اتهم رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً فايز السرّاج، الأربعاء 17 أبريل (نيسان)، خصمه المشير خليفة حفتر بارتكاب "جرائم حرب" غداة مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل في قصف صاروخي استهدف العاصمة طرابلس.
من جهته، نفى الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر، في بيان، أن يكون وراء إطلاق الصواريخ محملاً "الميليشيات الإرهابية التي تسيطر على العاصمة" مسؤولية القصف.
وأعلن السرّاج، الثلاثاء، عن تقديم المستندات للمحكمة الجنائية الدولية" بشأن ارتكاب قوات حفتر "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية". وأكد "نحمّل مجلس الأمن والمجتمع الدولي المسؤولية القانونية والإنسانية لمحاسبة هذا المجرم على فعله".
ومن لاهاي، قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسوده، الثلاثاء، "لن أتردد في التوسّع في تحقيقاتي وفي الملاحقات القضائية المحتملة بشأن وقوع أي حالة جديدة من الجرائم الواقعة ضمن اختصاص المحكمة".
وجاء في بيان بنسوده "لا يختبرنّ أحد (مدى) تصميمي في هذا الإطار".
على الضفة الأخرى، اتهم الجيش الوطني "الميليشيات الإرهابية التي تسيطر على العاصمة بالرماية العشوائية بصواريخ غراد والراجمات على ضواحي المدينة".
وتدور معارك عنيفة منذ 4 أبريل (نيسان) على مشارف الأحياء الجنوبية لطرابلس بين قوات حكومة الوفاق الوطني و"الجيش الوطني الليبي" بزعامة حفتر الرجل القوي في شرق ليبيا.
وأوقعت المعارك المستمرة منذ 4 أبريل (نيسان) 174 قتيلاً، بحسب آخر حصيلة لمنظمة الصحة العالمية حتى صباح الثلاثاء.
فيتو
في الإطار ذاته، عرضت بريطانيا على مجلس الأمن الدولي ليل الإثنين مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا بعدما أطلق الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، هجوماً للسيطرة على العاصمة طرابلس. لكن دبلوماسيين غربيين رجّحوا عدم تمكّن مجلس الأمن في الأيام المقبلة من إصدار بيان رسمي بسبب اعتراض روسيا على الإشارة إلى الجيش الوطني، في حين أعلنت الولايات المتحدة أنها لا يمكنها الموافقة على نص لا يشير إلى القوات التي يقودها حفتر. وقد يتمّ التصويت على مشروع القرار قريباً وربما خلال الأسبوع الحالي. ويحتاج إصدار أي قرار إلى تسعة أصوات مؤيدة وألا تستخدم أي من الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو روسيا أو الصين حق النقض (الفيتو).
"تهديد الاستقرار"
وجاء في مشروع القرار الذي سيناقشه مجلس الأمن مساء الثلثاء بالتوقيت المحلي في الولايات المتحدة، أن الهجوم على طرابلس "يهدد الاستقرار في ليبيا وآفاق الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة والحل السياسي الشامل للأزمة".
وينصّ المشروع على أن مجلس الأمن "يطالب الفرقاء الليبيين بوقف التصعيد فوراً، والتزام وقف إطلاق النار، والتعاون مع الأمم المتحدة من أجل ضمان وقف تام وشامل للأعمال العدائية في ليبيا"، بعدما قُتل 174 شخصاً وجُرح 758 منذ بدء الهجوم في 4 أبريل (نيسان) الحالي للسيطرة على طرابلس، وذلك وفق حصيلة جديدة أعلنتها الثلثاء منظمة الصحة العالمية.
وتأمل بريطانيا في أن يصوّت المجلس قبل يوم الجمعة المقبل على مشروع القرار الذي عرضته، لكنّ دبلوماسيين شككوا في إمكان إنهاء المناقشات بهذه السرعة.
ويُذكر أن القرارات التي يتبنّاها مجلس الأمن ملزمة قانوناً. ويستعيد مشروع القرار دعوةً إلى وقف النار أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي زار ليبيا للدفع باتّجاه تعزيز فرص التوصّل إلى حل سياسي.
"الالتزام بجهود السلام"
ويدعو مشروع القرار جميع الأفرقاء في ليبيا إلى "تجديد الالتزام فوراً" بجهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، ويدعو الدول الأعضاء إلى "استخدام نفوذها لدى الافرقاء الليبيين" من أجل التزام القرار.
ولطالما أعرب دبلوماسيون عن خشيتهم من أن يؤدي دعم القوى الخارجية للفرقاء المتحاربين في ليبيا إلى تحويل النزاع إلى حرب بالوكالة.
وتُعتبر السعودية داعما أساسيا لحفتر، فيما تدعو قطر إلى التشدد في تطبيق حظر الأسلحة، الذي تفرضه الأمم المتحدة، على طرفي النزاع في ليبيا.
والعلاقات مقطوعة بين الرياض والدوحة منذ 5 حزيران (يونيو) 2017 على خلفية اتهام الدوحة بتمويل "الإرهاب".
ومنعت روسيا الأسبوع الماضي صدور بيان عن مجلس الأمن يدعو "الجيش الوطني" إلى وقف هجومه على طرابلس.
ونوّهت روسيا وفرنسا، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، بنجاح المشير حفتر بالقضاء على جماعات ليبية مسلّحة متحالفة مع تنظيم "داعش" في ليبيا.
ودفع الهجوم على العاصمة الليبية الأمم المتحدة إلى إرجاء "الملتقى الوطني" الذي كان يُفترض عقده في مدينة غدامس الليبية، ويهدف إلى وضع خارطة طريق للانتخابات من شأنها طيّ صفحة الفوضى التي تشهدها ليبيا منذ إطاحة نظام الزعيم السابق معمّر القذافي في العام 2011.
واعتبر غوتيريش إنه لا يمكن استئناف المفاوضات حول مستقبل ليبيا من دون التوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
تهريب أسلحة
في سياق آخر، أكد وزير الدفاع التونسي عبد الكريم الزبيدي الثلثاء ضبط أسلحة وذخائر ينقلها أوروبيون من بينهم فرنسيين على الحدود بين ليبيا وتونس.
وأوضح الزبيدي أن المجموعة الأولى مؤلفة من 11 شخصاً آتوا من ليبيا بجوازات سفر دبلوماسية، حاولت دخول تونس عن طريق البحر على متن زورقين، إلا أن الجيش التونسي رصدها ولاحقها وصولاً إلى سواحل جربة (جنوب شرق).
وأشار الوزير التونسي إلى ضبط أسلحة وذخائر في العملية، غير أنه لم يكشف ما إذا كان الأشخاص الـ11 أوقِفوا كما لم يحدد جنسياتهم.
ولفت الزبيدي إلى ضبط أسلحة وذخائر أخرى مع أفراد في مجموعة ثانية كانت تتنقل "تحت غطاء دبلوماسي"، على الحدود البرية التونسية - الليبية. وأشار إلى أن هؤلاء كانوا 13 فرنسياً حاولوا عبور الحدود في أربع سيارات رباعية الدفع. وذكرت وسائل إعلام محلية أن عملية الضبط حصلت عند معبر رأس جدير، أبرز نقاط العبور بين البلدين.
السفارة الفرنسية
في المقابل، أكدت السفارة الفرنسية في تونس في بيان نُشر الثلثاء، أن الموظفين في السفارة الفرنسية لدى ليبيا يتنقلون "باستمرار بين تونس العاصمة وطرابلس". وأشارت السفارة إلى أن "أحد هذه التنقلات حصل براً هذا الأحد ... وشمل أفراداً من الوحدة المكلفة أمن السفيرة الفرنسية لدى ليبيا".
وأوضحت أن "هذا التنقل حصل بالتشاور مع السلطات التونسية" كما "أُجريت عمليات تدقيق عادية عند المعبر الحدودي ... لإحصاء المعدات التي يحملها عناصر الوحدة". ولفت المصدر ذاته إلى أن أفراد الوحدة "واصلوا طريقهم".