Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوساطات لتأليف حكومة لبنان تنتظر تبديد التوتر السياسي

نفي "حزب الله" رهن الحكومة بتسلم بايدن أعقبه رفضه مجاراة عون وباسيل بإزاحة الرئيس المكلف

كورونا والأزمة الحكومية يزيدان من حدة الأزمة المعيشية (غيتي)

بعد أيام قليلة سينتفي السبب المفتعل الذي يربط معظم اللبنانيين تأخر تأليف الحكومة الجديدة به، أي تاريخ تسلم الرئيس الأميركي جو بايدن مهماته الرسمية في البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.

لكن المرجح ألا ترى الحكومة النور وأن تتحكم العراقيل المتناسلة بولادتها، وتبقيها معلقة على مزيج من الأسباب الداخلية المتصلة بحسابات خارجية تتفاوت بحسب كل فريق وحزب.

فرض الخواء السياسي الذي يعيشه لبنان نتيجة الخلافات المستعصية حول المواقع داخل مؤسسات السلطة، على اللبنانيين ووسائل الإعلام التعلّق بتواريخ ومحطات قيل لهم إن انفراجاً ما سيحصل بعدها، ليفرج عن اكتمال عقد السلطة التنفيذية.

هكذا اعتادوا في كل مرة تطل أزمة سياسية برأسها لتفرض عليهم المزيد من التعطيل في انتظام المؤسسات لتسيير شؤون البلاد والعباد، وسط تنازع بين جماعاته على الصلاحيات في نظامهم الطائفي الخاضع في كل مرحلة للتأثيرات الخارجية.

القراءة الروسية: لبنان آخر ما يفكر فيه بايدن

الشائع منذ استقالة حكومة الرئيس حسان دياب في 10 أغسطس (آب) الماضي إثر انفجار مرفأ بيروت الكارثي، أن الفريق المهيمن على السلطة السياسية، "حزب الله" ومن ورائه إيران، يرهن تأليف الحكومة عبر شروط حليفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل كورقة تفاوض بين طهران وإدارة بايدن. وعلى الرغم من نفي الأمين العام للحزب حسن نصر الله لمقولة الربط هذه، تستند الأوساط السياسية وبعض الزعامات في اتهام الحزب بذلك إلى فرضية أن طهران تبقي على أوراقها في يدها إلى أن يحين أوان التفاوض، لتقرر أي منها تفرج عنها مقابل المطالب الأميركية، التي بات واضحاً أنها لن تقتصر على الطلب من طهران العودة عن مخالفتها نصوص الاتفاق النووي مقابل إزالة العقوبات التي فرضتها عليها إدارة دونالد ترمب.

وهو المطلب الإيراني الأول والرئيس، في وقت تتهيأ الإدارة الجديدة لإثارة مسألة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودور طهران الإقليمي، الأمر الذي رفضته طهران ودفعها إلى استبعاد التفاوض مع إدارة بايدن.

وفي كل الأحوال سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن نصح في مؤتمر صحافي في سبتمبر (أيلول) الماضي بأن انتظار الانتخابات الأميركية لتشكيل الحكومة اللبنانية لا فائدة منه. كما أن سياسياً بارزاً على صلة بالخارجية الروسية سمع من المعنيين بالملف اللبناني في موسكو أنها في اتصالاتها مع طهران كي تبذل جهدها مع حلفائها في بيروت لإخراج لبنان من الفراغ الحكومي، انطلقت من أن رهن الحكومة بتبوؤ بايدن منصبه منطق عبثي. ونقلت هذه الشخصية عن ديبلوماسي كبير في الخارجية الروسية قوله إن بايدن لن يبدأ أي تواصل مع إيران حول الملفات العالقة معها، قبل 5 إلى 6 أشهر بعد تسلم مهامه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا صحت هذه الفرضية فإن التوصل إلى نتائج في التفاوض بين الجانبين، على افتراض أن الأمور سلكت مساراً إيجابياً، لن يظهر قبل سنة إلى نصف السنة، فما الفائدة من تعليق قيام الحكومة في لبنان على هذه المدة الطويلة في وقت يحتاج البلد إلى حكومة تخرجه من الأزمة الخانقة التي يغرق فيها؟

وفي تقدير الدبلوماسية الروسية أن أمام بايدن أولويات تتقدم على الملف الإيراني، بدءاً من العلاقة مع أوروبا والصين والوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي بعد الأزمة التي سببها ترمب، هذا فضلاً عن أن هناك ساحات أكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط لا تتمتع إيران وحدها بالنفوذ فيها، من العراق إلى سوريا وغزة، على الرغم من أرجحية نفوذها على الحوثيين في اليمن.

لكن آخر ما سيشغل بال بايدن هو لبنان الذي لا يحتمل وضعه تمديد أزمته في لعبة تجميع الأوراق التفاوضية من قبل إيران. فالأخيرة أيضاً وضعها الاقتصادي جراء العقوبات لا يعطيها ترف الاسترسال في لعبة الوقت.

بين التخلص من التهمة ونضوج أهداف العرقلة

سواء أراد "حزب الله" التخلص من تهمة رهن الحكومة بالتفاوض الإيراني- الأميركي لأنها وسعت دائرة الانتقادات ضده، لا سيما في الوسط المسيحي، أم أنه حاول تبديد الخيال اللبناني الذي يكثر التكهنات وفق نظرية المؤامرة، فإن نصر الله اعتبر أنه "إذا ‏كان هناك أحد في لبنان ينتظر إدارة بايدن ليرى ماذا يقولون وماذا لا يقولون، هذا يعني أن ‏قصة الحكومة ستطول بضعة أشهر ولذلك إذا تفاهمنا في الداخل ‏وتضامنا، الخارج ليس لديه الوقت لأجلنا، نقطع الموضوع، ‏فلتتشكل الحكومة والخارج فليرى كيف سيتعاطى معها بطريقة أو ‏بأخرى".

فهل بات "حزب الله" يعتبر أن استعراض قدرته على التحكم بتشكيل السلطة السياسية عن طريق حليفه عون، قد استنفدت أغراضها طالما لا تفاوض أميركي- إيراني في الأسابيع والأشهر المقبلة، أم أنه بات يعتبر أن مفعول عرقلة التأليف قد نضج بحيث بات باستطاعته استدراج التنازلات من الحريري لمصلحة حلفائه جرياً على قاعدة القبول بتكليف الحكومة زعيم "المستقبل" وتأخير تأليفها؟

في المقابل، ترى أوساط دبلوماسية عربية أن نصر الله، وفي معرض نفيه الربط بين إنجاز الحكومة وبين توقيت رحيل ترمب من البيت الأبيض، أوحى بأن هذا الأمر ليس بعيداً من حسابات من هذا النوع لدى "حزب الله" حين قال "هذا الأمر الوقت سيتكفل بحلّه فلم يبق غير ‏عدة أيام وننتهي من هذه الحيثيات".‏

وألحق كلامه بوعد بإجراء اتصالات لتقريب وجهات النظر بين حليفه الرئيس عون وبين الرئيس الحريري. لكن هجوم باسيل على الحريري غداة وعد نصر الله هذا، والذي قال فيه إن الحريري لا يؤتمن وحده على الحكومة الجديدة كي تجري الإصلاحات وطرحه تغيير النظام السياسي وتعديل الدستور وعقد مؤتمر وطني، ومن ثم تسريب الفيديو الفضيحة الذي وصف فيه عون الحريري بأنه "يكذب"، فرض التريث في أي جهد بين الجانبين، إلى ما بعد 20 يناير كما قال متصلون بالحزب لـ "اندبندت عربية".

تريث "حزب الله" بعد هجوم حليفه على الحريري  

الإهانة التي وجهها عون للرئيس المكلف لا تتيح معاودة الاتصالات بسهولة بينهما، لا سيما أنه سبقتها حملة مركزة ومفتعلة من "التيار الحر" بأن الحريري السني ينتقص من شراكة الرئيس الماروني في تسمية الوزراء المسيحيين كافة، فيما جوهر موقف الحريري هو رفضه حصول عون وفريقه على الثلث المعطل في الحكومة كي لا تتم عرقلة مهمتها بتنفيذ الإصلاحات البنيوية التي يشترطها المجتمع الدولي لتقديم المساعدات المالية للبنان.

من جهة ثانية، تجنّب الحريري تأجيج الأجواء الطائفية في رده على الإهانة التي وجهها إليه عون، حافظاً خط الرجعة من أجل استئناف التواصل لاحقاً معه لتأليف الحكومة، مؤكداً عبر نواب كتلته ثلاث لاءات: لا تراجع عن حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين وفق المبادرة الفرنسية، لا ثلث معطلاً لأي فريق في الحكومة، ولا اعتذار عن التأليف رداً على محاولة عون وباسيل إحراجه لإخراجه.

ونقل عن الحريري قوله "مهما فعلوا وضغطوا ليجبروني على التخلي عن تكليفي رئاسة الحكومة، سأبقى متمسكاً بالتكليف من أكثرية البرلمان مهما طال الزمن وليتحمل من يؤخر الحكومة المسؤولية". والدستور لا ينص على آلية لنزع التكليف، أو على مهلة للتأليف.

ورأى أكثر من مرجع أن تصعيد عون وباسيل ضد الحريري موجه ضد جهود البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي دأب منذ أكثر من شهر على ممارسة التأثير المعنوي للكنيسة على رئيس الجمهورية كي يتفاهم مع الحريري على إنجاز الحكومة، لأن الأوضاع المأساوية للبلد لم تعد تحتمل سواء بسبب تفاقم الإصابات بجائحة كورونا التي فرضت الإقفال التام ومنع التجول لثلاثة أسابيع، أو بفعل تداعيات الدمار الذي خلفه انفجار المرفأ وأصاب ثلث العاصمة بالدمار وجل سكانها من المسيحيين، أو جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية المالية.

فالراعي ألح على عون والحريري عقد اجتماع ينتهي بإعلان الحكومة من دون التوقف عند شروط حصول فريق الرئيس على الثلث المعطل في الحكومة.

كما أن البطريرك وسائر القادة الروحيين للمذاهب المسيحية أبدوا تفهمهم في اتصالات أجراها معهم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، لموقف الحريري ورؤساء الحكومات السابقين، بالامتناع عن تأجيج السجال الطائفي بعد الإهانة التي وجهها إليه عون.

"الحزب" ضد دفع الحريري للاعتذار

أوضح مصدر سياسي منخرط في الاتصالات الحكومية لـ "اندبندت عربية"، أن "حزب الله" أجرى اتصالاً غير مباشر بالحريري ناصحاً إياه بالتهدئة، وعدم تصعيد السجال على الرغم من أن الأخير اتخذ قراراً بألا يستدرج إلى ملعب الصراع الطائفي. كما أجرى الحزب اتصالاً بباسيل داعياً إلى عدم قطع الجسور مع الرئيس المكلف. لكن الحزب تهيّب المنازلة التي فرضها حليفه عليه. لكن المفارقة أن قيادة "حزب الله" أبلغت رئيس "التيار الحر" أنها مع تفهمها لمحاولة الأخير تحسين شروطه في تأليف الحكومة ووقوفها على الحياد، فإنها لا تجاريه في سعيه لدفع الحريري إلى الاعتذار. فالحزب يدرك أنه سيتحمل عبء هذا التوجه، الذي سيعيد تأجيج الحساسية الشيعية- السنية في وقت يسعى إلى تجنب هذا المحذور بعدما شكل منع الفتنة الشيعية- السنية نقطة التقاطع الوحيدة بينه وبين الحريري في السنوات القليلة الماضية، بعدما رفع اتهام أحد مسؤوليه باغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري منسوب تلك الحساسية. ويهمه تجنب احتكاكات طائفية ومذهبية في ظل تنامي التيار الرافض لاحتفاظه بسلاحه في الوسط المسيحي، بما فيه الموالي لعون.

وأبلغ "حزب الله" باسيل أنه على الرغم من عدم تسميته الحريري لرئاسة الحكومة في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فإنه فعل ذلك تضامناً معه، لكن هذا لا يعني مجاراته في محاولته الضغط من أجل دفعه للاعتذار، خصوصاً أنه حصل على أكثرية 72 نائباً من أصل 120، وليس لديه مرشح غيره حتى إشعار آخر، ويفضل بقاءه في الرئاسة الثالثة للمبررات المذكورة.

هل ينقل نفي "حزب الله" ربطه تشكيل الحكومة بمرحلة ما بعد ترمب لأسباب إيرانية، وامتناعه عن مجاراة حليفه عون بإزاحة الحريري، الوضع اللبناني من الفراغ الحكومي القاتل إلى حكومة تبدأ خطوات التواصل مع المجتمع الدولي لإنقاذ البلد من الانهيار؟

الوسط السياسي الذي يترقب استئناف البطريرك الراعي اتصالاته مع عون والحريري، والمتصلون بـ"حزب الله" الذين يرصدون مساعي وعد الأخير ببذلها لحلحلة العقد، يشيرون إلى أن كلاً منهما يفضل أن تبرد أجواء التشنج التي تسبب بها الفيديو الفضيحة لعون ضد الحريري حتى يقوما بمسعاهما كل من موقعه. فبعض نواب كتلة الحريري النيابية طالبوا باعتذار علني من رئيس الجمهورية. كما أن انتظار انقشاع التوتر مبرر للحزب أن يتحرك للتوسط بعد رحيل ترمب وتسلم بايدن.

إلا أن الشكوك ما زالت تحيط بالإجابة عن هذا السؤال، وسط غلبة التوقعات بأن أسباب إطالة الأزمة اللبنانية ما زالت قائمة من دون أفق للحلول.

فعلى الرغم من أن "التيار الحر" أحال أسباب الأزمة إلى العوامل الداخلية لا الخارجية، بمطالبته بعقد مؤتمر وطني يعيد صوغ النظام السياسي اللبناني ويعدل الدستور من أجل عقد جديد، فإنه ينقل المعالجات إلى عناوين كبرى تتعلق بالصيغة اللبنانية. ولهذا بحث طويل ودونه عقبات في وقت الأولوية هي لقيام حكومة تبدأ مسار الإنقاذ الاقتصادي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي