بعد هدوء داخلي فرضته جائحة كورونا وغياب الرئيس عبد المجيد تبون، عادت الطبقة السياسية إلى "الحركة" بعد طلب الأخير من لجنة أحمد لعرابة، الانتهاء في أقرب الآجال من إعداد مشروع القانون العضوي الجديد للانتخابات، تحضيراً للاستحقاقات المهمة التي تنتظر البلاد.
تعليمات رئاسية
تبون، وبعد عرض رئيس اللجنة المكلفة إعداد مشروع مراجعة القانون العضوي للانتخابات، أحمد لعرابة، تقريراً مفصلاً حول مضمون ومراحل صياغة هذا القانون المهم، في جلسة عمل شارك فيها رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، الذي قدّم مساهمة هيئته، أسدى تعليمات بضرورة الأخذ في الاعتبار، الالتزام بمبادئ الحياة السياسية وإبعاد تأثير المال عن المسار الانتخابي، وفسح المجال للشباب والمجتمع المدني للمشاركة في صناعة القرار السياسي من خلال المؤسسات المنتخبة.
كما أمر بضمان انتخابات شفافة تعبّر حقاً عن الإرادة الشعبية وتحدث القطيعة نهائياً مع ممارسات الماضي، تنبثق منها مؤسسات ديمقراطية ذات مستوى ومصداقية. وطلب توزيع مسودة مشروع القانون على الأحزاب السياسية للمشاركة في إثرائها قبل صياغتها النهائية، وهو ما يعتبر إيذاناً بانطلاق السباق نحو الانتخابات البرلمانية المحلية المسبقة واقتراب موعد حل البرلمان الحالي "المثير للجدل"، وذلك وفقاً لتعهداته السياسية التي أعلنها خلال تسلمه السلطة.
استعجال بعد تأخر
وعقد تبون الاجتماع واستعجل الانتهاء من مشروع القانون للمرور إلى الانتخابات البرلمانية والمحلية، بعد تأخر لجنة أحمد لعرابة في عملها، بخاصة أن الرئيس كان قد تعهّد في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قبل عودته من رحلته العلاجية في ألمانيا، بأن يكون القانون جاهزاً في غضون أسبوعين.
نقاط تشغل الأحزاب
وحول اللقاء وما جاء فيه، رأى عضو مجلس الأمة عبد الوهاب بن زعيم أن تبون وعد بالتغيير، ولولا ظروف الوباء لكان قد أتم انتخاب المجالس البرلمانية والمحلية. وقال إن قانون الانتخابات مهمّ جداً لأنه يمثل الشعب في المجالس، ومنه ستنبثق حكومة لديها شرعية انتخابية وشعبية، مشيراً إلى أن الرئيس يريد تجسيد تعهداته بالتغيير وإعطاء الكلمة للشعب، خصوصاً المجتمع المدني والشباب. وواصل أن تبون يسعى من خلال القانون إلى "أخلقة الحياة السياسية" ووضع حد للممارسات السلبية الماضية، بحيث تكون الكلمة للشعب في اختيار ممثليه. وتابع بخصوص المواد التي ستعرف نقاشات، أن صلاحيات المنتخبين وتحديد العهدات بعهدتين وإلغاء اشتراط نسبة أربعة في المئة للمشاركة واختيار القائمة الاسمية بدل الحرة واعتماد الدوائر الانتخابية بدل الولايات ومشاركة المرأة وإدراج الشباب في القوائم، هي أهم ما تنتظره الطبقة السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، اعتبر رئيس "حزب جبهة الجزائر الجديدة" أحمد بن عبد السلام أن تنظيم انتخابات المجالس ضرورة تقتضيها مطالب الحراك، بواجب تغيير المؤسسات المزورة بمجالس نابعة من إرادة الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة، كما أن عملية التغيير تتطلب فتح ورشات قانونية قبل أي عمل آخر. وقال إن إعداد الهيئة الناخبة مروراً بتركيبة وصلاحيات ومهام هيئة مراقبة الانتخابات ونظام الاقتراع ودور الإدارة والأحزاب وغيرها من "مقترحات كثيرة نعلنها في حينها"، متوقعاً تنظيم الانتخابات المسبقة بعد شهر رمضان، أي مايو (أيار) المقبل.
كما دعا عبد الرزاق مقري، رئيس "حزب حركة مجتمع السلم"، في كلمته خلال أشغال ندوة سياسية اليوم السبت، إلى إطلاق حوار جاد ومسؤول بخصوص قانون الانتخابات وتوفير ضمانات نزاهة الانتخابات المختلفة والاتفاق على جدول تنظيمها والابتعاد عن كل شكل من أشكال تدخل الإدارة في المنافسة بين الأحزاب، موضحاً أن اعتبار الأحزاب من مؤسسات الدولة يقتضي احترامها والابتعاد عن محاولات إضعافها أو إرباكها، إضافة إلى اعتبار جمعيات المجتمع المدني شركاء أساسيين في تطوير البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
استرجاع ثقة الشعب
وتترقب الطبقة السياسية على اختلاف توجهاتها، قانون انتخابات جديد يهدف إلى استرجاع ثقة الشعب بمؤسساته، بعدما تسلل المال الفاسد إلى داخل السلطة التشريعية خلال السنوات الـ20 الماضية، إضافة إلى تفشي المستوى التعليمي المتدني على حساب الكفاءات وتوسع دائرة خدمة المصالح الشخصية والجهوية على حساب انشغالات المواطنين، وهي الممارسات التي لطالما أثارت سخطاً شعبياً عارماً، لا تزال ارتداداته مستمرة في ظل استمرار البرلمان والمجالس المحلية الحالية المحسوبة على النظام السابق.
نزاهة الانتخابات
وفي السياق، أشار الناشط السياسي والحقوقي حسين خلدون إلى أن الرئيس ماضٍ في تنفيذ برنامجه الانتخابي، ومن الطبيعي أن يمرّ إلى قانون الانتخابات بعد إصدار الدستور الأخير، موضحاً أن توسيع الاستشارة إلى الأحزاب بغرض إثراء المشروع، يعكس الأهمية التي يكتسيها قانون الانتخابات باعتباره من الآليات المجسدة للديمقراطية من جهة، وأيضاً بغرض إقحامها في العملية توخياً لظاهرة العزوف التي ميّزت استفتاء الدستور من جهة أخرى.
ويتابع أن الرهان الحقيقي ليس في استشارة التشكيلات السياسية ولا حتى لجنة أحمد لعرابة، بل في كيفية إقناع الأحزاب الجادة ومن خلالها المواطنين بنزاهة الانتخابات، ولن يتأتى ذلك إلا عبر معالجة كل الاختلالات التي ميزت الانتخابات في الجزائر منذ 1997 على الأقل، والتي كانت سبباً في بروز ظاهرة الفساد السياسي والمالي وانعدام الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وأضاف أن استعجال تنظيم انتخابات مسبقة، أمر طبيعي، لأن موازنة 2021 توفر أغلفة مالية لتغطية برامج معينة، يُستحسن أن توكل إلى مجالس منتخبة وفق تصور جديد لمرافقة برنامج الرئيس. وختم أن النقاط التي ستأخذ حيزاً من النقاش، هي النظام الانتخابي ونمط الاقتراع وحصة المرأة التي ستكون الأهم على الإطلاق.