Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يفهم الخلاف الدستوري في شأن قدرات نائب الرئيس الأميركي؟

دور بنس "بروتوكولي بحت" وليس أمامه سوى اللجوء إلى التعديل الـ 25 للدستور إذا رغب في تنحية ترمب

عرف عن بنس نائب الرئيس الأميركي ولاءه المطلق لترمب طوال السنوات الأربع الماضية (رويترز)

في الوقت الذي كان فيه مناصرو الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب يستعدون للزحف باتجاه الكابيتول، حيث مباني الكونغرس المقرر لها أن تشهد آخر المحطات الإجرائية لتقنين فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة مساء أمس الأربعاء، ارتسمت ملامح خلاف قانوني ودستوري في المشهد الأميركي حول صلاحيات نائب الرئيس مايك بنس وقدرته، سواء في ما يتعلق برفض إقرار فوز بايدن خلال جلسة تصويت الكونغرس على نتائج المجمع الانتخابي بصفته رئيساً لمجلس الشيوخ، أو قدرته على تنحية ترمب نفسه المتشبث بمنصبه، وفق ما دعا إليه نواب في الكونغرس.

وبين قدرة بنس على قلب نتائج الانتخابات والوقوف بالاتجاه الصائب ضد دعاوى تزوير الانتخابات، بحسب ما أصرّ ترمب حتى في اللحظات الأخيرة، والإقرار بعزمه تسليم السلطة اليوم الخميس بعد جلسة تصويت الكونغرس لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، واللجوء إلى تفعيل التعديل الـ 25 من الدستور لإقصاء الرئيس من السلطة، دخلت علاقات ترمب ونائبه في تصادم بعد أربع سنوات قضاها الرجلان في البيت الأبيض، عُرف فيها بنس بولائه المطلق للرئيس، فكيف يمكن فهم التجاذب الدستوري والقانوني في واشنطن بعد مشهد اقتحام المتظاهرين مبنى الكابيتول للمرة الأولى منذ العام 1814 عندما أحرقه البريطانيون خلال حرب 1812، بحسب المؤرخين، واستمرار فوضى تداعيات الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حيث الاقتراع على ساكن البيت الأبيض لأربع سنوات جديدة؟

أية صلاحيات يملكها نائب الرئيس؟

وفق الدستور الأميركي، تنحصر أدوار نائب الرئيس، ثاني أرفع منصب حكومي في الولايات المتحدة، بشكل أساسي في دورين، هما أن يكون رئيساً لمجلس الشيوخ (لا يصوت إلا عند حدوث تعادل في الأصوات لترجيح إحدى الكفتين)، وأن يكون الأول في تسلسل الخلافة الرئاسية في حال عزل الرئيس من منصبه أو استقالته أو وفاته، بحيث تؤول سلطات الرئيس وواجباته إلى نائبه.

وتنص المادة الثانية في الدستور على أنه "في حال إقالة أو وفاة أو استقالة الرئيس أو عدم قدرته على تولي مهماته والقيام بواجباته، يعهد بهذه المهمات إلى نائبه". وفي التعديل الـ 25 للدستور عام 1967، فإنه "في حال إقالة أو وفاة أو استقالة الرئيس يصبح نائبه رئيساً"، الذي بات اختياره في الأساس يتطلب توفر المواصفات نفسها المطلوبة من الرئيس، أي أن يكون مواطناً أميركياً مولوداً في الولايات المتحدة، وألا يقل عمره عن 35 عاماً، وأن يكون أقام في أميركا 14 عاماً على الأقل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسمح التعديل للنائب بأن يحل مؤقتاً مكان الرئيس في حال حصول عقبات مؤقتة، كما حدث في يونيو (حزيران) 2002 ويوليو (تموز) 2007، حين عهدت إلى ديك تشيني لساعات سلطات الرئيس عندما كان جورج بوش الابن يخضع لعملية جراحية.

وعلى الرغم من أن الدستور لا يمنح رسمياً أي دور تنفيذي للنائب، فإن هناك مهمات يكلفه بها الرئيس، فإلى جانب دوريه الرئيسين، يعد النائب عضواً في مجلس الأمن القومي ومستشاراً للرئيس، ويحضر اجتماعاته مع الوزراء.

وبالعودة إلى التاريخ الأميركي قليلاً، نجد أن أهمية منصب نائب الرئيس تطورت عبر الزمن وتعاقب الرؤساء. ففي القرنين الـ 19 والنصف الأول من القرن الـ 20، كان نائب الرئيس مسؤولاً تشريعياً بالدرجة الأولى، إذ تركز وجوده بالحضور في مجلس الشيوخ، والابتعاد قليلاً من الأعمال التنفيذية.

وفي عهد الرئيس داويت أيزنهاور، بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت ملامح التغيير الشكلي تظهر على منصب نائب الرئيس حينها ريتشارد نيكسون، وبدأ يتطلع إلى مهمات تنفيذية أكبر، وكذلك ارتباط بالتغيرات في الحياة الأميركية والسياق العالمي المرتبط بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً.

وبحسب ما كتبه أستاذ القانون في جامعة سانت لويس الأميركية، جويل ك. غولدستاين، في كتابه المعنون بـ "نيابة الرئاسة في البيت الأبيض"، فإن نائب الرئيس اكتسب على عكس ما كان عليه الأمر سابقاً دور مستشار رئاسي، إذ يحظى بقدر كبير من التمثيل والصدقية. كما يعد المنصب في أغلب الأحيان ممراً إلى الرئاسة، إذ تمكن 14 نائباً من الوصول إلى سدة الرئاسة، بينهم تسعة بعد استقالة الرئيس أو وفاته.

هل كان بنس قادراً على قلب النتائج؟

على وقع الخلاف القانوني بين ترمب وبنس في شأن طلب الرئيس من نائبه عدم تمرير تصديق الكونغرس على نتائج المجمع الانتخابي التي أظهرت فوز بايدن، أوضح مشرعون أميركيون أن النائب "لا يملك قدرة قلب النتائج"، حتى في ظل اعتراض نواب جمهوريين على نتائج الانتخابات قبل جلسة الكونغرس أمس الأربعاء.

وبالتوازي مع صلاحيات نائب الرئيس، استبق بنس جلسة الكونغرس بإعلان أنه "لن يعارض المصادقة على فوز بايدن"، مبرراً الأمر بـ "قيود" يفرضها الدستور. وذلك على الرغم من طلب ترمب الذي يرفض الاعتراف بهزيمته من بنس الذي يترأس هذه الجلسة.

وبموجب الدستور، فإن دور بنس بروتوكولي بحت، فهو يقوم على فتح الشهادات المرسلة من الولايات الأميركية الـ 50 لنقل أصوات الناخبين الكبار، ووحدهم أعضاء الكونغرس يمكنهم الاعتراض على النتائج.

ووفقاً للقواعد المتبعة، لم يكن أمام أعضاء الكونغرس سوى الانسحاب إلى قاعة المجلسين، لمناقشة الأمر لساعتين كحد أقصى، وسيصوتون بعد ذلك على المصادقة على النتائج التي تحتاج إلى معظم أصوات بسيطة. وينبغي إقرار الاعتراضات في المجلسين لاعتمادها، لكنها لا تملك أية فرصة في ذلك، لأن الديمقراطيين يسيطرون على مجلس النواب.

وبينما كانت تمثل تلك الجلسة في السابق إجراءً رمزياً، حيث يجري فيها تقنين النتائج التي أعلنت يوم الاقتراع، وانعكست على تصويت المجمّع الانتخابي، تتزامن هذه المرة مع إصرار ترمب على رفض نتائج الانتخابات ووصفها بـ "المزورة"، فضلاً عن حثه أعضاء الكونغرس "على تصويب المسار الديمقراطي"، وذلك في وقت أعلن فيه عدد من النواب الجمهوريين رفضهم بالفعل النتائج.

ويعتبر الدستور الأميركي أن جلسة تصديق الكونغرس هي الخطوة الأخيرة في مسار السباق نحو البيت الأبيض قبل تنصيب الرئيس الجديد للبلاد، أو تمديد فترة الرئيس المنتهية ولايته أربع سنوات أخرى، وهي عمر الولاية الرئاسية.

ووفق تقارير أميركية، كان من المستبعد قلب نتائج المجمع الانتخابي لمصلحة ترمب. تقول شبكة "سي.إن.إن"، إن الأمر يتطلّب تصويت مجلسي الكونغرس (الشيوخ والنواب) معاً برفضها، وهو أمر مستبعد في ظل احتفاظ الديمقراطيين بالغالبية النيابية، فضلاً عن اعتراف عشرات النواب الجمهوريين بنتائج الانتخابات وإقرار فوز بايدن.

وفي المقابل، ووفق النائب الجمهوري غوميرت في دعواه القضائية، فإن بنس يتمتع بسلطة اتخاذ قرار حيال النتيجة، بحسب ما نقلت مجلة بوليتيكو، معتبراً أن الدستور في هذه الحالة يمنح للنائب "السلطة لاتخاذ الإجراء الذي يراه مناسباً".

وبحسب غوميرت، فإنه يحق لبنس "عدّ أصوات الناخبين المصادق عليها من قبل المسؤولين التنفيذيين بالولاية، أو بإمكانه تفضيل قائمة منافسة من الناخبين المؤهلين بالشكل المطلوب"، وكذلك "تجاهل جميع الناخبين من ولاية معينة. هذه السلطة الممنوحة له من قبل الدستور".

غير أنه ووفق ما نقلت شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، فإن محاميّ بنس طالبوا أحد القضاة الفيدراليين برفض الدعوى التي تقدم بها غوميرت، بحجة أن القضية يجب أن تكون موجهة إلى مجلسي النواب والشيوخ لا إليه، إذا كان رفعها لا بد منه.

وقال بنس، في ملف اعتراضه على الدعوى القضائية، "تقدم المدعون إلى هذه المحكمة بمذكرة طارئة تثير مجموعة من القضايا القانونية المهمة في شأن طريقة عد الأصوات الانتخابية". وأضاف، "لكن دعوى المشتكين ليست وسيلة مناسبة لمعالجة هذه القضايا، لأن المدعين قاضوا المدعى عليه الخطأ".

وعلى حد تعبير غوميرت، فإن التعديل الـ 12 للدستور "يعهد إلى بنس بشكل جلي بجميع الصلاحيات والحقوق لتحديد أي من أصوات المجمع الانتخابي يجب احتسابها".

 

ضغوط تعرض لها بنس

ووفقاً لتقرير مطول لصحيفة "واشنطن بوست"، تعرض بنس على مدى الأسابيع الأخيرة لـ "ضغوط شديدة" من الرئيس ترمب وبعض السياسيين الجمهوريين والمؤيدين المتشددين لعرقلة إجراءات إعلان فوز الرئيس المنتخب جو بايدن.

وأوضحت الصحيفة أن بعض أنصار ترمب المتشددين قالوا إن بنس "سيكون خائناً" إذا لم يعرقل الإجراءات بطريقة ما، مشيرة إلى أنه لا توجد طريقة واضحة لفعل ذلك حتى لو أراد، لكن مثل هذه المطالب تزيد من الضغط عليه، ومن غير المرجح أن يفلت من غضبهم أو غضب ترمب.

ونقلت عن الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة سانت لويس، غويل غولدشتاين قوله، "ربما يقول ترمب لبنس اذهب وأعلن إعادة انتخابنا". مضيفاً أن احتمال انخراط النائب في مثل هذا "سلوك يهدد دعامة المؤسسات الديمقراطية في البلاد".

وبحسب الصحيفة ذاتها، فقد حضر بنس الأسبوع الماضي اجتماعات في البيت الأبيض مع الجمهوريين المحافظين في مجلس النواب، الذين أعلنوا عزمهم الطعن في النتائج خلال جلسة الكونغرس المشتركة. وقال شخص مطلع، إن نائب الرئيس قال لهم إن واجبه الدستوري سيكون "فتح وعد النتائج، لا تحديد شرعيتها".

وذكرت "واشنطن بوست" أن ما يطالب به ترمب وأنصاره "يعد سوء فهم" لما ورد في قانون الولايات المتحدة الذي يحصر دور نائب الرئيس في حثّ أي ولاية على إرسال أصواتها الانتخابية على وجه السرعة، إذا لم تقدمها بحلول الرابع من ديسمبر (كانون الأول)، ولا يعطيه سلطة رفض أي تصويت انتخابي.

ماذا عن احتمالات تنحية الرئيس؟

وفق وسائل إعلام أميركية، فإن عدداً من الوزراء في إدارة ترمب ناقشوا إمكان تنحيته، بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول لتعطيل جلسة المصادقة على نتيجة الانتخابات الرئاسية التي خسرها ويرفض الإقرار بنتيجتها.

ونقلت ثلاث محطات تلفزيونية، "سي.إن.إن" و "سي.بي.إس" و "إيه.بي.سي"، عن مصادر لم تسمّها، أن الوزراء بحثوا إمكان تفعيل التعديل الـ 25 للدستور الأميركي، الذي يسمح لنائب الرئيس ومعظم أعضاء الحكومة بأن "يقيلوا الرئيس إذا ما وجدوا أنه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه". ويتطلب تفعيل هذا التعديل أن تجتمع الحكومة برئاسة نائب الرئيس للتصويت على قرار تنحية ترمب.

وقالت "سي.إن.إن" على لسان مسؤولين جمهوريين لم تسمّهم، إن الوزراء ناقشوا فكرة تفعيل التعديل الـ 25 بعدما اعتبروا أن ترمب أصبح "خارج السيطرة". وبدورها ذكرت "إيه.بي.سي" عن مصادر عدة أن مناقشات جرت في شأن هذه الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة. لكن "سي.بي.إس" أكدت أن الأمر لا يزال مجرد فكرة قيد البحث، وأنه لم يجر تقديم أيّ شيء رسمي إلى بنس.

وانقلب كثير من حلفاء ترمب عليه بعد أن اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس في واشنطن، إيماناً منهم بما يكرره دوماً من أن الانتخابات الرئاسية "سُرقت" منه، وذلك بعد أن أثارت أعمال العنف التي جرت الأربعاء وطريقة تعامل الرئيس معها، وتمسّكه بمزاعم لا أساس لها من الصحة بأنه خسر الانتخابات الرئاسية، وغير ذلك من السلوكيات الغريبة، تساؤلات حول القدرات الذهنية للرئيس الأميركي على إكمال الأسبوعين الباقيين من ولايته.

وأرسل جميع النواب الديمقراطيين الأعضاء في لجنة العدل النيابية رسالة إلى بنس يطالبونه فيها بتفعيل التعديل الـ 25 "دفاعاً عن الديمقراطية"، معتبرين في رسالتهم أن ترمب غير قادر على التعامل مع نتائج الانتخابات.

وبموجب التعديل الـ 25 لدستور الولايات المتحدة، يمكن لنائب الرئيس وغالبية أمناء مجلس الوزراء إعلان ترمب "غير قادر على الاضطلاع بصلاحيات وواجبات مكتبه"، وإقالته من منصبه، بحسب وسائل إعلام أميركية.

وجاء التعديل الـ 25 الذي أقرّ العام 1967، بعد سنوات قليلة من اغتيال الرئيس جون كينيدي، لتوضيح كثير من القضايا المتعلقة بخلافة الرئيس ونائبه، وكيفية التعامل مع عدم قدرتهما أو صلاحيتهما للحكم. ووفقاً للفقرة الرابعة من هذا التعديل، يحق لنائب الرئيس وغالبية أعضاء الإدارة من الوزراء، أن يعلنوا وفقاً للقانون وبشكل كتابي، أن الرئيس غير قادر على ممارسة صلاحياته وواجباته في السلطة. وإذا وصل هذا الإعلان المكتوب إلى رئيس مجلس النواب والرئيس المؤقت لمجلس الشيوخ، حال غياب نائب الرئيس الأميركي، يتولى نائب الرئيس السلطة كقائم بأعمال الرئيس.

ومع ذلك يحق للرئيس العودة إلى تولي السلطة بعد أن يُخطر مجلسا النواب والشيوخ بعدم وجود ما يحول دون ممارسة صلاحياته، لكن إذا اعترض خلال أربعة أيام نائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة على ذلك، يجتمع الكونغرس بمجلسيه خلال 48 ساعة، ليقرر بأغلبية ثلثي أعضاء كل مجلس على حدة، استمرار نائب الرئيس في عمله، ويجري عزل الرئيس ولا يعود إلى ممارسة سلطاته، أما إذا فشل التصويت في تجاوز نسبة ثلثي الأصوات، فيظل الرئيس في منصبه ويباشر مهماته وصلاحياته.

المزيد من تقارير