كشف تقرير حديث، عن سلسلة من المخاطر التي تواجه الأسواق الناشئة، بسبب الارتفاع القياسي في مستويات الدين الحكومي، إذ تسببت جائحة فيروس كورونا المستجد في اتجاه الحكومات على مستوى العالم إلى الاعتماد على خزائن البنوك المركزية والاحتياطات لتمويل الأنشطة والأسواق خوفاً من الركود العنيف والانهيار المتوقع.
وقالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، إن زيادة قياسية في الدين الحكومي على مستوى العالم ستؤثر في الأسواق الناشئة على نحو غير متناسب، إذ يثير عدم استفادة البلدان النامية من أسعار الفائدة الأقل وأعباء خدمة الدين سبباً للقلق.
ووفقاً لحسابات "فيتش"، فقد ارتفع الدين السيادي العالمي بمقدار 10 تريليونات دولار ليصل إلى 77.8 تريليون دولار أو 94 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذ عززت الحكومات الإنفاق على الصحة ودعمت اقتصاداتها التي عصفت بها تداعيات جائحة كورونا، وخلصت "فيتش" إلى أن متوسط أسعار الفائدة على مجمل رصيد الدين الحكومي انخفض إلى اثنين في المئة من مستوى أربعة في المئة على مدى الأعوام الـ 10 الماضية في الأسواق المتقدمة، أما في الأسواق الناشئة، فقد ارتفع متوسط أسعار الفائدة من مستوى 4.3 إلى نحو 5.1 في المئة.
لم يكن أمام الحكومات سوى خيارين فقط
الوكالة الدولية، توقعت أن تقارب مدفوعات الفائدة لحكومات الأسواق المتقدمة والناشئة نحو 860 مليار دولار بحلول 2022 على الرغم من أن دين الأسواق المتقدمة يبلغ ثلاثة أمثال نظيره في الأسواق الناشئة، وأشارت إلى أنه مع الزيادة السريعة في الدين الحكومي في الأسواق الناشئة، ينبغي أن يكون هذا سبباً للقلق، وكان عاملاً مساهماً في أزمة دين في أسواق ناشئة عدة في 2020.
وارتفعت مدفوعات الفائدة الحكومية إلى مثليها بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي والإيرادات منذ 2012، وبينما كانت أرقام الدين السيادي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء "مروعة"، فإن معدل مدفوعات الفائدة كحصة من الإيرادات ارتفع إلى مستوى 12 في المئة من نحو خمسة في المئة خلال الفترة نفسها، وشهد العام 2020 تخلف خمسة بلدان عن سداد ديونها السيادية هي الأرجنتين والإكوادور ولبنان وسورينام وزامبيا، وتوقعت الوكالة أن يتخلف المزيد من البلدان عن السداد خلال العام 2021.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال خبير الاقتصاد الكلي، عماد كمال، إن الأزمة الصحية التي واجهت العالم خلال 2020 وضعت كل الحكومات أمام خيارين، إما الاعتماد على خزائن البنوك المركزية، أو اللجوء إلى الاقتراض لا سيما مع استمرار إغلاق الاقتصاد في كل دول العالم أشهراً عدة، ما تسبب في خسائر ضخمة، وأشار إلى أن كل المعطيات التي ظهرت خلال العام الماضي، تؤكد أن العالم على أزمة مع ديون ثقيلة تحتاج سنوات عدة للتخلص منها حتى يتم التمكن من العودة إلى مستويات ديون آمنة، لكن حتى الآن، وعلى الرغم من بدء توزيع اللقاح، فإن تهاوي كل الأنشطة الاقتصادية تسبب في تراجع الناتج المحلي الإجمالي لعدد كبير من الدول، لذلك من المتوقع أن تواصل بعض الحكومات الاعتماد على الاقتراض لتمويل الأنشطة والعجوزات الضخمة المتوقعة في موازناتها للعام الحالي.
وأوضح كمال أنه بالنظر إلى حجم التراجع في احتياطات البنوك المركزية على مستوى العالم، يتبين حجم الأزمة، إذ تسببت الجائحة الصحية في التهام نسب كبيرة، وغير مسبوقة، خلال أشهر عدة، من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية في عدد كبير من الأسواق الناشئة.
إلى هذا المستوى المرعب سيصل الدين العالمي
في وقت سابق، توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال"، أن يبلغ الدين العالمي 200 تريليون دولار، أو ما يعادل 265 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي العالمي، بحلول نهاية العام 2020، وأشارت إلى أن الدين العالمي سجل زيادة 14 نقطة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بعدما تضخم بفعل التراجع الاقتصادي الناجم عن كورونا، والاقتراض الزائد الذي اضطرت الحكومات والشركات والأسر إلى اللجوء إليه.
التقرير أشار إلى أن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي تتجه للارتفاع منذ سنوات عدة، ببساطة الجائحة تفاقم هذا الأمر، لكن على الرغم من القفزة الكبيرة والموجة المتوقعة من حالات التعثر في السداد في السنة المقبلة، لا تظن الوكالة الدولية أن أزمة كبيرة ستحل في هذه المرحلة.
وأوضح التقرير أيضاً أن الزيادة المتوقعة البالغة نحو 14 في المئة في الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2020، من المستبعد أن تسبب أزمة ديون في الأمد القريب، بافتراض تعافي الاقتصادات، وتوزيع لقاحات على نطاق واسع، واعتدال سلوك الاقتراض، وشدد على أنه إذا عاد الاقتصاد العالمي للنهوض مجدداً بعد الجائحة، فإن نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب أن تتراجع مجدداً إلى 256 في المئة بحلول العام 2023.
الأزمة تلحق الأسواق المتقدمة أيضاً
ربما تطال الأزمة الأسواق المتقدمة، وكشفت وكالة "بلومبيرغ"، أن أكبر الاقتصادات في العالم التي تتحمل أعباء ديون قياسية، توشك على أن تواجه إرثاً غير مرحب به من الأزمة المالية، إذ من المتوقع أن تبلغ فاتورة الدين نحو 13 تريليون دولار.
وأشارت "بلومبيرغ" إلى أن مجموعة الدول السبع، بالإضافة إلى الأسواق الناشئة الرئيسة، تواجه أثقل آجال استحقاق السندات منذ عقد على الأقل، ومعظمها قروض لإخراج اقتصاداتها من أسوأ ركود منذ الكساد الكبير، وقد تحتاج هذه الحكومات إلى تمديد ديون تزيد بنسبة 51 في المئة عن العام 2020.
وتُعد احتياجات إعادة التمويل هي الأكبر في الولايات المتحدة، إذ إن استحقاقات الديون تصل إلى 7.7 تريليون دولار، تليها اليابان بـ 2.9 تريليون دولار، ومن المرجح أن يستمر صانعو السياسات باتّباع سياسة متساهلة في ظل إبقاء تكاليف الاقتراض مُنخفضة.
ووفق "بلومبيرغ"، ارتفعت الديون في الصين إلى 577 مليار دولار من 345 ملياراً العام الماضي بنسبة زيادة تبلغ نحو 67.24 في المئة. وفي أوروبا، تمتلك إيطاليا أكبر فاتورة بقيمة 433 مليار دولار، تليها فرنسا بقيمة 348 ملياراً، وارتفعت ديون ألمانيا من 201 مليار دولار خلال العام 2019 إلى نحو 325 ملياراً خلال العام الماضي مسجلة زيادة نسبتها 63.68 في المئة.