Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى متى سيمكننا الاستمرار في تناول الأسماك بعد بريكست؟

تلاشى معظم الحياة البحرية في مياه بريطانيا التي تضررت من أساليب الصيد التجارية. وثمة من يرغب في النيل مما تبقى منها

يشكل الصيد البحري مصدر رزق لكثير من البريطانيين (غيتي)

قد لا يكون ممكناً رؤية الدمار الكامن تحت الأمواج، لكن محيطاتنا التي اتسمت بالسخاء في وقت سابق، بات المشهد فيها أشبه بحطام مروّع.

وترى "جمعية الحفاظ على الحياة البحرية" في بريطانيا أن نشوء ظاهرة الصيد الصناعي والتقنيات المدمّرة بيئياً كعمليات التجريف أو استخدام شباك جرّافة في قاع البحر أو التقنيات التي تستخدم تيّارات كهربائية، يعني أننا قد اصطدنا وقضينا على حوالى 90 في المئة من الكمية الهائلة للحياة البحرية التي طالما توافرت في المياه المحيطة ببريطانيا.

وكذلك تحضّ تلك المنظمة البيئية السلطات المعنية في الوقت الراهن، على فرض حظر على الصيد بشباك الجرّ عبر قاع البحر، وهي الطريقة الرئيسية المستخدمة في صيد الأسماك، بما فيها سمك القُدّ، والحدّوق، وموسى والراهب والورنك والنازلي والترس.

وحتى مع توافر التكنولوجيا الأكثر تطوّراً التي يمكن تخيلها في اكتشاف الأسماك، لا يمكننا الآن العثور على الأنواع التي كان من الممكن صيدها بسهولة قبل حوالى قرنٍ من الزمن، وذلك بكل بساطة لأنها نضبت.

وقد توصلت دراسة نشرتها مجلة "نايتشر" Nature في 2010، إلى أن حجم الإفراغ السنوي للأسماك في المرافىء لكل سفينة صيد، ويُعتَبَر مقياساً عن الإنتاجية التجارية في صيد الأسماك، قد هبط نزولاً بـ94 في المئة في المملكة المتحدة منذ 1889.

وقبل تلك الدراسة بحوالى سبعة أعوام، ظهرت ورقة بحثية مماثلة في المجلة المرموقة نفسها تحديداً في 2003، وحذرت من أنه "على الصعيد العالمي، اختفى حوالى 90 في المئة من الأسماك الكبيرة". ووصف واضعو البحث النتائج التي توصلوا إليها بأنها "أشبه بفسيفساء عالمية كئيبة تتطلب اتخاذ تدابير فورية".

وعلى الرغم من التحذيرات التي لا تحصى في هذا المجال، لم تتمكن البشرية من كبح جماح رغبتها التي لا تنضب في صيد الأسماك، وكذلك لم تتراجع أنشطة الصيد في القرن الحادي والعشرين قيد أنملة بل تكثّفت. إذ أصبحت القوارب أكبر، وارتفع الطلب بشكل كبير، وتزايد التأثير المدمّر على البحار فصار أشبه ببرنامج إبادة صناعية مرعبة.

وتتمثّل النتيجة اليوم في موجة من سفن الصيد العملاقة القادرة على التقاط الأسماك بشباكها وضخّها على متنها عبر أنابيب تقوم بمعالجتها وتجميدها. وقد لا تُضطر هذه السفن الضخمة التي يزيد طولها على مئة متر إلى العودة إلى المرافئ على مدار أشهر عدة في كل مرة، وباتت الآن الأكثر انتشاراً حول السواحل البريطانية، حتى في ما تسمى "المناطق البحرية المحمية".

وتستطيع تلك السفن أن تسحب مئات الأطنان من الأسماك من البحر يومياً. ومع امتلاكها شباك يصل طولها إلى أكثر من كيلومتر ونصف، بإمكانها أن تلتقط أعداداً لا تعد ولا تحصى منها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال 2019، أمضت هذه السفن العملاقة قرابة 3 آلاف ساعة في الصيد في المناطق البحرية المحمية في المملكة المتحدة، إضافة إلى اصطياد أكثر من ألف خنزير بحر من طريق الخطأ، الأمر الذي أدى إلى نفوقها في شباكها.

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أعلن فيما قبل أن نشاط هذه السفن، وكثير منها مسجل في دول الاتحاد الأوروبي، يمكن أن يُحظر داخل مياه المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه وفقاً لشروط الاتفاق الموقّع مع بروكسل، يتعين أن يشمل ذلك الإجراء أيضاً سفن الصيد العملاقة المسجلة في المملكة المتحدة.

لكن لم يجر تأكيد هذا الحظر حتى الآن. وقد منحت "منظمة الإدارة البحرية" تراخيص مؤقتة إلى ما لا يقل عن سبع سفن عملاقة كي تواصل أنشطة الصيد في مياه المملكة المتحدة.

لا شك أن السفن العملاقة مصدر التهديد الكبير الوحيد للتنوع البيولوجي. إذ تعتبر عمليات التجريف للمحار الصدفي عملية مدمرة بشكل فريد، وسيئة بالنسبة إلى موائل الأسماك المتضررة أكثر من أعمال جر الشباك عبر قاع البحار.

وفي غالب الأحيان، تستهدف عمليات تجريف المحار الصدفي في المياه الأوروبية، الأنواع الكبيرة من ذلك المحار، يعرف باسم "الإسقلوب الملكي" الذي يحفر عميقاً في الرمال والترسّبات، ويتطلب جرفه من قاع البحر استخدام السلاسل. ومن شأن هذه العملية أن تقضي على الشعاب المرجانية الرقيقة النابضة بالأنواع الحية كأصناف أخرى المحار الأخرى والمرجان والإسفنج والأعشاب البحرية، إضافة إلى الموائل الحيوية التي تضع فيها أسماك متنوعة بيوضها.

إذاً، ماذا عن مزارع الأسماك؟ في 2018، أُغلِقَ آخر مصائد أسماك السلمون البري في اسكتلندا، على امتداد نهر "سباي" بسبب وجود عدد قليل جداً من الأسماك التي يمكن صيدها فيه. ونتيجة هذا الإغلاق، تُربّى الآن جميع أنواع السلمون الاسكتلندي في مزارع سمكية.

ويتمثل أحد أبرز الأسباب وراء ندرة سمك السلمون الآن في أنهار اسكتلندا، في الانتشار الحديث للقمل البحري (حشرات صغيرة تتغذى من الأسماك) الذي شهد انتشاراً واسعاً في المزارع، وانتقل بسهولة إلى تجمعات الأسماك البرية.

ويتعرض قطاع تربية الأسماك في الوقت الراهن لضغوط هائلة ترتبط بطريقة التعامل مع الطفرات المفاجئة لتلك الحشرات التي تؤثر على مخزونه من الأسماك، في حين أصبحت حوادث النفوق الجماعي مسألة شائعة أيضاً بسبب تكاثر الطحالب في المياه شديدة الاحترار.

وفي وقت سابق، كشفت "موي"، أكبر شركة تعمل في مزارع سمك السلمون في العالم، عن أن كمية أسماك السلمون المنظفة (المفرغة من الداخل) التي تنتجها من المياه الاسكتلندية، قد انخفضت بـ36 في المئة خلال سنة، وأرجعت السبب في ذلك إلى انتشار قمل البحر وتفشّي الأمراض.

وما زال يتعين إطعام أسماك المزارع إلى حد كبير بأسماك أخرى. ووفق ما بات معروفاً، يتكون عادة مسحوق السمك من أسماك منخفضة الجودة، ومخلفات عولجت من قبل صناعة صيد الأسماك بشكل متزايد وتكون ممزوجة بزيوت ومكونات بروتينية أخرى عالية القيمة، تستخرج من الأسماك نفسها.

ويلجأ مزارعو الأسماك على نحو متزايد، إلى بدائل من الخضروات كزيت فول الصويا وزيت بذور اللفت، بهدف تعويض البروتينات والزيوت المفقودة.

ومن الطبيعي أن يكتسب سمك السلمون لوناً رمادياً باهتاً من جراء عمليات الاستزراع. ولذا، بهدف الإبقاء على اللون البرتقالي الداكن الذي يرغب فيه المتسوقون، تغذى الأسماك بمكملات مصممة بهدف تحسين مظهر الأسماك على مناضد العرض في محلات السوبرماركت.

 

وعلى الرغم من هذه الصورة العامة القاتمة، أكد سام ستون رئيس قطاع صيد الأسماك وتربية الأحياء المائية في "جمعية الحفاظ على البحار" في تصريح إلى صحيفة "اندبندنت"، أنه ما زال ممكناً للمستهلكين اعتماد خيارات المأكولات البحرية التي لها تأثير ضئيل على البيئة.

وأشار إلى أن "الدليل الإرشادي للأسماك الصالحة" يتيح للمستهلكين اعتماد خيارات مدروسة مستندة على المعرفة، ويمكّنهم من اتخاذ القرار الملائم". وأوضح أنه بهدف اختيار الأنواع الأقل تأثيراً في البيئة، يُفترض بالمستهلكين البحث عن المأكولات البحرية المصنّفة 1 (من 5) باعتبارها تشكل "أفضل التصنيفات" المحددة في الدليل".

وأضاف ستون أن ذلك "يشمل المحارات الآتية من مزارع الأسماك كبلح البحر والمحار والمحار الصدفي، إضافة إلى منتجات بعض المصائد الطبيعية التي تدار بشكل جيد كسمك النازلي والقدّ الحائزة شهادة "مجلس الإشراف البحري" Marine Stewardship Council، وسمك الكولي (ينتمي إلى فصيلة القدّ) من أيسلندا، إضافة إلى غيرها من المصائد الأخرى".

وأشار ستون إلى أنه "يمكن أيضاً لمستهلكي المأكولات البحرية التأكد من الطريقة المستخدمة في الصيد، خصوصاً لجهة استعمال تقنيات معينة يكون لها تأثير أقل على الأصناف البحرية الأخرى، كتلك التي يجري اصطيادها إما بصنارة اليد، أو بالقصبة والخيط، أو الأوعية والمصائد، أو بواسطة الغوص".

لكن ثمة بارقة أمل في الجهود المبذولة من بعض أجزاء من صناعة صيد الأسماك، بأمل الحفاظ على استدامة أجزاء من قطاع صيد الأسماك البريطانية، في وقت لا تواجه جميع مزارع الأسماك المشكلات المشار إليها أعلاه. في المقابل، لا يزال الطلب على المأكولات البحرية أعلى بكثير مما يمكن لتلك الجهات أن تعوّضه.

تفرغ البحار من ثروتها، وتعاني مجموعة كبيرة من مزارع تربية الأسماك أوضاعاً مروّعة. بالتالي يبرز سؤال عن الزمن الذي يمكننا الاستمرار في طلب الأسماك على مائدة الطعام!

© The Independent

المزيد من اقتصاد