمانيا الشرقية حيث قضت كل حياتها إلى أن توحّدت البلاد، في وقت متأخر من شبابها إلى عالم السياسة، التي ارتقت فيه سريعاً لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، ثم تصبح أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية عام 2005.

في بدايات شبابها وعلى وقع حياة التقشّف التي عاشتها بعدما قرر والدها الانتقال من الغرب إلى الشطر الشيوعي من البلاد للمساهمة في نشر المسيحية، درست أنغيلا الفيزياء في جامعة ليبزيغ، وحصلت على شهادة الدكتوراه عام 1978، وعملت خبيرة في الكيمياء في المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية، التابع لكلية العلوم من 1978 إلى 1990.

ووفق تصريحات سابقة لميركل، عن حياتها الخاصة التي نادراً ما تتحدث عنها، فإنها "عاشت طفولة سعيدة مع أخيها ماركوس وأختها إيرين، واختارت دراسة الفيزياء لأن الحكومة الشيوعية في ألمانيا الشرقية وقتها، كانت تتدخل في كل شيء باستثناء قوانين الطبيعة"!

 

مرت حياة ميركل الزوجية بمحطتين، الأولى في سن الثالثة والعشرين من عمرها، حين تزوجت من أولريخ ميركل، الذي بقيت محتفظة بلقبه على الرغم من انفصالها عنه عام 1981، ثم تزوجت لاحقاً من جواكيم ساور، الذي يهوى الطبيعة ويحب عمله، ونادراً ما يضجر أو يشتكي، بحسب ما ذكرته عنه، قائلة إنها تشترك مع زوجها ساور، في هوايتها الوحيدة وهي الشعر الغنائي، كما أنها حاذقة في الطبخ، وشغوفة بمشاهدة مباريات كرة القدم، وقد بُثت لها صور وهي تقفز فرحاً عندما يسجل المنتخب الألماني هدفاً أو يحرز لقباً، وترى أن كرة القدم جديرة بتسويق صورة ألمانيا في العالم.

وبحسب صحف ألمانية ونمساوية، انتظمت ميركل طوال السنوات الماضية على حضور مهرجانات الشعر الغنائي في ألمانيا وخارجها برفقة زوجها، الذي يلقبونه بـ"الشبح" نظراً لقلة ظهوره، ويعرف عنه التقشّف في حياته قاضياً جلّ وقته في البحث العلمي.

ميركل وعالم السياسة

كانت بدايات ميركل الأولى في عالم السياسة بعد سقوط جدار برلين نهاية عام 1989، حين أكملت لتوها الخامسة والثلاثين من عمرها، آنذاك، تتقن ببراعة اللغة الروسية. وبحسب مؤرخين ألمان، فإن "دخول ميركل إلى عالم السياسة جاء مصادفة وفي وقت متأخر، بدأ مع منصب نائبة المتحدث الرسمي باسم آخر رئيس وزراء لجمهورية ألمانيا الديمقراطية لوثر دي ميزير، الأمر الذي سمح  لها بإظهار إمكاناتها الكبيرة في التواصل والتخطيط. وهي التي كانت انضمت قبل وقت قصير من ذلك إلى الحزب الديمقراطي المسيحي، حيث عرفت باجتهادها وطموحها".

وبعد انضمام ميركل في ذلك التوقيت إلى حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ بزعامة هلموت كول، سرعان ما عيّنت في حكومة كول وزيرة للمرأة والشباب، ثم للبيئة والسلامة النووية عام 1994، لدرجة جعلت بعض التقارير الألمانية تصفها في ذلك التوقيت بأنها "ابنة المستشار" نظراً لقربها من كول.

وعلى مدار السنوات التي تلت هزيمة كول في الانتخابات البرلمانية وخسارته منصب المستشارية عام 1998، وما مثّلت من صدمة حينها للحزب الديمقراطي المسيحي، إلا أن ميركل رأت في ذلك فرصة لتعزيز مركزها في حقبة ما بعد كول، وبقيت في طريقها السياسي إذ عُينت أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة له عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار أمام إدموند ستويبر عام 2002. قبل ثلاث سنوات من انتخابات عام 2005، التي فازت فيها بفارق ضئيل على المستشار غيرهارت شرويدر. وبعد التحالف بين "المسيحي الديمقراطي" و"الاجتماعي الديمقراطي"، عُينت أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وهي أيضاً أول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة، وظلت في المنصب أربع ولايات متتالية كان آخرها عام 2017.

 

وبقدر السنوات الـ16 التي قضتها في المستشارية الألمانية، كانت ميركل منذ توليها المنصب محط أنظار وسائل الإعلام العالمية، بسبب شخصيتها المتميزة ومنصبها الكبير في الساحة الدولية، فهي وفق توصيف مجلة "فوربس"، "السيدة الأقوى في العالم"؛ لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت تودي بأخرى إلى الإفلاس، بحسب المجلة الأميركية، كما أنها "المرأة الحديدة" وفق ما تصفها الصحف الأوروبية لا سيما الألمانية، لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي، فيما ظلّت لدى المواطنين الألمان ملقّبة بـ"الأم"، لما أبدته من تعاطف وتفاعل مع حاجتهم الاجتماعية، بحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

قضايا شائكة في حياة المستشارة

خلال سنواتها الـ16 في منصب المستشارية، واجهت العديد من القضايا والتحديات على الصعيد الوطني أو الأوروبي أو العالمي، لعل أبرزها وفق تقرير للتلفزيون الألماني، الأزمة الاقتصادية العالمية نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ثم ثورات الربيع العربي وما خلّفته من موجات هجرة واسعة إلى أوروبا وتعاملها مع موجات اللاجئين، فضلاً عن قضايا الإرهاب والعنف والتطرّف، وقضية التجسس الأميركية عليها في 2013، عندما اتهمت أجهزة استخباراتها، الأخيرة بالتنصت على مكالماتها الهاتفية، وقالت في مؤتمر لقادة الدول الأوروبية "إن التجسس بين الأصدقاء أمر غير مقبول".

وعلى الرغم ممّا أظهرته من قدرة على الصمود ومواجهة تلك التحديات، كانت عرضة كذلك للانتقاد في بعض منها، لا سيما في ما يتعلق بمواجات تدفق اللاجئين إلى أوروبا وألمانيا من الشرق الأوسط وأفريقيا والبلقان.

في عام 2015، وبخلاف الأصوات الأوروبية والغربية حينها، التي كانت تنادي بإغلاق الحدود وتشديد الرقابة بين الدول، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، فاجأت ميركل الألمان، بإعلان أن "حق اللجوء لا يوجد فيه حد أقصى". وسعت إلى الإبقاء على فتح حدود بلادها أمام جميع اللاجئين مع اشتداد أزمة الهاربين من الحروب والمجاعة نحو أوروبا، ومقتل الآلاف منهم في البحر الأبيض المتوسط. فواجهت معارضة كبيرة في بلادها بعد دخول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إليها، ما أدى إلى تراجع شعبيتها إثر ذلك.

وقبل أزمة اللجوء والمهاجرين، كانت حديث وسائل الإعلام العالمية في صيف عام 2013، بعدما اتهمت الأجهزة الألمانية الاستخبارات الأميركية بالتنصت على مكالمات المستشارة الألمانية، وحينها ذكرت تقارير لاحقة أن وكالات الاستخبارات الأميركية تراقب ميركل منذ 2002، وهو ما واجهته بالاحتجاج المباشر قائلة، إن "الحرب الباردة انتهت".

في العام ذاته، كادت ميركل تقع ضحية مكمن سياسي في سانت بطرسبورغ، عندما حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في افتتاح أحد المعارض أن يمنعها من إلقاء كلمة على عكس ما اتُّفق عليه من قبل. وهو ما اعتبرته المستشارة الألمانية استفزازاً وهدّدت بقطع رحلتها إلى روسيا. وعدّ رد الفعل بمثابة انتصار لها ودليل قدرتها على إثبات ذاتها.

 

وفي خضم مواجهات العنف والإرهاب التي طالت عددا من الدول الأوروبية ومنها ألمانيا طوال السنوات العشر الأخيرة، امتازت ميركل بقراءتها المتأنية للأحداث وبقراراتها المدروسة، وبقيت متمسكة بمواقفها المتمثلة في أن "الحرية أقوى من أي إرهاب"، داعية بين الحين والآخر، إلى الرد على "الإرهابيين" من خلال التشبث "بقيمنا بثقة أكبر ومن خلال تدعيمها في كل أنحاء أوروبا أكثر من أي وقت مضى".

من بين المحطات الكبرى أيضاً التي واجهت ميركل، كانت قضية الديون في عدد من الدول الأوروبية، لا سيما في اليونان وإيطاليا وإسبانيا، وهو ما جعل صورة المستشارة لا تبدو في أفضل أحوالها لديها، بسبب "إجراءات التقشف المالية الصارمة" التي سعت ألمانيا تحت ولايتها لفرضها عبر الاتحاد الأوروبي، ما دفع إلى معاناة طبقات اجتماعية واسعة.

وفي أزمة الديون الأوروبية، التي تصاعدت حدتها مع الأزمة الاقتصادية العالمية خلال العامين 2008 و2009، أبدت ميركل الكثير من الصلابة، ونقل عنها في أكثر من مناسبة أن "السياسة الألمانية في هذا الخصوص تهدف إلى بقاء اليونان وغيرها من الدول في منطقة اليورو"، مضيفة، "ركائزنا السياسية ومبادئنا لم تتغير: تعتمد على الجهود الذاتية من جهة وعلى التضامن من جهة أخرى". الأمر الذي جعل تلك الدول، خصوصاً اليونان تعيد تقييم المستشارة بصورة مغايرة.

المزيد من دوليات