Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الضربة القاضية" تنهي معركة ترمب ومنصات التواصل الاجتماعي

هل تمكن العالم الافتراضي من أن يحظى بقوة هي الأمضى والأكثر تأثيراً من أي سلاح آخر على الأرض؟

تغريدة لترمب أثناء إدلاء السفيرة الأمريكية السابقة لدى أوكرانيا ماري يوفانوفيتش بشهادتها أمام لجنة المخابرات بمجلس النواب في 15 نوفمبر 2019 في إطار الجهود لعزل الرئيس يومها (غيتي)

كان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب أول من استخدم منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائه السياسية ومواقفه من مواضيع معينة، واتخذ قرارات سياسية وإدارية عبر تغريداته حتى قبل أن تُناقش في إدارته.

موضة ترمبية

ترمب كان البادئ في استخدام هذه المنصات كمكان لإدارة عمله رئيساً للولايات المتحدة الأميركية ولإبلاغ متابعيه ومؤيديه وجمهوره بما ينوي أو ما يفكر فيه أو ما سيقرره. ثم صار الأمر "موضة" لدى رؤساء الدول الآخرين والساسة من أعلاهم إلى أسفلهم. حتى راحت وسائل الإعلام تأخذ المواقف السياسية لهؤلاء من خلال تغريداتهم، فلا حاجة إلى إجراء مقابلات معهم وطرح الأسئلة عليهم. التغريدات تصدر يومياً، وهي خير معبّر عن رأي صاحبها.

أطلق ترمب موضة التغريدة من مسؤول في منصب حسّاس لمواضيع كانت تُناقش غالباً داخل الغرف المقفلة ولا يخرج منها إلى العلن إلا ما ترغب الأنظمة في إخراجه. وبعد التغريدات الترامبية التي تقول الأمور على عواهنها، صار كل شيء مكشوفاً في السياسة حول العالم، وما عاد في الإمكان إخفاء أي أمر على الجمهور الواسع من المتابعين والمهتمين والمؤثرين. فتحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي واحدا من مصادر معلومات وسائل الإعلام على اختلافها، وباتت تزاحمها على الصدارة، بعدما كان الإعلام من تلفزيون وراديو وصحف يترّبع على العرش قبل سنوات ليست ببعيدة.

معركة متواصلة

خدمت منصات التواصل الاجتماعي ترمب ومنحته المساحة والحرية والقدرة على قول ما يريد لمؤيديه ومعارضيه على السواء، لكنها استفادت منه أيضاً. فقد رفعها من مصاف المنصة التي يقول فيها كل فرد رأيه، إلى مصاف منصات التفاعل في تبادل الآراء والتأثر والتأثير العميقين بين الأعضاء فيها. فلم يعد الأمر مجرد تغريدة تمرّ مرور الكرام، وانتهى الأمر، بل باتت منتظرة من مليارات البشر، وسيكون التفاعل معها مكرراً مئات ملايين المرات من أخذ ورد بين المتفاعلين.

لكن هذه العلاقة التبادلية الإيجابية بين الطرفين، أي بين رئيس الدولة الأقوى في العالم الواقعي ورئيسي العالم الافتراضي مارك زوكربرغ وجاك دورسي، كانت عبارة عن جولات ملاكمة تتخلّلها فترات استراحة قصيرة.

ويبدو أن اللعبة انتهت بالضربة القاضية، في السابع من الشهر الأول من العام 2020، حين أعلنت "فيسبوك" و"إنستغرام" فرض الحظر على حسابَي ترمب إلى أجل غير مسمّى، بعد اقتحام مناصريه مبنى الكونغرس الأميركي، أثناء انعقاد جلسة مصادقة المجلس على فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركية.

هذا الحظر سيتم على الأقل للأسبوعين المقبلين إلى حين اكتمال عملية انتقال السلطة، بحسب تصريح زوكربرغ، الذي اعتبر أن الأحداث المروعة "تُظهر بوضوح أن ترمب يعتزم استغلال الوقت المتبقي له في المنصب لتقويض الانتقال السلمي والقانوني للسلطة إلى خليفته المنتخب بايدن". وقال "بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل الكونغرس، يجب أن تكون الأولوية بالنسبة إلى البلد بأسره هي ضمان مرور الأيام المتبقية والتي تلي التنصيب بسلام ووفقاً للمعايير الديموقراطية الراسخة".

الأمر نفسه قرّره "تويتر" الذي جمّد حساب ترمب لـ 12 ساعة، وهدد بغلقه بصورة دائمة في حال استمر الرئيس المنتهية ولايته في انتهاك قواعد الاستخدام المتعلقة بالنزاهة المدنية. وقال "تويتر" في منشور إنه "نتيجة للوضع العنيف غير المسبوق والمستمر في العاصمة واشنطن، طلبنا من دونالد ترمب إزالة ثلاث تغريدات نشرت في وقت سابق اليوم بسبب الانتهاكات المتكررة والخطيرة لسياسة النزاهة المدنية"، محذراً من أنه "إذا لم تتم إزالة التغريدات، فسيظل الحساب مغلقاً".

السلطة المطلقة لمواقع التواصل

الأمر ليس بالبساطة التي نراه فيها، إنه أكثر تعقيداً. صاحبا منصتين إنترنيتين يتمتعان بالقدرة على تهديد رئيس العالم بإزالة تغريداته وحظر حساباته، وهو الذي يملك القدرة على وضع إصبعه على الزر الأحمر لإطلاق جميع الأسلحة النووية للولايات المتحدة الأميركية، ويمكنه تحريك حاملات طائرات حول العالم، وهو يدير اقتصاد دولة يوزاي بقيمته مجموع القيمة الاقتصادية لميزانيات دول عديدة في العالم. أليست هذه بمفارقة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد تمكنت منصات التواصل الاجتماعي من أن تحظى بقوة عبر السنوات الماضية، هي الأمضى والأكثر تأثيراً من كل سلاح آخر موجود على الأرض.

ترمب حاول جهده مستخدماً سلطاته كلها للحد من حرية هذه المنصات التي تمنحها لها المادة 230 من قانون الحرية الفكرية، على اعتبار أن هذه منتديات وليست دور نشر، لذا لا يمكن إجراء أي رقابة على حذفها منشورات. فوقع قبل أشهر أمراً تنفيذياً يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لشركات التواصل الاجتماعي. ما يمنح القضاء سلطة ملاحقتها بسبب سياسة مراقبة المحتوى على منصاتها، تحت شعار أنها تحد من حرية الرأي عبر مراقبة الآراء والحد من حرية تعبير أصحابها.

في رأي ترمب إن منصات التواصل الاجتماعي تتمتع بـ "سلطة لا حدود لها"، وفي رأيه أن "المادة 230 هدية حصانة تمنحها الولايات المتحدة لشركات التكنولوجيا الكبرى، وتمثل تهديداً خطيراً لأمننا القومي ونزاهة الانتخابات". وبالطبع، لطالما اتهمها بالتدخل في الانتخابات عبر التأثير في آراء الناخبين من جهة، وعبر تضييق مساحة التعبير لمؤيديه ومناصريه، بل وله هو أيضاً، حين تُزال بعض تغريداته، أو يوضع حولها إشارة تطلب من المتصفحين التأكد من المعلومات الوارد فيها.

انتهت المعركة ولكن

الآن انتهت هذه المعركة بين ترمب ومنصات التواصل الاجتماعي، لكن ما الذي يمنع تكرارها مع خلفه بايدن؟ ألا يمكن لزوكربرغ ودورسي أن يقررا في لحظة ما أن تصريحاً أو تغريدة أو منشوراً لبايدن يخالف القواعد المعتمدة في منصيتهما؟ وما الذي يمنع طالما أن أمر تحديد ما هو مسموح أو ممنوع يعود لهما؟

إذن، العالم لم يعد يُدار من رؤساء دول وسياسيين فازوا في انتخابات ديمقراطية نزيهة وعادلة فحسب، بل، أيضاً عبر مديري منصات التواصل الاجتماعي الذين باتوا يملكون القدرة على منح أو منع شخص مهما علا منصبه أو تواضع عمله إبداء رأيه. وهو أمر ذات تأثير كبير في مسار اتخاذ القرار في إدارة العالم التي يبدو أنها ستتأطر في أيد قليلة، منها أيدي مديري العالم الافتراضي أصحاب منصات التواصل الاجتماعي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير