بعد أقل من أسبوع على إدراج رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض ضمن العقوبات الأميركية، يبدو أن واشنطن ماضية في استهداف الشخصيات الرئيسة الموالية لإيران في العراق، خصوصاً مع إدراج نائب رئيس الهيئة عبد العزيز المحمداوي والملقب بـ"أبو فدك".
ويبدو أن إطار الاستهدافات الأميركية بالضد من شخصيات رئيسة ضمن إطار التيارات الولائية (مصطلح يشير إلى التيارات الموالية لإيران)، يجري بنسق أعلى هذه المرة، إذ بات يضم شخصيات تمتلك مناصب عليا في الدولة العراقية ضمن "هيئة الحشد الشعبي".
وعلى الرغم من اعتقاد مراقبين أن تلك الإجراءات الأميركية ربما تمهد لدفع الحكومة العراقية للسيطرة على "الحشد الشعبي" الذي بات يمثل مؤسسة موازية للدولة، أو أن واشنطن قد تقدم على استهداف عسكري لتلك الشخصيات، يرى آخرون أن تلك الإجراءات ربما تندرج ضمن محاولات وضع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن تحت ضغط كبير، خصوصاً في ما يرتبط بإمكانية عقد تفاهمات مع طهران وأذرعها في الشرق الأوسط.
انتهاكات حقوق الإنسان
وأعلنت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتين، الأربعاء 13 يناير (كانون الثاني)، فرض عقوبات جديدة على ثلاثة أفراد و16 كياناً في إيران، ومن بين الأسماء التي فرضت عليها العقوبات اسم عبد العزيز المحمداوي الملقب بـ"أبو فدك"، والذي يشغل منصب رئيس "هيئة أركان الحشد الشعبي"، كخليفة لأبو مهدي المهندس الذي قتل في غارة أميركية في الثالث من يناير 2020.
ويأتي قرار العقوبات على "أبو فدك" بسبب صلاته بالحرس الثوري الإيراني، وميليشيات "كتائب حزب الله" العراقية، ومسؤوليته عن مقتل واختطاف المحتجين العراقيين إبان انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وقال بيان وزارة الخارجية الأميركية إن "عبد العزيز الملا مجيرش المحمداوي صنف إرهابياً عالمياً مدرجاً ضمن القائمة الخاصة بالأمر التنفيذي 13224".
وأشار البيان إلى أن "المحمداوي هو الأمين العام السابق لكتائب حزب الله، وهي منظمة إرهابية مصنفة من قبل الولايات المتحدة، ومدعومة من إيران وتسعى إلى دعم أجندة طهران الخبيثة في المنطقة"، وقد أعلنت مسؤوليتها عن "العديد من الأعمال الإرهابية في العراق".
واتهم البيان، الكتائب بالمسؤولية عن "هجمات بالعبوات الناسفة، وهجمات صواريخ، وقنص، وسرقة موارد الدولة العراقية، وقتل واختطاف وتعذيب المتظاهرين السلميين والناشطين في العراق".
ولفت إلى أن "المحمداوي عمل مع الحرس الثوري الإيراني لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة العراقية بعيداً من هدفها الحقيقي المتمثل في الدفاع عن الدولة ومحاربة تنظيم داعش، وساقها لخدمة الأنشطة الخبيثة لإيران بما في ذلك الدفاع عن نظام بشار الأسد في سوريا".
وتنص العقوبات على مصادرة ممتلكات المحمداوي كافة في الولايات المتحدة، أو التي يسيطر عليها أميركيون، كما يمنع على الأميركيين الدخول في أية تعاملات معه.
وإضافة إلى الاتهامات المتعلقة بالانتفاضة العراقية، تضمنت لائحة الاتهامات قيام "تلك العناصر المدعومة من إيران، بما في ذلك المجموعات التي يعمل فيها المحمداوي بأدوار قيادية، بأعمال عنف طائفية، واختطاف مئات الرجال من المناطق المحررة من سيطرة داعش، وإنشاء مجموعات بأسماء وهمية تقوم بشن هجمات مستمرة ضد المؤسسات الحكومية العراقية والمنشآت الدبلوماسية الأجنبية".
فيما قال بيان لوزارة المالية الأميركية، إن "الأسماء التي يستخدمها المحمداوي هي "مجيرش، الملا مجيرش، الخال، أبو فدك".
الخال وبلاسخارت
كانت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة قد ظهرت إلى جانب "أبو فدك" في أكتوبر الماضي، عقب لقاء جمعهما في مقر "هيئة الحشد الشعبي"، الأمر الذي أثار في حينها ردود أفعال غاضبة، خصوصاً مع الاتهامات التي يوجهها ناشطون بتورطه في قتل وخطف المحتجين، إضافة إلى اعتبارهم أن هذا اللقاء يضفي الشرعية له.
وأشارت التسريبات في حينها إلى "ارتباط اللقاء بالهدنة التي حصلت بين الميليشيات الموالية لإيران والولايات المتحدة في ما يتعلق بالقصف المتكرر للسفارة الأميركية".
وعلى الرغم من تضمن لوائح العقوبات الأميركية اتهامات تلك الشخصيات المرتبطة بإيران بالقتل والاختطاف والقنص، والتي تستند إلى تحقيقات أميركية، لم تقدم الحكومة العراقية على اتخاذ أي موقف أو إجراء تحقيقات موسعة في هذا السياق، واكتفت البيانات الرسمية بالتعبير عن الاستغراب، فيما لم يعلّق رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي حتى الآن على تلك القرارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى مراقبون أن الدولة العراقية تواجه معضلة كبيرة في هذا السياق، إذ إضافة إلى الاتهامات الأميركية، يتهم النشطاء العراقيون تلك الشخصيات بالوقوف خلف عمليات القمع التي طاولتهم في فترة الانتفاضة، فيما تستمر مطالباتهم بالتحقيق في ملف قتل المتظاهرين.
في غضون ذلك، علقت "هيئة الحشد الشعبي"، الأربعاء، على قرار واشنطن إدراج رئيس أركانها "أبو فدك" على لائحة العقوبات.
وذكرت الهيئة في بيان، أنها "تبارك للقائد الشجاع أبو فدك المحمداوي إدراجه على قائمة أميركا السوداء التي استهدفت قادة النصر، ولا تزال تستهدف كل القيادات التي أسهمت بالقضاء على الإرهاب العالمي".
"الخال مر من هنا"
ولم يكن المحمداوي أو "الخال" معروفاً على نطاق واسع في العراق، قبل أن يكتب اسمه في أكثر من مناسبة على جدران ساحات الاحتجاج.
وهو يعرف بين أوساط الميليشيات الموالية لإيران باسم "الخال"، ولطالما كتب هذا الاسم في ساحات الاحتجاج بعد استهداف المحتجين العراقيين في أكثر من مرة، وتضمنت العبارات التي ورد فيها اسمه، عبارة "الخال مر من هنا".
وكتبت هذه العبارة على مرأب السنك بعد مجزرة السنك الشهيرة، في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتي أسفرت عن مقتل 23 متظاهراً وإصابة حوالى 100 آخرين، فضلاً عن أنها كُتبت أيضاً على جدران السفارة الأميركية عند محاولة اقتحامها من قبل الميليشيات الموالية لإيران، في 31 ديسمبر 2019.
وكان "الحشد الشعبي" قد اختار "أبو فدك" لمنصب رئيس أركان هيئة الحشد، في 20 فبراير (شباط) 2020، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً، وأدى إلى إعلان "حشد العتبات" التابع للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الانفكاك من الهيئة، احتجاجاً على هذا التنصيب.
شخصيات أخرى محتملة
وتبدو العقوبات الأميركية على الكيانات والأفراد المرتبطين بإيران تجري بشكل متصاعد خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي يعطي انطباعاً بأنها ربما ستشمل شخصيات أخرى ضمن المنظومة الولائية في العراق.
ويرى الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بلال وهاب، أن "حدود العقوبات الأميركية على الشخصيات المرتبطة بإيران ربما لن تتوقف عند أبو فدك، وقد تشمل شخصيات أخرى"، مبيناً أن ما يجري "استمرار لسياسة التصعيد الأميركية في مواجهة التصعيد الإيراني".
ويضيف "إدارة دونالد ترمب تريد فرض واقع جديد في التعاطي مع الملف الإيراني على الإدارة الجديدة. الإدارة الحالية تريد الدفاع عن موقفها في الصراع مع إيران، خصوصاً أن الانسحاب من الاتفاق النووي لم يأتِ بنتائج مُرضية".
ويشير وهاب إلى تحوّل لافت في نسق العقوبات الأميركية، والتي باتت تشمل شخصيات تمتلك مناصب في الدولة العراقية، ما يعني "تحولاً في نسق العقوبات ومحاولة تسليط ضغط على الحكومة العراقية، لإخراج تلك الشخصيات من المناصب الرفيعة في الدولة".
ويتابع "الحشد الشعبي بات يمثل دولة موازية للمؤسسات الرسمية، وهذه القرارات ربما تخلق مبررات للحكومة في إحداث تغييرات في المناصب القيادية في الهيئة، وعدم السماح للميليشيات بفرض قيادات الهيئة مرة أخرى".
ويعتقد وهاب أن "أفضل ما يمكن توقعه من الكاظمي هو الصمت على تلك القرارات، والذي بات يمثل مستوى عالياً من الجرأة، في ظل تسلط الحشد الشعبي والذي يبدو أن الحكومة غير قادرة على كبح جماحه".
الميليشيات ثمن التفاوضات المحتملة بين واشنطن وطهران
وعلى الرغم من تصاعد وتيرة العقوبات الأميركية، وإمكانية أن تسلط ضغطاً على إدارة بايدن بما يتعلق بالمفاوضات المحتملة مع إيران، لا يخفي العديد من قادة الميليشيات في العراق تفاؤلهم من وصول الرئيس المنتخب جو بايدن، حيث يعتقد مراقبون أن هذا التفاؤل مرتبط بإمكانية أن يحاول الرئيس الأميركي المنتخب تخفيف الضغط على إيران.
ويعتقد وهاب أن تلك "الميليشيات ستندم على هذا التفاؤل"، مشيراً إلى أن "تصاعد التهديدات الإيرانية في المنطقة في الفترة الأخيرة، سيجعل التفريق بين الملف النووي الإيراني والصواريخ الباليستية وملف الأذرع الإيرانية في المنطقة أمراً صعباً".
ويختم أن "تلك الميليشيات الموالية لإيران ربما ستكون ثمناً لأي مفاوضات محتملة بين واشنطن وطهران".
وكان جيك ساليفان، مستشار الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، قد صرح في وقت سابق، أن ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية سيُطرح على الطاولة كجزء من مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي، وهو ما قد لا يلقى أصداء مرحّبة في طهران.
وفيما لم تتحدث واشنطن حتى الآن عن ملف الجماعات المسلحة، أشار سوليفان، في تصريح صحافي أدلى به في الثالث من يناير 2021، "بخصوص الصواريخ الباليستية، موقفنا يقضي بضرورة أن يُطرح برنامج إيران الباليستي على الطاولة كجزء من هذه المفاوضات المستقبلية".
إجراء شكلي
وفي مقابل التفاؤل بإمكانية أن تكون واشنطن عازمة على اتخاذ إجراءات صارمة إزاء الأذرع الإيرانية في العراق والمنطقة، يبرز اعتقاد آخر مفاده بأن الغاية الحقيقية من تلك الإجراءات هي تصعيب مهمة إدارة بايدن في ما يتعلق بالتفاوض مع إيران.
في السياق، يقول رئيس "المجموعة المستقلة للأبحاث" منقذ داغر، أن العقوبات الأخيرة على "أبو فدك" لا تعدو كونها "إجراءات شكلية"، والمصادر الداخلية في واشنطن تساءلت عن "سر توقيت تلك العقوبات"، مشيراً إلى أنها "لن تؤثر كثيراً خصوصاً في هذا التوقيت الذي يتزامن مع انتهاء مدة إدارة ترمب".
ويضيف "إدارة ترمب فقدت الكثير من شرعيتها في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يدفع إلى التشكيك في الكثير مما تقوم به من خطوات في نهاية المدة".
ويشير داغر إلى السبب وراء التشكيك بالعقوبات على رئيس أركان الهيئة، بأنه "لا يمتلك تعاملات بنكية كبيرة حتى تستطيع الإدارة الأميركية التأثير فيه، كما حصل مع غيره مثل خميس الخنجر"، مبيناً أن هذه الشخصيات تتعامل غالباً بـ"الكاش أو عن طريق المصارف المرتبطة بإيران والتي لا تلتزم بالعقوبات".
ويعتقد الباحث أن السبب الرئيس خلف توقيت تلك العقوبات يرتبط بـ"رغبة إدارة ترمب في زيادة التركة الثقيلة للإدارة الجديدة لتعقيد مهمتها في سياق التفاوض المحتمل مع إيران".
ويختم أن تلك الإجراءات تندرج أيضاً ضمن محاولات إدارة ترمب ترك انطباع بأنها "كانت حاسمة في ما يتعلق بالملف الإيراني وأذرعها في العراق، لكنها في الواقع لم تكن كذلك، واكتفت بمجرد تسليط ضغوط عليها".
خطوات محتملة للحكومة العراقية
وعلى الرغم من تقليل "الحشد الشعبي" والفصائل المسلحة الموالية لإيران من أهمية تلك العقوبات، إلا أنها قد ترغم الحكومة العراقية على تغيير إدارة تلك المؤسسة وإبعادها عن هيمنة الشخصيات المرتبطة بإيران، فضلاً عن أنها ستدفع البنك المركزي إلى التفاعل مع تلك العقوبات.
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أن "تلك العقوبات ربما لا تستهدف الحشد كمؤسسة بقدر ارتباطها مع القيادات الرفيعة فيه".
ويؤكد أن العقوبات الأخيرة ستكون ذات أثر كبير على الداخل العراقي، حيث أنها "ستولد انقساماً سياسياً وتضع الحكومة في دائرة إعادة مراجعة الآثار المترتبة على فرض تلك العقوبات".
ويرجح الشمري أن لا يتعاطى البنك المركزي العراقي مع تلك الشخصيات، مبيناً أن "المركزي سبق أن امتثل للعقوبات الأميركية على شخصيات عراقية".
ويلفت إلى أن الحكومة العراقية ربما تلجأ إلى مخارج عدة من بينها "التوافق لتغيير تلك الشخصيات وإعطاء مناصبهم إلى قادة أمنيين للحفاظ على بقاء مؤسسة الحشد".