Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"القشابية" مدفأة الجزائريين المتنقلة وزي متمرد على "الموضة"

لباس شعبي تقليدي صمد أمام الماركات العالمية يمنح صاحبه "الوقار والهيبة"

القشابية لباس شعبي جزائري للرجال يمنح صاحبه الوقار  (اندبندنت عربية)

في عز أيام الشتاء القارس يتسابق كثير من الجزائريين على اختلاف مستوياتهم المعيشية لاقتناء ما يصفونها بـ"المدفأة المتنقلة" أو بالأحرى "القشابية"، لمواجهة موجة الصقيع وموسم الثلوج.

والقشابية عبارة عن لباس تقليدي رجالي، استطاع أن ينجو من رياح الموضة ويحافظ على أصالته كموروث توارثته الأجيال، وبات أحد أهم مقومات الشخصية الرجالية الجزائرية، فهي تمنح صاحبها "الهيبة والوقار".

رفيقة الثوار وجامعة للأغنياء والفقراء

يستمد هذا اللباس الشعبي جذوره من التاريخ، إذ كان محاربو الثورة التحريرية إبان الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 عاماً يرتدونه بالجبال الوعرة المكسوة بالثلج لتحصين أنفسهم من انخفاض درجات الحرارة في معاركهم ضد الجيش الفرنسي، فساعدهم على إخفاء الأسلحة الخفيفة، فاستطاع بذلك أن يكون سندهم في مواجهة عدوين هما "الاستعمار والبرد".

وتشتهر عدة مدن جزائرية بصناعة "القشابية" على غرار الجلفة وبسكرة والمدية وغرداية والمسيلة، نتيجة للظروف الطبيعة التي تميزها من برودة طقس وكثرة تساقط الأمطار والثلوج ولكونها مناطق رعوية، إذ يُصنع هذا اللباس من وبر الجمال أو صوف الغنم فيكسو الجسد إلى القدمين مع غطاء للرأس.

صناعة القشابية بالوبر الخالص، رفع من قيمتها، وجعلها أغلى لباس عربي رجالي، إذ يتراوح سعرها ما بين 400 إلى 800 دولار، وقد يصل إلى 3 آلاف دولار، نظراً لجودتها، فمنها البيضاء والبُنية والدرعاء التي تُصنع من صوف الغنم الأسود.

في السياق، يروي محمد (33 سنة) قصة عشقه للقشابية منذ نعومة أظفاره وهو الذي وُلد وترعرع بولاية المسيلة (250 كلم على العاصمة) المعروفة بالإقبال على هذا النوع من اللباس التقليدي، "على رغم مرور السنين وتعاقب الأجيال ظلت القشابية الرداء الرجالي المفضل لكثير من الزبائن على رغم ارتفاع سعرها مقارنة ببقية الألبسة التقليدية".

يضيف، "لا يمكن أن نتصور فصل الشتاء من دون لبس القشابية المصنوعة في المنزل أو الحديثة التي باتت تباع في الأسواق حالياً، لأنها تعتبر من التراث المادي التي نفتخر به في منطقتنا، وهي لباس شتوي بامتياز موروث عن الأجداد مِثله مثل ألبسة أخرى، نحن في العائلة نرتدي القشابية ونصنعها في المنزل عن طريق وضع المنسج الخاص بقطع القماش الخاصة بالقشابية، التي يتم إنجازها في مدة تقارب 20 يوماً إلى الشهر نظراً لدقة عملها والإبداع في نسجها وخياطتها كالشاش والملحفة". ومن معدات صنع القشابية نجد "الخشبة"، و"الخُلالة" و"الأوتاد"، "القَرْداش"، و"المغزل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن نوعية القشابية التي يقبل عليها سكان منطقته، يضيف محمد "يفضل المواطن البسيط تلك التي تباع بثمن رخيص بسبب ضعف قدرتهم الشرائية، فيما يفضل الأغنياء تلك الباهظة الثمن. عموماً الرغبة لدى الزبائن تبقى الحصول على نوعية جيدة لأنها تعتبر من بين أفضل الألبسة الشتائية لمقاومة البرد الشديد في المناطق الداخلية التي تصل درجات البرودة أحياناً إلى أقل من ثلاث درجات أو تنزل إلى ما دون الصفر.

أما سعد (35 سنة) القاطن بولاية الجلفة (350 كلم عن العاصمة) يقول، إن "قشابية الجلفة" لها خصوصية في خياطتها، إذ "يحرص الباعة على التعامل مع النساء لتكليفهن بنسج وبر الجمل وصوف الأغنام قبل بداية خياطتها من قبل خياطين أكفاء ليتم مباشرة تحويلها بأثمان متفاوتة تتراوح بين 150 دولاراً و700 دولار.

وتنسج القشابية بطريقة يدوية بحتة. فبعد الغسل الجيد وإزالة جميع الشوائب والأتربة العالقة بالمادة الأولية وبعـد تجفيفها، توجه للخلط بالوسائل التقليدية (الثنثار - المشط) كي تتجانس ألوان المادة الأولية، وفي مرحلة متقدمة تبدأ أولى خطوات الغزل بشم الصوف أو الوبر يدوياً أي خلطه بواسطة آلة يدوية مكونة من جزءين تدعى القرداش، يتم تقطيع الصوف أو الوبر إلى أجزاء قابلة للفتل ومن ثم تشكل هذه الأجزاء في شكل خيوط رفيعة أو متوسطة السمك بحسب المنتج المراد نسجه، وذلك بواسطة آلة يدوية تدعى المغزل الذي يقوم من خلاله بفتل الخيوط من خلال الحركة الدائرية للمغزل، وتحدد كمية المادة الأولية اللازمة للإنتاج من خلال تقدير الناسج.

تفاخر بين السياسيين وهدية لضيوف الجزائر

الملاحظ في السنوات الأخيرة، أن شعبية القشابية لامست حتى سكان المناطق الحضرية بعدما كانت محصورة بشكل كبير في المداشر (القبيلة) والقرى أو المدن الصحراوية. وامتدت موضتها للجيل الجديد من الشباب الذي يرى فيها لباساً أنيقاً على الرغم من تخمة المعروضات في الأسواق لماركات عالمية من الملابس الشتوية.

بالمقابل، تعتبر القشابية الرداء المفضل لدى رجال السياسة، ويعد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة أكثر من حرص على ارتدائها في جولاته الميدانية الكثيرة التي قادته إلى مناطق الوطن، طيلة فترة حكمه التي دامت 20 عاماً وانتهت بحراك شعبي عارم اندلع في 22 فبراير (شباط) 2019 احتجاجاً على بقائه في كرسي السلطة ليستقيل في الثاني من أبريل (نيسان) من العام نفسه.

في حين لا يتوانى رؤساء الأحزاب السياسية في التباهي بها أثناء الندوات والمحاضرات السياسية، كما لا يجد كبار الموظفين وكذا مديرو مؤسسات أي حرج من ارتداء "'القشابية'" بل يعتبرونها علامة خاصة ترمز لأصالة انتمائهم الاجتماعي وتميزهم عن بقية السكان الآخرين. إضافة إلى ذلك، كثيراً ما تمنح القشابية إلى ضيوف الجزائر من كبار المسؤولين في الدول العربية والغربية، خلال زيارتهم إلى البلاد كهدية رمزية وعربون محبة، في شكل يجسد كرم وجود سكان هذا البلد المغاربي.

عوائق تحد من شعبيتها

على رغم السمعة الطيبة التي اكتسبتها القشابية وسط عموم الجزائريين فإن شهرتها لم تتعد الحدود بسبب محدودية تسويقها، ففي بلدية مسعد التابعة إقليمياً لولاية الجلفة (650 كلم عن وسط الجلفة) تعتبر موروثاً ثقافياً يميز المنطقة، ما دفع بالشباب العاطل من العمل لامتهان حرفة خياطة الألبسة التقليدية لتوفير لقمة عيشهم، لكن محدودية دعم الإنتاج المحلي حال دون تصدير هذا النوع من اللباس خارج الوطن وتغطية الطلب المحلي عليها.

في هذا الصدد يوضح موسى يهوني، 75 سنة، صاحب محل خياطة أن" قشابية الجلفة تعد عمل ممتهني الخياطة بالجلفة، حيث يتسابق الكثير منهم على خياطة أجودها وبيعها بأثمان مغرية، إلا أن ضعف التسويق جعل منها لباساً غير متداول خارج السوق المحلية"، في وقت يصر التاجر زكريا، 32 سنة، من البليدة (45 كلم على العاصمة) على توسيع مداخيل مبيعاته للقشابية بالتركيز على السوق المحلية من خلال فتح بوابة إلكترونية واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي لتغطية الطلب عليها في فصل الشتاء والترويج لهذا اللباس الجزائري التقليدي الخالص.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات