مع بدء العد العكسي للموعد الزمني الذي حددته البعثة الأممية للدعم في ليبيا، بالاتفاق مع أطراف النزاع فيها، لإجراء الانتخابات العامة، نهاية العام الحالي، بدأت التساؤلات من مراقبين ومهتمين بالشأن السياسي حول واقعية تنفيذ هذا الاستحقاق في موعده المحدد، الذي قالت البعثة إنه لا تراجع ولا رجوع عنه.
وبدأت الشكوك تحيط بإمكانية إنهاء المرحلة الانتقالية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل في ظل استمرار حالة الجمود، التي طبعت المسار التفاوضي بين أطراف النزاع خلال الأشهر الماضية، وتعثّر تنفيذ الكثير من الاتفاقات المبرمة بينها سابقاً، خصوصاً بنود الاتفاق العسكري، ركيزة التسوية السياسية وقاعدة الاتفاقات الأخرى.
في المقابل، تعترض أصوات أخرى على هذه النبرة التشاؤمية، وترى أن الوقت المتبقي حتى الموعد المحدد للانتخابات بعد أحد عشر شهراً، كافٍ تماماً للترتيب لها والتغلب على الصعوبات التي تعترض إنجازها، مع توقف المعارك العسكرية وتوافق الأطراف الليبية على اللجوء إلى صناديق الاقتراع للخروج من نفق الأزمة المعقدة، التي تعصف بالبلاد منذ عقد كامل...
المفوضية العامة جاهزة
في السياق، يؤكد مدير مكتب الإعلام والعلاقات في المفوضية العليا للانتخابات مصطفى الفرجاني أن إقامة الانتخابات في موعدها ليس ممكناً فحسب، بل شرعت المفوضية فعلاً في التجهيز لها، قائلاً إن "الاستعدادات لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل بدأت منذ الإعلان عن موعدها".
ويرى أن "المفوضية باتت جاهزة بنسبة 70 في المئة وستفتتح مكاتبها في المنطقة الجنوبية الأسبوع المقبل"، لافتاً إلى أنهم "يتعاملون مع جميع الأطراف الليبية، وأعضاء كثر في الحكومتين يدفعون باتجاه إجرائها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكنه شدد على أن الموازنة التي خصصت للمفوضية لتغطية التزاماتها الخاصة بالتجهيز للانتخابات غير كافية، فـ "بعد تعديل سعر الصرف الجديد، ستكون 10 ملايين دولار، ولن تكفي لإنجاز الاستحقاق الوطني، وتلقّينا وعوداً بتقديم الدعم المطلوب من الجهات المسؤولة".
معضلة تعثر المسار السياسي
تربط بعض وجهات النظر في ليبيا بين إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، والنجاح في تجاوز الانسداد بالمسار السياسي المتواصل منذ أشهر عدة، على الرغم من تعدد الجلسات الحوارية التي تشرف عليها البعثة الأممية، والمقترحات الكثيرة التي قدمتها لحلّ النقاط الخلافية بين لجان الحوار السياسي، ودفعها إلى التوقيع على اتفاق يحدد شكل ومهمات الأجسام التنفيذية، التي تتولّى زمام الأمور خلال ما تبقّى من العام الحالي.
وتدرك البعثة خطورة وتداعيات تأخر التوصل إلى تفاهمات في المسار السياسي في أقرب وقت، ما دفع رئيستها، الأميركية ستيفاني ويليامز إلى الضغط على لجان الحوار في أكثر من تصريح لها، لتجاوز خلافاتها والتوقيع بسرعة على خريطة الطريق السياسية.
في سياق متصل، يرى مراقبون أن الإيفاء بالوعد الانتخابي من دون الاتفاق على حكومة موحدة تشرف على الترتيب لها، يبقى أمراً صعباً في ظل استمرار انقسام الأجسام التنفيذية في البلاد إلى حكومتين في الشرق والغرب، ستتصارعان على الصلاحيات حول الإشراف على الانتخابات.
ويرى الإعلامي الليبي منذر عبد الناصر أن هناك عراقيل كثيرة تهدد نجاح الاستحقاق الانتخابي، أهمها تعثر المسار السياسي.
ويوضح "أعتقد أن تنفيذ الوعد الانتخابي في الذكرى المقبلة للاستقلال، يواجه صعوبات عدة، أهمها عدم التوافق السياسي حتى الآن، والتعثر الذي عطل الحوارات في تونس وعواصم عربية ودولية".
ويضيف أنه "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في المسار السياسي، يمكن إجراء الانتخابات في حالة واحدة، هي تولّي المجتمع الدولي مهمة الإشراف على تنظيمها في موعدها بالكامل، مع غياب جسم سياسي تنفيذي موحد، يشرف عليها في ليبيا".
ويشدد عبد الناصر على أنه "لو تم ذلك، فإن النتيجة لن تكون مرضية سوى لستيفاني ويليامز، التي ستعتبر حينها نجحت في مهمتها الموكلة إليها، عكس كل المبعوثين السابقين إلى ليبيا، ولكن نتيجة هذه الانتخابات ومسارها، سيتركان البلاد في حالة من الجدل والاعتراضات القانونية والخلاف السياسي والشعبي".
صعوبة الوضع الأمني
في السياق ذاته، ثمة تساؤلات كثيرة حول ما يحتاج إليه الإعداد للانتخابات من ترتيبات أمنية ضخمة، في بلد يعاني من الفوضى وانتشار مخيف للسلاح، ما دفع الأمم المتحدة إلى تصنيفه في تقرير لها صدر قبل أيام قليلة، على رأس قائمتها الدولية من حيث حجم وعدد الأسلحة المنتشرة على أراضيها.
ويقول الصحافي الليبي محمد عرابي إنه " بالنظر إلى حجم الانفلات الأمني ومدى هشاشة المؤسسات الأمنية الليبية وانقسامها ووصول أعداد السلاح المنفلت من قبضة الدولة، إلى قرابة 30 مليون قطعة سلاح، أعتقد أن الموعد الذي حدد لإجراء الانتخابات، لم تتم دراسته بدقّة، بخاصة في ظل هذه المعطيات".
ويتابع "المدة المتبقية على الحلم الانتخابي أقل من عام، ومع ذلك ما زالت اتفاقات اللجان العسكرية الليبية حبراً على ورق، فلا المؤسسة العسكرية وحّدت، ولا القوات الأجنبية خرجت من البلاد، ولا حتى الطريق الرابط بين الشرق والغرب فتح، في دلالة رمزية مهمة على نهاية الانقسام وانتفاء خطر تجدد المواجهات العسكرية، وهو أمر يطرح سؤالاً ملحّاً، من سيشرف على تأمين الانتخابات، المؤسسات العسكرية في الشرق أم الغرب؟".
ويشير عرابي إلى أن "حالة الانقسام الأمني والعسكري، ستلقي بظلالها ليس على الموعد الانتخابي نفسه، بل حتى على الفترة التمهيدية التي تسبقه، فكيف يمكن تخيل رؤية حملات الدعاية الانتخابية للمشير خليفة حفتر، لو قرر الترشح في طرابلس، وبالعكس، هل يعقل في ظل استمرار حالة الانقسام، رؤية صور خالد المشري، رئيس مجلس الدولة الحالي تزيّن شوارع بنغازي، التي يسيطر عليها الأول؟".
تحديات التدخل الخارجي
من جانبه، يرى الباحث السياسي الليبي محمد العنيزي، وجود معوق بارز آخر يهدد الموعد الانتخابي، نهاية العام، مرتبط بالوجود الأجنبي العسكري في الأراضي الليبية.
ويضيف "مع تأكيد عدد من القوى الأجنبية في البلاد، على رأسها تركيا على أن تموضعها استراتيجي وليس مؤقتاً، تعدنا البعثة بإجراء الانتخابات في موعدها، فكيف ستضمن قبول أنقرة بنتائجها، لو فاز مرشح موالٍ للجيش فيها، ما يعني نهاية الوجود العسكري التركي في ليبيا، ونهاية طموحات أردوغان بالبقاء طويلاً هنا، كما أعلن صراحةً أكثر من مرة؟".
ويشير إلى أن الأمر ذاته "ينطبق على المعسكر الآخر، شرق ليبيا مع بقائه في قبضة الجيش الوطني وتحت سيطرته، فكيف يمكن أن نقتنع بأنه سيقبل مثلاً بفوز فتحي باشا آغا أو خالد المشري، المواليين لأنقرة، ما يعني استمرار بقائها في ليبيا من دون شك ومصيراً مجهولاً لمؤسسة الشرق العسكرية".
ويختتم "أعتقد أن الواقع شائك، أكثر مما تحاول إقناعنا به ستيفاني ويليامز، والمشهد معقد أكثر مما تحاول أن تعكسه في وعودها الحالمة".