Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في اقتحام الكونغرس؟

حرية التعبير لم تكن هدف شركات التكنولوجيا إنما جني الأرباح وتجنب المساءلة

كان من نتائج اقتحام جحافل من أتباع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مبنى الكابيتول الأميركي، إعلان موقعَي "فيسبوك" و"تويتر" وبعض المواقع الأخرى حظر حساب ترمب وعدد من الشخصيات المؤثِرة حوله التي تسعى إلى التحريض، فضلاً عن بعض التطبيقات التي يستخدمها اليمين المتطرف، وشكّل ذلك اعترافاً ضمنياً بالقوة الهائلة التي تمارسها منصات الإنترنت على الحياة اليوم، إذ تحدد وتوجّه تفكير الناس أكثر من أي شخص أو أي شيء آخر، لكن البعض يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي وإن كانت ليست متورطة بشكل مباشر في هذه الأحداث الصادمة للمجتمع الأميركي، فإنها تُعدّ مذنبة في الأحداث التي حرّض عليها الرئيس. فإلى أي مدى ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في وقوع كارثة اقتحام الكونغرس؟ وهل غلّبت مصالحها على مصالح الولايات المتحدة أم كانت تخشى عواقب السلطة وتحدي ترمب؟

فصّلت تقارير أميركية مختلفة، كيف تصاعد الحديث عن استخدام العنف في أرجاء اليمين المتطرف على شبكة الإنترنت وصولاً إلى حادث اقتحام مبنى "كابيتول هيل" يوم 6 يناير (كانون الثاني) الحالي، بما في ذلك استخدام ترمب نفسه منصات مواقع التواصل الاجتماعي لإشعال نيران الغضب والسخط بين أنصاره من خلال إطلاق مزيد من الادعاءات التي لا أساس لها عن تزوير الانتخابات.

تورط غير مباشر

على الرغم من أن هذه المواقع لم تتورط مباشرةً، إلا أن خبراء وسائل التواصل الاجتماعي يعتبرون أنها بشكل غير مباشر لم تضبط أو تتحكم في المحتوى المنشور على مواقعها على مدى السنوات الأربع الماضية، ولأن حادث الهجوم على مبنى الكابيتول هو مثال على ما يمكن أن ينتج من نشر معلومات خاطئة بشكل منهجي على منصات التواصل على مدى أشهر طويلة، تراكم خلالها القلق والغضب المكبوتَين حول الانتخابات.

لكن كثيرين أعربوا عن أسفهم لأن حظر حسابات ترمب وتعليقها وتغيير بعض سياسات إدارة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي تأخرت كثيراً، على اعتبار أن ترمب وحلفاءه تمتعوا باستخدام منصاتها التي تفضل المحتوى المثير من أجل زرع حملات التضليل سنوات عدة، ما سهّل على الناس أن يتطرفوا ضمن مجموعات عبرها حيث ينتشر هذا المحتوى بشكل أسرع، لأن طريقة عملها تُساعد على توزيع المحتوى السيء والمثير والمنفلت الذي يتماشى مع مجتمعات اليمين المتطرف.

لا رقابة ضد التضليل

لكن لماذا تحركت منصات التواصل الاجتماعي متأخرة بشكل ملفت؟ قبل عام ونصف العام، اعترف مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك" في كلمة ألقاها في جامعة جورج تاون، بأن شركته ستفضّل اتّباع سياسة موجَهة نحو حرية التعبير، تحمل في طياتها شرطاً بأن السياسيين مثل ترمب لن يخضعوا غالباً لأي رقابة على منصات الشركة بأي شكل من الأشكال، حتى لو تعمدوا نشر أكاذيب سياسية ضارة، الأمر الذي سار ضد الضغوط الهائلة التي كانت تأمل في أن يلتزم زوكربيرغ بمكافحة عمليات التضليل المنسقة وانتشار الكراهية عبر الإنترنت.

 

لم يكن هذا الموقف من "فيسبوك"، سوى أحد أمثلة على ما تتبناه وسائل التواصل من سياسات بشأن حرية التعبير، الذي ينسجم مع موقف شركة "تويتر" الذي رحّب به ودعمه كثيرون خلال بعض الثورات والاحتجاجات حول العالم في وقت مبكر من تاريخ الشركة، ما حدد نهج وطريقة عمل وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات التالية. غير أن هذا الموقف الثابت ذاته هو الذي أدى مباشرةً إلى التحريض على العنف أمام مبنى الكابيتول وداخله، الأمر الذي لم يكن ينبغي أن يحدث على هذا النحو.

حرية التعبير أم جني الأرباح

في المقابل، وفي حين أسس خطاب زوكربيرغ موقفاً مبدئياً لشركات التواصل الاجتماعي إزاء حرية التعبير التي تُعدّ أحد أهم الحريات المدنية الفردية في الولايات المتحدة، إلا أن الهدف الحقيقي كان يتعلق بأرباح الشركات أكثر من القلق على مبدأ التعبير، إذ انصب اهتمام "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، على الهدف التجاري القاضي بضرورة استضافة أكبر قدر ممكن من المحتوى الأصلي من المستخدمين لزيادة مشاركتهم وانخراطهم في هذه المنصات.

محتوى مثير للجدل

ساهم ادعاء وسائل التواصل الاجتماعي بضرورة احترام وحماية حرية التعبير المطلقة في تغذية دافع الربح لشركات مثل "فيسبوك" بطرق مختلفة، منها أن المحتوى المثير للجدل والجذاب للغاية، بما في ذلك مشاركات الرئيس ترمب المضلِلة، تسمح بمزيد من التعليقات والمشاركة الكثيفة بين مستخدمي تلك المواقع، ما يؤدي بدوره إلى إنشاء مزيد من المساحات الإعلانية ويساعد أنظمة توجيهها التي تديرها وسائل التواصل الاجتماعي.

تجنب المساءلة

وأوضح خطاب زوكربيرغ وغيره من مديري وسائل التواصل، أن شركاتهم لن تثير غضب الرئيس الأميركي الحالي، ما ساعدها على تجنب المساءلة والتدقيق التنظيمي من جانب إدارة ترمب نفسها، وظلت هذه المخاوف مشتعلة بقوة لدى صناعة وسائل التواصل بأكملها، نظراً إلى تعرضها لعمليات تدقيق مستمرة بشأن اتهامات مزعومة بالاحتكار وانتهاك الخصوصية والتحيّز المعادي للتيار المحافظ وبخاصة لشركتَي "فيسبوك" و"غوغل".

إبعاد الاستفسارات التنظيمية

علاوةً على ذلك، حاولت شركات وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار تجنّب الدخول في مناقشة تؤدي إلى إثارة استفسارات وتحقيقات تنظيمية حول سياستها في كيفية إدارة المحتوى، لأن من شأنها أن تجعل مختلف الحكومات في العالم تبدأ في مناقشة وتحديد ما ينبغي وما لا ينبغي أن يُسمح به على منصاتها. ومن ثم كان احتواء هذا النقاش قدر الإمكان، في مصلحتها، بالنظر إلى رغبتها في تشغيل منصاتها العالمية بهامش حرية أوسع على الرغم من المناهج المتباينة في نظم إدارة الإنترنت وتعديل المحتوى التي تتبعها السلطات القضائية الأجنبية المختلفة.

إبقاء متابعي ترمب

بدا واضحاً من سياسة زوكربيرغ بشأن حرية التعبير أن "فيسبوك" لم تكن راغبة في إزعاج العدد الهائل من متابعي ترمب، بخاصة أن هؤلاء نشطون للغاية على الموقع، ويشكلون تفاعلات ضخمة للمستخدمين، وهو أمر كان زوكربيرغ حريصاً على الحفاظ عليه عن طيب خاطر لأنه يساهم بشكل مباشر في النجاح التجاري للشركة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الظروف تغيرت

لكن الموقف الذي جسده زوكربيرغ خلال خطابه المتناسب مع مصلحته المالية وصناعة وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت تغيّر الآن، بسبب تبدل الظروف السياسية عما كانت عليه حين كان ترمب مستمراً في البيت الأبيض والجمهوريون يسيطرون على مجلس الشيوخ. أما الآن وقد خسر ترمب الانتخابات، وتأكد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض وسيطرة الديمقراطيين على السلطة التشريعية في مجلسَي النواب والشيوخ، لم يعد المستقبل وردياً تماماً لها، إذ تمكنت ولفترة طويلة من إثارة غضب بايدن والديمقراطيين بقرارات مثيرة للجدل حول سياسات المحتوى.

التحذيرات غير مجدية

يظل التساؤل، ما العمل لضمان تكبيل مروجي الأخبار الكاذبة والتضليل ونظريات المؤامرة على هذه الوسائط؟ قبل أسابيع قليلة، اعتمد "تويتر" و"فيسبوك" وعدد آخر من المواقع، علامات ولافتات تحذيرية من مضامين تحتوي على معلومات مضلِلة من الرئيس ترمب، لكن الجميع أدرك أنها لم تُحدث أثراً بين متابعيه بسبب ما يوصف بالتصنيف الانتقائي للأخبار الكاذبة والمعلومات المضلِلة أي أن مؤيدي الرئيس سيعتبرون على الأرجح أن ما يقوله ترمب هو الأخبار الصحيحة وغير ذلك هي الأخبار المضلِلة وليس العكس.

كما أن غلق "تويتر" حساب ترمب بشكل دائم يوم الجمعة الماضي، قد لا يحقق الكثير من وجهة نظر البعض، إذ يُحتمَل أن يدفع ذلك الرئيس إلى التحول نحو مواقع مثل "بارلر" و"جاب"، التي لا تتحقق من الحقائق، وتستضيف عدداً من مؤيدي الرئيس مثل السناتور تيد كروز.

مواقع أصغر

قد يكون ترمب أكثر استعداداً لنشر المزيد من المعلومات الخاطئة، والترويج لنظريات المؤامرة، والحقائق الكاذبة التي سيكون مئات الآلاف من معجبيه، سعداء جداً بالتعاطي معها من دون قيود على تلك المنصات الاجتماعية البديلة. لكن هذه المواقع الصغيرة لا تثير قلق المتخصصين في وسائل التواصل الاجتماعي، نظراً إلى أن طريقة عملها لا تشمل نظم كمبيوتر و"ألغوريتمات" (خوارزميات) معقدة تساهم في تغليب وجهات نظر معينة على وجهات أخرى.

الخطر مقبل

فيما تفتقر وسائل التواصل الاجتماعي إلى هيئة تنظيمية تستطيع تفهّم طريقة عمل وتقنيات هذه المنصات وتأثيرها في المجتمع، تبدو قرارات حظر حسابات ترمب وغيره أو تعليقها مؤقتاً من قبل شركات التكنولوجيا العملاقة خلال الأيام القليلة الماضية، مجرد دليل آخر على سبب فشلها في تنظيم نفسها حتى الآن، وعجزها عن معالجة مشكلة أوسع تتمثل في منحها مروجي الأخبار المزيفة صوتاً على منصاتها.
ويخشى متخصّصون من أن المحتوى المزيف والعنيف سينتشر دائماً بشكل أسرع مع توافر نظم كومبيوتر معقدة تُعطي الأولوية لتحقيق الربح لهذه الشركات، لهذا ستظل تُضيف إلى هؤلاء المستخدمين مزيداً من المتابعين وتمنحهم منصة أكبر للدعوة إلى العنف وتقويض الديمقراطية.
ولأن هذا النظام الذي استغله ترمب ببراعة لن يتغير في المدى القريب، إلا أن الخطر يتمثل في أن آخرين سيستغلونه من بعده ما لم يتدخل الكونغرس في النهاية وينظم عمل هذه الوسائط.

المزيد من تحلیل